مقالات

النسبية والقرآن..بقلم د/ محمد فاروق حماد

مما أثار انتباهي حينما قرأت عن نظرية النسبية للعالِم الشهير ألبرت اينشتاين، التي تتحدث عن اختلاف الزمان والمكان حسب السرعة والتي ربطت بينهما تحت مسمى (الزمكان) وأن سرعة الضوء أكبر سرعة في الكون تم اكتشافها إلى الآن، قلت في نفسي – واحسب أن أحدا لم يتطرق إلى فكرتي من قبل – أن هذه النظرية (النسبية لأينشتاين) تتفق مع ما ورد في القرآن الكريم في ذكر اختلاف مقدار الأيام. أي أن الله تعالى ذكر في القرآن الكريم أن اليوم يمكن أن يكون ألف سنة أو خمسين ألف سنة أو أكثر أو أقل من ذلك رغم أن اليوم كما نحسبه على الأرض بأربعة وعشرين ساعة تقريبيا. لكن وجدت أن كثير من علماءنا تطرقوا إلى هذا الأمر، بل وابعد من ذلك بكثير.

فالله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم:” وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ” (الحج – 47) وكذلك قوله تعالى “يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّوْنَ” (السجدة – 5) ويقول أيضا: “َتعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ” (المعارج – 4) أي أن الملائكة يستطيعون الانتقال بين السماء والأرض بسرعة فائقة، أي قطع مسافات بعيدة جدا في يوم واحد بمقدار 50,000 سنة، وكذلك قوله تعالى: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ” (ق – 38)، فربما يكون اليوم هنا كألف سنة مما نحسب نحن أو أكثر من ذلك أو حتى ربما أقل من يومنا هذا فالله تعالى يقول للشيء (كن فيكون) في نفس الوقت واللحظة.

وتتحدث النظرية النسبية أيضا أنه يمكن السفر عبر الزمن، حيث يحدث تباطؤ للزمن كلما ازدادت السرعة، حتى إذا وصلت لسرعة الضوء فيتوقف الزمن لدى الشخص المسافر وبالتالي تتوقف حركة نموه، وهذا يشبهنا بما حدث مع أصحاب الكهف بعد أن استيقظوا من ثُبات نومهم العميق كأنهم ناموا يوما أو جزء من يوم “قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ”(الكهف – 19) فقط بينما وجدوا قومهم قد أفنوا جميعا وتغير كل شيء، وهم في الحقيقة “وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا” (الكهف – 25) أي ظلوا نيامًا 309 سنة، وهذا أيضا نفس ما حدث أيضا مع الرجل الصالح الذي مرً على قرية خالية من كل شيء “فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ” (البقرة – 259). حدث هذا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في رحلة الإسراء والمعراج، حيث يقول الله عز وجل عن رحلة الإسراء “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى” (الإسراء – 1) فالإسراء يعني ذهاب الله بنبيّه “محمد، صلى الله عليه وسلم” من المسجد الحرام بمكّة إلى المسجد الأقصى ـ مدينة القدس ـ في جزء من الليل، ثمّ رجوعه في نفس الليلة إلى فراشه صلى الله عليه وسلم. وبالطبع فإن ما يحدث مع الملائكة والنبيين وما حدث مع أصحاب الكهف أو الرجل الصالح معجزة من الله عز وجل، أي هي خارج قوانين الطبيعة التي نفهمها.

كنا من قبل نعتقد أن اليوم في العالم كله مثل يوم الأرض لا يزيد ولا ينقص عن 24 ساعة تقريبا لكن الآن كما تقول النظرية النسبية أن اليوم يختلف باختلاف السرعة مع الزمن فمثلا على كوكب عطار يستمر اليوم الشمسي عليه ما يعادل 176 يوما على الأرض، وهو ما يعادل تقريبا ضعفي الفترة المدارية له. وبالتالي فإن سنة واحدة على عطارد تساوي نصف يوم عليه أو اليوم على عطارد يساوي سنتين (أي دورة حول نفسه تساوي دورتين على مدارة حول الشمس)..وهكذا تختلف الأيام والسنين على كل كوكب، باختلاف مدارها حول نفسها ومدراها حول الشمس.

وكثيرا ما نستخدم الزمن في البعد المكاني بين نقطتين بطريقة نسبية كقول شخص لصاحبة (ساعة وأصل إليك) رغم أن المسافة بينهما 60 كم. قال ذلك لأنه يعلم أن السيارة التي يقتادها تستغرق حوالي ساعة لهذه المسافة، لكن إذا حسبها ماشيا سيقول اثنا عشر ساعة مثلا وسأصل إليك، هنا اختلف الزمن حسب السرعة (فإذا زادت السرعة قل الزمن المستغرق والعكس صحيح)، أما لو حسبها بوسيلة مواصلات أسرع من ذلك فسيقول خمس دقائق وأصل إليك مثلا إذا كانت وسيلة المواصلات طائرة.

ويجب العلم بأن تقديم هذا الارتباط بين النظرية وما ورد في القرآن الكريم ليس لإثبات صدق القرآن بنظرية ما – حاشا لله – فالمؤمن لا ينتظر إثباتات علمية لتأكيد إيمانه، ولكن يمكننا القول أنها تدعم النص لطالما أنه أصبح أكثر تجريبيا، وأن الإنسان يؤمن بالتجربة أكثر من النظرية. ولنثبت أيضا بأن كل شيء مذكور في القرآن ولكن يحتاج إلى عقل يتدبر ويوضح تلك النصوص المليئة بالإعجازات.

وبالتأكيد ستظهر نظريات أخرى وتجارب تؤكد النصوص الدينية كالتي ظهرت من قبل، فصدق الله العظيم حين يقول: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ” (فصلت – 53).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى