مقالات

“فخرية”.. ودكتوراه محمد رمضان!

ليس هناك تقييما واقعيا لأداء محمد رمضان مغني الحفلات – العارية ثيابا ومضمونا- أكثر من حالة الاستياء التي سادت مؤخرا بين جمهور ورواد السوشيال ميديا حول تصرفات وسلوكيات «عبده موتة»، وأدائه الفني في الدراما والسينما والحفلات.. ولا أجد دليلا لتأكيد قبح المحتوى أكثر من المشهد الذي يخرج علينا فيه الشاب عاريًا بحفلات الساحل، وسط فئة من المجتمع وصل بها الإعجاب إلى حد الوله.

«بيكا.. وشاكوش.. وكمال.. ورمضان» والقوس يسع نماذج كثيرة أساءت للفن والإبداع، وأصرت على تلويث مسامعنا بكلمات خادشة للحياء، ومضامين مشوهة المعالم والمصطلحات، لقد قرأت ما نشرته مواقع الأخبار وصفحات السوشيال ميديا عن تكريم “رمضان”، ومنحه شهادة دكتوراه فخرية من أحد المراكز الثقافية الدولية بلبنان، تقديرا لدوره في نشر القيم وروح التسامح والثقافة.. تذكرت علي الفور قصة ساخرة عن الدكتوراه الفخرية والدكتورة “فخرية”.

يحكي أنه وأثناء تسليم الدروع بحفل تكريم أقامته إحدى الجامعات، نادى مقدم الحفل قائلا: “قررت الجامعة منح شهادة دكتوراه “فخرية” للأستاذ محمود – رجل الأعمال الشهير الذي تربطه علاقة بيزنس برئيس الجامعة – فجأة صرخت سيدة مسنة تجلس في القاعة بأعلى صوتها: «حرام عليكم.. ده مجهود بنتي.. ده ظلم».

ساد الصمت بالقاعة للحظات، ثم دوى صوت ضجيج الحضور يتساءلون: ما شأن هذه السيدة؟.. علموا بعدها أنها “أم” بسيطة لباحثة تدعي “فخرية” حاصله على درجة الدكتوراه بعد سنوات من التعب والاجتهاد، وقد حضرت مع ابنتها المقرر تكريمها بالحفل، وعقب تأخر تسليمها الدرع، ظنت بفطرة شديدة أن الجامعة منحت الدكتوراه لرجل الأعمال بدلا من ابنتها “فخرية”، هنا ضجت القاعة بالضحك، وتعاطف الحضور مع الأم.

ورغم فكاهية القصة، إلا أنها تجسيد حقيقة لواقع مشوه المعالم، فلا يعقل أن يكون منح الألقاب والمسميات دون ضوابط، ولا يعقل أن تتساوي الألقاب بين من تعب واجتهد وسهر الليالي لسنوات طويلة، وبين من يحصل عليها بالمجاملة والنفاق والمحسوبية والواسطة بحجة التكريم، بل أن استمرار مسلسل منح هذه الألقاب من الجامعات والمراكز الخاصة سمح لأصحابها بممارسة أعمال النصب والابتزاز، وانتحال المهن والألقاب وتزييف الواقع.

ذكرتني هذه الحكاية بدكتوراه محمد رمضان الفخرية ومنحه سفير الشباب العربي، وبعيدًا عن أهميتها المفقودة، ما الفن السامي الذي يقدمه محمد رمضان لينال «ورقة تكريم»؟.. وأين الأعمال الفنية التي علمت الناس «القيم الإنسانية»؟.. وهل مشاهد «عبده موتة» و«الديزل» و«قلب الأسد» تنشر روح التسامح في المجتمع كما ورد في شهادة التكريم؟.

حان الوقت لأن توقف الدولة مهزلة فوضى الشهادات والمسميات التي تصدرها لنا مراكز «بير السلم»، وتعطي الفرصة لأصحابها بممارسة أعمال النصب والاحتيال والابتزاز، فالكثير من هذه النماذج أساءت لفئات المجتمع، وارتكبت جرائم باسم هذه الصفات، هذا، “سفير” نوايا حسنة، وهذا “مستشار” تحكيم دولي، وهذا “دكتور” حاصل على دكتوراه فخرية، وذاك صحفي وإعلامي ويمتهن المهنة دون ضوابط أو معايير.

إعادة الدولة النظر في الأعمال الفنية التي تصدرها لنا الشاشات ضرورة ملحة، تزامنا مع دعم القيادة السياسية للفن والإبداع، وحفاظًا على الذوق العام، إضافة إلى إصدار تشريعا يجرم الخلل والفوضى والعنف والعشوائية التي تصدرها لنا الشاشات باسم الفن، ومنح الصلاحيات الكاملة لنقابتي الموسيقيين والمهن التمثيلية للقيام بدورهما في مراقبة وضبط الأعمال الفنية بكافة أشكالها، وربما هنا الفرصة سانحة لأن تفتح الدولة ملف اللاقيم بهذه الحفلات التي تشوه الذوق العام، ولا تمت للفن والطرب بصله إطلاقًا، بل تسيء في المحتوى والمضمون للفن ورسالته السامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى