عرب وعالممقالات

شكوك الصحفي

بقلم: عبد الستار حتيتة

هل تريد أن تعرف الفرق بين الصحفي وغير الصحفي. إن الأمر بسيط. ويتعلق بالشكوك والثقة! تعال إلى يوم 11 سبتمبر 2001.

كانت نقابة الصحفيين المصريين تعمل من مقرها المؤقت قرب منطقة الترجمان بالقاهرة. كان يوم ثلاثاء. وكان العمل مع رئيس تحرير صحيفة الأهالي، الراحل، نبيل زكي، أمراً متعباً.

تصدر الأهالي، من ميدان طلعت حرب، صباح كل يوم أربعاء. أي يقوم العامل المختص بالتوجه إلى مطابع الأهرام عصر يوم الثلاثاء من أجل طباعة الصحيفة، وخروجها إلى الباعة بحلول الليل.

لم يتبق غير الأستاذ زكي في مقر الصحيفة في ذلكم اليوم. إنه يضع اللمسات النهائية على عدد الأهالي الجديد. وكان غالبية العاملين يرون فيه رجلاً دؤوباً ومتشككاً أكثر من اللازم.

قام زكي منذ بدأ رئاسته لتحرير الأهالي بتحقيق توزان بين هذه المطبوعة الأسبوعية وبين آخر خبر يهم الناس. إنها معادلة صعبة أن تجعل صحيفة تحقيقات، تهتم بالخبر.

لا بد من الإشارة إلى أن الانترنت في الصحف المصرية كان ما زال بدائيا. لم يكن لدى عديد الصحف مواقع الكترونية. كان في مكتب نبيل زكي جهاز كمبيوتر متصل بالانترنت وطابعة. يستخدم هذه التقنية الدخيلة على عالم الصحافة في متابعة ما يجري في الدنيا. يطبع بين حين وآخر مقالات وتقارير من مواقع انترنتية عالمية. كان من أبرز المواقع الإعلامية على الانترنت، موقع قناة “سي إن إن” الأمريكية.

بقي الأستاذ زكي في مكتبه، وحده، باعتبار أن يوم العمل قد انتهى، وأن العامل على وشك أخذ أصول الصحيفة لطباعتها في الأهرام. توجه الزملاء إلى المقر المؤقت للنقابة، على بعد نحو عشرين دقيقة مشياً على الأقدام. كانت النقابة مفتونة هي الأخرى بعالم الكمبيوتر والانترنت. لديها قاعة للمتابعة. ومن وراء الشاشة الزرقاء ظهر على الموقع الأمريكي، بخط أحمر كبير، إشارة تعني الكثير، وهي “أخبار عاجلة”.            

وبعد نحو ساعتين كانت معظم صحف الأربعاء قد بدأت تنتشر لدى باعة الصحف، دون أن تلحق بأخبار الهجوم الضخم على مقار تجارية وأمنية في أمريكا، ما عدا الأهالي. خرجت بعنوان كبير، مع صور، على صدر صفحتها الأولى عن تدمير طائرات لبرجي التجارة. وتفاصيل كثيرة على الصفحة الأولى، وتفاصيل أخرى في الصفحات الداخلية.

يا إلهي.. من قام بكل هذا المجهود التحريري الخرافي؟ ومن تمكن من تغيير وتعديل خارطة الصحيفة وتبويبها في اللحظات الأخيرة؟ إنه نبيل زكي!

وفي اجتماع التحرير صباح يوم الأربعاء كان يمسك بعدد الصحيفة فرحاً، ولم يوجه اللوم إلى أي أحد من الصحفيين، ولكنه ذكر قصة عن الرجل الذي عمل معه لسنوات في صحيفة الأخبار، الأستاذ موسى صبري. كان صبري صحفياً مخضرماً. ماذا يفعل؟ باختصار: لا يثق في أي شيء!

لو كان زكي واثقاً، أي لو كان مجرد موظف، لما حرص على البقاء في مقر الصحيفة حتى آخر لحظة. ولما تمكن من مواكبة الحدث، وتغطيته، والتغلب على الصحف الأخرى التي كان لديها إمكانيات كبيرة، بما فيها الصحف اليومية.

إن الشك في أن هناك أمراً ما يهم الناس، يمكن أن يحدث في اللحظات الأخيرة، من المميزات الأساسية للصحفي. وهنا تقترن سرعة النشر بالدقة في التحري. وهي، على كل حال، خصال مكروهة لدى طائفة الموظفين، خاصة أولئك الفاسدين، وهم كثر، ليسوا في بعض الدواوين فقط، ولكن أصبحوا في عدة مؤسسات صحفية أيضاً.     

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى