تقارير و تحقيقات

“الستات الشقيانة” عنوان يحمل من الخبابا والأسرار.. نكشفها في اليوم العالمي للمرأة

نورا سعد – سامح الألفي

الكفاح حين ينبع من قلب امرأة لطفلها لايقارن بغيره.. إذ تمتلئ الطرق كل يومٍ بنساءٍ تتصب عرقًا بأجنحة الشوارع وتتجول بالأرصفة لجلب قوت أطفالها، وتحارب من أجلهم في مواجهة قسوة الحياة.

لذا كان لزامًا علينا في اليوم العالمي للمرأة، أن نكرّم “الست الشقيانة” المكافحة التي تشق الصخر لتربية أبنائها لتصل بهم لأعلى المراتب، وهي التي نالت من وجع السنين ما نالها، ولاقت من حرقة القلب ما لاقته.

كاميرا “اليوم” ترصد بعض الحالات التي ضربن مثالًا حيًا للمرأة الحديدية عن جدارة واستحقاق.

بائعة الجرجير:

بمدخل سوق الدراسات نجد زينب معوض 54عاما، تبيع بعض من “حزم الجرجير” للمارة وتنادي بصوت أهلكه الزمن قائلة: “الجرجير له مفعول خطير” بابتسامة مميزة لا تفارقها، اقتربنا منها وسألناها لنستطلع ماذا تخبئ خلف هذه الإبتسامة، لتبدأ في سرد قصتها دون تردد أنها ترعى 4 أبناء، أكبرهم بكلية التربية، وأصغرهم بالصف الخامس الإبتدائي، رحل والدهم إلى بارئه منذ 14 عاما، واستكملت هي رحلتها معهم فكانت لهم الأب والأم معا، حريصة كل الحرص على تعليمهم حتى لا يواجهوا مستقبلا شاقا قائلة: “يبقى في إيدهم شهادة تنفعهم في الزمن”.

رحلة يومية مع الشقاء

لافتة أن هذا ما كان يسعى إليه والدهم أيضا، مشيرة إلى أنها استمرت خلال الـ 14 عاما الماضية تستيقظ بالفجر تعد الفطور لأبنائها ويرتدوا ثياب المدرسة، ثم تذهب بهم إلى مدرستهم، لتتوجه بدورها إلى حقل ببلدة مجاورة لها، من قرى سندوب بالدقهلية، وتحمل حزم الجرجير على رأسها، وتذهب بها إلي سوق الدراسات يوميا في الصباح الباكر وحتي الثانية ظهرا ثم تعود لمنزلها تعد لأبناءها الغذاء وتشرف على إتمام واجباتهم المدرسية، لتعود مرة أخرى تستكمل مسيرتها بالسوق الذي يظل يعمل، وتعود منزلها مرة أخرى مع آذان العشاء، تعد العشاء لأبنائها وتعرف ما حدث معهم خلال اليوم الدراسي ثم تتركهم للخلود للنوم وهكذا يسير يومها.

أفطر رمضان في الشارع من أجل أبنائي

وتكمل حديثها أن الأمر يزيدها ألما بامتداد العمر، وعدم قدرتها على الذهاب للحقل والعودة للسوق ثم للمنزل إذ أنها تعاني من آلام بالعظام، لافته أن أكثر ما يؤلمها حينما لا تستطيع الفطور مع أبنائها، بشهر رمضان فتفطر في الطرقات بينما هم مع الجيران، وتنهي حديثها أن كل ما تريده أن ترى أبنائها من حاصلي الشهادات العليا وبمراتب مرموقة وأن تجد من يساعدها على إجراء عملية بالركبة.

شاوية السمك:

على الناحية المقابلة من السوق نجد زينب حسن وهي امرأة مسنة تبلغ نحو 60 عاما، تجلس أمام فرن كبير، يصطف أمامها الزبائن ويختصونها دون غيرها، وعندما أوشكت على الإنتهاء طالبناها ببعض الوقت لتحكي لنا ما وراء هذه النار الصاخبة.

هروب الزوج من المسؤولية

تبدأ حديثها أنها لم تكمل تعليمها من أجل رعاية أخواتها، وظروف والديها الصحية، لافتة أنها تزوجت بسن ال20 عاما، من رجل مزارع بذات القرية، متابعة أنه كان يعاملها بالحسنى، واستمر زواجهم 17 عاما، يذهب صباحا للعمل وترعى هي الأبناء، كان يأتي لهم بكل ما تشتهى الأنفس، ورأت به السند والوتد الذي يشتد به أزرها، إلى أن لعبت المقادير بحياتها ورمتها جانبا وتحول هذا الزوج الحنون وبدخول سيدة أخرى حياته جعلته يترك أبنائه وفتاة أحلامه خلفه، ومنزله الذي عاش يحلم باستقراره وأمانه أمام مهبات الريح، فأصبحت تستعد لتداوي جرحها، وتقف أمام الحياة لرعاية 4 أبناء بمفردها، بدأت تمارس المهنة التي تتقنها وهي “شي السمك”.

ابنتها طبيبة .. ربيتهم من شوي السمك

وأصبحت على هذه الحال ليلها كنهارها، تذهب في الصباح الباكر بعد خروج أبناءها للمدارس، مودعة أبنائها مع إحدى جاراتها، وتعود هي عند غروب الشمس، وهكذا تستمر الحياة، معها ومع إصرارها أن تواجه الحياة دون الإحتياج لأحد هكذا أرادت، وإن لم تكن تنوي تعليم أبنائها فتؤكد أن هذه الأزمة شجعتها على أن تصل بهم لأعلى المراتب العلمية، دون اللجوء لأحد لتكد ليلا ونهارا ويدخل أبنائها الثانوية العامة، دون أن تلجأهم للعمل، لترى ثمرة جهدها الكبرى سلمى طبيبة، والإبن الثاني طالبا بكلية الآداب قسم الآثار، والثالث بكلية التربية، والصغرى بالثانوية العامة، واختتمت حديثها بأن ما ترى عليه أبنائها الآن من مهنتها البسيطة كان خير دواء لأزمتها، واستطاعت اجتيازها رغم ضغوطات الحياة وقلة حيلتها.

شاوية السمك بسوق الدراسات

قتل زوجها فحملت المسؤولية

بينما تسير جانبا من السوق ترى فتاة عشرينية ترتدي زيا أسود اللون وتضع أمامها حبات من “كوز العسل”، هذا المشهد الذي يجعلك لا تتردد في الإقتراب منها لتتعرف إلى قصتها، وإذا بها مثل الشعلة التي أضاءت في ظلام حالك وبدأت تحكى بحرقة ودموع منهمرة أنها تفكر فى أطفالها الرضع الذين تركتهم مع جارتها، وأتت تسعى على قوتهم بعد مقتل زوجها، على يد رفقاء له وهو عائدا من عمله ببورسعيد وتقول إنها حتى الآن تسمع عن “الأيام الحلوة” ولكنها لم تر منها يوما منذ طفولتها، فتبدأ بسرد حكايتها وتقول إنها كانت تساعد والدها لدى ملاك الأراضي الزراعية منذ الصغر فهي البنت الوحيدة، وتعود للمنزل عصرا لتساعد والدتها المريضة في أعمال المنزل، هكذا كانت طفولتها بين المزارع والمنزل لافتة أنها كانت تود أن تكون كسائر الأطفال لديها ألعاب وأصدقاء ومدرسة، إلا أنها حرمت من هذه المتع مبكرا، وأصبحت “شقيانة” منذ نعومة أظافرها، حتى تقدم لخطبتها أحد الأشخاص الذي رأوه مناسبا لها، وتتزوج الفتاة وتبدأ مسيرة جديدة بحياتها مع الزوج المتواضع الذي أنجبت منه 3 أبناء، الصغرى عامين على الأكثر، ثم يتركها الزوج رغما عنه بعد تعرضه لغدر أحد رفاقه ومقتله بعد سفرهما سويا.

المرأة تقهر ظروفها

لتبدأ مسيرة ثالثة بحياتها بالعمل وتربية الأبناء، وبدأت النزول بالأسواق وبيع فاكهة ” كوز العسل” حيث رأتها فاكهة مميزة وغير باهظة الثمن فالجميع يقتدر شراؤها فلا يرهقها الرجوع دون بيعها، ويكون ناتج الرزق مقسما بين قوت أطفالها، وقسط إيجار منزلها، متمنية القدرة على تربية أبنائها بمفردها واستطاعة تعليمهم وتابعت طيلة حياتي لم يتركني الله لأنني لم أتركه أيضا وكان نعم وكيلي عن البشر الذين بعدوا عني خوفا من احتياجي لهم وهم الأقربون لي، قائلة أن المرأة عندما تتحدى ظروفها تصل لجميع أهدافها.

فتاة كوز العسل
ستات شقيانة بسوق الدراسات بالمنصورة
ستات شقيانة بسوق الدراسات بالمنصورة
ستات شقيانة بسوق الدراسات بالمنصورة
ستات شقيانة بسوق الدراسات بالمنصورة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى