غير مصنف

الشهيد الحي.. رحلة بطل من أبطال أكتوبر المجيد

«أموت شهيد وتعيش بلدي حرة».. بهذه الكلمات بدأ بطل حرب أكتوبر سعيد محمود (من سكان الإسكندرية) حكاياته عن ذكريات النصر المجيد.
البداية :
تخرج «محمود» من كلية الآداب في جامعة الإسكندرية، ليبدأ رحلة جديدة تغير مصير حياته، وهي الخدمة العسكرية، وبعد تقديم الورق المطلوب تقرر اللجنة إدخاله في سلاح الجو، ومن هنا ذهب إلى مقر الكلية الجوية لتلقي التدريبات اللازمة.
وبعد ذلك انتقل إلى قسم الأرشيف ، ويشاء القدر أن يقع في يده أحد الملفات التي غيرت سير حياته الهادئة والتي كانت تحمل اسم «ضحايا النكسة» وكان عبارة عن ألبوم صور ومجموعة من الخطابات الممزقة.
مشاهد من الواقع قبل اكتوبر:
وقال «سعيد» إنه رأى صورة لجنودنا البواسل مكبلين الأيدي وملقون على الأرض لتدوس عليهم دبابة برمائية، ومرفق بها خطاب لأحد الجنود كتب فيه «كنت أستمع إلى أصوات تهشم جماجمهم»، وأخرى لجندي عار تمامًا، جرده جنود الاحتلال من ملابسه وربطوه بحبل وأخذوا يسحلوه في الصحراء لينتهي الأمر بذبحه.
«كنت أرى الصور ويتساقط دمعي »، كلمات قالها سعيد للتعبير عن الشعور الذي اتنابه حين رأى الصور، فهَم بعدها لتوجيه طلب لقائده يطلب منه أن يدفع به للجبهة، إلا أنه رفض في البداية وأخبره أن مكانه في الأرشيف أكثر أمنًا؛ لكنه رفض الأمر وتوسل إليه للذهاب، وبعد أيام وافق قائده ورحل كضابط في «البلونات الحديدية» بسلاح الجو.
وتابع انه أتت إليهم تعليمات بلعب الكرة على البحر وخلع الخوذ على الجبهة وترك السلاح، وظللنا على هذا الحال يومًا كاملًا، حتى جاءت التعلميات الثانية في تمام الساعة التاسعة ونصف في صباح 6 أكتوبر، حيث خرج كل قائد وضابط لجنوده ليحثهم علي الأستعداد في هذا الوقت خلال طرح التعليمات، كان هناك سؤال واحد يقصه الجميع على بعضهم «من سيكون الشهيد الاول ؟».
وجد سعيد صديقه يوسف حتي يسأله عن حاله وعن نظرات التوتر التي تعلو جبهته، ليضمه إلى صدره ويطلب منه أن يكون بخير، وأن يلوذ بنفسه في منطقة آمنة يواجه فيها دون أن يكون في مرمي النار.
بداية الملاحم البطولية:
واستكمل: « لم يكن في حسبان أحد أن تكون ساعة الصفر هي الساعة إثنان وخمسة ظهرًأ، وعند تلقي إشارة ساعة الصفر تفاجئو بالطائرات التي أتت من القاهرة ومن كل القواعد الجوية في مصر إلى سيناء تطير فوق روؤسهم، ومنذ هذه اللحظة بدأت الحرب حتى يوم 22 أكتوبر،
واستطرد: «الوحدة قررت مواجهة الدخلاء والاشتباك معهم في هذه اللحظة، وأصيب صديق عمري يوسف بسبع طلقات في الرقبة، وفي اللحظة اللي شوفته فيها كان مترنح بتطلع في الروح، وماسك الرشاش وموجهه في صدر الجنود؛ ليصيب ثلاث جنود ورسم الابتسامة على وجهه واستشهد».
هَم حينها «سعيد» ليحمل صديقه على كتفه بعدما كادت رقبته أن تنفصل عنه؛ لحمايته من الخطف على يد جنود الاحتلال لتصويره في تل أبيب والتمثيل بالجثمان، ليضربه طيار العدوان بالطلقات وعلى ظهره الجثة التي تلقت 3 رصاصات بدلًا عنه، كما أصيب «سعيد» بطلقتين في مفصل الكوع.
بعد هدوء الوضع والسيطرة على الموقع دخلت سيارة الإسعاف لحمل المصابين الذين بلغ أعدادهم 6 مصابين، إلا أن طيران العدو لم يلتزم بقرار وقف إطلاق النيران على القوافل الطبية، وضرب سيارة الإسعاف بصاروخ جو بر، لتنفجر ويستشهد كل من فيها إلا أن سعيد كان المقاتل الوحيد غير المربوط في المقعد ما جعل جسده يهوى ليرتطم بصخره كبيرة تفتح رأسه، وعدة شظايا في الحوض إثر إصابته.
مات وعاد مجدداً:
وتابع أنه ظل 3 أيام ينزف في الصحراء حتى وجده أحد القادة العسكريين على الطريق خلال مروره في جوله تفقدية، ومن ثم أخذوه إلى المستشفى العسكري الميداني بمدينة السويس، ومكث حينها 8 أيام في غرفة العناية المركزة، وفي الليلة الآخيرة توقف قلبه عن الدق وظنوا أنه استشهد حاملًا لقب رقم «4440».
ومن ثم بدأت عادات الدفن المتبعة، وجهزوه في الكفن ولم يكن متاحا أن يوضع في كيس بلاستيكي مخصص لحفظ الجثث، ولفوه بغطاء سرير.
وبعد 3 أيام جاءت سيارة نقل الموتي وخلال حمل الجثمان وجدوا جثته ساخنة ما جعل السائق يخبر الطبيب أن هناك شخص ما على قيد الحياة، وبالفعل جاء الطبيب ووقع الكشف الطبي، فوجد أن قلبه قد عاد من جديد للعمل، وعلى الفور وجهه إلى غرفة الإنعاش وظل فيها 4 أيام ليعود للحياة بشكل طبيعي.
رد الجميل :
بعدها نقل إلى مستشفى السلاح الجوي العسكري، ليكون في استقباله العقيد الطبيب محمد أحمد رامي، والد الشاعر الكبير أحمد رامي ويبدأ في علاجه، كان حينها إصابة يديه قد مر عليها وقت طويل، وشخصها الأطباء أنه يجب بترها، إلا أنه سحب الملف وكتب فيه «اليد التي حملت السلاح لتحرير الوطن وردت لنا كرامتنا لن تقطع أبدًا لكن يجب أن نقبلها»، وبالفعل تم علاجه ولم تبتر يده، وزاره عدد كبير من الفنانين والشعراء على رأسهم أم كلتوم وشادية، وعاد لكرموز وسط حفاوة شعبية كبيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى