مقالات

علاء عبدالحسيب يكتب «اللحظات الأخيرة»: البحث عن «القاتل البريء»! 

هل يمكن أن يكون «القاتل» بريئا؟.. نعم عندما تكون الجريمة هنا غير مقصودة، أو يكون القاتل قد أزهق روحًا دون إصرار أو ترصد، أو قتل نفسًا بالخطأ.. ومتى يكون «القاتل» إنسانًا؟.. عندما يتمسك بقيم الرحمة والإنسانية للتكفير عن ذنبه وجرمه الذي ارتكبه بالخطأ.. لكن في هذه الجريمة «القاتل» كان بلا رحمة رغم كونه بريئًا.

عقارب الساعة كانت تقترب من الثانية عشر ليلًا، حتى قرر «المهندس عصام» الاتصال بنجله «عمر» لاستدعائه بالعودة فورا إلى المنزل.. فقد خرج الشاب منذ ساعات مع أصدقائه إلى منطقة الهرم القريبة من مسكنه لشراء بعد مستلزمات المدرسة ولم يعود.. هاتف الابن كان مغلقا، القلق بدأ يتسلل إلى جسد الأب.. «عمر» شاب مجتهد يحترم الوقت ولم يعتاد التأخر عن منزله لكل هذا الوقت.. لقد قرر الوالد الاتصال بأصدقاء نجله لاستكشاف الأمر.

«لم أصدق ما حدث.. لقد كان صدمة كبيرة لي وللأسرة ولكل أصدقاء ابني.. كلام صديقه زياد كان في البداية غير مفهوما.. تارة يخبرني بأن عمر غارقًا في دمائه ومُلقى على الأرض.. وتارة يخبرني بأن سيارة الإسعاف اقتربت من مكان الواقعة».

 

يروي المهندس عصام تفاصيل ماحدث لنجله قائلًا: « لم أفهم في البداية ما حدث لنجلي.. القلق احتل أركان جسدي.. توصلت بصعوبة خلال المكالمة إلى مكان وجود «عمر» وصديقه.. لقد أخبرني بأنهما أمام البوابة الثانية بمنطقة حدائق الأهرام بالجيزة، والتي لا تبعد كثيرًا عن منزلنا».

 

«عشنا لحظات صعبة جدًا قبل وصولنا إلى مكان الواقعة.. القلق كان يزداد شيئًا فشيئًا كلما اقتربنا من هذا المكان المشؤوم.. كل ما كان يشغلنا هو الاطمئنان على حالة «عمر» ومعرفة ما حدث له.. على بعد خطوات من البوابة الثانية للمدينة شاهدنا سيارة الإسعاف تتحرك وحولها يتجمع عدد كبير من المارة.. سمعنا أحدهم يكرر عبارة “مات الشاب.. مات الشاب”.. لقد نزلت هذه العبارة على مسامعنا كالصاعقة».

 

يستكمل والد الشاب حديثه حول تفاصيل ما حدث لنجله قائلًأ: «لقد عرفنا أن سيارة مسرعة صدمت «عمر» وانصرفت وأن سيارة الإسعاف حضرت لنقله إلى المستشفى» .. روايات الأهالي جميعها أكدت أن قائد السيارة كان يسير بسرعة جنونية على الطريق الرئيسي لمنطقة حدائق الأهرام بالجيزة.. وأثناء عبور الشاب وصديقه الشارع طالت السيارة «عمر» وطرحته أرضًا غارقًا في دمائه دون أن يتوقف قائدها لإنقاذ الشاب أو نقله إلى المستشفى لإنقاذ حياته.. حتى صعدت روحه إلى السماء ومات متأثرًا بجراحه.

 

روايات الأهالي أيضًا لم تتوصل إلى لون أو نوع السيارة وهوية سائقها نظرًا لسرعتها الزائدة وانعدام الرؤية بهذه المنطقة.. «طابور الصباح» بالمدرسة في اليوم التالي من الواقعة كان بدون «عمر» الشاب البالغ من العمر 18 عامًا .. فبدلًا من أن يصطف بجوار أقرنائه من شباب جيله صعدت روحه إلى السماء، وراح ضحية سائق متهور لا يقدر قيمة الحياة.

 

مات «الشاب» متأثرًا بنزيف في المخ، وترك جرحًا آخر ينزف في قلوب أسرته وأصحابه وكل محبيه قبل أن يحقق حلمه بأن يستكمل دراسته ويلتحق بكلية الهندسة أسوة بوالده.. حرر محضر بالواقعة وصرحت النيابة بدفن الجثة، وتكثف أجهزة الشرطة جهودها للتوصل إلى صاحب السيارة المتسبب في الحادث.

 

في النهاية إن الإنسانية ليست سلعة لتباع أو تشترى، بل هي غريزة نابعة من قلب إنسان يقدر قيمة الحياة، ويعلم عظم ذنب إزهاق روح إنسان لا حول له ولا قوة إلا بالله.. فقد ارتكب هنا «القاتل» جريمة قتل خطئًا دون أن يتحلى بأدنى سمات الإنسانية والرحمة.. فبدلًا من أن يتوقف لإنقاذ روح الشاب فر هاربًا وترك الضحية ينزف حتى الموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى