عرب وعالممقالات

ما وراء مذكرات التفاهم التركية في ليبيا

بقلم: عبد الستار حتيتة

الخطوة التي قامت بها تركيا يوم الاثنين الماضي، بتوقيعها مذكرات تفاهم مع الجانب الليبي ممثلاً في الحكومة منتهية الولاية، أمر مقلق لعدد من دول المنطقة. ورئيس الحكومة منتهية الولاية في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، يبدو أنه باق، هو أو مجموعته على الأقل، ما يعني أن السياسات التركية المرفوضة من جانب بعض دول المنطقة، سوف تستمر في شمال أفريقيا والبحر المتوسط.

الصراع في ليبيا، يؤدي إلى ضعف الدولة. ومن بوابة هذا الضعف تتدخل العديد من الأطراف لتحقيق مصالحها على حساب الآخرين. ومن مستويات الصراع في ليبيا ما هو دولي، وما هو إقليمي، وما هو محلي أيضاً. وتحاول تركيا استغلال المتناقضات الموجودة.   

يمكن تلخيص الصراع الدولي من خلال مراقبة التنافس الغربي الروسي في هذا البلد الأفريقي الغني بالنقط والغاز. ولليبيا موقع جغرافي مهم يطل على حوض البحر المتوسط وما فيه من ثروات طبيعية، وما يعرف عن وقوعه على المياه الدافئة وعن قربه من السواحل الأوربية أيضاً.

تريد أمريكا ومن معها من دول غربية منع الروس من التواجد في ليبيا، ولهذا يمكن فهم ما يعنيه الغرب حين يتحدث عن المرتزقة الأجانب. إنه يعني الروس وشركة فاجنر، ولا يلتفت كثيراُ إلى موضوع المرتزقة الذين جلبتهم تركيا، ولا إلى القوات الأجنبية الموجودة في شمال غرب ليبيا.    

الصراع الإقليمي، موجود بين داعمي الدبيبة وباشاغا. وحدثت تحولات مهمة في الشهور القليلة الماضية، فيما يتعلق بهذا الخصوص. مثلا.. لديك نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فقد مارس أردوغان ما يمكن وصفه بالسياسة الخارجية المخادعة. بدأ أولاً بطلب رضا عدد من دول المنطقة ودول الاتحاد الأوربي، من أجل حل كثير من المشاكل، بما فيها قضية حرب روسيا وأوكرانيا، إلا أنه، باختصار، مستمر في تنفيذ ما يريد. واستغل الفرصة ووقع يوم الاثنين مذكرات تفاهم مع الدبيبة أغضبت بلاداً عربية وأوربية، منها مصر واليونان.      

بالنسبة للصراع المحلي، ينصب بين تياري الدبيبة، ورئيس الحكومة المنتخبة من البرلمان، فتحي باشاغا. وباشاغا حتى الآن يكتفي بإصدار بيانات الشجب والإدانة ضد إجراءات الدبيبة. ومن بين مناصري باشاغا، البرلمان نفسه، برئاسة عقيلة صالح. إلا أن البرلمان يبدو ضعيفاً، لأنه غير قادر حتى الآن على تحويل معظم مقرراته النظرية إلى واقع عملي.

المهم أن الدبيبة يظهر أنه مستمر في التمكين لنفسه، من خلال مجموعة من العقول التي يعتمد عليها، ومن بينها عقول ليبية وأخرى أجنبية. وتنفذ هذه المجموعة مخططات مدروسة لإضعاف الجبهة المنافسة للدبيبة. فقد تم اختيار رجل الأمن، عماد الطرابلسي، الذي كان محسوباً على جبهة باشاغا في جنوب غرب طرابلس، ليكون وكيلاً لوزارة الداخلية في حكومة الدبيبة. ويجري الآن التشاور لتنصيب وكيل لوزارة الدفاع، ويتردد بقوة اسم المرشح لهذا المنصب، وهو وليد عبد الجليل النقوزي.  

لم يأت وضع اسم النقوزي على قائمة المرشحين لمنصب وكيل وزارة الدفاع، اعتباطاً، بل تم أيضاً بطريقة مدروسة. فهو من شرق طرابلس، وبالتحديد من مدينة مصراتة. ويعد، مثل الطرابلسي، من القيادات العسكرية القادرة على إضعاف جبهة باشاغا حول العاصمة الليبية، ونسج خيوط التواصل مع الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.     

للطرابلسي أهمية كونه موجوداً في العمل العسكري في شمال غرب ليبيا منذ سنوات. كما شغل مواقع أمنية في عدة حكومات. وللنقوزي أهمية كذلك، كونه من قيادات عملية البنيان المرصوص التي شنت الحرب على تنظيم داعش في سرت في 2016، وينظر إليه أيضاً، مثل الطرابلسي، بأن لديه علاقات تحتية مع قيادات عسكرية في شرق ليبيا.

الخلاصة أن توقيع تركيا لمذكرة التفاهم مع حكومة الدبيبة لم يأت من فراغ، ولكن يتزامن معه إجراءات لإبقاء الدبيبة، أو على الأقل مجموعته، أطول فترة ممكنة، لتحقيق الاستفادة القصوى، سواء على الصعيد المالي أو العسكري أو السياسي. وعموماً، في السياسة، قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حتى لو كانت هذه السفن تركية!  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى