مقالات

10يناير.. فتح مكة وانتصار الحق وتحطيم أصنام الجاهلية

بقلم : عبدالرحيم أبوالمكارم حماد الشريف

فتح مكة المكرمة كان الفتح الأعظم، حدث فاصل في تاريخ أمة الإسلام، أعز الله فيه دينه وأذل أعداءه، دخل الناس من أهل مكة على إثره في دين الله أفواجاً، وتغيرت المعادلة السابقة.. فبعد أن خرج المسلمون ونبي الله جماعات متفرقة سراً من مكة مهاجرين إلى المدينة فراراً بدينهم، عادوا إليها أعزة مكرمين، لم تستطع قريش الوقوف في وجوههم، بل سابق سادتها بقية الناس في الاحتماء من جحافل الإسلام التي أقبلت فاتحة في بيوتهم ودار أبي سفيان والمسجد الحرام.. وفُتحت مكة دون أن تُراق فيها الدماء، لتبدأ صفحة جديدة في تاريخ الدولة الإسلامية أصبحت فيها مُهابة الجانب تمتلك زمام أمرها.. فما من شيء يرد اعتبار الشخص وكرامته ويعلي شأنه أكثر من الجهاد وقتال الأعداء، وبذل الروح رخيصة في سبيل الله!
“واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إليَّ ولولا أن أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ”: كانت هذه آخر كلمات رسول الله لمكة وهو يغادرها مهاجراً إلى المدينة أولى معاقل الإسلام بعد أن حورب في مكة.. 8 سنوات غاب فيها الرسول الكريم عن مكة قبل أن يعود إليها فاتحاً.

جرى فتح مكة في يوم20 رمضان سنة 8 هجريا ، وذلك بمدينة مكة المكرمة بقلب الجزيرة العربية، والتي احتضنت أنوار الرسالة المحمدية منذ بعثه صلى الله عليه وسلم وحتى إيذائه وهجرته للمدينة، ثم عودته إليها منتصراً فاتحاً.

قاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،في 10 آلاف من أصحابه المسلمين؛ وقاد النبي بنفسه الفرقة الأولى، وقاد الفرق (الألوية) الأخرى : الزبير بن العوام (شمالًا)، خالد بن الوليد (جنوبًا)، أبوعبيدة بن الجراح (الشمال الغربي)، قيس بن ساعدة بن عبادة (الجنوب الغربي).

أسباب (فتح مكة)
كان فتح مكة جزء من سلسلة غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، لدعوة الناس إلى الإسلام، وإزالة الحواجز التي تصدهم عن رب العالمين، مصداقا لقول الله {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193].

لكن الغزوة هنا استهدفت بالتحديد تأديب قريش، بعد نقض صلح الحُديبية، ونصرتها لحلفائها من بني بكر؛ في عدوانهم على قبيلة خزاعة، المحالفة للمسلمين، برغم سريان الهدنة لمدة عشر سنوات بين الطرفين.

أحداث فتح مكة
يعد فتح مكة ملحمة كبرى من ملاحم تعظيم بيت الله الحرام، ونصر المؤمنين والذين خرجوا من ديارهم مستضعفين، وبسببه دخل الناس في دين الله أفواجًا.. ويمكننا تتبع أحداثه كما يلي:

نقض صلح الحديبية
في السنة الثامنة من الهجرة النبوية، هاجم رجل من بني بكر آخر من بني خزاعة، وكانت بين القبيلتين حروب في الجاهلية، ووصل القتال هذه المرة لحرم مكة، وتورطت قريش بإمداد حليفتها “بكر” بالسلاح.

وقد أخبر عمرو الخزاعي، رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما جرى، منشدًا:

وزعموا أن لست أدعو أحدا & وهم أذل وأقل عددا

هم بيتونا بالوتير هجدا & وقتلونا ركعا وسجدا

وقال رواة السيرة أن رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ قد أجابه: “نُصرتَ يا عمرو” واتجه نحو السماء قائلًا: “إن هذه السحابة لتُستهل بنصر بني كعب” فكانت تلك شرارة فتح مكة. (وبنو كعب من فروع خزاعة ).

أبوسفيان.. محاولة فاشلة لاستعادة الصلح
حدد رسول الله خيارات واضحة أمام المشركين؛ دفع دية من قُتل من خزاعة، أن تحل نفسها من عهد بني بكر، أو تعلن أن صلح الحديبية صار لاغيًا، فردت قريش بقبول الشرط الأخير!

وسرعان ما أدرك أبوسفيان حجم الورطة، فأسرع للمدينة في محاولة لطلب مد الصلح مجددًا؛ لكن فات الوقت، ورفض كل من أبي بكر وعمر وعلي التشفع له عند النبي، وجاء أن ابنته رفضت جلوسه على فراش النبي، باعتبار أبي سفيان “نجس” أي مشرك. .وهكذا عاد أبوسفيان لقومه آسفا لا يدري ما يفعل!

خطة نبوية محكمة لفتح مكة
وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم خُطة محكمة لفتح مكة، عملًا بقول الله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60].

وقد أمر المسلمين بالتجهز، وأمر أهله بتجهيزه، وحرص النبي على إخفاء الأمر عن أهل مكة حتى يباغتهم، حتى أن السيدة عائشة أخفت عن والدها ليعلم بأمر الغزوة من النبي نفسه.

وزيادة على ذلك فقد تمّ التخطيط للتعمية على العدو، كعادة النبي في غزواته؛ وقد أرسل – صلى الله عليه وسلم – سرايا إلى نجد وغيرها للتعمية على قريش.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، صائمًا، وصام المسلمون معه، حتى إذا كان بالكديد (موضع بقرب مكة)، دعا بماء في قعب وهو على راحلته فشرب والناس ينظرون، يعلمهم أنه قد أفطر ليتبعوه قائلًا: «إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا»

الرعب يضرب قريش
كان جيش الرسول الزاحف إلى مكة يتألف من نحو عشرة آلاف مقاتل؛ معظمهم من الأنصار، وكثير منهم من قبائل مزينة وجهينة وأسلم وبني كعب، إلى جانب المهاجرين، وقيل أن الفرسان شكلوا نحو ألفين وثمانين فارسًا.

نجحت خطة النبي، فلم تشعر قريش بالأمر حتى نزل جيش المسلمين قريبًا من مكة.وقد خلّف النبي على المدينة أبا رُهم الغفاري رضي الله عنه.

ولما مر النبي صلى الله عليه وسلم بمنطقة “مر الظهران” أمر أصحابه ليلًا بإيقاد النيران، وهذا ما أرعب عيون قريش.

إسلام أبي سفيان
أوفدت قريش ثلاثة رجال بينهم أبوسفيان لتجسس الأخبار؛ وقد حبس حرس رسول الله هؤلاء الرجال حين علموا بأمرهم.

وقد جاء أبوسفيان بدعوة من عم النبي العباس، طالبًا الصفح والأمان؛ (كانت محاولة من العباس لمنع صدام دموي مؤسف)؛ وبالفعل وجد ترحابًا حين سأله النبي مستنكرًا: «أما آن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟» و«أني رسول الله؟!»، كان أبوسفيان مقرا بالأولى، وواجد في نفسه من الثانية، لكن الله هدى قلبه لشهادة الحق أخيرًا.

طلب العباس من النبي أن يمنح أبا سفيان شيئًا يعيد له هيبته وعزته التي كانت؛ فأجابه النبي:

نعم:«من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن». فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى دُورِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِدِ

وكان من حكمة النبي أن دعا لتوقيف أبي سفيان «حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى المُسْلِمِينَ» (أي حشدهم وقوتهم) فشاهد كتائب المسلمين الخضراء واحدة تلو الأخرى، وقد ألجمته المفاجأة من كثافتها وعتادها الذي لم يكن مألوفًا عند العرب

ولما قال أبوسفيان للعباس: “وَاللَّهِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ الْيَوْمَ لَعَظِيمٌ” فرد عليه: “إِنَّهَا النُّبُوَّةُ”.(أي حشد للمؤمنين لا يبغون السلطان).

خرج أبوسفيان لقريش يصيح: “هَذَا مُحَمَّدٌ، قَدْ أَتَاكُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِه ” ودعاهم لأن يغلق كل منهم عليه بابه!!

كتائب المسلمين تتأهب للفتح
في ذي طوى، المنطقة التي تدعى اليوم في مكة بـ (الزاهر) وزع النبي الجيش على كتائب، كل كتيبة تمثل قبيلة، والنبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه من المهاجرين والأنصار في كتيبة، كان على الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة الزبير بن العوام، والرجّالة والحسّر الذين لا دروع لهم بقيادة أبي عبيدة.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم خالدًا أن يدخل من أسفل مكة – المسفلة- ويغرز رايته عند أدنى البيوت

وخاطب النبي الأنصار قبل الفتح بيوم قائلًا: « يا معشرَ الأنصارِ ، هل ترون أوباشَ قريشٍ ؟ قالوا : نعم . قال: انظروا . إذا لقيتموهم غدًا أن تحصدوهم حصدًا وأخفى بيدِه ووضع يمينَه على شمالِه . وقال : موعدكم الصفا».

كانت أوامر واضحة؛ فمن يتعرض للمسلمين عند جبل الصفا بمكة لن يتم التساهل معه، وكان ذلك الحزم لازمًا لإتمام الفتح.

خيل الله في مكة..
دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مكة يوم الفتح وذقنه تكاد تلامس راحلته، خشوعًا لله وتواضعًا.

ولما اكتمل نصاب الجند عند منطقة الحجون، حيث عسكر النبي، أمرهم بالتحرك نحو المسجد الحرام، وإزالة ما في الكعبة المشرفة وحولها من أصنام.

لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم، كان أول ما فعله الطواف بالكعبة، ثم حطم الأصنام بنفسه.

استلم النبي ركن الكعبة بمحجنه (عصا في طرفها عُقابة كالصولجان) وكبَّر فكبَّر المسلمون لتكبيره ورجعوا التكبير حتى ارتجت مكة تكبيرًا حتى جعل يشير إليهم رسول الله أن اسكتوا والمشركون فوق الجبال ينظرون.

طاف النبي بالبيت ومحمد بن مسلمة آخذ بزمام الناقة سبعًا يستلم الحجر الأسود كل طوفة بمحجنه،

ولما فرغ رسول الله من طوافه نزل عن راحلته ثم انتهى إلى المقام فصلى ركعتين، ثم انصرف إلى زمزم وقال: لولا أن تغلب بنو عبد المطلب لنزعت منها دلوًا فنزع له العباس دلوا فشرب منه وتوضأ والمسلمون يبتدرون وضوءه يصبونه على وجوههم والمشركون يعجبون ويقولون: ما رأينا ملكا قط أبلغ من هذا ولا سمعنا به.

معجزة سقوط الأصنام
خلال طوافه، أمسك النبي قوسا يطعن به ثلاثمائة وستون (360)صنماً حول الكعبة، ويقول: «{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}» [الإسراء: 81]. والأصنام تتساقط على وجوهها.

وقد أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – عمر بن الخطاب رضي الله عنه، زمن الفتح، أن يأتي الكعبة فيمحو صور الوثنية، فلم يدخلها النبي حتى محي كل ذلك.

ولما أكمل النبي طوافه، دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، فأمر بها ففتحت فدخلها، فرأى فيها الصور، ورأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل وكأنهما يقسمان على الأزلام(الأصنام التي عبدها الجاهليون) فقال: «قاتلهم الله، والله إن استقسما بهما قط»(أي كانا على دين التوحيد).

ولما أُزيلت صور الشرك والأصنام، أمر النبي بإغلاق باب الكعبة عليه، وبصحبته أسامة وبلال رضي الله عنهما، فاستقبل الجدار الذي يقابل الباب حتى إذا كان بينه وبينه قدر ثلاثة أذرع وقف وصلى هناك، ثم دار في البيت، وكبّر في نواحيه، ووحَّد الله، ثم فتح الباب.

بلال الحبشي يؤذن على الكعبة
بعد أن طهرت الكعبة من الأصنام، أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بلالا بن رباح رضي الله عنه، فأذن فوقها، مما هيج غيظ بعض سادة قريش ممن لم يتخلصوا من عنصرية الجاهلية، وتذكروا صاحبهم الذي كان سيدًا له.

(كان بلال عبدًا عندهم قبل الإسلام، واليوم يظهره الله ويصعد فوق الكعبة مؤذنًا، فيما هم يجلسون صاغرين في انتظار العفو أو الموت)!

ومن هذا التاريخ ظل النداء يتردد بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، داعيًا الناس للفلاح وخير العمل وهي الصلاة.

وقد سأل النبي عن عثمان بن طلحة، فلما جاءه قال له: «هذا مفتاحك،اليوم يوم بر ووفاء» وقال: «خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم» (وكانت لهم رفادة الكعبة فلم ينزعها النبي عنهم)

وفي هذه الحادثة نزل قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}[النساء:58]

خطب النبي في فتح مكة.. ومصير قريش
لما خرج النبي من الكعبة، كانت قريش قد ملأت المسجد صفوفاً ينتظرون ماذا يصنع، فأخذ بعضادتي الباب وهم تحته، فكبّر النبي ثلاثًا ثم قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده … » .

وكان الناس قد تكاثروا في المسجد، وكادت قلوبهم تنخلع من صدورهم من شدة الخوف، لكن النبي الذي جاء رحمة للعالمين، آثر العفو، وبداية صفحة جديدة.

خطب النبي بعد فتح مكة عدة خطب وردت بمرويات صحيحة، ومتواترة:

أولها كانت خطبته يوم الفتح على باب الكعبة بين فيها دية الخطأ في القتل، وألغى مآثر الجاهلية فقال: «ألا إن كلَّ مَأْثُرَةٍ كانت في الجاهليةِ تُذْكَرُ وتُدْعَى مِن دَمٍ ، أو مالٍ ، تحتَ قدميَّ ، إلا ما كان مِن سِقايَةِ الحاجِّ ، وسِدَانَةِ البيتِ . ثم قال : ألا إن دِيَةَ الخطأِ شبهِ العَمْدِ ما كان بالسَّوْطِ والعصا؛ مائةٌ مِن الإبلِ».

ثم تلا قول الله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }[الحجرات:13]

وقال بعض أهل السيرة أن النبي نادى قريش قائلًا : «يا معشر قريش: ما ترون أني فاعل بكم؟، قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء»

أهل مكة .. المبايعة على دين الله
بعد ساعات من الفتح، بدا عفو النبي سببًا مضاعفًا لمحبة المسلمين الجدد لهذا الدين العظيم، وصدق قول الله تعالى: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً}[الفتح: 1:3]

المبايعة: بدأ رسول الله بمبايعة الرجال، ثم جاءت النساء، وقد أخذ عليهم السمع والطاعة لله ولرسوله، وجاء مجاشع بن مسعود بأخيه مجالد ليبايع على الهجرة، فقال عليه الصلاة والسلام: «ذهب أهل الهجرة بما فيها» ، فقال: على أي شيء تبايعه؟ قال: «أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد»

ولما فرغ رسول الله من بيعة الرجال بايع النساء، وفيهن هند بنت عتبة متنقّبة متنكرة، على ألا يشركن بالله شيئا، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن، ولا يعصين في معروف، ولما قال النبي: ولا يسرقن قالت هند: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني ويكفي بنيّ، فهل علي من حرج إذا أخذت من ماله بغير علمه؟ فقال لها: «خذي من ماله ما يكفيك وبنيك بالمعروف»

ولما قال: ولا يزنين قالت هند: وهل تزني الحرة؟ ولما عرفها رسول الله قال لها: «وإنك لهند بنت عتبة؟» ، قالت: نعم، فاعف عما سلف عفا الله عنك.

وفي رواية أن النبي ما كان يبايعهن إلا كلامًا ويقول: «إني لا أصافح النساء، إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة»

نتائج فتح مكة

نشر الدعوة: كان الفتح أيضًا نقطة الانطلاق لنشر الإسلام لأرجاء العالم بعد أن كان محصورًا بجزيرة العرب.

فتح القلوب: علم الجميع حقيقة الدين وتلاقت العشائر التى تخاصمت ثم سالمت ثم آمنت فدخل الناس في دين الله أفواجا. 

التوحيد: خلَّص فتح مكة تلك البقعة المباركة من الشرك، وجعلها قبلة التوحيد الخالص، بعد أن هدم النبي الأصنام وأمر أصحابه باتباعه.

نصرة المؤمنين: كان الفتح إيذانًا بنصرة المستضعفين؛ وإلغاء التمييز إلا بالتقوى.

عفو النبي وإسلام قريش: كان الفتح سببًا بتحجيم رهبة قريش عند القبائل العربية، والتي ظلت تنتظر إشهار إسلامها إن أظهر الله نبيه على تلك القبيلة قائلين «انظروا فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق».

شعائر الحج: أصبح للمؤمنين حق دخول البيت والطواف، واكتسبوا شرف حماية البيت وخدمته بين العرب.

أحكام شرعية: توضحت من خلال فتح مكة جملة من الأحكام الشرعية المتعلقة بإمامة الصلاة ومدة قصرها للمسافر، وسنة الضحى، وإقرار النبي لأمان النساء بعد أم هانيء، ونكاح المشرك إذا أسلمت زوجته، وحكم الولد للفراش، وحق الزوجة في الإنفاق على نفسها، وتحريم بيع الخمر والميتة والأصنام، وتحريم الشفاعة في حد من الحدود، والنهي عن قتل المراة ما دامت لا تقاتل، وجواز دخول مكة بغير إحرام.

نتائج فتح مكة

ترك فتح مكة أثراً عظيماً في نشر الدعوة الإسلامية، إذ بدأ الناس في مكة المكرمة يدخلون في دين الله عز وجّل أفواجاً، وكان سيد قريش وكنانة أبو سفيان بن حرب، وهند بنت عتبة، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية ووالد أبو بكر الصديق رضي الله عنه وغيرهم الكثير ممن اعتنقوا الإسلام في أعقاب فتح مكة.

من نتائج غزوة فتح مكة أيضاً زوال دولة قريش ونفوذها عن مكة المكرمة وبسط الحكم الإسلامي عليها، وقويت شوكة المسلمين وأصبحت دولة إسلامية عظمى، ويعتبر اعتناق قريش للإسلام أمنية الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تحققت.

بقلم: عبدالرحيم أبوالمكارم حماد الشريف
إبن السلطان محمد شمس الدين ابوهارون الشريف الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي

الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى