مقالات

محمد كامل العيادي يكتب: البخيل وأنا !

كنا نرى من قبل الرجل البخيل الشحيح يشتري الزيت بالربع كيلو، والسمن بالثُمن كيلو.. وهكذا معظم مشترياته من المواد الغذائية والخضراوات بنفس الطريقة، ولم يره أحدٌ ذات مرة يشتري كرتونة بيض كاملة، ولكنه كان يشتري بالجنيه الواحد أربع بيضات، فعُرف بين الناس ببخله وشحه، مقارنة بمشترياتهم ومشتريات الآخرين، ومع نظرات الناس كان يلح داخلهم سؤال.. لماذا كل هذا البخل والشح في هذا الرجل؟ ماذا يكفي ما يشتريه من كميات بسيطة لأسرته؟!.. والرجل يشعر بهمزاتهم ولمزاتهم ونظراتهم التي تؤلمه، ولكن لسان حاله يقول لعلهم ذات يوم يفهمون ويعلمون.

مرت السنون والأيام، وذهبت لأشتري بعض مستلزمات المنزل التي طلبتها مني ربَّته، فلاحظت ارتفاع الأسعار الجنوني، ووجدت ما معي من نقود لا تكفي كل المطلوب، فأصبحت في حيرة.. هل أعود ببعض الطلبات أم أشتري القليل من كل نوع من القائمة الطويلة التي كتبتها لي، والتي تشبه قائمة الزواج، فقلت أشتري ربع كيلو من كل شيء، وقد كان.. وعندما عدت إلى المنزل نظرت إليَّ الزوجة باستهجان واستنكار وشجب. وقالت: ما هذا البخل والشح؟!.. فدارت بي الدنيا حين إذ، عندها تذكرت تلك الكلمات لذاك الرجل الذي كنا ننعته بالبخل والشح، فقلت لنفسي يبدو أننا كنا على خطأ عظيم بهذه النظرة الدونية لذاك الرجل الذي نعتناه بتلك الصفات التي نحن بها الآن.

لا نعرف الحقائق إلا وقت المرور بها، ولا يعرف طعم المُر إلا من تذوقه بلسانه؛ لذا لا ينبغي أن نصدر أحكاماً على أشياء لا يدركها العقل حينها، كما يجب عيش الواقع كما هو، ونساعد أنفسنا على تخطيه بعقولنا وليس بعواطفنا، وليس عيباً أبداً أن تشتري حاجاتك بما يناسب دخلك، لكن العيب أن تحكم على الناس بما ليس فيهم دون علم.
العالم الآن يمر بحالة اقتصادية صعبة جداً، وبعض التجار يستغلون هذه الأزمة، مع قيامهم بتخزين السلع للتحكم في الأسعار.. ولو كان هناك ثقافة كافية لدى الناس، لتحكّموا هم في هؤلاء التجار وليس العكس، وذلك بالمقاطعة، وعدم شراء السلع التي يزيد سعرها على الحد المقبول، فالأرز بـ12 جنيهاً كما تم تسعيره من قِبل الدولة، ولكنه يُباع في الأسواق بـ18 جنيهاً، ومع ذلك الناس يشترونه، وكذلك اللحوم الحمراء التي وصل سعرها إلى 250 جنيهاً للكيلو، وسعر الدجاج الأبيض 80 جنيهاً، والسمك البلطي 60 جنيهاً، وكرتونة البيض تخطت الـ100 جنيه، ومع ذلك تجد الناس يشترون ولا يبالون، رغم شكواهم المستمرة من زيادة الأسعار.. فهل يُعقل أن يهبط هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار بهذه الطريقة؟! لا والله، وسيظل في الصعود، وأحوالنا في الهبوط، لماذا لم نعِ ما قاله رئيس الجمهورية عندما قال “الحاجات اللي تغلى ما تشتروهاش”.

إن لم يتم التعامل مع أسعار السوق بجدية من الحكومة والناس، والوقوف بكل حزم ضد هذا الجشع، ستصل الأسعار خمسة أضعاف ما هي عليه الآن في شهر رمضان، فكونوا بُخلاء لفترة، واتركوا البضائع مركونة عند التاجر الجشع، وسيضطر النزول إلى رغباتكم، مثلما فعلها السادات من قبل؛ عندما دعا إلى مقاطعة اللحوم، واستجاب الناس حتى انخفضت الأسعار.. حفظ الله شعب مصر من شر جشع التجار .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى