مقالات

عماد نصير يكتب: رونالدو وكولا.. الاقتصاد والقوة الناعمة لكرة القدم

بات من المسلمات أن الرياضة بصفة عامة، وكرة القدم بصفة خاصة، قد تنجح فيما يصعب على غيرها من قضايا الأمور الحياتية، التي تمس روابط وصلات الشعوب ببعضها، وإذا كانت الرياضة قد اتخذت لنفسها هذا المكان وهذه المكانة، فإن كرة القدم كونها الرياضة التي تحظى بالجماهيرية الأوسع عالمياً، بمقدورها تقديم الكثير والكثير على موائد صناع القرار بشكل إسهامي وفاعل، وصنَاع المال بشكل أوثق، ولما لا وهي بالأصل معتمدة بشكل كبير على نمو الاقتصاد، فعليه تبنى الميزانيات والأنشطة الرياضية واستضافة البطولات الرياضية وتنظيمها، وبيع اللاعبين والرعاية وغيرها.

وإجمالاً فالاقتصاد هو شريان الرياضة والممول لها، بل تخطى الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث بات الاستثمار في الرياضة والرياضين أنفسهم والملاعب التي تضم لقاءاتهم الرياضية وملابسهم والعلامات التجارية التي تحملها قمصان الفرق ويروجون لها أمام أعين مئات الملايين من المتابعين عالمياً، والتي قد تكون بنوكاً او خطوط طيران أو مؤسسات عقارية أو حتى وجهات ترفيه، وغيرها من الأمور التي تحسب على صناعة المال.

صور ونماذج الربط بين الرياضة والسياسة وصناع المال كثيرة ومعروفة منذ عقود لكل ذي بصر وبصيرة، أما صور الربط بين الرياضة والرياضيين من جهة، وحركة الاقتصاد والترويج للعلامات التجارية، وعرض منتج معين ليعتلي قمة هرم المبيعات، وبالتالي إزاحة آخر إلى مراتب متأخرة، هو من مستجدات عصر التكنولوجيا بشكل كبير نسبياً، كون الانتشار أوسع والتأثير أرسخ والترويج ربما يكون بكلمة أو صورة أو تصرف بسيط فقط، والذي قد يصنع الفارق أحياناً ويكون أقوى من حملات كبيرة موجهة ومدفوعة التكاليف.

منذ أيام وعلى هامش بطولة يورو 2020 التي تستضيفها 11 مدينة أوروبية، برز تصرف علق في ذاكرة كل من شاهده، وأغلب الظن أنه سيبقى طويلاً أيضاً في ذاكرة الرياضة ومتابعيها بل وأباطرة المال أيضاً، ذلك التصرف العفوي والمقصود الذي قام به الهداف التاريخي لبطولة أمم أوروبا ونجم منتخب البرتغال والنجم السابق لنادي ريال مدريد، “كريستيانو رونالدو”، حين أزال من على طاولة القاء الصحفي زجاجتين من الـ “كوكاكولا”، قبل أن يمسك بقارورة من الماء ويقول “أنا أشرب الماء فقط”، ليعقبه تصرف مشابه من “بوجبا” لاعب منتخب فرنسا، الذي بدوره أزاح من أمامه عبوة لمشروب كحولي.

قد يرى البعض أن بوجبا محق في تصرف كونه مسلم ودينه يحرم الخمر، لينتهي نقاش سريع على خلفية التصرف، أما إذا قولنا بأن تصرف “رونالدو” كبد أسهم الشركة 4 مليارات دولار “وفق محللين” فإن الأمر لم يعد هنا تصرفاً عادياً يمر مرور الكرام، أو مجرد لقطة طريفة صدرت من شخص شهير.

فكونه رياضي ومعروف وله معجبين ومتابعين في كل بيت تقريباً على مستوى العالم، جعل من الأمر موقفاً له ما بعده، ومن تبعات هذا التصرف تلك الخسارة المهولة التي تكبدتها أسهم الشركة وبحجم ربما لم تفقده في ظل حروب خاضتها أميركا، وهو الأمر الذي جعل أصحاب رأس المال يعيدون تخطيطهم للترويح بحملات ضخمة لإعادة الثقة في منتجهم، وربما أيضاً لن يتحقق لهم هذا إلا بعد ضخ أموال هائلة ووقت يصعب التكهن به.

الذاكرة الرياضية تعج بنماذج لرياضيين غيروا مسار أحداث كبيرة في بلدانهم، وكانوا لبنة قوية في بناء مستقبل شعوبهم، بل وأصبحوا دون تعمد منهم سفراء لبلادهم، ونجحوا في الترويج السياحي لها أفضل من الكثير من الحملات الموجهة التي يُرصد لنجاحها أرقاماً كبيرة.

على صعيدنا المحلي هناك من النماذج الرياضية التي وضعت اسم مصر في مقدمة الصفوف في رياضات كثير ومحافل أكثر، وبالتالي مثلوا داعماً سياسياً واقتصاديا وسياحياً كبيراً لمصر، منهم محمد صلاح، ذلك الرياضي الذي بات أيقونة مصرية تغزو العالم وتروج لبلده واسمها وتراثها وتاريخها، ليصل بذلك عمل من سبقوه على الدرب ذاته من أبطال في رياضات مثل “بناء الأجسام- الجودو- رفع الأثقال، السباحة، كرة القدم، الاسكواش، الكاراتيه، الكونغ فو، الشيش، الريشة، كرة اليد، بل وحتى السومو”، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

 نستخلص مما سبق أن الاهتمام بالرياضة والرياضيين، وتأهيل جيل يمتلك من الموهبة مثل ما يمتلك من الانتماء وحب الوطن، أمر إيجابي ومطلوب بشكل كبير، فهؤلاء الرياضيين لا سيما المشاهير منهم، من مصادر الدخل القومي، وهم بلا شك من أدوات الدولة وقوتها الناعمة، ولابد من إعداد أجيال مدربة ومؤهلة لضخ الصورة الإيجابية لبلدهم في شريان العالم من خلال اسمهم الذي يتلألأ في المحافل الرياضية.

 لابد لنا من رؤية متجددة لصناعة النجم، الذي هو في الأصل صناعة سفير بملابس رياضية، سفير يدخل البيوت من زاوية الرياضة، سفير يتخطى البروتوكولات والحسابات الدولية والمواءمات السياسية، سفير إن أُحسن استعماله وتوجيهه لخدمة بلده سيصنع الكثير والكثير.

وبالمثل فكما أن للدولة دور في صناعة النجم ودعمه، ليكون بمثابة قاطرة تحمل على عاتقها صورة إيجابية لمجتمعه كونه سفيراً له، يطرأ على السطح دور لا يقل أهمية عن سابقه، لعله دور متمثل في الهيئات والإدارات والمؤسسات والأندية، وكل ما يتبع وزارة الشباب والرياضة ويمت للرياضة الحكومية بصلة، دور يتمثل في تعميق الدور الرقابي السلوكي على الرياضيين، فنحن لا نعرف أيهم سيصبح سفيراً لنا يوما ما، لذا وجب علينا أن نحسن اختيار سفرائنا، على أساس هو في الأصل خليط بين الموهبة والثقافة والوعي والانتماء، وأن تتولى الدولة رعاية المواهب الرياضية بإخضاعهم لدورات تنموية تثقيفية تغرس في نفوسهم أوطانهم ليصبحوا سفراء في المحافل الرياضية، ولتكون الدولة راعية للرياضة، في الوقت ذاته الذي ترعى فيه مصالحها واعتماد سفرائها الرياضيين، ولنجعل منهم وجوهاً تروج للأنشطة السياحية والاقتصادية والتنموية في بلدهم، فهم أسرع وصولاً للناس في عصر التكنولوجيا عن ذي قبل، وباتت تصرفات الرياضيين وألوان قمصانهم، بمثابة مؤشر لألوان البورصة الحمراء والخضراء.

              نلقاكم في قعدة عرب أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى