مقالات

عبدالله تمام يكتب عن باشوات ساحل سليم

في العدد الأول لجريدة أخبار أسيوط عام 1999، نشر الكاتب الصحفي والإعلامي عبدالله تمام رئيس تحرير جريدة اليوم وموقع اليوم الإخباري.. عن حواديت ابن الباشوات

“عمه رفض ملك مصر فاضطهده الإنجليز وفرضوا عليه الإقامة الجبرية لأنه استضاف الوطنيين وسراج الدين استدعاه للمجلس نائبا فترك الدستوريين”.

أسيوط حيث روايح الزمن الأجمل.. الحكاوې والحواديت والآثار والتاريخ والحقائق كلهم يذكرون ويؤكدون أن اسيوط بلد الباشوات والفصيل الأكبر من الباشوات الوطنيين الذين تركوا العلامات في تاريخ مصر كله الذي كان زاخرا بالباشوات والبكوات والأفندية والفلاحين ايضا .

ولكن باشوات أسيوط كان لهم طراز خاص ونكهة مميزة عن بقية باشوات ذلك العهد..

وفي ساحل سليم بالتحديد مازالت أثار هؤلاء وغيرهم تحکی تاريخ له عبق وخصوصية نتركه ينساب من ذاكرة متقدة لباشا سليل باشا وحفید باشا رغم انه يصر

و بإلحاح على انه افندی او فلاح وقد نتفق معه خاصة وأنه مهندس زراعى ولكن المؤكد بعيدا عن إلحاحه انه ابن باشوات.

م. فهمی تمام يحكي مبتدئا بتاريخ ساحل سليم البلد والناس يقول: منشأ ساحل سليم قديم جدا وعريق أيضا وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى إحدى القبائل التي أتت مع هجرة العرب والمسلمين من الجزيرة العربية إلى مصر حيث أتت قبيلة سليم مع الوفود القادمة واستطابت العيش في هذا المكان الموجود في ساحل سليم من الناحية الشرقية وقصدوا مدينة أبوتيج من الناحية الغربية وسميت في بادئ الأمر ساحل الشيخ سليم ومرت الأيام وسقطت كلمة الشيخ واصبحت ساحل سليم وعلى جانب آخر بدأت أيضا تتبلور قبيلة بني سليم التى تمتد جذورها للرسول “عليه الصلاة والسلام”.

وكان عميد العائلة عثمان يفخر دائما بقوله أنا ابن العواتم من بني سليم والعواتم هم عماته من نسل الرسول “صلى الله عليه وسلم”.

وله مقام هنا ومسجد احتفال سنوي يقام بمناسبة مولده بعد رمضان من كل عام ومن نسله كان جدنا الكبير عثمان الذي انجب عبدالعال كبير عائلة السالمية وعبدالعال انجب اربعة منهم همام بك وتمام وسليمان وأبو زيد صالح.. وهمام بك كان يعتبر رأس العائلة ولكنه لم ينجب أولادا على عکس اشقائه تمام الذي هو فرعنا وسليمان الذي هو فرع محمود باشا سليمان وفرع محمد باشا محمود…

ورغم ذلك كان لهمام بك تأثير همام بك واسع في تاريخ مصر كلها حيث عاصر عهد الخديوي عباس الأول وتعلم اللغة التركية وأصبح مقربا للجهات الحاكمة واكتسب صفة معينة وحصل على لقب حكمدار المحروسة وكان واليا على المنطقة ولكنه توفى سنة 1288 هـ أى حوالى 1870م دون ان ينجب كما ذكرنا..

وهمام بك له قصة مازالت تحكي ومدونة حتى الآن حيث امتنعت البدارى ذات يوم عن دفع ما عليها من ضرائب وقاموا بتنظيم تمرد مسلح وكانوا اشداء بالفعل وخاف الوالى الترکی من انتشار تمردهم في سائر بلاد الصعيد..

فأرسل الوالى إليهم “وابور” مسلحا بالمدافع عن طريق النيل وبدأت المعركة وكان الضرب شديدا جدا المدافع في مواجهة الاسلحة البدائية طبعا ملامح النهاية بدأت منذ أول طلقة مدفع فاندفع الثوار شمالا حيث تصادف عودة همام بك من القاهرة لموطنه الأصلي ساحل سليم في رحلة استجمام فذهب على الفور عندما علم بنبأ المذبحة إلى الجنوب وتفاهم مع جماعة الأتراك وطلب منهم الرحيل على أن يتولى هو دفع الضرائب والتفاهم مع الفلاحين بطريقة اخرى لأنه منهم اصلا وابن عرب ويعرف كيف يكون الأسلوب الشريف للتعامل مع أبناء بلدته..

وبالفعل وافق الأتراك ووافق الفلاحون على أن يكون همام بك هو الوسيط بينهم ومن هنا سميت المنطقة بالهمامية لأنه كان يدفع عنهم او يطالب بتخفيض الضرائب في مواسم قلة المحصول.

أما فرع سليمان بك عبدالعال الأخ الأصغر لهمام بك فقد تقلد سليمان بك في وظائف كثيرة مهمة بمديرية أسيوط وقنا وسوهاج وكان من الحكام البارزين فى ذلك الوقت وانجب قبل وفاته محمود باشا سليمان الذي تولى قيادة الفرع بعد والده وكان صاحب تاريخ سياسى مدون ومواقف وطنية بارزة إبان ثورة 1919.

ومن هذه المواقف أنه رفض ملك مصر وهذه قصة طويلة…

عندما قامت الحرب العالمية الأولى كان الخديوي عباس حلمى الثاني في اسطنبول وكان بينه وبين الإنجليز عداء واضح لمواقفه الوطنية وانتهز الإنجليز فرصة تواجد عباس حلمي خارج البلاد وغيابه عن مصر ومنعوه من العودة وعرضوا العرش على عدة أسماء  من العائلة المالكة فرفضوا جميعا فأخذوا يبحثون عن رجل من

أعيان مصر يتولى هو قيادة البلاد اتصلوا بمحمود باشا سليمان وعرضوا عليه الملك

بدلا من الخديوى عباس فرفض الاشتراك في هذه العملية القذرة وقال انه لن يقبل الملك ابدا ممن هم ليسوا أصحاب حق في البلاد وكان لهذا الرفض مغزی سیاسی خطير اغضب الانجليزى من محمود باشا غضبا شديدا..

ولحل هذه المشكلة ولخوفه الشديد من أن يعرض الانجليز الملك على ای باشا آخر قد يكون غیر وطنی ويقبله وتضيع بسب به البلاد فقد أقنع محـمود باشا البرنس حسين كامل الذي كان صديقا له في مجلس شورى القوانين الذي يتولى رئاسته البرنس حسين أقنعة بأن يتولى هو العرش لصالح مصر واقتنع البرنس الذي أصبح بعد ذلك سلطان مصر وبعد زوال الغمة واقتناع السلطان حسين كامل بـصـواب رأي صديقه محمود باشا سليمان فقد قرر تكريمه وقام بزيارته في ساحل سليم.

هنا حيث نظمت ساحل سليم استقبالا أسطوريا للسلطان صديق ابنهم الباشا في السرايا التي تقع جهة الغرب…

وبعد ذلك تبلورت الحركة الوطنية المصرية قبل ثورة ۱۹۱۹ حيث كان سعد زغلول زعيما للأمة لم يتخلف محمود باشا سليمان ولا ابنه محمد عن ركب هذه الحركة فقد كان محمود باشا وكيلا للأمة وعندما اندلعت الثورة وقامت السلطة الإنجليزية باعتقال سعد زغلول ومحمد باشا محمود سليمان ومحمد باشا الباسل وسينوت بك حنا وتم نفيهم إلى مالطة عند ذلك تولي محمود باشا سليمان زعامة الأمة وكان له قصر في شارع الفلكي في القاهرة يستضيف فيه كل ليلة الأعيان والباشوات والأفندية والثوار والوطنيون يناقشون أحوال مصر في غياب الزعماء الذين تم نفيهم ولم يعجب الإنجليز حال هذه التجمعات والمناقشات فأخذوا محمود باشا سليمان واعتقلوه من الدهجية الخاصة به في النيل وحددوا إقامته في مقره.

هنا بساحل سليم لا يغادر ولكن أتى خلفه الأعيان والثوار واستضافهم هنا منهم على ما اذكر فکرى اباظة والشاعر حافظ ابراهيم وغيرهم من المثقفين والصحفيين الوطنيين وظلوا هكذا حتى تم  الإفراج عن سعد باشا ورفاقه ومن ضمنهم ابنه محمد باشا وهكذا كان لفرع محمود باشا سليمان تاريخ وطني كبير أثر في تاريخ مصر وهذا الفرع مشهور بمواقفه الوطنية مثله مثل بقية الفروع الأخرى يقول م.حسن فهمى تمام.

في تلك الأثناء كنت صغيرا لأنني من مواليد 1910 وكنت هنا ادرس بالكتاب مثلي مثل أي طفل آخر من أبناء ساحل سليم وهذه الذكريات البعيدة لا استطيع سردها بالضبط حتى أكون أمينا مع نفسي على الاقل وكل ما سردته حتى الآن من واقع الأوراق والوثائق والتواريخ الثابتة.

أما فيما يخص ذكرياتى الخاصـة وما أذكره بوضوح هو انني عندما أتممت ثمانية أعوام من عمـري انتقلت للقاهرة والتحقت بالمدرسة المحمدية وكان ذلك مع الثورة نتيجة لاهتمام العائلة بدراسة القرآن واللغة العربية کنت اقوى الطلبة في هذه الفروع على عكس اللغة الانجليزية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى