مقالات

كابول تحت عباءة طالبان بدعمٍ أمريكي.. لعبة جديدة أم طوق نجاة؟

بقلم: محمد كامل العيادي

بعد عشرون عامًا تعود حركة طالبان من جديد لتسيطر على المشهد في أفغانستان، وتبسط سيطرتها و«عباءتها» على سدة الحكم في كابول، الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة حول ماهية اللعبة الأمريكية الجديدة وما تُخفيه هذه المرة للمنطقة.. لا شك أن أمريكا لديها رؤية للشرق الأوسط الجديد تعمل جاهدةً على تحقيقها؛ فأمريكا والغرب ينظرون إلى الإسلام على أنه المارد القادم لذا يضربون بسهام أهله كل ما يثير شكوكهم، بعدما ظنوا أن تلك الضربات المتتالية من شأنها أن تُنهيه في المنطقة والعالم.

هل تحاول أمريكا تحضير ما سبق واستخدمته ثم تقوم بصرفه وقتما تشاء وبالكيفية التي تراها كما فعلت من قبل مع «بن لادن»؟.. هل ترى أمريكا أن هناك عدو قادم؟ كالصين أو روسيا الجريحة أو الإسلام؟، فتعد له العدة كما أعدت من قبل للاتحاد السوفيتي قبل تفتيته، وتُرى هل ستكون طالبان هذه المرة سببًا في محو ما تبقى من الصورة الجميلة للإسلام؟، أم ستكون سببًا في عزته؟، لكن الإجابات يطرحها تساؤلًا محوريًا عما إذا كانت أمريكا قد فشلت فعلًا القضاء على طالبان، أم أنها تركتها لاستخدامها مرة أخرى، خاصة بعد فشلها المتكرر في الحروب المباشرة.

ما يدور هذه الأيام في أفغانستان يجعل كل من يراقب الأمر في ريبةٍ وتوجُس مما يحدث، يسأل نفسه أسئلة عدة، لكن المؤكد وما لا شك فيه أن أمريكا ليست ملاكًا يمشي على الأرض، بل شيطانًا يصنع الضغائن لأجل بقائها القطب الأوحد دون منازع، فلا يمكن أن تضع يدها في يد أي دولة أو جماعة إلا وقد أرادت شيئًا وستجني من وراء ذلك مصالح عدة، كما سبق وفعلت مع السعودية ودبي والعراق، وغيرهم، وكذلك قطر التي بها أكبر قاعدة أمريكية؛ فقد أظهرتها كعدو وفي نفس الوقت تلوح بعصاها لدول الخليج لابتزازهم كما تفعل مع إيران «الشيطان الأعظم»، والذي يظهر مرتديًا عباءة الإسلام وهو منه براء.

يبدو أن طالبان حركة ستستخدمها أمريكا فيمن تراه عدوًا لها، حتى وإن كان ذاك العدو قادمًا من بعيد، سواء كان من الشرق الأوسط أو من الجزء الشرقي من آسيا، كما سبق واستخدمت من قبل ضد الاتحاد السوفيتي، على أن تكون ورقة الضغط كما هي أيران «بُعبُع» الخليج، التي يُظهرها الإعلام على أنها عدوة أمريكا وهي في الحقيقة القبضة الحديدية التي تضرب بها الولايات المتحدة وجوه العرب والمسلمين، وليس كما يُشاع  أن أمريكا فشلت في القضاء عليها كما هو الآن مع «طالبان»؛ فلا يُعقل أن دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع أن تقضي على جماعة مثل طالبان أو دولة مثل إيران، والأخيرة طحنتها ضروس صدام حسين، فأمريكا تتمتع بأجهزة استخباراتية تستخدمها منذ الحرب الباردة في التجسس بعد نجاحها في عمل علاقة سرية مع «بوريس هاغلين» مؤسس شركة «تشفير» المعروفة باسم «إيه جي»، وذلك لمساعدتها على التجسس، خاصةً وأن العالم كله عبارة عن كتاب مفتوح ومُتاح لها القدرة أن ترى من تريد حتى وإن كان في فراشه مع زوجته.

استولت حركة طالبان على العاصمة الأفغانية «كابول» بعد فرار الرئيس الأفغاني «أشرف غني» خارج البلاد، لتُصبح أفغانستان تحت عباءة طالبان، ولكي يتم حبك دراما الموقف تحركت الطائرات الأمريكية في نقل الدبلوماسيين وأجانب آخرين وأفغان لهم صلة ومتعاملين مع القوات الأجنبية، فيما توالت الدول التي لها رعايا هناك في إجلاء رعاياها، ليكون إعلان صريح بقبول عودة طالبان للحكم بعد 20 عامًا من سقوطها على يد الأمريكان عام 2001م، حيث تم الاتفاق على سحب جميع القوات الأمريكية وقوات حلف «الناتو»، نظير الالتزام التام من الحركة بعدم التعامل والسماح لكل من ينتمي للقاعدة أو أي جماعة متطرفة في دخول المناطق التي تحت سيطرتهم، وهوّ اتفاق لا شك بمثابة قنبلة موقوتة ستنفجر في أي وقتٍ تنقضي فيه فترة الصلاحية لتلك الحركة بعدما تنال كل ما تريده أمريكا، حين ذاك سيؤيد الجميع ما تقوله «أم الأولاد» أمريكا؛ فمن يجرؤ أن يقف ضد الولايات المتحدة عندما تقول إن طالبان خانت الاتفاق وفتحت أراضيها للقاعدة والإرهابيين، فأمريكا لن تسمح لأي جماعة دينية بالسيطرة على أي أرض إلا لغرض القضاء عليها والحصول على ما تريد من مصالح بلدها.

عندما تراقب ما يدور حولك من أحداث، بعضها قد تراه تكرر من قبل لأكثر من رمة، سيقف عقلًا يأبى التفكير وهوّ على شفا الجنون من أفعال بعض الحركات الإسلامية وحماقات غير مدروسة واستعجالهم التمكين، فتلك الحركات بما تفعله تضع رقبتها في قبضة العدو دون أن تشعر، وكأن الذاكرة ذاكرة سمك؛ يأكلون أي طُعمٍ يُلقى لهم، وللأسف لم تتعلم طالبان مما حدث لها من قبل ونسيت أو تناست أن ما مضى كانت نتيجته دمار العراق والكثير من الدول العربية إبان أحداث 11 سبتمبر 2001م، ولا شك كذلك أن طالبان ستعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية فور إحكام قبضتها على «كابول» وتطبيق الحدود في حق السارق والقاتل والزاني، وهي أمور لا شك ستُقابل برفض دولي كبير لتبدأ معها الأزمات، فلا يكره أحد تطبيق الشريعة، لكن لا بُد لهم من تقوية أنفسهم ومن ثمّ دولتهم، وبعدها يفعلون ما يشاءون، لكن أن تكُن هشًا وضعيفًا وتُقدم على المبارزة فهذا خطأً شديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى