تقارير و تحقيقات

تنقيب وقتل ولعنة ..حكايات من بين أطلال قصر “أندروس” الغامض

على ضفاف النيل في مدينة الأقصر بمقربة من  معبد الأقصر من الناحية  الشمالية، كان يقف القصر الغامض منذ عام 1897م حتي أسقطته الجرافات مساوية به الأرض أول أمس، والذي أثار غضب الأثريون وأهالي الأقصر .

بيت الأمه أو بيت الأقصر الكبير الأسم الذي أٌطلق على قصر توفيق باشا أندروس مناضل مصري حر وأحد رجال الحركة الوطنية أثناء ثورة 1919 وقيادى حزب الوفد ونائب مجلس الأمه لـ3 فترات متتالية .

ويرصد موقع  “اليوم” الأهمية التاريخية والسياسية والإنسانية  للقصر المهدوم الذي أصابته اللعنة ، مزيج من الحكايات السياسية والتاريخية التي شهدها القصر وحوادث القتل والتنقيب وقصة السيارة المطلية بالذهب.

**قيمة القصر

حدد خبراء الآثار القيمة في العمارة لعدة قيم من بينهما: قيمة معمارية وقيمة تذكارية وقيمة إبداعية وقيمة وطنية وقيمة تاريخية وقيمة جمالية وقيمة رمزية، وقد توفر في قصر أندراوس السبعة، مما جعل الأقصر اليوم حزينة لفقدانها سبعة أنواع من القيمة في العمارة.

**عائلة أندراوس

يقع قصر أندراوس باشا علي ضفة النيل في مدينة الأقصر في حرم معبد الأقصر تم إنشاءه عام 1897م، بناه بشاره  باشا أندراوس والد توفيق ويسي أندراوس، وهو ينتمي إلى مدينة قوص محافظة قنا ، كانوا يعملون بالتجارة ثم نزحوا إلى الأقصر، وقاموا بأعمال الإشغال الفندقية وبنو فندق “سافوي”.

وظل بشاره أندراوس يعمل في التجارة وتزداد ثرواته ليصبح من عين أعيان الأقصر، بينما توفيق ويسي اتجها للعمل السياسي، وحصل يسي علي لقب البكوية ثم البشوية، بينما حصل توفيق على البشوية مباشرة.

وكان الشقيقان يهويان جمع المقتنيات الأثرية واللوحات الفنية حتى قيل أنهم كانو يمتلكون سيارة مطلية بالذهب داخل منزلهم، وكانت بالفعل لديهم أول سيارة  بمحرك تدخل الصعيد والأقصر خاصة، وكانت ملك جميل نجل توفيق.

**أسد الصعيد

ورث توفيق أندروس القصر عن أبيه كما ورث عنه الوطنية وحب العمل الخيري، وتبرع بـ 100 فدان لبناء المساجد والكنائس ،منهما مسجد سيدي أبو الحجاج بالاقصر، وحصل على الإبتدائية في مدرسة الأقصر وأكمل تعليمه في مدرسة التوفيقية بالقاهرة، ثم أتم دراسته الجامعية في جامعة أكسفورد.

وتزوج من زاهية حبيب نجلة حبيب باشا شنودة عمدة أسيوط ، وأنجب منها خمسة أبناء “جميل وجميله وسميحة ولودي وصوفي”.

كان توفيق مناضلا وطنيا، فبايع سعد زغلول على الاستقالة في ثورة 1919م مؤمنًا بأهداف الثورة، وكان يجهز لمؤتمرات حزب الوفد بنفسه وجمع أهالي الأقصر على قلب رجل واحد لمبايعة سعد زغلول، كما رشح نفسة في مجلس الأمة ونجح لثلاثة فترات متتالية لم ينتخب أهلي الأقصر أي شخص غيره.

**البيت الكبير

ومساحة القصر تصل إلى 917 متراً، وعمق داخل معبد الأقصر يصل إلى 37 متراً، ويقع بين معبد الأقصر وطريق الكباش وواجهته على نهر النيل بمساحة 25 متراً.

والقصر كان مكون من مبنيين الأول كان لـ يسي باشا واستولى عليه الحزب الوطني وأصبح مقر له وبعد ذلك تم هدمه، والبناء الأخر ملكًا لـ توفيق باشا وورثه عنه أبناءه وهو الذي تم هدمه في الوقت الحالي.

وقصر توفيق مكون من طابقين مبني علي الطراز الإيطالي ، يوجد في كل طابق العديد من الغرف ، ويحتوي القصر على عدد كبير من الكنوز والقطع الأثرية النادرة أهمها سيارة جميل بك المطلية بالذهب والتي أدخلها أخواته في قلب حجرته بعد وفاته ، ولوحات فريسك في الأسقف والحوائط  لفنانين ايطاليين وبألوان زاهية ودقيقة من عصر الإنشاء توضح مدى روعة القيمة الفنية بالمبنى.

**سعد زغلول

في عام 1921م صادرت السلطات حرية سعد زغلول ومنعته هو وسفينته من الرسو على أي ضفة من ضفاف النيل، ففر إلى الصعيد لعله يجد داعمين لقضيته، وعندما مر من الأقصر منعه بدر الدين مدير الأمن العام آنذاك من الرسو في الأقصر .

فلجأ توفيق اندراوس لحيلة ذكية، بأن قام رفع أعلام إيطاليا وبلجيكا وفرنسا فوق منزله، حيث كان قنصل فخري للدول الثلاث، وبذلك ضمن الحصانة الدبلوماسية لتأمين قصره وضيفه،وقام بمد سلم خشي كبير من السفينة إلي قصره واستقبل سعد زغلول ، والتفت حولهم الجماهير يهتفون “سعد سعد يحيا سعد” ،فقال لهم سعد: “يحيا توفيق”.

ولم يتوقف نضال توفيق يومًا،فقد كان في مقدمه صفوف ثورة 1919م فحاول القصر الملكي أن يثنية وعرض عليه أحمد حسنين باشا -كان زميلا له فى جامعة اكسفورد- رغبه الملك فؤاد فى تعيينه سفيرًا فى لندن على أن يترك سعد زغلول فرفض بشدة.

وعندما نفت السلطات سعد زغلول ورفاقه علم توفيق اندراوس أن أم المصريين صفية هانم زغلول تشكو من نضوب خزينة الوفد، فما كان منه إلا أن باع سبعمائة فدان ووضع ثمنها تحت تصرف أم المصريين للصرف على الحركة الوطنية.

**النحاس وعبيد

أما عن زيارة مصطفي باشا النحاس رئيس وزراء مصر للقصر فكان ذلك في 15 فبراير 1935م لحضور حفل تأبين القيادي الوفدي توفيق أندراوس، وقد سبقه إلى القصر القيادى الوفدي مكرم عبيد ، وكان حينها سكرتير عام حزب الوفد لترتيب الزيارة.

وازدحم رصيف محطة السكة الحديد في الأقصر بالجماهير يتقدمهم أعضاء لجنة حزب الوفد المركزية بالأقصر والأعيان والتجار والطلاب والعمال.

**الإمبراطور الأثيوبي

عُرف عن بنات توفيق باشا أندراوس اللواتي يتحدثن الفرنسية بأنهن أشهر العازفات عن الزواج في الصعيد، فكانت دائما تطاردهن الخوف من أطماع المتقدمين لخطبتهن، وبالرغم من تقدم الكثير من الاعيان والمشاهير إلا أنهن فضلن العيش والموت كراهبات في القصر.

وقيل أنه تقدم لخطبت جميلة أندراوس إمبراطور إثيوبيا هيلا سيلاسي، الذى تولى الإمبراطورية الإثيوبية بين 1930 و 1974، ولكن جميلة رفضته مخافة مغادرة أسرتها وبلادها الأقصر.

**محاولات إزالة

منذ خمسينات القرن الماضي في عهد الرئيس الاسبق جمال عبد الناصر ، كان يصدر قرارات بإزالة القصر والمنازل المواجهة لمعبد الأقصر، وتم إزالة جميع المنازل ما عدا قصرين الشقيقين أندراوس.

وفي عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك تم الإستيلاء على قصر يسا أندراوس ليصبح مقر الحزب الوطني، وتم هدمه ، ليبقي قصر توفيق باشا والذي لم يكن أثريًا ولم يدرج في سجلات القصور .

**خيانة القصر

وفي عام 2013 والأختان الراهبتان الباقيتان من عائلة أندراوس تسكنان القصر في هدوء قاتل، حيث أنك لو مرارت من أمام القصر لن تشعر أن بداخله حياه، صوفي ولودي البالغتان من العمر 82 الأولي وتبلغ الأخيرة 84 عامًا.

ظلتا الأختين لمدة يومين لا تردان على الهاتف أو تفتح الباب للطارق ، حتى بلغ المحامي الأمن ليقتحم القصر فيجدهما ملقيتان على الأرض كل واحده في غرفة في سباتها الأخير وسط دمائها ، تم ضربهم بأله حاده واحده من الامام والأخري من الخلف، ولم تصل التحقيقات عن أي نتيجة تُذكر عن هوية الفاعل أو سبب الحادث حتى الآن.

وتعرض القصر في الأونه الأخيرة لمحاولات من لصوص الأثار للتنقيب تحت القصر، كما أن الشائعات أخذت منه نصيبها ، فقيل أن أسفله معبد روماني وقيل أيضًا أن أسفله يجري نهر والكثير من الأساطير الغامضة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى