مقالات

الإمام الحسن عليه السلام : نطق بتطهيره الوحي ونطق بفضائله ومقاماته النبي

بقلم : الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.. وبعد.
تمثل الرسالة الإسلامية بكل تجلّياتها الأُسس التي يبتنىٰ عليها المجتمع الإسلامي الصحيح، والتي يرتكز عليها توازن الحياة في نفس الإنسان وعلاقته بمجتمعه وبالحياة كلّها، والانفتاح الفكري والعملي على تلك الرسالة لا يكون من دون الارتباط بالقدوة الرمز من خلال التأثير المباشر بما جسدته سيرته من صور مشرقة على مستوى الكلمة والحركة والموقف. قدوة يعيش الإسلام بروحه وعقله، ويمتلك جميع القيم الإسلامية، ويستوعب جميع امتدادات رسالة التوحيد، مع الفهم الثاقب الذي لا يشتبه في شيء منها، بحيث يكون رسالة تتحرّك على الأرض، وعلماً يتفجّر على الدوام، وحقّاً لا باطل فيه، ووعياً للرسالة وأهدافها ومقاصدها وكأنّه قرآن ناطق ليدلّ على معالم الطريق. ولا خلاف بأن تلك الصفات قد تجسّدت كلّها في شخصية الرسول القائد صلى الله عليه وآله، القدوة الفذّ الذي وقفت السماء لتؤيّده بكل قوّة، حتىٰ استطاع من خلال ذلك القضاء على كل ما خالف التصور الإسلامي الصحيح للرسالة في حياته الشريفة، ولم يكن هناك ثمة اختلاف كبير بين أصحابه صلى الله عليه وآله بفضل شخصيته الفذّة، ووحدة المرجعية آنذاك المتمثّلة في شخصه العظيم في كل شيء، فكان مناراً للهدى في كل حركاته وسكناته صلى الله عليه وآله؛ ولهذا لم يُظْهِر بعض أصحابه في حياته ما أظهروه بعد وفاته صلى الله عليه وآله، لعلمهم بأنّ إشارةً واحدةً منه كافيةٌ لإسقاطهم على مرِّ الجديدين. والدين الخاتِم الذي تكفّل ببيان شخص القدوة، وحمّله ثقل الرسالة ومسؤوليتها، وأمر الناس ـ كل الناس ـ باتّباعه، وحذّرهم من معصيته، لأجل الحفاظ على رسالته الفتية لا يعقل أن يهمل تلك الرسالة بعده، ولا يحافظ على مستقبلها، ولا يعيّن من سيكمل تلك المسيرة، ويهدم كل ما بناه القدوة بترك الأمر للناس في اختيار القدوة الجديد كيفما يشاءون حتىٰ لو لم يمتلك الحدّ الأدنى من شخصية الرسول القائد صلى الله عليه وآله. وإذا كنّا نربأ بالقائد الحكيم أن يهمل أمر رعيته، فحاشا لله أن يهملا ذلك ولرسوله، ومن هنا لم يكن أحد من الصحابة يستفسر عن هذا الأمر الخطير بعد سماعهم وفي مواطن شتّى من سيخلف النبي صلى الله عليه وآله في أُمته، بدءاً من يوم الدار وانتهاءً بمرضه الأخير الذي توفي فيه صلى الله عليه وآله. نعم.. كانوا يعرفون قادتهم بعد نبيهم صلى الله عليه وآله وإنّهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، وإنّهم مع القرآن الكريم ثقلان لا يفترقان حتىٰ يردا على النبي الحوض، وأنهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى، وانهم كباب حطّة من دخله غفر له، وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه منهم، أو لم تكن له بيعة لأحدهم مات ميتة جاهلية، وإن الأرض لا تخلو منهم طرفة عين، وإنهم حجج الله على عباده، وأُمناؤه على وحيه، وهم من أعلى الله تعالى ذكرهم، وأمر بولايتهم، وأوجب الصلاة عليهم، وفرض مودتهم، ومن كانوا من النبي والنبي منهم صلّى الله عليه وعليهم.
ترى فمن عساهم أن يكونوا غير من قال الله تعالى فيهم: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا). بلى.. إنهم عليهم السلام أصحاب الكساء .

وبهذا يمكننا الإقتراب من معالم شخصية من نريد الحديث عنه من أهل البيت عليهم السلام وهو الإمام السبط الحسن عليه السلام، إذ لابدّ وأن تكون شخصيته مجسّدة لعناصر شخصية جده المصطفىٰ صلى الله عليه وآله، وأبعاد شخصية صاحب الولاية الكبرى أمير المؤمنين عليه السلام، وروحانية سيدة نساء العالمين صلوات الله عليهم أجمعين.


لقد وجدنا السبط الأكبر عليه السلام يمثل الطهارة والنقاء في عقله وقلبه وحركته وقوله وفعله، فكان لا يشتكي، ولا يسخط، ولا يبرم حتىٰ من أعدائه، كان حلماً وكرماً وزهداً وتقوى، وكان علماً يتفجّر، فإذا نطق جرت الموعظة والحكمة على لسانه عفواً، وإذا سكت فبلا عيّ بل عن فكر وتأمّل، وكان صلوات الله عليه لا يقول ما لا يفعل، بل يفعل ما يقول وما لا يقول، وكأنه عليه السلام يريد للفعل أن يتحدّث عن نفسه لأنه أبلغ في النفوس من كل واعظ وخطيب. ومن معالم تلك الشخصية الفذّة الرمز أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد غرس في شخصية سبطه الأكبر هيبته وسؤدده، حتىٰ أنه عليه السلام كان إذا جلس بباب داره انقطع الطريق من المارة هيبة له، وكان عليه السلام يحجّ ماشياً فإذا رآه الصحابة لم يملكوا أنفسهم إلاّ أن يترجّلوا، ويسيروا بين يديه ومن خلفه إجلالاً ومهابة له. لقد أكّدت سيرة الإمام الحسن عليه السلام شرعية إمامته وموقعها في حركة الواقع حتىٰ لم تعد بحاجة إلى تلك النصوص الكثيرة التي ألمحنا إلى بعضها، وذلك من خلال الفرص المتاحة له سواء كان في موقع السلطة أو في خارجها، إذ كان هادياً ومعلّماً ومرشداً وناصحاً لكل خير مع الانفتاح على شرائح المجتمع كلها انطلاقاً من موقع القدوة والرمز، الأمر الذي كان يشكّل أكبر خطورة على مطامح ابن آكلة الأكباد في التخطيط لمستقبل السلطة من بعده، فكان المدبّر لفاجعة سم الحسن عليه السلام وشهادته.

الإمام الحسن السبط هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي (15 رمضان 3 هـ – 49 هـ، أو 50 هـ، أو 51 هـ / 4 مارس 625 م – 670 م) ، هو سبط الرسول محمد، وصَحابيّ، وخامس الخلفاء الراشدين عند أهل السنة والجماعة، والإمام الثاني عند الشيعة، أطلق عليه النبي محمد لقب سيد شباب أهل الجنة فقال: «الحسَنَ والحُسَيْنَ سيِّدا شبابِ أَهْلِ الجنَّةِ»، وهو رابع أصحاب الكساء. أبوه علي بن أبي طالب ابن عم النبي محمد، أمه: فاطمة بنت النبي محمد، وقيل إنه أشبه الناس بالنبي .

وكان الإمام الحسن عليه السلام عنوانا مضيئاً في حياة الإنسانية، ومعلماً شامخاً في حركة التاريخ والمسيرة الإنسانية، نطق بتطهيره الوحي، ونطق بفضائله ومقاماته النبي، ولهج بذكره المسلمون من جميع المذاهب، وهو علم الهدى وقدوة المتّقين، عرف بالعلم والحكمة والإخلاص والوفاء والصدق والحلم وسائر صفات الكمال في الشخصية الإسلامية. استقبله رسول الله صلى الله عليه وآله منذ اللحظات الأولى من ولادته فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، وسمّاه بهذا الإسم، وهو اسم لم يكن معروفاً في الجاهلية، وعقّ عنه وحلق شعره، واستمرّ على ملازمته ورعايته وتعليمه وتربيته، وكان يوجّه أنظار المسلمين إلى فضائله ومقاماته. وهكذا كان السبط الأكبر ترعرع في الأجواء النبوية يستمع الوحي والحديث النبوي ويتابع حركات جدّه وسكناته؛ فكان منهجه في حياته منهجاً إيمانياً خالصاً.


وقف عليه السلام مسانداً للحق منذ صباه، وعاش الأجواء السياسية التي غُمطت فيها حقوق أهل البيت عليهم السلام وضح النهار، ابتداءً من اقصاء أبيه أمير المؤمنين علي عليه السلام عن حقه في خلافة الرسول صلى الله عليه وآله، وانتهاءً بموقف الطلقاء منه في خلافته عليه السلام. ومع كل ذلك كان حريصاً على رفعة الإسلام وسموِّه متعالياً على جراحاته، جاعلاً مصلحة الإسلام هي العليا في سياسته والحاكمة على جميع خطواته، حتى قاده ذلك إلى أن يكون الشجى المعترض في حلق معاوية حتى بعد تنازله عن السلطة؛ لكي لا تفهم الأمة أنه عليه السلام وجد الباغي للخلافة أهلاً فسلّمها إليه، وهكذا كان السبط ميزان عدلٍ للحكم على أفكار وممارسات السلطة الباغية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى؛ لأنه مرجع الأمة وإمامها الحق في زمانه.

ولهذا خطّطت السلطة لتغييبه بدسّ السمّ إليه، فاستشهد مسموماً مظلوماً بعد أن أدّى مسؤوليّاته في بناء قاعدة شعبية تواصل مسيرة التكامل والسموّ بقيادة وإمامة ثالث أئمّة أهل البيت عليهم السلام

ولد الإمام الحسن عليه السلام في حياة جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وعاش في ظلّ رعايته وتربيته سبع سنوات وستّة أشهر، وكانت هذه الفترة كافية للسموّ والتكامل والارتقاء إلى أعلى قمم الإيمان والتقوى والصلاح. حيث تلقّى رعاية خاصّة من جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله ابتدأت من اللحظات الأولى لولادته. حيث أذّن رسول الله صلى الله عليه وآله في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ولهذه الممارسة نتائج إيجابية على شخصية الإنسان المستقبلية كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: (من ولد له مولود فيؤذّن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليقم في اليسرى؛ فإنّها عصمة من الشيطان الرجيم).

ومن الطبيعي أن تصل هذه العصمة إلى قمّتها حينما يكون رسول الله صلى الله عليه وآله هو من يفعل ذلك، وبمن؟ بسبطه ابن علي وفاطمة صلوات الله عليهم. وهكذا أحيط الحسن عليه السلام منذ نعومة أظفاره بجميع مقوّمات التربية والتعليم والرعاية النفسية والروحية؛ فأصبح بهذه المقوّمات ـ ومن قبلها الرعاية الإلهيّة ـ معصوماً بإرادته.

عن البرّاء بن عازب قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله حامل الحسن بن علي رضي الله عنهما على عاتقه وهو يقول: اللهمّ إنّي أحبّ حسناً فأحبّه) .

فقد أشار صلى الله عليه وآله إلى هذا الحبّ وهو حامل الإمام الحسن عليه السلام على عاتقه؛ ليُشْعِر المسلمين بأهمية وضرورة هذا الحبّ؛ وهو الذي لا ينطق عن الهوى، فهو حبّ عقائدي يفرض على المسلمين أن يقتدوا بهذا المحبوب المكرّم من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله.
وعن جابر قال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وهو يمشي على أربعة وعلى ظهره الحسن والحسين رضي الله عنهما، وهو يقول: نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما)
وعن عبدالله بن مسعود، قال: (حمل رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن والحسين على ظهره، الحسن على أضلاعه اليمنى والحسين على أضلاعه اليسرى، ثمّ مشى وقال: نعم المطيّ مطيّكما، ونعم الراكبان أنتما وأبوكما خير منكما)

وفي مقام آخر نجد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله يقطع خطبته وينزل عن منبره ليحتضن الحسن والحسين عليهما السلام ويأخذهما معه إلى المنبر؛ لكي يستشعر الصحابة ويستشعر المسلمون مقام هذين السبطين. قال ابن كثير: (وقد ثبت في الحديث أنّه عليه السلام بينما هو يخطب إذ رأى الحسن والحسين مقبلين فنزل إليهما فاحتظنهما وأخذهما معه إلى المنبر، وقال: صدق الله (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)، إنّي رأيت هذين يمشيان ويعثران فلم أملك أن نزلت إليهما، ثمّ قال: إنّكم لمن روح الله وإنّكم لتبجلون وتحبّبون)

ومن مصاديق ومظاهر الاهتمام ما ورد عن أبي هريرة أنّه قال لمروان بن الحكم: (أشهد لخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله حتى إذ كنّا ببعض الطريق سمع رسول الله صلى الله عليه وآله صوت الحسن والحسين وهما يبكيان مع أمّهما، فأسرع السير حتى أتاهما فسمعته يقول لها: ما شأن ابْنَيَّ، فقالت: العطش، قال: فاختلف رسول الله صلى الله عليه وآله إلى شنة يبتغي فيها ماء، وكان الماء يومئذ أغدار، والناس يريدون الماء، فنادى: هل أحد منكم معه ماء؟ فلم يبقَ أحد أخلف بيده إلى كلاَّبه يبتغي الماء في شنة، فلم يجد أحد منهم قطرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ناوليني أحدهما، فناولته إيّاه من تحت الخدر، فأخذه فضمّه إلى صدره وهو يطغو ما يسكت، فأدلع له لسانه فجعل يمصّه حتى هدأ أو سكن، فلم أسمع له بكاء، والآخر يبكي كما هو ما يسكت، فقال: ناوليني الآخر، فناولته إيّاه ففعل به كذلك، فسكتا).

ومن خلال هذه الرواية نجد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد أشبع حاجات الحسن والحسين بنفسه، وأبدى عناية واهتماما بهما أمام مرأى الصحابة ليبيّن عظمة هذين السبطين ومكانتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله.

أهل البيت عليهم السلام عنوان مضيء في حياة الإنسانية وحركة التاريخ والمسيرة الإسلامية، أراد الله تعالى لهم أن يكونوا أعلام الهدى وقدوة المتّقين ومأوى أفئدة المسلمين، وروّاد الحركة الإصلاحية والتغييرية في المسيرة الإنسانية؛ ولهذا أبدى القرآن الكريم عناية فائقة بذكر دورهم وفضائلهم وسموّ مكانتهم، وفيما يلي نستعرّض جملة من آيات القرآن الكريم التي تطرّقت إلى ذلك لكونها شاملة للإمام الحسن عليه السلام كواحد من أهل البيت عليهم السلام.
1 ـ آية التطهير: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا):

تظافرت التفاسير والروايات إلى أنّ المقصود بأهل البيت عليهم السلام هم أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وهم: رسول الله صلى الله عليه وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. فقد روي عن أمّ سلمة وبطرق عديدة أنّها قالت: (لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليّا وفاطمة وحسناً وحسيناً فجلّل عليهم كساءً خيبرياً، فقال: اللهمّ هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. قالت أمّ سلمة: ألست منهم؟ فقال: أنت إلى خير).
وهذه الآية الكريمة تدلّ على عصمة أهل البيت عليهم السلام ومنهم الحسن عليه السلام كما ورد في تفسيرها عن رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: (أنا وأهل بيتي مطهّرون من الذنوب).

وقال الإمام الحسن عليه السلام في بعض خطبه: (وأنا من أهل البيت الذي كان جبرائيل ينزل إلينا، ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً).

وآية التطهير تؤكّد العناية والرعاية الإلهيّة الخاصّة والاستثنائية وذلك بإبعادهم عن الزلل والخطأ والإنحراف وهكذا أصبح أهل البيت عليهم السلام الميزان الثابت الذي توزن به الأفكار والعواطف والممارسات، وتقوّم من خلاله الإشخاص والكيانات والأحداث والمواقف، فهم المرجع العلمي والسياسي والاجتماعي للناس جميعاً.
2 ـ آية المودّة: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ)

أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق ابن جبير عن ابن عباس، قال: (لمّا نزلت هذه الآية … قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت مودّتهم؟ قال: علي وفاطمة وولدها).

وفي رواية أخرى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قالوا: (يا رسول الله من هؤلاء الذين نودّهم؟ قال: علي وفاطمة وأبناؤهما). وعلّق القرطبي على ذلك قائلاً: (وكفى قبحاً بقول من يقول: إنّ التقرّب إلى الله بطاعته ومودّة نبيّه صلى الله عليه وآله وأهل بيته منسوخ، وقال: قال النبي صلى الله عليه وآله: من مات على حبّ آل محمد مات شهيداً، ومن مات على حبّ آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس اليوم من رحمة الله، ومن مات على بغض آل محمد لم يرَ رائحة الجنّة، ومن مات على بغض آل بيتي فلا نصيب له في شفاعتي).

وهذا يوجِّه العقول والقلوب نحو أهل البيت عليهم السلام ويشدّها لهم، ويؤكّد على أنّ أجر الرسالة هو محبّتهم الحقيقية، وهي دعوة للارتباط بهم فكرياً وعاطفياً وسلوكياً.
3 ـ آية الصلاة: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا): أخرج النسائي وغيره عن أبي هريرة، أنّهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله: كيف نصلّي عليك؟ قال: (قولوا اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم). والصلاة بتلك الكيفية جعلت أهل البيت عليهم السلام مناراً وقدوة للأمّة، فمنهم يتلقّى المسلمون مفاهيم العقيدة وقيم السلوك وموازين التقييم، وهذا التلقّي هو مصداقٌ واقعي للصلاة عليهم؛ لأنّ الصلاة واجبة كما ورد في آراء الكثير من العلماء، حتى قال الشافعي: (من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له). وقال الديلمي: (الدعاء محجوب حتى يُصَلَّىٰ على محمد وأهل بيته) .

4 ـ آية آل ياسين: (سَلامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ) : ورد في الكثير من التفاسير: إنّ المراد من (ياسين) النبي محمد صلى الله عليه وآله.

وورد عنه صلى الله عليه وآله أنّه قال: (إنّ الله سمّاني في القرآن بسبعة أسماء: محمّد وأحمد وطه ويس والمزمّل والمدثّر وعبدالله)

وتظافرت التفاسير على انّ المقصود من (آل ياسين) هم (آل محمد عليهم السلام). وعن الإمام علي عليه السلام قال: (يس محمد، ونحن آل يس). وهنالك قولان في قراءة آل (يس) مفصولة:
الأوّل: إنّه آل هذا النبي المذكور وهو يدخل فيهم. والثاني: إنّهم آل محمد صلى الله عليه وآله.

وهذا السلام الصادر من الله تعالى إلى آل رسول الله صلى الله عليه وآله هو توجيه للبشرية نحو دورهم الريادي في حركة التاريخ، وهو توجيه نحو مفاهيمهم وقيمهم وسيرتهم الممتدّة في كلّ زمان ومكان، وهو توجيه للارتباط بهم فكرياً وعاطفياً وسلوكياً.
5 ـ سورة الإنسان وآية الإطعام: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا*إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) : عن ابن عباس رضي الله عنه: (أنّ الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولدك، فنذر عليّ وفاطمة وفضّة ـ جارية لهما ـ أن برءا ممّا بهما: أن يصوموا ثلاثة أيّام، فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاث أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوا بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء، وأصبحوا صياماً؛ فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك؛ فلمّا أصبحوا أخذ علي عليه السلام بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: ما أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبرائيل وقال: خذها يا محمد هنّأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة)

لقد صدق السيد محسن الأمين العاملي وهو يرثي الامام(عليه السلام) قائلا :

لهفي على الحسن الزاكي وما فعلت

                     به الأعادي وما لاقى من المحن

سقته بغياً نقيع السم لا سقيت

                       صوب الحيا من غوادي عارض المزن

فقطعت كبداً للمصطفى ورمت

                               فؤاد بضعته الزهراء بالحزن

وللحسين حنين من فؤاد شجىً

                           بالوجد مضطرم بالحزن مرتهن

لله رزء ابن بنت المصطفى فلقد

                أضحى له الصبح عن نصب الدليل غني

إمام حق من الله العظيم له

                         رياسة الدين والدنيا على سنن

الزاهد العابد الأواب من خلصت

                                لله نيته في السر والعلن

والواهب المال لا يبغي عليه سوى

                          ثواب بارئه الرحمان من ثمن

قد قاسم الله ما قد كان يملكه

                         منه ثلاثاً بلا خوف ولا منن

والقاصد البيت لم تحمله راحلة

                     خمساً وعشرين والنحار للبدن

وذوي المناقب لا يحصي لها عدداً

                   يراع ذي فطن أو قول ذي لسن

أوصى بعترته الهادي وأكد ما

                   أوصى وجذرنا من غابر الفتن

لم يبغ أجراً له إلا المودة في الـ

                قربى، فجاوزه بالبغضاء والإحن

ثارات بدر ويوم الفتح أدركها

                    من آل طاها بنو عبادة الوثن

رزء تهون له الارزاء أجمعها

             عن عظمه وهو حتى اليوم لم يهن

يا آل أحمد لا ينفك رزؤكم

                  يهيج لي ذكر أشجان تؤرقني

أنتم سفينة نوح والنجة بكم

        وليس في البحر من منج سوى السفن

ديني ولاكم وبعد الموت حبكم

         ذخري إذا صرت رهن اللحد والكفن

الله أنزل فيكم وحيه وعلى

                ولائكم بني الإسلام حين بني

حِكم وأقوال الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)
سُئل الإمام الحسن(عليه السلام): ما بالنا نكره الموت و لا نحبه؟ فقال: إنكم أخربتم آخرتكم و عمرتم دنياكم فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب.

المصدر : بحار الأنوار
عن الإمام الحسن(عليه السلام) أنه دعا بنيه و بني أخيه فقال إنكم صغار قوم و يوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين فتعلموا العلم فمن يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه و ليضعه في بيته.

المصدر : بحار الأنوار
قال الإمام الحسن(عليه السلام): فضل كافل يتيم آل محمد المنقطع عن مواليه الناشب في رتبة الجهل يخرجه من جهله و يوضح له ما اشتبه عليه على فضل كافل يتيم يطعمه و يسقيه كفضل الشمس على السها.

المصدر : بحار الأنوار
قال الإمام الحسن(عليه السلام): عجب لمن يتفكر في مأكوله كيف لا يتفكر في معقوله فيجنب بطنه ما يؤذيه و يودع صدره ما يرديه.

المصدر : بحار الأنوار
عن الإمام الحسن(عليه السلام): عن الإمام علي(عليه السلام): طالب العلم يُشَيِّعُهُ سبعون ألف ملك من مَفْرِقِ السماء يقولون صل على محمد و آل محمد.

المصدر : بحار الأنوار
قال الإمام الحسن (عليه السلام): إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها قيل يا ابن رسول الله و من أهلها قال الذين قص الله في كتابه و ذكرهم فقال (إنما يتذكر أولوا الألباب‏) قال هم أولو العقول

المصدر : بحار الأنوار
قال الإمام الحسن(عليه السلام):نعم العون الصمت في مواطن كثيرة و إن كنت فصيحا.

المصدر : بحار الأنوار
قال الإمام الحسن(عليه السلام): يا ابن آدم! من مثلك؟ وقد خلا ربّك بينه وبينك متى شئت أن تدخل إليه، توضّأت وقمت بين يديه، ولم يجعل بينك وبينه حجاباً..

قال الإمام الحسن(عليه السلام): أعرف النّاس بحقوق إخوانه، وأشدّهم قضاءً لها، أعظمهم عند الله شأناً.

المصدر : مجموعة ورّام

قال الإمام الحسن(عليه السلام): من تواضع في الدّنيا لاخوانه، فهو عند الله من الصّدّيقين، ومن شيعة عليّ بن أبي طالبٍ (عليه السلام).

المصدر : مجموعة ورّام

قال الإمام الحسن(عليه السلام): النّاس طالبان: طالب يطلب الدّنيا حتّى اذا أدركها هلك، وطالب يطلب الآخرة حتّى إذا أدركها فهو ناجٍ فائز.

المصدر : لآلىء الاخبار

قال الإمام الحسن(عليه السلام): معاشر الشّباب: عليكم بطلب الآخرة، فوالله رأينا أقواماً طلبوا الآخرة فأصابوا الدّنيا والآخرة.

قال الإمام الحسن(عليه السلام): إنّ الشّاة أعقل من أكثر النّاس، تنزجر بصياح الرّاعي عن هواها، والانسان لا ينزجر بأوامر الله وكتبه ورسله.

المصدر : جلاء القلوب

قال الإمام الحسن(عليه السلام): لا تخرج نفس ابن آدم من الدّنيا إلا بحسراتٍ ثلاثٍ: أنّه لم يشبع بما جمع، ولم يدرك ما أمّل، ولم يحسن الزّاد لما قدم علي

قال الإمام الحسن(ع): رحم الله أقواماً كانت الدّنيا عندهم وديعةً، فأدّوها إلى من ائتمنهم عليها، ثمّ راحوا خفافاً.

قال الإمام الحسن(عليه السلام): يا ابن آدم! نفسك نفسك، فإنّما هي نفس واحدة، إن نجت نجوت، وإن هلكت لم ينفعك نجاة من نجا.

المصدر : كلمة الإمام الحسن

قال الإمام الحسن(عليه السلام): أوسع ما يكون الكريم بالمغفرة إذا ضاقت بالمذنب المعذرة .

المصدر : بحار الأنوار

قال الإمام الحسن(عليه السلام): عليكم بالفكر فإنه حياة قلب البصير ومفاتيح أبواب الحكمة.

المصدر : بحار الأنوار

قال الإمام الحسن(عليه السلام): الحرمان ترك حظك وقد عرض عليك

المصدر : بحار الأنوار

قلم وصوت آل البيت
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
إبن السلطان محمد شمس الدين ابوهارون
الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي
كاتب ومؤرخ إسلامي
كاتب ومحلل سياسي مصري
باحث في شؤون حركات الإسلام السياسي

الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى