غير مصنف

دولة الإمارات العربية المتحدة عاصمة عالمية للتسامح

كتب / جمال سند

كانت دولة الإمارات العربية المتحدة دائماً نموذجاً للتسامح والتعايش في المنطقة والعالم بفضل قِيمها وسياساتها التي تشجِّع على الانفتاح وقبول الآخر، وتحترم التعدُّد العرقي والديني والمذهبي وحرية المعتقد، وتجرِّم التمييز والكراهية والعنصرية، وتمدُّ يدها بالخير إلى كل الشعوب المحتاجة إلى المساعدة في العالم (وصلت هذه المساعدات إلى 5.26 مليار دولار في عام 2017 وفقاً لأرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية) متجرِّدةً من اعتبارات الدين، أو العرق أو الجنس أو الطائفة أو الموقع الجغرافي. لكن بفضل مبادراتها الرائدة وغير المسبوقة أصبح من الإجحاف الاكتفاء بوصف دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها مجرد نموذج للتسامح والتعايش فحسب، وإنما غدت، بشهادة القاصي والداني، عاصمة عالمية للتسامح تنطلق منها رسائل المحبة والسلام إلى كل ربوع العالم، ولا يمكن أن ينكر ذلك إلا جاحد أو مكابر.
وإذا كان العالم، من خلال منظمة الأمم المتحدة، قد خصَّص يوماً عالمياً للتسامح يتم الاحتفال به سنوياً، هو السادس عشر من نوفمبر، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة خصَّصت عاماً كاملاً للتسامح هو عام 2019، لتأكيد أن قيمة التسامح تمثل عنصراً أساسياً ومستقراً وممتداً في رؤية الدولة للحاضر والمستقبل، ولدورها ورسالتها على الساحة العالمية.
«وثيقة الأُخوَّة الإنسانية»
ولعله من حسن الطالع أن يبدأ عام التسامح باستضافة دولة الإمارات العربية المتحدة قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، كأول بابا يزور الدولة ومنطقة الخليج العربي والجزيرة العربية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، حيث تم توقيع «وثيقة الأُخوَّة الإنسانية»، تلك الوثيقة التاريخية غير المسبوقة، التي خرجت من أرض التسامح إلى العالم كله حاملةً رسالة السلام العالمي والعيش المشترك بين أصحاب الديانات المختلفة، ومجسِّدة فلسفة دولة الإمارات العربية المتحدة ونهجها في العمل من أجل التسامح، واعتباره طريق الإنسانية إلى الخير والتعاون والرخاء والسلام، وهو ما عبَّر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، في رسالته الحضارية الرائعة، التي وجَّهها إلى العالم كله بمناسبة زيارة قداسة البابا وفضيلة الإمام الأكبر، حيث قال سموه موجِّهاً رسالته إلى كل البشر في العالم، وكل المؤمنين بالمصير المشترك للإنسانية: «إن الكون يتسع للجميع، والتنوُّع مصدر للثراء، وليس سبباً للصراع أو الاقتتال، لقد خلقنا الله متنوِّعين، لكي يكمل بعضنا بعضاً، ونتعارف ونتعاون من أجل الخير والسلام والنماء لنا جميعاً، وهذه هي الرسالة التي تريد دولة الإمارات العربية المتحدة أن توجِّهها إلى العالم كله من خلال إعلائها رايةَ التسامح، وعملها المستمر من أجل تنسيق الجهود والمبادرات والخطط التي تكرِّس التسامح بدلاً من الكراهية، والتعايش بدلاً من الصراع، والوسطية بدلاً من التعصب والغلوِّ، والانفتاح بدلاً من الانغلاق، والحوار بدلاً من الخلاف».
مسيرة طويلة
وعندما أقول إن دولة الإمارات العربية المتحدة هي عاصمة التسامح في العالم، أو عاصمة عالمية للتسامح، فإنني أستند إلى تاريخ ونهج ومسيرة طويلة بدأت منذ إنشاء الدولة في عام 1971 وما قبلها، فقد أُسِّست الدولة على التسامح، لأن التسامح هو الذي سمح بتجاوز الخلافات والتباينات في وجهات النظر بين الإمارات المختلفة، ومن ثم الاتفاق على الوحدة. وضرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، أروع الأمثلة في هذا التسامح، ولذلك عندما سُئل، رحمه الله، في مرحلة المفاوضات حول الاتحاد: ما التنازلات التي قدمتها أبوظبي إلى شقيقاتها في سبيل الاتحاد؟ وما التضحيات التي يمكن أن تقدمها في المستقبل في سبيل تحقيق الوحدة المنشودة؟ أجاب: «نحن لا نسميها تنازلات، هي واجبات الأخ نحو أخيه، وما نقدمه في المستقبل لا نسميه تضحيات، إنما هو تعاون الشقيق والصديق مع صديقه، ذلك أننا مقتنعون بأن الآمال والآلام واحدة، والمصير مشترك».
مصداقية العمل قبل القول
ولعل ما يجعل دعوة التسامح الإماراتية محل ثقة ومصداقية في العالم كله هو أن قيادتها تضرب المثل وتُعَدُّ القدوة في التعبير عن هذا التسامح بالعمل قبل القول، ولعل أحد الأمثلة المهمَّة في هذا الشأن مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، بتغيير اسم المسجد، الذي كان يحمل اسم سموه في منطقة المشرف في أبوظبي، إلى مسجد مريم أم عيسى. وفضلاً عمَّا سبق، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة في عملها من أجل التسامح تتبنَّى نهجاً مؤسسياً، حيث تم إنشاء وزارة للتسامح في فبراير 2016، وفي يونيو 2016 اعتمد مجلس الوزراء الإماراتي البرنامج الوطني للتسامح، بهدف نشر قيم السلام والتعايش، بالارتكاز على: الإسلام، والدستور الإماراتي، وإرث المغفور له، الشيخ زايد، طيب الله ثراه، والأخلاق الإماراتية، والمواثيق الدولية، والآثار، والتاريخ، والفطرة الإنسانية، والقيم المشتركة، ويتضمَّن البرنامج خمسة محاور هي: دور الحكومة كحاضنة للتسامح، وترسيخ دور الأسرة المترابطة في بناء المجتمع، وتعزيز التسامح لدى الشباب ووقايتهم من التعصُّب والتطرُّف، وإثراء المحتوى العلمي والثقافي، والمساهمة في الجهود الدولية للتسامح وإبراز دور الدولة الرائد في هذا المجال. وفي يوليو 2015 أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، المرسوم بقانون رقم (2) لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية، الذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة أشكال التمييز كافة، ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير، ويحظر التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين، أو العقيدة، أو المذهب، أو الملَّة، أو الطائفة، أو العرق، أو اللون، أو الأصل، وغير ذلك من البنود التي تعزِّز قيمة التسامح في المجتمع، وتجعلها مستندة إلى إطار قانوني قوي. وفي عام 2017 تم إطلاق المعهد الدولي للتسامح بهدف «بث روح التسامح في المجتمع، وبناء مجتمع متلاحم، وتعزيز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة كنموذج في التسامح، ونبذ التطرف وكل مظاهر التمييز بين الناس بسبب الدين، أو الجنس، أو العرق، أو اللون، أو اللغة». ومن هنا أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً عربياً وإسلامياً ودولياً في التسامح، ولعل في وجود أبناء نحو 200 جنسية يعيشون في وئام وتسامح وكرامة على أرضها أكبر دليل على ذلك.
مركز عالمي للتسامح
وضمن هذا السياق ثمَّة أمور مهمة من الضروري أن أشير إليها في هذا الخصوص: الأمر الأول هو أن دولة الإمارات العربية المتحدة، في نهجها من أجل تكريس قيمة التسامح والدعوة إليها، تجاوزت الإطارين المحلي والإقليمي إلى الإطار العالمي، بحيث غدت مركزاً عالمياً للتسامح، أو عاصمة عالمية للتسامح، كما سبقت الإشارة، ولعل توقيع وثيقة «الأُخوَّة الإنسانية» السابق الإشارة إليه على أرضها، وإطلاق «جائزة الأُخوَّة الإنسانية»، وتوقيع إنشاء مسجد أحمد الطيب وكنيسة فرنسيس في أبوظبي، هي تأكيد واضح لهذا المعنى، وأن العالم كله يثق بالنهج الإماراتي، ويدعمه ويشجِّعه على المضي قُدُماً، بما لدى الدولة من رصيد كبير من المصداقية على الساحة الدولية.
الأمر الثاني هو أن دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي تعمل من أجل التسامح، تقوم بدور حضاري تاريخي لتقديم الصورة الحقيقية عن العرب والمسلمين على الساحة الدولية، والتعبير عن حقيقة الدين الإسلامي الحنيف الذي شوَّهه المتطرفون، واختطفوه، وقدموه إلى العالم في صورة دين التطرف والإرهاب والتعصب والدم، في حين أنه دين التسامح والرحمة والعفو.
التسامح وهزيمة الشر
الأمر الثالث هو أن دولة الإمارات العربية المتحدة، في تبنيها العمل من أجل نشر التسامح على الساحتين الإقليمية والدولية، تسدي خدمة جليلة للسلام والأمن والاستقرار والتنمية في العالم، من منطلق الإيمان بأن التسامح هو طريق الإنسانية للتغلُّب على نزعات الصراع الديني والعرقي والطائفي، وتفادي تكرار مآسي التاريخ وحروبه الدينية والطائفية التي راح ضحيتها ملايين البشر، وأن التسامح «يحمل في داخله قوة جبَّارة قادرة على هزيمة الشر مهما كان حجمه، وتغيير مسار العالم إلى الأفضل»، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله.
الأمر الرابع هو أن دولة الإمارات العربية المتحدة لا تمثل نموذجاً في العمل من أجل التسامح على مستوى القوانين والمبادرات والسياسات فحسب، وإنما هي كذلك على مستوى التوجهات الشعبية، حيث يتميز المجتمع الإماراتي بأنه مجتمع منفتح ومعتدل ورافض للتعصب والغلوِّ، ومعادٍ لأي توجهات متطرفة أو إرهابية، وهذا ما كشف عنه استطلاع الرأي، الذي أجراه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في الفترة من 10 إلى 16 ديسمبر 2017، حول موقف المواطنين الإماراتيين من جماعة الإخوان المسلمين التي تُعد رمزاً للتطرف والتعصب، وكانت النتيجة هي أن 97.55% من الذين شملهم هذا الاستطلاع لديهم موقف سلبي جداً، أو سلبي، من جماعة «الإخوان المسلمين». ولعل هذا التوافق بين المستويين الرسمي والشعبي، فيما يتعلق بالموقف من التسامح، هو الذي يمنح نهج دولة الإمارات في هذا الشأن تميزاً وقوة وفاعلية، فضلاً عن الريادة والمصداقية.
وفي ضوء كل ما سبق، وبعد الزيارة التاريخية لقداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية والإمام الأكبر شيخ الأزهر لدولة الإمارات العربية المتحدة، وما تمخَّض عنها من نتائج كبيرة لمصلحة السلام والأمن والتعايش في العالم، فإنني أقول بكل ثقة إن القيادة الإماراتية، وكلاً من قداسة البابا والإمام الأكبر يستحقون بكلِّ جدارة «جائزة نوبل للسلام»، ولا أظن أن أيَّ منصف في العالم يمكن أن يختلف معي في ذلك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى