مقالات

صبري الحو يكتب: عزيز مصر قم و بادر ولا تنتظر إحلال المجاعة بأم الدنيا ؟

لاحظت تعدد وتنوع في استعمال المصطلحات من قبل مصر في اطار تدبيرها للصراع حول ماء النيل في مواجهة اثيوبيا، التي شيدت سدا عملاقا سمته ” النهضة” توقف وتخفض به صبيب ومستوى تدفق مياه النيل، وحلم مصر في هذه المعركة الديبلوماسية الوصول الى اتفاق يجنبها الحرب غير المرغوب فيها، وتستعملها كتلويح فقط.

ولأنني اتابع هذا الملف لأرصد مدى نباهة الديبلوماسي المصري، فقد اثار انتباهي تيه الديبلوماسي المصري، وعدم قدرته الصمود على موقف واحد يجني من ورائه ولو نذرا يسيرا وقليلا من المنافع، وتضمن به جريان نهر النيل دون توقف.

أولاً:  فبين الاختلاف حول المطلوب من التفاوض مع اثيوبيا هل اثبات وتأكيد الحق في جريان المياه انزلق الحديث تنازلا على أن محله هو عن قواعد ملء وتشغيل الشطر الثاني من السد الأثيوبي، واصبح الشطر الأول مكسبا لاثيوبيا غير قابل لاعادة النقاش حوله.

ثانيا: مصر تضيع وقتا ثمينا في سفسطة لا طائل منها، ولا تدرك أن في ضياع واستنفاذه وهدره خسارة لدعواها في مواجهة اثيوبيا، فالوقت ركن أساسي في التفاوض ، وان التهاون والتراخي وترك الفرصة وانصرامه حتى  تمام مل السد وتشغيل ستكون الوساطة عبثا.

 إذ ذاك لا وجود لمحل و سبب التفاوض الذي لن يكون قائما، وهو العبث الذي تصان منه أحكام العقلاء، وكم تعلمنا من فقهاء مصريون أجلاء أهمية محل وسبب الدعاوى والقرارات والوساطات والمفاوضات كركن لقيامها في استمرار الصفة والمصلحة. فالتنفيذ يعدم دعوى الاستشكال والصعوبة في التنفيذ، و نفس الأمر في تهاون مصر حتى تمام اثيوبيا للملء وتشغيلها للسد.

ثالثا: ويستمر استعمال البراق للمصطلحات والمعاني بعد الملء والتشغيل الى الحديث عن الشكل القانوني الذي سينصب فيه تنظيم الاتفاق غير المحدد حتى الآن، و كأن الديبلوماسي المصري بمثابة الفارس الذي يسبق الفرس. فالحديث عن الشكل والقالب القانوني الذي سيصب فيه الاتفاق يستدعي الوصول اليه وحصوله أولا. إذ ذاك يمكن الاختلاف او حتى الاختلاف حول شكله هل هل الاتفاق فني أو قانوني.

وهل فقهاء القانون في مصر العظيمة بختلفون في أن الاتفاق الفني يتم اثباته في الشكل القانوني الذي هو العقد والاتفاق المنظم لارادتين أو أكثر؟ وهل الديبلوماسي والقانوني المصري يخفى عنه كيفية اتباث الاتفاقات الدولية؟ وهل وصل معلمينا وأساتذتنا الاجلاء في مصر القبول بهكذا نقاش!. الذي ليس سوى جوهره سوى اذعان لاثيوبيا لملء السد وتشغيله، وكأن هذا الموضوع يحرج مصر وتريد التخلص منه بفرض اثيوبيا لأمر واقع بعد الملء والتشغيل.

ثالثا: وتستمر القصة باستعمال مصر  لعبارة أخرى فضفاضة مرتبطة بالتساؤل عن الوقت والأجل ، وادعاء أن الآن مناسب لاستصدار تنازل مكتوب من اثيوبيا، وهنا استغل الفرصة لأقول ان الوقت الحالي هو بمثابة الوقت الضائع، لأنه منصب على محدد أخير يتم اجراؤه خلسة، و ستستيقظ مصر قريبا على أن ما يتم التفاوض حوله فات أوانه، و أصبح دون موضوع، و سيكون خطابها أشبه بما طرأ لأصحاب الكهف ا؟.

رابعاً: في هذه النقطة سأتناول موضوع الضمانات التي تطلبها مصر لتنفيذ اتفاق لم يتم تحديد قواعد و طريقة اجرائه ولم تتكهن باحتمالاته. وهي تريد ضمانات أمريكية وأوروبية والاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن.  وهي على ما يبدو غير  موثوقة بوساطة الاتحاد الأفريقي؟، هل هي ضمانات من اجل رعاية المفاوضات؟ ام من اجل تنفيذ ما سيتم الاتفاق حوله؟ ام لفرض تفاوض على اثيوبيا هي ترفضه؟

خامسا:  فاية ضمانات لمصر من الولايات المتحدة الأمريكية، بينما الأخيرة تصرح جهرا وجهارا  أنها لا تملك وجهة نظر صلبة متماسكة وقوية، وأية ضمانات وهي التي لم تستطع اجلب اثيوبيا الى واشنطن لتوقيع اتفاق مذل شكلا بامضاء مصر عليها وحيدة.

إن مصر تتهاون في حماية  مقومات أمنها المائي الاستراتيجي المحدد لوجودها وبقائها على قيد الحياة و الوجود؛ لأنه مرتبط بأمنها الغذائي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي ؟

سادسا: لا يجب على مصر  أن تركن مستسلمة لقدرها، وعلى مصر أن  لا تطلب ضمانات من غير أهلها ، فأهل مصر وشعب مصر وجيش مصر وارادة مصر أقوى وأكبر الضمانات ؟ فبدون اظهار لاصرار هذه الارادة ستكون كل الاتفاقات وكل المعاهدات والاتفاقات ” كحلم مفترض” الوصول اليه و في حكم المستقبل البعيد، قد يأتي !؟. وقد يأتي متأخرا !؟ وقد لا يأتي أبدا !؟ سيكون مجرد حبر على ورق تخرقه و تنتهكه اثيوبيا متى شاءت لا شيء يصدها ويمنعها.

على سبيل الختم: لقد ضيعت مصر  وقتا ثمينا حتى تم التشييد والبناء ، وستضيع نفس الوقت حتى يتم الملء والتشغيل، إذ ذاك لن  يبقى لديها مجال لأي مناورة ولا لأية مطالبة غير تكييف ما قد تقدم عليه اعتداء على دولة ذات سيادة ، وهو ما يتم دفع مصر اليه غير منتبهة.

إن مصر لم تبق يوما متقاعسة، فهي دائما مبادرة بحكمة، وهي التي تمكن عزيزها وحكيمها النبي يوسف من تجاوز  مجاعة السنوات السبع العجاف. وان حديث وقاموس تبرير عجز دبلوماسيتها الآن يذكرني  الى حد كبير مادام الأمر يتعلق بضمان الأمن الغداء لنفس الشعب يشبه حديث عجز كهنة أخناتون في تفسير رؤيا الملك.

وأخشى أن تخبو وتفول حكمة وعبقرية أهل مصر حتى تحل بهم فرضا وجبرا وكرها من طرف اثيوبيا المجاعة التي دروها يوم كان للحكمة والشجاعة معنى. ويا حسرتاه على أم الدنيا !.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى