مقالات

علاء عبدالحسيب يكتب «اللحظات الأخيرة»: سيجارة الاستروكس !

خلافات الجيرة.. يمكن أن تكون سببًا في إشعال نيران الفتنة بين الجارين.. يمكن أن تقود أحدهما إلى غياهب السجن.. يمكن أن تكتب السطور الأخيرة لعلاقة أبدية محصنة بالقيم والمواقف.. ظاهرة مستمرة تحدث من حولنا كل يوم وكل دقيقة وكل ثانية..

كل المسببات واردة لأن تنشب تلك الخلافات بين الإنسان وجاره.. كل المبررات جائزة إلا حالة واحدة مرفوضة كل الرفض، عندما يصل الأمر للتجاوز في حق العرض والشرف.. هنا تنتفض العدالة ثأرًا من الجاني.. ويبكى القدر حزنًا على انتهاك حقوق الجار.. ويطير الشيطان فرحًا للإخلال بوصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال “من كل يومن بالله واليوم الآخر فليُكرم جاره”.

 

هذه المرة.. كان الخلاف في طريقه للحل، بعد جلسة صلح استمرت قرابة الخمس ساعات بين الشاب الثلاثيني «سيد» وجاره الخمسيني «محمود».. حاول أهل الخير التوصل لاتفاق بينهما يمنع التجاوزات ويحترم الخصوصيات وحرمة أهل البيت.. لكن العناد كان قد تملّك من عقل «الثاني» رغم أن الحاضرون أجمعوا على تجاوزه في حق جاره «سيد».. تنازلات كثيرة قدمها الشاب الثلاثيني لجاره، مراعاة لفارق السن وحق الجيرة، أملا في فتح صفحة جديدة معه.. لكن الأخير لم يقدر ذلك.

 

الحاضرون في الجلسة كانوا شاهدين على دماثة خلق الشاب وحرصه الدائم على مراضاة جاره.. خلافات متكررة كانت تحدث بينهما بسبب سلوك العجوز السيء، فقد اعتاد على ممارسة مضايقاته وسخافاته في حق أسرة جاره.. دون مراعاة لحرمة البيت، ولا احترام لشيبته التي احتلت فرو رأسه..

 

محاولات الصلح بينهما لم تتوقف فكل منهما ينتمي لجذور صعيدية يرى أن تقديم التنازلات للآخر بمثابة هزيمة واستسلام.. مرارًا وتكرارًا كان «سيد» حاول قدر الإمكان مد يد السلام لجاره «محمود»، لكن الشيطان تدخل.. وكتب نهاية مأساوية لأحدهما تحت التراب.. والآخر خلف القضبان.

 

إن قادتك الصدفة لأن تزور شارع المعهد الديني بمنطقة بولاق الدكرور لتسأل الأهالي عن تفاصيل واقعة مقتل الشاب «سيد»..  ستجد إجماع منهم على سوء خلق جاره «محمود»، وتجاوزاته المستمرة في حق أسرة الضحية.. سيتحدثون معك عن الخلافات العديدة التي نشبت بينه وبين شباب المنطقة بسبب سلوكه السيء الذي امتد ليطول فتيات وسيدات المنطقة..

 

ستعرف منهم كم كان المتهم أسيرًا للصنف، عبدًا لـ«سيجارة الاستروكس».. سيصفون لك مشهد تجمعه المتكرر بصحبة رفاق السوء، لتعاطي الحشيش والمخدرات بأنواعها أسفل العقار الذي يقطن به.. مأساة حقيقية وأنت تسمع حكايات وقصص انحلال هذا العجوز المراهق على مرأى ومسمع الجميع.

 

اعتاد صاحب الشعر الأبيض الجلوس أمام العقار تاره بمفرده.. وتارة أخرى برفقة أعوان الشيطان.. يمارس مضايقاته على أهل البيت.. ويخرج فضلات نزواته على من حوله.. اشتاط الشاب غضبًا، وقرر أن يضع حدًا لهذه المهزلة.. فهو دائمًا يرى في عيون زوجته وبناته الصغار نظرات الضعف والاستنجاد من تجاوزات هذا الكهل..

الساعة كانت تقترب من السادسة والنصف مساءً.. كان شيطان الإنس قد انتهى من مخطط النهاية السوداء .. ورغم أن القدر أسدل الستار على خلافات الجارين إلى ما لا نهاية..  لكنه كتب المصير المحتوم لهما.

 

كان الشاب الثلاثيني على بعد أمتار من منزله.. على الناحية الأخرى يجلس جاره “محمود” على كرسي خشبي في مواجهة شرفة الشقة.. يسترق نظرات الخيانة والخسة من أعلى إلى أسفل تجاه شقة جاره..

 

بدأ الخلاف يحتدم بينهما.. سرعان ما تطور إلى الاشتباك بالأيدي.. «سيد» الخائف على عرضه، الرافض لتجاوزات العجوز يحاول إبعاده عن موقعه المواجه للشرفة.. “محمود” أسير «سيجارة الاستروكس» يصّر على ممارسة سلوكه السيء ومضايقاته المشينة في حق جاره، ويطلق ألفاظه البذيئة صوب جاره أمام الجميع.. اكتظ الشارع الضيق بالأهالي، ودوى صوت صراخ السيدات من شُرف المنازل حتى زلزل أرجاء المكان.. فجأة سكت الجميع.. وقال الشيطان كلمته.

 

سقط الشاب الثلاثيني قتيلًا على الأرض.. فقد استل جاره «مطواه» من طيات ملابسه، وسدد له طعنات متفرقة في جسده، أرداه جثة هامدة على الأرض.. مات سيد مدافعًا عن أهله وعرضه.. مات معه حلمه بالعيش في أمان وسلام..

قتل الشر الخير على مرأى ومسمع أهالي المنطقة.. فشل الجميع – أو خافوا – في إنقاذ روح الشاب من قبضة أسير «سيجارة الاستروكس».. تخلى الكثير عن الشهامة، وتمسك بها الشاب «سيد» بمفرده إلى النهاية.. دفع حياته ثمنًا لها.. وترك اليُتم يطارد أسرته وأطفاله الصغار..

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى