مقالات

سامح الألفي يكتب: كورونا يجسد أحد مشاهد قيام الساعة

مر ما يقرب من عامين على ظهور هذا الوباء الفتاك الذي أودى بحياة الملايين من البشر وسطر في طياته الكثير من القصص المؤلمة والحزينة من هنا وهناك وحكايات الكر والفر والهلع والفزع وكأن علامات الساعة تدق أبوابها وتنذر بقربها بل وتصور للبشرية صورا واقعية من صنعهم لما سيحدث فعلا في نهاية هذا العالم.

“يوم يفر المرأ من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه”

آيات كريمات صورت لنا مشاهد الكر والفر والهلع والفزع عند قيام الساعة يوم لا يعرف الأب أبنائه ولا الأم يشغلها بناتها ولا الأبناء يبحثون عن أبائهم ولا الأخ يبحث عن أخيه أو أخته بل كل فرد يبحث عن الخلاص لنفسه من شدة مايشاهده من أهوال..

الا يوجد هناك تشابه بين هذه الأية الكريمة وماصنعه فينا هذا الوباء اللعين في وقتنا الحالي؟!..

بكينا حزنا على البنت الصغيرة التي رماها والدها في إحدى طرقات المدينة بعد علمه بإصابتها بكورونا عندما أخذها لتوقيع الكشف عليها بعد شعورها بألام في الصدر.
أو الإبن الذي رفض استلام جثة أبيه من إحدى مستشفيات العزل التي تقدم العلاج لمصابي كورونا بعد علمه بوفاة والده بهذا الوباء وكلف إدارة المستشفى بذلك.
أو القرية التي خرجت عن بكرة أبيها لتمنع أسرة من دفن أحد أفرادها في المقابر الخاصة بهم بعد علمهم بوفاته بكورونا على الرغم مماكان يمتلكه المتوفي من مكانة اجتماعية وعلمية وما كان يقدمه لأهل بلدته من خدمات.
أو الإبن الذي ترك والدته مريضة بمنزلها وخاف على نفسه وأولاده وسافر بعيدا عنها بعد علمه بإصابتها.

أو الإبنة التي أمرت مغسلة والدتها المتوفية بكورونا بسرعة الغسل وذلك بوضع القليل من الماء ولفها سريعا بأي قطعة قماش” ملاية سرير”اي لم تأتي لها بأكفان.

مشاهد سوداء ومأساوية لا يميحها الزمن وتنبش في ذاكرتنا كنبش المفترس في فريسته ولكن يتخللها بعض السطور البيضاء التي تبعث في قلوبنا الأمل.

شاهدنا جميعا الزوج الذي أخذ زوجته في أحضانه عندما علم أنها مصابة بكورونا والتي لم تتوقف عن البكاء ليس خوفا من المرض ولكن خوفا من أن يفارقها الأحباب وقال لها لا تخافي لن أتركك أبدا لقد اتفقنا أن نتقاسم كل شئ حتى أوجعانا.

كما رأينا الإبن الذي احتضن والدته بعد علمه بإصابتها وأخذ يبكي وقال لها الحياة لا معنى لها بدونك يا أمي ولن أتركك لحظة واحدة وظل بجانبها الى أن توفاهم الله متأثرين بإصابتهما.

“رحمة الله عليكي ياأمي”

رحلت أمي منذ اكثر من شهرين بهذا الوباء اللعين ولم تجف دموعي ولم يهدأ روعي ولم يصمت لساني عن الدعاء لها ليلا ونهارا لعل ربي يتقبلها من الشهداء وأن يجعلها في جواره وفي معيته وأن يجازها عنا خير الجزاء.

منذ علمي بإصابتها لم أفارقها لحظة واحدة وكأنه كان عندي الشعور بأنها الأيام الأخيرة التي سوف أعيشها بجوارها ولم يساورني الخوف أو القلق من العدوى رغم اعتراضها الشديد لقربي منها وخوفها من انتقال العدوى لإبني وزوجتي وبالرغم من إصابتي وانتقال العدوى لي ولكن كانت هناك قوة كبيرة تدفعني للأمام كي ابقى بجوارها أطول فترة ممكنة وكي أستطيع أن أقدم لها العلاج والرعاية والتي جائت من الدعاء المستمر منها لي.
رحم الله كل عزيز فقدناه وألهم قلوبنا الصبر على فراقهم على أمل باللقاء بهم في جنات النعيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى