مقالات

محمد كامل العيادي: هل سقوط أمريكا وارد؟

نعرج في سماء الولايات المتحدة، نسلط الضوء بعض الشيء على الأوضاع السياسية والاقتصادية الجارية، ومدى تأثيرها في وضعها القطبي، تعلم أيها القارئ أن أمريكا هي موطن اقتصاد السوق الحرة، ويجب علينا أن نتساءل: هل ما زالت كذلك الآن، أم انضحلت، خاصة في الآونة الأخيرة بعد الحرب الروسية الأوكرانية؟ هل قلت قدرة الأسواق الأمريكية على المنافسة، وفي حال أنها قلت فما مدى تأثير هذا على المستهلك الأمريكي وكذلك العمالة؟ ما مدى التأثير الواقع على الولايات المتحدة الأمريكية حال إنهاء التعامل بالدولار في الصين وروسيا وتوالي بعدها الدول الأخرى؟ هل ستسقط أمريكا قريباً، أم ستظل سيدة العالم؟
في الحقيقة إن الأسواق الأمريكية نقصت قدرتها على المنافسة في الآونة الأخيرة، وانخفض معدل الأسهم عن متوسط أدائها السنوي طويل الأجل، ولا شك أن جائحة كورونا كان لها سبب رئيس في هذا، حيث قامت الحكومة الأمريكية بوقف برامج المساعدات لتعويض خسائر الجائحة، وارتفاع أسعار الفائدة، وزيادة التضخم بسبب نقص السلع بعد الخلل الحاصل في التوريد. سينتهي عهد المنافسة ولم تكن الولايات المتحدة الأمريكية موطناً لاقتصاد السوق الحرة، وعند مقارنتها بأوروبا نجد أنها أصبحت أقل شراسة، لعدم وجود ما هو جديد لدى الشركات الأمريكية عما كانت تنتج من قبل.
وذكر “توماس فيليبون” أستاذ العلوم المالية في كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك، في كتابه “الانعكاس الكبير” كيف تستسلم أمريكا للأسواق الحرة حتى أصبحت الأسواق الأمريكية أقل قدرة على المنافسة، بعد أن كانت نموذجاً للعالم، فهي الآن تتخلى عن المنافسة الصحية، فالقطاعات الاقتصادية المختلفة أصبحت أكثر تمركزاً مقارنة بما كانت عليه من قبل، لتصبح أكثر تمركزاً، حيث يسيطر عدد قليل من اللاعبين، والذين يسعون بقوة لحماية وتوسيع هوامش ربحهم، الذي أدى به إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض الاستثمار والإنتاج والنمو، ومعه كذلك الأجور، وهذا يؤدي إلى عدم المساواة، بعد أن زاد التركيز وأصبح مرتفعاً في كثير من الصناعات، وزيادة معدلات أرباحهم مفرطة، مما يؤدي إلى نقص بعض السلع، وهذا يسبب أذى للمستهلك والعمال الأمريكيين على حد سواء، وارتفاع الأسعار، وانخفاض الاستثمار وانخفاض نمو الإنتاج، وانخفاض التنافس بعد زيادة الحواجز أمام الدخول، كذلك خلل وضعف إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار.
وللخروج من هذا قال “فيليبون”: يجب أن نكافح من أجل تخفيض العراقيل أمام الشركات الناشئة من حيث البدء والتوسع، وفي حال أن الحكومة ليست مذنبة في الإفراط في التنظيم، فهي ليست منظمة بما فيه الكفاية، وأضاف أنه يجب حماية الشفافية والخصوصية وملكية البيانات.
من يدرس الوضع الأمريكي يجد أن الأغنياء لهم دور كبير في السياسة، وكان لقرار “المواطنون المتحدون” الصادر عن المحكمة العليا عام 2020م، بأن الشركات أشخاص، وأن المال خطاب، له خطورة كبيرة في أن تصبح الولايات المتحدة الأمريكية خاضعة لحكم الأغنياء، لذلك تجد التربح هو الأساس في هذه الطبقة، فمثلاً نجد في قوانين السلاح ونظام الرعاية الصحية، أمريكا تنفق خمس الناتج المحلي على الرعاية الصحية، رغم أن لديها نتائج صحية أسوأ بكثير من أي بلد آخر ذات دخل مرتفع، لأنه ببساطة شديدة، النظام يعمل على احتكار التربح من الأعلى للأسفل.

أمريكا ليست إحدى الدول الأفريقية ولا الآسيوية، حتى تقع بسهولة، ولا حتى تتأثر عملتها بهذه السهولة، نعم لن تتأثر الولايات المتحدة الأمريكية أقتصادياً، ومستقبلها الأقتصادي ما زال في مأمن، ولن تؤثر رغبة روسيا والصين وإيران في إنشاء عملات رقمية لبنوكها المركزية لعدم التعامل بالدولار، حتى وإن كان هناك بعض القلق لأمريكا، بأن تحذو حذوهم بلاد أخرى، ويتم خروج البلاد واحدة تلو الأخرى من تحت السيطرة الأمريكية والتحرر من عباءتها، والتخلص من أي عقوبات تجارية واقتصادية صدرتها أمريكا، كما الحال مع روسيا وإيران، لكن في الحقيقة أن هذا لا يؤثر في دولة بحجم أمريكا، وأن العملات الرقمية لم تكن بديلة أبداً للدولار الأمريكي، وستظل محلية، ويوافقني هذا الرأي بعض رجال الاقتصاد بأن العملات الرقمية قد لا يتفق مع الهيمنة الأمريكية، ولا يتأثر الدولار بهذا الطارئ، حيث إن 60% من الاحتياطات العالمية الأجنبية مقومة بالدولار.
خلاصة لن يسقط الدولار ولن تسقط أمريكا إلا إذا كان هناك منافس قوي على القمة يناطحها، وقد يحدث هذا إذا اتحدت روسيا والصين وكوريا الشمالية، وهذا قد يتطلب وقتاً طويلاً، فالقرار ليس بالسهولة لأنه يعني حرباً عالمية ثالثة مدمرة، وعليه ستظل أمريكا رغم هذه المساوئ السياسية والاقتصادية تتمتع بالقطب الأوحد، إلى أن يريد الله أمراً كان مفعولاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى