تقارير و تحقيقاتعرب وعالم

الزراعة الأوكرانية تئن فى زمن الحرب: القائم بأعمال السفارة الأوكرانية يكشف لـ اليوم تأثير الهجوم الروسي على الأمن الغذائى العالمى

روسلان نيشاى: الإمبراطورية الروسية تضغط على العالم بالأمن الغذائى من أجل مطامعها

المزارعون الأوكرانيون بدأوا الزراعة فى 11 محافظة رغم الهجمة العسكرية

السيناريو الذى تسعى كييف لتحقيقه على الأرض بخلاف وقف إطلاق النار

أجرت الحوار: مروة محي الدين

الحرب…!

ذلك الواقع المقيت الملئ بالموت والدمار، يشتعل لهيبها هذه الأيام فى الكتلة الشرقية من العالم بين روسيا -الدولة الغازية التى تلوح بقدراتها النووية، وجارتها “أوكرانيا”- الدولة ذات الكنوز والموارد الطبيعية الغنية التى كانت على وشك الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى (الناتو) أو الاتحاد الأوروبى، بيد أن الحرب التى أعلنتها روسيا حالت دون امتلاك جارتها تلك القوة السياسية والعسكرية، وكانت أسباب حربها المعلنة هى حماية أمنها القومى، فهل كانت الأمن القومى الروسى مهددا بالفعل؟ أم أن هناك أسباب أخرى اشعلت فتيل الحرب؟…

سؤال طرحته “اليوم” على السيد “روسلان نيشاى”- القائم بأعمال السفير الأوكرانى بالقاهرة- فقال: “ما يحدث الآن ليس صراعا محليا صغيرا، إذ يمتد خطره على العالم أجمع، فبالأساس يحتاج الكرملين إلى منفذ دائم لمياه دافئة وبحر غير متجمد، من أجل وجود الإمبراطورية الروسية وتوسعها. وهو ما وجده فى أوكرانيا فهى أكبر دولة أوروبية من حيث المساحة التى تبلغ 603.548 كيلومتر مربع أى أنها أكبر من فرنسا، فمساحة إقليم الدونباس وحدة -البالغة 52.3 كيلومتر مربع- أكبر من مساحة سويسرا، هذا بخلاف الموارد الطبيعية وهو ما يجعلها مثالية لمطامع الإمبراطورية الروسية”.

– أتيت على ذكر الموارد الطبيعية الأوكرانية، فهل لك أن تطلعنا على أهمها؟

نيشاى: “تمتلك أوكرانيا أكبر احتياطى مؤكد من خام اليورانيوم، وثانى أكبر احتياطى من خام التيتانيوم فى أوروبا وعاشر دولة فى العالم فى هذا الخام، وثانى أكبر دول العالم فى احتياطى المنجنيز (يقدر بنحو 2.3 مليار طن أو 12٪ من الاحتياطيات العالمية)، وبالمثل خام الحديد فى العالم (30 مليار طن)، وثانى أكبر احتياطى فى اوروبا من الزئبق، وكذلك المركز الثالث فى أوروبا (13 عالميا) فى احتياطى الغاز الصخرى (22 تريليون متر مكعب)، والسابع عالميا من حيث احتياطى الفحم (33.9 مليار طن)، كل هذه المعادن تجعل من أوكرانيا منجما للكنوز المعدنية”.

– ماذا عن النشاط الزراعى وكيف تأثر بالحرب؟

نيشاى: “أوكرانيا تمتلك مركزا متميزا فى الحاصلات الزراعية، ما لا يقف تهديده عند حدود أوكرانيا، لكنه يهدد العالم بمجاعة عالمية بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية. فأوكرانيا خامس أكبر مصدر للقمح فى العالم، حيث تبلغ قيمة صادراتها 10% من الصادرات العالمية. كما تعتبر أوكرانيا من أكبر الموردين الرئيسيين للذرة التى تمثل 15% من صادرات الذرة العالمية. ولذا إذا لم تتوقف الحرب، سيواجه العالم بأسره أزمة غذائية حتما. وعلى سبيل المثال: أعلنت الحكومة الكاميرونية أن الحرب الروسية ضد أوكرانيا قد تسببت بالفعل فى نقص القمح، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الخبز بنسبة 40%”

– ماذا إذا أوقفت حالة الحرب الإنتاج الزراعى؟

نيشاى: “على الرغم من أعمال القتال العنيفة على أراضى أوكرانيا، بدأ المزارعون الأوكرانيون الزراعة فى 11 محافظة، وذلك تحت ضربات صواريخ الجيش الروسى، حتى فى مناطق الأعمال القتالية العنيفة فى محافظات “خيرسون وزابوروجيا وميكولايف”. وهو ما قد يصعب على الناس فى البلدان البعيدة عن هذه الحرب تصديقه، لكن الأمر فى الواقع على هذا النحو. لذا على العالم المتحضر بأسره أن يدعم أوكرانيا فى هذه الظروف الصعبة، لأن البذر أثناء قصف الجيش الروسى ليس أمرا سهلا. وتدرك روسيا جيدا التهديدات التى يتعرض لها الأمن الغذائى العالمى وتستخدمها لابتزاز المجتمع الدولى. فقد أضحت أسعار الحبوب أعلى مما كانت عليه منذ أزمة الغذاء عام 2008. وما لم يتوقف عدوان الجيش الروسى لن تتمكن أوكرانيا من القيام بعمليات البذر بشكل كامل”.

– ماذا عن رعاية الحاصلات الزراعية فى زمن الحرب؟

نيشاى: “قبل الحرب بلغت حصة أوكرانيا من الصادرات العالمية 9٪ من القمح و16٪ من الذرة و55٪ من زيت عباد الشمس، لكن بعد الحرب بكل أسف تتعمد موسكو تدمير الآلات الزراعية ومخازن الأغذية والحبوب، كما تستهدف البنية التحتية اللازمة لتصدير المنتجات الزراعية إلى بلدان أخرى مثل الموانئ البحرية مثلا، وكل ذلك من أجل إفشال تسليم الحبوب والمنتجات الزراعية بسلاسة إلى الشعوب التى تحتاجها. ما يمثل قلب التهديد للعالم”.

– إذن هل أنتم تؤكدون على أن نيران الحرب طالت العالم أجمع؟

نيشاى: “تسببت حرب روسيا الدموية ضد أوكرانيا فى قدر كبير من المتاعب، ليس فقط للأوكرانيين ولكن أيضا لشعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذين بدأوا بالفعل يشعرون بآثار العدوان الروسى، حيث ارتفعت أسعار الخبز والسلع الأساسية الأخرى، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تدمر الأعمال العدائية المحاصيل المستقبلية بشكل خطير، خاصة إذا استمرت الحرب حتى بداية موسم الزراعة فى أبريل مما سيؤدى إلى تفاقم أزمة الغذاء فى جميع أنحاء العالم.

– ماذا عن أنشطة الإنتاج الأخرى التى تأثرت بالحرب؟

نيشاى: “أوكرانيا بها ثالث أكبر شركة فى أوروبا وثامن أكبر شركة فى العالم من حيث القدرة المركبة لمحطات الطاقة النووية، وهى رابع أكبر مصدر فى العالم لتوربينات محطات الطاقة النووية، وهى الدولة الأولى فى أوروبا لإنتاج الأمونيا، وبها عاشر أكبر منتج للصلب فى العالم (32.4 مليون طن)، بالإضافة إلى الأنشطة الصناعية الأخرى، لكن هذه الأنشطة الاقتصادية توقفت بفعل الحرب، وهى أحد أهم خسائر العالم من هذه الحرب”.

– ما رؤيتكم للعقوبات الغربية على روسيا؟

نيشاى: العقوبات الغربية المفروضة على روسيا شرعية تماما وتتطابق مع القانون الدولى، ردا على الحرب الدموية التى تشنها، وأفضل ما بها انها عقوبات شاملة على الاقتصاد الروسى وكبار المسؤولين الروس والأوليجارشيين المقربين من الكرملين، فقد فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وكذلك عدة دول أخرى عقوبات جديدة تطال الشخصيات والقطاعات الروسية المحددة، ووصلت لتجميد أصول الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والمقربين منه، كما وصلت إلى قطاع الصناعة الدفاعية الروسية. وجاء كل ذلك بناء على وقائع انتهاك روسيا لعدد من المعاهدات الدولية والقانون الدولى الإنسانى وقوانين الحرب. لكننا نرى كل يوم محاولات روسيا البائسة للتملص من مسؤوليتها عن مقتل آلاف الأوكران على يد جيشها، وتدمير البنية التحتية، وإحداث كارثة إنسانية فى أوكرانيا”.

حدثتنا عن انتهاك قوانين الحرب من الجيش الروسى فهل تطلعنا عليها من قريب؟

نيشاى: “أفادت مفوضة البرلمان الأوكرانى لحقوق الإنسان بأنه حتى 28 مارس قتل 143 طفلا، وأصيب أكثر من 216 طفلا أخرين فى الأعمال العدائية فى أوكرانيا التى تستمر منذ 24 فبراير الماضى. وهو ما يعد انتهاكا يرتكبه الجيش الروسى فى اوكرانيا كل يوم، إذ أنه خلال خلال النزاعات المسلحة يخضع الأطفال لحماية مختلف فروع القانون الدولى”.

– إذن هل انتهكت روسيا قوانين حماية الأطفال خلال الحرب؟

نيشاى: “ليس قوانين حماية الأطفال ولكن قانون المحكمة الجنائية الدولية، فاعتبارا من 28 مارس هناك أسباب كافية للاعتقاد بأنه خلال العدوان الروسى على أوكرانيا، ارتكبت القوات المسلحة الروسية ما لا يقل عن (3) ثلاثة انتهاكات من أصل (6) ستة أنواع من الانتهاكات ضد الأطفال أثناء النزاعات المسلحة: قتل الأطفال وإصابتهم، والهجمات على المدارس والمستشفيات وعائلاتهم، والحرمان من المساعدات الإنسانية. تشكل هذه الانتهاكات ضد الأطفال جرائم حرب بموجب المادة 8 من نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية. أن مجرمى الحرب فى روسيا لا يستحقون العفو بل العقوبة الجنائية والإكراه المعنوى”.

– ما هو السيناريو الذى تسعى أوكرانيا لتحقيقه على الأرض بخلاف وقف إطلاق النار؟

نيشاى: “لا يزال مطلب إنهاء الحرب -التى شنتها روسيا- أولوية أساسية لأوكرانيا. فقد عقدت ست جولات من المفاوضات الأوكرانية الروسية حتى الآن. وفى الجولة الأخيرة من المفاوضات فى 29 مارس، قدم الجانب الأوكرانى رسميا مقترحاته، بشأن النظام الجديد للضمانات الأمنية لأوكرانيا وهى:

1. يتم النظر فى معاهدة دولية موقعة ومصدقة عليها من كل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والصين، وروسيا بصفتهم أعضاء فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكذلك تركيا وألمانيا وكندا وإيطاليا وبولندا وإسرائيل، مع إمكانية انضمام دول أخرى إليها. إذ تصبح هذه المعاهدة آلية مطورة للناتو فى المشاورات والالتزامات الملزمة قانونا، لتقديم المساعدة العسكرية فى حالة الهجوم على أوكرانيا.

2. لن تغطى الضمانات الأمنية الدولية حاليا أجزاء من الأراضى التى تحتلها روسيا مؤقتا فى منطقتى دونيتسك ولوهانسك بأوكرانيا وشبه جزيرة القرم.

3. تدعم جميع الدول انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبى.

4. خلال الخمسة عشر عاما القادمة، سوف تتفاوض أوكرانيا وروسيا بشأن وضع شبه جزيرة القرم، مع الالتزام التام بعدم استخدام القوة لحل المشكلة.

5. تتم مناقشة مسألة مناطق معينة فى منطقتى دونيتسك ولوهانسك خلال الاجتماع الشخصى للرئيس زيلينسكى والرئيس بوتين.

6. يتم التوافق على جميع مقترحات السلطات الأوكرانية مع المجتمع الأوكرانى من خلال الاستفتاء.

وستستمر المفاوضات مع روسيا والمشاورات مع الدول الضامنة المحتملة فى الأسبوعين المقبلين.

هكذا أنهى “روسلان نيشاى”- القائم بأعمال السفارة الأوكرانية فى مصر- حواره مع “اليوم” بالرؤية الطموحة لأوكرانيا حول إنهاء حالة الحرب، الحرب التى يراها من وجهة نظره حربا على العالم أجمع، لكنها تدور داخل الحدود الأوكرانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى