مقالات

عماد نصير: يكتب (فكر مع الحكومة ج1).. غياب الإشراف الغذائي

لا يكاد يمر شهرا إلا وتطالعنا وسائل الإعلام بفضيحة وفاجعة غذائية أكبر من سابقتها، فما بين أغذية فاسدة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي، يتم مصادرتها بصفة يومية في الحملات الصحية بمختلف المحافظات، إلى كميات الحمير التي تنتشر هياكلها هنا وهناك وكأنها أصبحت وجبة رئيسية، إلى آخر صيحات الغش التجاري والعبث بصحة المواطنين بشكل صارخ وغير مسبوق، وهو “جبن دهانات الحوائط”.

نعم إنه أمر لم يسبقهم إليه أحد من العالمين، حيث هداهم شيطانهم إلى خلط “بوية الدهانات” إلى نوع من أنواع الأجبان “جميد منسف” معد للتصدير، وذلك كون المنسف “الأردني” ليس وجبة على قوائم الغذاء المصرية، فالعبث بالصحة العامة أصبح منتجاً وعلامة تجارية منافسة، وميدان ننافس فيه على المراكز الأولى.

الصين وفيتنام مثلا تسبقانا في أكل لحوم القطط والكلاب، والفلبين كذلك تسبقنا في أكل “البالوت” وهو “البيض بالأجنة” ودم بعض الطيور المعبأ سلفاً، وهناك غيرهما الكثير من الحضارات التي تأكل كل ما يمشي على الأرض ويطير في الهواء بلا أي استثناءات، إلا أننا صنعنا الجبن من دهانات الحوائط.. وهذا لعمري سبق كبير.

يتساءل البعض بامتعاض عن توقيت انتهاء مهازل الغذاء أو التجاوز في حق التغذية، كون ذلك لا يكمن بمنأى عن “الحرب البيولوجية” على حد تعبير أحدهم، فمن يتعمدون الاتجار والتكسب من وراء أغذية فاسدة وتالفة وتأنف منها الكلاب لتغير خواصها البيولوجية الطبيعية، لا يختلفون عمن يشنون الحروب البيولوجية، فالمحصلة واحدة مع اختلاف الوسيلة.

الناظر بعين الرصد للسلوك والحركة الغذائية عند المصريين يفاجأ بأنهم محاطون بكم هائل من الفساد والإفساد الغذائي المتعمد، وليست المواقع الإخبارية وصفحات الحوادث عنا ببعيد، فيكفيك أن تكتب “حملة صحية” أو “لحوم فاسدة” أو حتى “إعدام منتجات غذائية”، وحتما سترشدك خوارزميات جوجل إلى ما يفوق الخيال من الأخبار والتحقيقات والمقالات عن شق واحد مما سبق، لكن الحق يقال.. جبن الدهانات هو الأول من نوعه والفريد والرائد في هذا المجال، ولعل هذه الطرفة من باب “همّ يضحك”.

هناك عدة تساؤلات نتمنى أن نكون بطرحها لم نتخطى خطوطاً أو حدوداً، لكن من خلال هذه السطور نتناقش ونفكر معاً بصوت مسموع من خلال هذا المنبر الإعلامي، لعلنا نكون قد أسهمنا ولو “بشق كلمة” في حفظ الصحة العامة لمواطنينا، وسمعة منتجاتنا التصديرية، التي تدر بلا شك عملة صعبة، بلدنا بكل تأكيد في حاجة لها.

التجربة الخليجية في التنمية المستدامة والارتقاء بالمنظومة الحياتية للمواطنين ناجحة بكل المقاييس “ومن خلال معايشة لسنوات عدة” فلا تكاد مؤسسة أو شركة أو محل أو حتى كشك “إن وجد” يفتح بابه للمستهلك والجمهور إلا وتكون البلديات والدوائر الاقتصادية على علم مسبق بذلك، حيث تمنح أو تمنع الموافقات، التي تخضع لشروط على رأسها .. الصحة، فلماذا في بلدنا الضاربة في أعماق التاريخ يفعل كل منا ما يحلو له، وكأنه فوق القانون أو صنع دولته بنفسه داخل “دكانه” وسن قوانينها على هواه.

لماذا لا تقوم البلديات والمحليات بدور تفتيشي رقابي تنفيذي على مدنهم وشوارعهم، بشكل دوري يومي ليلا ونهاراً؟، ولماذا لا تكون هناك حملات من الوزارات المسؤولة عن تلك الجهات كما هو الحال في الصحة والتعليم، وبالتالي تكون الرقابة مزدوجة؟.

لماذا لا يقع على عاتق كل رئيس مدينة وحي ومركز، بل وحتى العمد والمشايخ وشيوخ الحارات، أن يتحملو دورهم المجتمعي في تقنين أوضاع كل من يملك نشاطاً تجارياً، ومن لم لم يبلغهم بنشاطه يعتبر مخالفاً ويعاقب بمخالفة رادعة؟ حتى ولو كان النشاط “كشك”، وإن كان أيضاً ما ستحصله الدولة منه 10 جنيهات سنوياً، إلا أنه في مجمله دخل قومي من جهة، ومن أخرى يدخل ضمن منظومة الرقابة الوطنية لتعرف الدولة نشاطه فتدعمه وتراقبه؟.

لماذا يستشعر المواطن الثقة المفرطة في نفسه، بل والغرور في كثير من الأحيان، لدرجة أنه لا يخاف من رقيب ولا حسيب، فبتنا نفجع بأن مطعمنا المفضل قد أطعمنا على أقل تقدير “حمار أو جحش” أو حتى كلب بلدي؟ هل لغياب الدور الرقابي التنظيمي الإشرافي العقابي للدولة دور في ذلك التمادي والتجاوز لحدود الشرع والدين بل وحتى فقه التغذية؟

الحملات المعنية في كثير إن لم يكن في كل محافظات الأقاليم، تكون معلومة مسبقا بالوقت بالساعة والتاريخ باليوم بل ومن يقودها وعددهم “هكذا قال أحدهم”، فقد تسير في بعض الأحياء فتجد أن غالبية المحلات مغلقة، بحجة أن هناك تفتيش!!، هنا لا تكمن المشكلة، بل نجدها بين حروف عدة تساؤلات لعل أهما، كيف استطاع ذلك المطعم أو المحل أو “السوبر ماركت” أو حتى الكشك أن يفتح أبوابه للجمهور دون اللجوء للجهات الحكومية المختصة التي تمنحه الترخيص والتصريح وبالتالي الرقابة والإشراف؟، بل وكيف علم بالحملة الرقابية؟.

كيف لشخص أياً كان موقعه “ريف أو حضر” أن يقوم بإنشاء نشاط تجاري أو صناعي يمس الصحة العامة دون أن تعلم به أجهزة الدولة المعنية أو أن يجبر على أن يلجأ إليها كمحطة رئيسية من محطات تأسيس نشاط استثماري؟.

الوضع بات خطراً عزيزي القارئ، فالعبث بصحة الأمم أمر يدمرها من الداخل ويهدم بنيانها، بل ويصنع بها ما قد لا يستطع العدو صنعه، وقد تكون الكارثة مركبة إذا ما امتدت يد الفساد إلا منتج يتم تصديره إلى الخارج، فهذا أمر يفقد الدولة سمعتة منتجاتها وبالتالي تنافسيتها، وهذا أمر لا مبالغة لو قلنا أنه أحد أشكال هدم القوة الناعمة للدول.

طرحنا بعض التساؤلات التي نأمل أن تصل إلى صنّاع القرار، كما نأمل أن نعيش إلى يوم تكون فيه كافة المصالح الاستثمارية كبيرة كانت أو صغيرة أو حتى متناهية الصغر، لها ملف وتحظى بالدعم والإشراف والرقابة، حتى لا يصبح المنتج المحلي أكثر تدميراً للصحة العامة، والمنتج المعد للتصدير أكثر تدميراً للمصلحة العامة والسمعة والقوة الناعمة.

                                      نلقاكم في قعدة عرب أخرى.

                                                            عماد نصير 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى