غير مصنف

«حبة الغلة».. بضعة جنيهات للموت في صمت

«اليوم» تبحث في لجوء المنتحرين إلى حبة الموت "الرخيص"

ناجٍ من الانتحار: تجربة سيئة لا أتمناها لأحد 
خبير زراعي: لا بديل للحبة القاتلة فكلها مبيدات يساء استخدامها
برلماني: من يقوم ببيعها لا يتق الله
بائع: استخدامنا للحبة محدود وليس على مدار السنة

إسراء عبدالفتاح

ما بين الانتحار أو التخلص من الحياة أو إزهاق النفس بذات النفس، كلها مسميات تؤدي إلى طريق واحد وهو وضع نهاية لألم غير محتمل، وباب خلفي للهرب من ظروف ضاغطة، وهروب الروح من العجز وفقدان الأمل والحيل، وفي ذات الوقت تحولت حبوب حفظ الغلال “الرخيصة”، من مبيد حشري يقي المحاصيل الزراعية من التلف إلى وسيلة لانتحار الأشخاص في المناطق الريفية على وجه التحديد.

مئات من أهل المحروسة لا سيما الشباب والمراهقين منهم، قرر كل منهم بمفرده الخروج من هذه الحياة، لأسباب بعضها قد تحمل في طياتها حلولا سهلة غير إزهاق النفس، لكنهم فضلوا في اللجوء للحل الأسهل من وجه نظرهم، حيث أقدم الكثيرون على إنهاء حياتهم بطرق مختلفة.

لكن كانت الطريقة الشائعة، هي وسيلة الانتحار بـ”حبة الغلة أو حبوب الغِلال أو السرطان النفّاذ”، فالمسميات متعددة ولكن المفعول واحد، والذي يسبب انهيارًا في الدورة الدموية ثم غثيان يليه توقف القلب عن ضخ الدم ثم نهاية الحياة، في موقف نسبة النجاة منه لا تتعدى الواحد بالمائة.

فيما تستخدم حبة الغلة؟

يشير أطباء إلى أن حبة الغلة اسمها العلمي “الألومنيوم فوسفيد”، ويستخدمها المزارعون، لوضعها في محصول القمح، لحفظه من التسوس والحشرات الضارة التي من شأنها الإضرار بالمحصول، حيث لا تكاد معظم المنازل الريفية تخلو من مثل هذه الحبوب، مما أدى إلى خلق حالة من الاختلاط، بين صفوف المواطنين في شتى المحافظات، وأصبح استخدامها يمتد إلى الانتحار.

مكونات حبة الغلة

تدخل في تصنيع حبة الغلة، مادة ”زينك فوسفيد“، ويخرج منها غاز قاتل للبشر، ومسجلة بـ3 أسماء تجارية لها نفس تركيب حبة الغلة، وهي يكوفيوم %100 غاز تبخير ومسجل تحت رقم 1463، ومبيد فوسفيد زنك النصر ومسجل تحت رقم 102، ومبيد راتول ومسجل تحت رقم 1456.

حبة الغلة، مسجلة كمبيد حشري بوزارة الزراعة، وتدخل مصر بشكل رسمي، ولا توجد أي محاذير لبيعها، رغم أن المادة مكتوب أنها عالية السم، كما أنها موجودة في 18 منتجًا بأسماء تجارية مختلفة، إلا أن تركيبها واستخدامها واحد في حفظ الغلال والحبوب.

«اليوم» ترصد عددًا من حالات الانتحار عن طريق حبة الغلة

يرجع تاريخ حالات الانتحار بحبة الغلة، عندما تناولها فلاح مصري عن طريق الخطأ، لتتوالى من بعده حالات وفاة بسبب تناولها.

ففي شهر يوليو الماضي، انتحرت سيدة بمركز شبين الكوم، عقب تناولها الحبة القاتلة، وذلك لقيام والد زوجها بمنعها من الخروج بعد سفر زوجها.

وبسؤال والدها، أقر بتناولها “حبة حفظ الغلال” لسوء حالتها النفسية لسفر زوجها منذ فترة طويلة، وقيام والده بمنعها من الخروج من المنزل، فيما نفى الشبهة الجنائية في الحادث.

صاحبة الـ 15 عامًا

لم تكاد فتاة مراهقة تبلغ من العمر 15 عامًا، إلا وقد أزهقت روحها سُدى، عبر تناول قرص من هذه الحبوب، تعبيرًا عن رفضها الشديد في إتمام خطبتها لشخص غير مرغوب فيه.

1374 حالة في البحيرة فقط

أرقام مرعبة تسجلها حالات انتحار عن طريق “حبة الغلة”، ففي محافظة واحدة فقط وهي البحيرة تخطى الرقم الألف وبضعة مئات، ما يستدعي عدم الاستهانة بأي تلميحات أو إشارة من عزيز عليك يشير إلى راحة الموت، أو فكرة الانتحار، ولا تسخر من كلمات مثل: “سأرحل وستندمون” أو “مش لاقي حل”، حتى لو قالها هو بشكل ساخر أو مضحك.

وأعلن مركز سموم كفر الدوار منذ ستة أشهر، عن استقبال 1374 حالة تسمم، نتيجة لتناول حبة حفظ الغلال، على مستوى المحافظة بأكملها، حيث أكد العاملين فيه، أن الحالات الواردة لهم تتراوح أعمارهم من 14عامًا إلى سن الـ60 عامًا، حيث نادرًا ما تم انقاذه حالة منهم.

انتحار سيدة في الغربية

في الأول من ديسمبر الجاري، أقدمت سيدة في العقد الثالث من العمر بتناولها “حبة الغلال”، وبعد التحقيقات تبين أن السيدة كانت تعاني من حالة نفسية نتيجة تراكم الديون عليها، مما وجهها نحو التخلص من حياتها بهذا “السرطان النفاذ”.

انتحار ممرضة وشابين بكفر الشيخ

قد تستدعي الضغوط المجتمعية المختلفة إلى محاولة البعض التفكير في الانتحار حتى وإن كانوا يمارسون مهام حياتهم بشكل طبيعي، إذ سجلت مديرية أمن كفر الشيخ في الثالث من ديسمبر الجاري، حالة انتحار لممرضة في مستشفى العبور للتأمين الصحي بكفر الشيخ، حيث سقطت الممرضة أثناء أداء عملها مغشيًا عليها مع خروج إفرازات مخاطية من الفم، وبالتحقيق في الواقعة تبين للمسعفين أنها تناولت “حبة الغلال”.

كما أشار أحد أهالي قرى كفر الشيخ، إلى وقوع حالتي انتحار في بلدتهم، بسبب تناول الحبة السامة.

وأضاف خلال حديثه لـ”اليوم”، أن المفاجأة كانت بأن الحالتين من نفس العائلة، حيث كانت المدة بين كل منهما ثلاثة أشهر فقط.

وأشار إلى أن الأول صاحب الــ 17 عامًا، ذهب إلى محل المبيدات الحشرية، وطلب حبة حفظ الغلال، بداعي أن والده يريدها لمحصول الغلة، وذلك في ظل سفر أبيه للخارج، ولكنه اشتراها بهدف الإصابة بوعكة صحية شديد، ليتمكن من إثرها، دخول لجنة خاصة بالامتحان.

بعدها بعدة أشهر تحديدًا في نوفمبر الماضي، لجأ ابن عمه، وهو في العقد الثاني من عمره، لهذه الطريقة لإنهاء حياته، دون التوصل إلى معرفة السبب.

أزمة نفسية تتسبب في انتحار عشريني 

استقبل مستشفى منية النصر يوم الجمعة الماضي، شاب، يبلغ من العمر 24 عامًا، فاقدًا للوعي، وبعد فحصه من قبل الأطباء تبين تناولة “حبة الغلال”، لتعرضه لأزمة نفسية، وتم إيداعه تحت العناية المركزة إلا أنه قد فارق الحياة بعدها بساعات قليلة.

فتاة الـ18 عامًا تفارق الحياة

في صباح يوم السابع من ديسمبر الجاري، فارقت فتاة تبلغ من العمر 18 سنة، وذلك بعد تناولها “حبة الغلال” بعد مشادة كلامية بينها وبين أهلها بمركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، ورغم الإسراع في نقلها إلى المستشفى إلا أن روحها كانت قد صعدت إلى بارئها.

“الحبة القاتلة” في يد الأطفال

لم تقتصر حالات الانتحار على الشباب والمراهقين والكبار، بل امتد الأمر إلى الأطفال الأقل من 15 عاما، إذ تسبب في تعنيف أب لطفله البالغ من العمر 14 عاما فقط، في محاولة ناجحة من الطفل لإنهاء حياته عبر تناول “حبة الغلة”، ليسري السم سريعا داخل أحشائه ويزهق روحه خلال سويعات قليلة.

وبالفحص الظاهري لجسد الطفل “محمد.أ.أ”، 14 سنة، أكد الأطباء بمستشفى المحمودية العام، أنه توفي نتيجة تناوله “حبة الموت”.

تجربة انتحار فاشلة

رغم صعوبة نجاة أي شخص يتناول “حبة الغلة” – وفق ما يؤكده الأطباء – إلا أن القدر كان رؤوفا بالشاب “ع.أ.ع” البالغ من العمر 25 عاما، لتمنحه الحياة فرصة أخرى للعودة إلى طريق الصواب، ومواجهة مشاكله ومحاولة إيجاد حلول لها، غير ما فكر فيه من قبل وهو “الانتحار”.

الشاب العشريني يحكي لـ”اليوم” الساعات التي تلت تناوله لـ”حبة الغلة”، مشيرا إلى أنها متواجدة بصورة كبيرة في الأسواق، وخاصًة في البيئة الريفية التي لا يسأل البائع المشتري “لماذا تطلب تلك الحبة؟”.

عندما قرر “ع.أ” الانتحار وضاقت به كل السبل للصلح بينه وبين والده، ومع ازدياد المشكلات، قرر إنهاء حياته بصورة طبيعية حتى لا يعرف أحد من أهله سبب الوفاة، وحتى لا يسبب لهم فيما بعد إحراج أمام الناس من حيث أن ابنهم قد مات منتحرًا لذلك لجأ لهذه الأقراص.

بدأ الشاب مخططه للتخلص من هذه الحياة التي اسودت في عيناه، وأصبح لا يرى غير “الموت”، حيث ذهب لشراء تلك الحبة من صاحب محل أدوية زراعية، مؤكدا أن صاحب المحل لم يكن يعلم نيته، وذلك بسبب انتشار الزراعة في بلدته فيتم بيعها بسهولة وبثمن بخس “جنيهان فقط”، مضيفًا أنه تم إنقاذه من قِبل والدته، التي كشفت أمره عندما رأت باقي الحبات بجواره.

يشير الشاب “الذي تتحفظ اليوم عن ذكر اسمه نظرًا لحساسية موقفه” إلى أن الإسعاف التي نقلته إلى مستشفى المنيا، كان لها دور هام جدًا في إنقاذه، لافتًا إلى أن هناك حالات يفشل المسعفين في إسعافهم، وذلك لقلة خبرتهم بكيفية إنقاذ تلك الحالات من التسمم بالقاتل الصامت.

بائع منتجات بقولية: استخدامنا للحبة بحذر

“محمد.أ.ع، 28 عاما”، بائع منتجات بقولية، يشير إلى أن استخدامهم للحبة السامة يكون بحذر وبتعليمات خاصة، بجانب عدم استعمالها طوال السنة، ولكن في فصل الصيف بالأخص عند ارتفاع درجات الحرارة.

إدراك “محمد” بخطورة هذه الحبة الرخيصة واحتوائها على مادة شديدة السمية، جعله متيقظا وفطنا طوال الوقت من أن يتناولها أحد العمال لديه، أو حتى استخدامها.

اعتبارها من المنتجات المجدولة

يقول الدكتور سعيد حساسين، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، إنه سيتقدم بمشروع قانون أثناء انعقاد جلسات مجلس النواب، لاعتبار “حبة الغلال” من المنتجات المجدولة، حتى لا يتم تداولها بين الناس إلا للحاجة إليها، وعن طريق جهات متخصصة وبآلية معينة بحيث يمنع وصولها بسهولة إلى الراغبين في الانتحار.

وشدد في تصريح لـ”اليوم”، على أن مَن يقوم ببيع تلك الحبة، يجب أن يتقي الله ولا يقوم ببيعها إلا لمن يثق أنه بحاجة إليها في الزراعة وعدم بيعها للأطفال، مناشدًا المجتمع أجمع خاصة الأطفال والشباب، بضرورة البُعد عن فكرة الانتحار وخاصة بتلك الحبة السامة، وعدم الانسياق خلف التجربة.

خبير زراعي: لا بديل للحبة القاتلة

الخبير الزراعي المهندس حسام رضا، يرى أن سوء استخدام البشر لـ”الحبة القاتلة” هو ما تسبب في ازدياد أعداد المنتحرين بها، مؤكدًا أن المبيدات بجميع أنواعها لا يمكن الاستغناء عنها، ولكن يمكن تقليص عدد البائعين ورصدهم ووضعهم تحت رقابة حتى لا تنتشر بصورة أوسع.

كما يشير إلى أنه يجب التوعية بخطورة تلك المادة السامة، وتسليط الضوء على أضرارها، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والندوات في الجامعات والمدارس وخاصةً في البيئة الريفية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى