مقالات

السودان بحاجة إلى حوار وطني شامل.. ومساعي دولية لحل الأزمة

بقلم عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

أن التناحر السياسي الذي شهده السودان كان له ثمن هو التدمير الذاتي للديمقراطية. بعبارة أخرى، يعدّ الميل إلى التفرق والانقسام بمثابة كعب أخيل السياسة السودانية.

وقد ساعدت عوامل عدة بينها الزمن، والفشل مجددا في الوصول إلى حل وسط وبناء إجماع في الآراء – ساعدت في تمهيد الطريق أمام الجيش بقيادة البرهان واتخاذ القرارات التي يوم الاثنين 25 أكتوبر معلنا إنقاذ البلاد من الفوضى التي سبّبها اختلاف السياسيين.

وظهرت على مدى الأشهر القليلة الماضية دلائل على تلك الانقسامات والتي قادت إلى مظاهرات، وشهدت توجيه دعوات إلى الجيش بطرد الإدارة المدنية والانفراد بقيادة الفترة الانتقالية.

أن الوضع الراهن في السودان سبب حالة من الإنقسام في الشارع السوداني ، هناك فريق يرى أن ما قام به البرهان هو خطوة صحيحة نحو الديمقراطية، والآن هناك مخاوف لدى الأمريكان بعد أن رفضت بعض القوى الكبرى خروج قرار ضد السودان من مجلس الأمن، لذا فإن البرهان يمكن أن يستفيد من تلك التناقضات على المستوى العالمي،
أما في الداخل فأرى أن نسبة 70 بالمئة من السودانيين يشعرون بالراحة من تلك الخطوة، لأنهم يكرهون اليسار والذي كان يعمل ضد عادات وتقاليد البلاد منذ أن قبض على السلطة.

لا تزال شوارع الخرطوم تشهد بشكل شبه يومي إضرابات وإغلاق محال، وتظاهرات، احتجاجاً على الإجراءات التي اتخذتها القوات المسلحة.

وبحسب تقارير انطلقت المسيرات الحاشدة في مناطق عدة من بينها ضواحي أم درمان في شمال غرب الخرطوم، تحت شعار “الردة مستحيلة”.

وهتف المتظاهرون في أحياء العاصمة السودانية “المدنية خيارنا” ورفع بعضهم صور رئيس الوزراء المقال عبد الله حمدوك، الذي وضع تحت الإقامة الجبرية في منزله

حيث تعيش السودان منذ سبتمبر الماضي، حالة من التوتر بين المكون والمدني والعسكري الذين تقاسما السلطة منذ 2019، بلغت ذروتها يوم الاثنين

ودعا تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد المظاهرات اليومية في السودان ضد حكم الرئيس السابق عمرالسودان بحاجة إلى حوار وطني شامل … ومساعي دولية لحل الأزمة البشير، والذي يدعو إلى نشر المقاومة السلمية والعصيان المدني الشامل رداً على قرارات البرهان.
وكانت السلطات قد قطعت خدمة الاتصالات الهاتفية في البلاد، منذ مساء الجمعة، مع انتشار واسع لقوات عسكرية في وسط العاصمة الخرطوم.

وسعى المنظمون إلى ألا تكون التجمعات مركزية في مكان واحد. وتتركز المطالب الأساسية للمتظاهرين على تخلي البرهان، القائد العام للقوات المسلحة السودانية عن مقاليد السلطة وإعادة رئيس الوزراء المعزول عبدالله حمدوك إلى منصبه بكامل صلاحيات.

جاءت احتجاجات السودان بعد إعلان مفاجئ من الفريق البرهان يوم الاثنين 25 أكتوبر، بحل الحكومة برئاسة حمدوك، واحتجازه تحت الحراسة في منزل البرهان، قبل أن يفرج عنه يوم الثلاثاء ليعود إلى منزله.

وقال البرهان إنه أقال الحكومة من أجل “تفادي نشوب حرب أهلية بعد أن أجج سياسيون مدنيون العداء للقوات المسلحة” حسب تعبيره، مؤكدا أنه “لا يزال ملتزما بالانتقال الديمقراطي، بما في ذلك إجراء انتخابات في يوليو 2023”.

فيما أكد الطاهر أبو هاجة مستشار قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، اليوم الأحد، حرص القوات المسلحة على مدنية الدولة في السودان وصولاً للانتخاب، مشيرا إلى أن “التغيير الذي حدث في 25 أكتوبر يُعتبر مرحلة فاصلة في السودان.

وجمدت الولايات المتحدة والبنك الدولي المساعدات للسودان، الذي يشهد أزمة اقتصادية ونقصا في الغذاء والدواء وحيث يحتاج ما يقرب من ثلث السكان إلى دعم إنساني عاجل.

واندلعت مظاهرات واحتجاجات غاضبة ضد هذه الإجراءات، واضطر البرهان للإفراج عن حمدوك وإعادته إلى منزله، لكنه لم يتراجع عن الإجراءات السابقة.

وأعلنت عدد من القوى المدنية والنقابات المهنية العصيان المدني، وتم إغلاق كامل للمدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية والشركات والأسواق والمحال التجارية.

وتمكنت الفرق الطبية من رصد عدد القتلى في الاحتجاجات وقالت إنه بلغ 11 شخصا، لكن لجنة طبية مستقلة ذكرت أمس أنه من المستحيل معرفة العدد الحقيقي للقتلى.

وفي السودان تسابق عدد من الوساطات والمبادرات قيل إن عددها بلغ الخمسة لاحتواء تداعيات القرارات التي اتخذها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان والتي عطل بموجبها بنوداً أساسية في الوثيقة الدستورية متصلة بأجهزة الدولة السيادية والتنفيذية، بالإضافة إلى بنود الشراكة مع الحرية والتغيير وإعتقال عدد من الوزراء والقادة السياسيين ووضع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قيد الإقامة الجبرية.

يذكر أن رئيس الحكومة المقالة لا يزال رهن الإقامة الجبرية في منزله بالعاصمة الخرطوم منذ إطلاق سراحه يوم الثلاثاء الماضي، عقب الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر، معلنا في حينه حل الحكومة ومجلس السيادة.

وكانت “قوّة عسكرية” ألقت القبض على حمدوك وعدد من وزرائه قبل أن يعلن قائد الجيش حلّ مؤسسات الحكم الانتقالي التي شكلت بالشراكة بين الجيش والمدنيين عقب إسقاط عمر البشير في 2019 إثر انتفاضة استمرت خمسة أشهر.

مبادرات ووساطات ومساعي دولية لحل الأزمة السودانية

فيما تستمر المساعي الدولية والداخلية من أجل حل الأزمة السياسية في السودان، بحسب ما أكد مبعوث الأمم المتحدة، فولكر بيرثيس، بعيد لقائه رئيس الحكومة المقالة، اعتبر عبد الله حمدوك أن الإفراج عن الوزراء والمسؤولين الحكوميين المعتقلين يشكل “مدخلاً لحل الأزمة”.

وأفاد مكتب حمدوك، في بيان، يوم الاثنين، بأنه التقى مع سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، حيث شدد على أنه “لن يكون طرفا في أي ترتيبات وفقا للقرارات الانقلابية الصادرة بتاريخ 25 أكتوبر”.

وأشار إلى ضرورة إعادة الوضع إلى ما كان عليه في 24 أكتوبر، مؤكدا شرعية حكومته والمؤسسات الانتقالية، كما اعتبر أن إطلاق سراحه ومزاولة مجلس الوزراء بكاملة عضويته لأعماله “هو المدخل لحل الأزمة”.

وقال المبعوث الأممي الخاص إلى السودان فولكر بيرتيس إن “عددا من الأطراف يجرون حاليا مساعي وساطة متعددة في الخرطوم”.

وخلال حديث للصحفيين في نيويورك عبر الاتصال بالفيديو من السودان أشار بيرتيس إلى أن الأمم المتحدة تدعم “اثنتين من تلك المساعي” وأنها تقترح مبادرات وأفكارا وتنسق مع بعض الوسطاء.

وكان من أبرز هذه الوساطات هي تلك التي تنوي دولة جنوب السودان طرحها على الأطراف في الساعات القادمة بعد وصول وفد رفيع يقوده توت قلواك المستشار الأمني للرئيس سلفاكير إلى العاصمة الخرطوم.

وأكد مييك أيي دينق وزير خارجية دولة جنوب السودان، بضرورة استقرار الأوضاع في السودان، لانعكاس ذلك على دول الإقليم. وأضاف أنه يحمل رسالة من الرئيس سلفاكير ميارديت، لدعوة القيادة السودانية للدخول في حوار شامل مع مختلف القوى السياسية، عدا حزب المؤتمر الوطني، لتجاوز كافة التحديات وإيجاد حل عاجل لكل القضايا التي تواجه السودان، مشيرا لمتابعة رئيس جمهورية السودان بقلق بالغ للأزمة السياسية التي نشبت بين شركاء الفترة الانتقالية.

فيما قال القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان إن الترتيبات لإعلان الحكومة الجديدة “تسير بصورة طيبة”.
وخلال لقائه السفير القطري بالخرطوم، عبد الرحمن بن علي الكبيسي، ثمن البرهان “الدور المقدر الذي تضطلع بها دولة قطر لدعم مسيرة السلام في السودان وإنجاح الفترة الانتقالية وتحقيق التحول الديمقراطي”.

إقالة النائب العام السوداني وبعض المسئولين

قال التلفزيون السوداني يوم الأحد إن رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان أعفى النائب العام مبارك محمود من منصبه

وكان البرهان أعفى عددا من المسؤولين، بينهم دبلوماسيون، من مناصبهم منذ سيطرة الجيش على السلطة الأسبوع الماضي.

في المقابل، أطلقت السلطات السودانية سراح محمد التبيدي، مدير الإعلام في جهاز الأمن والمخابرات السابق في عهد الرئيس السابق عمر البشير، وإبراهيم غندور، رئيس حزب “المؤتمر الوطني” في السودان

إعادة فتح الموانئ

أعلن المحتجون في شرقي السودان عن إعادة فتح الموانئ بمدينة بورتسودان والطريق الرئيسي الذي يربط تلك الموانئ بالعاصمة الخرطوم، وذلك بعد أسابيع من الإغلاق.

وقال رئيس المجلس الأعلى لقبائل البجا الناظر محمد الأمين تِرِك لبي بي سي إن الخطوة جاءت تقديراً للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد على حد قوله.

وأشار تِرِك إلى أن إعادة فتح الموانئ والطرقات سيكون لمدة شهر واحد فقط حتى تشكيل الحكومة الجديدة.

وأوضح أن المحتجين ما زالوا متمسكين بمطالبهم وعلى رأسها إلغاء مسار الشرق في اتفاق السلام.

رغم الحصيلة المؤلمة، المتمثلة في عدد القتلى والمصابين الذين سقطوا خلال تلك المليونية، إلا أنه بدا واضحاً أن الضغط الدولي على قادة الجيش في السودان، ربما قلل كثيرا من مستويات القمع، التي كانت متوقعة خلال تلك المظاهرات الحاشدة، وكانت كل من واشنطن والإتحاد الأوربي، قد حذرا الجيش من قمع المظاهرات، أو استخدام الرصاص في مواجهتها، في حين حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الجيش، على ضبط النفس خلال المسيرة .

نخلص إلى أن المظاهرات التحدي الأكبر الذي يواجهه الفريق أول عبد الفتاح البرهان منذ أن أطاح حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، يوم الاثنين.

لكن وعلى الجانب الآخر، فإن مراقبين يرون، أن تسليم العسكر لرغبة الشارع، لن يكون بالسهولة التي يتوقعها البعض، وهم يرون أن على الشارع السوداني، أن يستعد لمعركة طويلة الأمد، إذ من المتوقع ألا يستجيب العسكر إلى مطلبهم، بعودة حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وإلغاء كافة القرارات، التي أصدرها قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر الحالي.

حوار وطني من أجل السودان

قال أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن لديه أملا أن يتم السيطرة على الطموحات الداخلية فى السودان والعودة للحوار و سرعة بناء التوافق، موضحًا أن الوضع فى السودان مقلق،

وأضاف أن هناك تناقضا بين المكونين العسكري والمدني فى السودان، وأن ما يحدث يشير إلى أن هناك مشكلات، ولكن لا نستطيع مسح أى تيار من التيارات الموجودة فى السودان بالأستيكة.

ولفت إلى أنه لا أحد يتصور السودان بدون القوات المسلحة، وأن القوات المسلحة فى السودان صاحبة دور و لها تأثير وطني.

وتابع أنه لا بد من توفيق الأوضاع ويكون هناك حوار، أكد أنه يتابع الفريق أول البرهان، وما يقوم به من أجل السودان، لدي أمل أن يخرج السودان من هذه الأزمة.

وحول السيناريوهات القادمة يجب أن يجلس الجميع من أجل تشكيل حكومة كفاءات “تكنوقراط” من المستقلين تدير الفترة الانتقالية وصولا إلى الانتخابات المقرر لها نهاية العام القادم، إذا تم ذلك سوف يذهب السودان إلى بر الأمان، إما إن لم ينجح السيناريو الأول فسوف يستمر البرهان وسيلقى دعما سياسيا.

لذا يجب على القوى السياسية أن تستعد للإنتخابات وتترك الفترة الانتقالية لرئيس حكومة مستقل، وعلى البرهان أن يقوم بتعيين رئيس وزراء بأسرع ما يمكن، وتشكيل المجلس التشريعي والمحكمة وغيرها من المؤسسات التي تم تعطيلها طوال العامين الماضيين”.

لابد من تشكيل حكومة كفاءات يشارك فيها كل أطياف المجتمع السوداني، وأن يكون هناك دور للشباب والمرأة.

يحتاج السودان إلى استراتيجية أمنية وطنية لتوجيه إصلاحات قطاعه الأمني من أداة قمع لإدامة النظام القديم إلى قوة مهنية تحمي المواطنين في ظل نظام ديمقراطي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى