مقالات

عبدالرحيم حماد الشريف يكتب: المساس بحصة مصر من نهر النيل خط أحمر ويأجج الصراع في المنطقة

بلهجة مصرية جازمة وموقف وطني ثابت، أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال مؤتمر صحفي عقده في الإسماعيلية يوم الثلاثاء، بمناسبة استئناف حركة الملاحة في قناة السويس بعد تعويم السفينة الجانحة إيفر غيفن ،عن أمنيته بشأن الوصول لاتفاق قانوني وملزم بالنسبة لملف سد النهضة” محذراً من أن المساس بحصة بلاده المائية في نهر النيل سيدخل المنطقة في حالة عدم استقرار لا يمكن تخيلها.
مؤكدا بأنه لا أحد يستطيع أن يأخذ قطرة ماء من مياه مصر، ومن يريد أن يحاول فليحاول وستكون هناك حالة من عدم الاستقرار في المنطقة بكاملها ولا أحد بعيد عن قوتنا».

وأشار السيسي إلى أنه لا يهدد أحدًا بتصريحاته، مؤكدا أن «العمل العدائي أمر قبيح وله تأثيرات طويلة لا تنساها الشعوب».

وقال إن التفاوض هو الخيار الذي بدأته مصر في مسألة التفاوض بخصوص أزمة سد النهضة وتأمل في التوصل إلى إتفاق قانوني منصف وملزم يحقق الكسب للجميع.

تصريحات السيسي جاءت مؤكدة أن مصر مازالت ترى أن هناك أمل في تجديد مسار المفاوضات، لأنه في حقيقة الأمر أن مصر لم تغفل الخيار الدبلوماسي، وأنها دولة لاتدعو للحرب ولاتهدد، لكنها في الوقت ذاته لاتتهاون ولاتفرط في حقوقها المشروعة وأمنها القومي، وتحافظ على حاضرها ومستقبلها وتفخر بماضي أجدادها.

مصر الأفريقية أكدت للعالم مرارا وتكرارا أنها لا تعارض انتقاع إثيوبيا بالموارد المائية، لكن شريطة أن يتم ذلك دون أن يسبب ضررا لأي من دولتي المصب مصر والسودان”.

فقد بنى قدماء المصريون حضارة عظيمة في الصناعة والزراعة والهندسة العمرانية عن طريق نهر النيل، وكان الفراعنة يقدسون نهر النيل تحت إسم الإله حابي الذي يمدهم بالعطاء والخيرات ولهذا كانوا يلقون كل عام فتاة شديدة الجمال، والأجمل بين الفتيات كهدية؛ ليمدهم النهر بهذا العطاء، حتى جاء الفتح الإسلامي الذي قضى على هذه الخرافة.

وقد أطلق على مصر ” مصر هبة النيل ” لانها كانت أهم هذه الدول و أكثر ارتباطا بنهر النيل ، إذ أن نهر النيل كان من أهم الأمور التى أدت إلى رخاء وازدهار اقتصاد مصر منذ أقدم الحضارات.

يذكر أن إثيوبيا شرعت في بناء سد النهضة عام 2011 مستغله الأوضاع السياسية في مصر عقب ثورة 25 يناير من دون إتفاق مسبق مع مصر والسودان.

واكدت أثيوبيا أن هدفها من بناء السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية، في الوقت الذي يخشى السودان فيه من تأثير السد على انتظام تدفق المياه إلى أراضيه، بما يؤثر على السدود السودانية وقدرتها على توليد الكهرباء، بينما تخشى مصر من تأثير السد على حصتها من المياه، والتي تزيد عن 55.5 مليار متر مكعب سنويا تحصل على أغلبها من النيل الأزرق، في الوقت الذي حذر خبراء في الري والموارد المائية والقانون الدولي من مخاطر كارثية قد تنتج عن تشغيل سد النهضة الإثيوبي، وتأثيره السلبي على دولتي المصب (مصر والسودان) والإضرار بأمنهما المائي .

يذكر أنه وفقاً لاتفاق عام 2015 المبرم بين مصر والسودان وإثيوبيا الذي ينص على “ألا يجوز لإثيوبيا البدء في الملء إلا بعد التوصل إلا إتفاق مع مصر والسودان”.

وقد خالفت إثيوبيا إعلان المبادئ المبرم 2015 ، ضاربة بقواعد القانون الدولي والأعراف والالتزامات الدولية عرض الحائط ، وانتهت في الصيف الماضي من الملء الأول لخزان السد من دون التوصل لاتفاق مع مصر والسودان بوصفهما دولتي المصب. وطالبت مصر والسودان مراراً وتكرارا بالتوصل لاتفاق ملزم حول قواعد ملء وتشغيل السد قبل إتمام عملية البناء وبدء مرحلة الملء ، وفشلت المفاوضات طوال السنوات الماضية في التوصل لهذا الاتفاق.

وتكمن مشكلة سد النهضة في الضرر الذي سيلحق بالجانب المصري، إذ أن سد النهضة سيخفض من حصة مصر البالغة حاليا 55 مليار متر مكعب سنويا من المياه، إذ أن مقدار النقص سيتراوح ما بين 5 إلى 15 مليار متر مكعب، حسب كمية التبخر والتسرب والفيضان والتدفق السنوي من مياه الأمطار التي تتدفق على النيل الأزرق.

تمكن مشكلة السد أيضاً في التصريحات التي يدلي بها مسؤولي الحكومة الإثيوبية والتي يسقط معها الإتفاق الموقع في 2015 ، تلك التصريحات التي جاءت متجاهله الضرر الذي سيلحق بالجانب المصري والسوداني

إذ أن إثيوبيا على هذا التصرف تكون من جانبها حسمت موقفها ، لاسيما بعد أن أبلغ وزير الخارجية الأثيوبي دمقي مكونين المبعوث الأمريكي دونالد بوث بتمسك إثيوبيا بموعد الملء الثاني للسد، في ظل فشل المساعي الأوروبية والأمريكية والإفريقية للعب دور الوساطة.

والمتابع لملف سد النهضة يدرك للوهلة الأولى استراتيجية مصر كانت دائما الحفاظ على التعاون والتشارك في التنمية والتكامل الإقليمي، وإثيوبيا تسعى لخطط أخرى تهدف بها للسيطرة على نهر النيل وتحويله إلى أداة هيمنة وصعود إقليمي على حساب الآخرين، على الرغم من تمسك مصر بالثوابت الدولية، والقانون الدولي في مسألة بناء سد النهضة، وسعيها الدائم إلى المفاوضات مع إثيوبيا، لكن الموقف الإثيوبي لا يبدو متأثرا بالنظريات الفنية المصرية السودانية والعالمية حول السد، ولا بتحركاتهم الدبلوماسية كذلك.

الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

كاتب ومحلل سياسي مصري

باحث في شؤون حركات الإسلام السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى