عرب وعالممقالات

أغنية الاستسلام

بقلم: عبد الستار حتيتة

ربما كان ينبغي على السياسي أن يستمع إلى ذلكم الجندي البريطاني الذي كان يقود جوقة أغنية الاستسلام، وهو يقرع ما تبقى من طبول الحرب فوق التل الأمريكي المطل على البحر. وتقول الأغنية: “لقد انقلب العالم رأساً على عقب”.

حدث ذلك في عام 1781. كانت الجوقة العسكرية المهزومة تغني لتقر بالواقع الجديد، وتهبط التل إلى الميناء لركوب المحيط والعودة، مدحورة، إلى لندن.

إن السياسة مسرح للهزيمة والانتصار. عليك أن تتوقع أن العالم يمكن أن ينقلب رأسا على عقب في أي لحظة، أو كما ترى الآن من زيارات ولقاءات بين من كانوا خصوماً. “ومع ذلك، فلنكن راضين!”.   

بالعودة إلى الماضي.. كان المنتصر على الجيش الإنجليزي، وقتذاك، هو أول قائد عسكري أمريكي؛ جورج واشنطن. كان أول رئيس لأمريكا أيضاً. المثير لمرارة البريطانيين المهزومين، أن هذا الضابط، نفسه، كان قائدا في الجيش البريطاني. وفي السابق خاض حروباً تحت راية ملك بريطانيا!

يرد في أصل الأغنية مقولة “ومع ذلك، فلنكن راضين!”. فأمام هذا الواقع، يظهر أن الجوقة لم تجد أفضل من أغنية “لقد انقلب العالم رأساً على عقب”، وهي تترك أراضي المستعمرات البريطانية (أمريكا الآن)، وتغادر.

اليوم تشهد المنطقة العربية سياسات متقلبة. بشكل عام يوجد ما يمكن اعتباره توجه نحو التعاون بدلاً من التنافس. هذا لا يمنع من أن البعض يتسابق للوصول إلى مصالحه، وتحقيق مكاسب على حساب الآخرين.. “ومع ذلك، فلنكن راضين!”. 

يقال إن كلمات أغنية الاستسلام هذه مستوحاة أساساً من أغنية كانت مشهورة في بريطانيا في الزمن الغابر، أي في أربعينيات القرن السادس عشر.  

جوهر الأغنية، من أصلها، وما تفرع منها فيما بعد، يدعو، إجمالاً، إلى شجاعة الانسحاب. وشجاعة الإقرار بأن الزمن يقوم بالتغيير، رغم كل محاولات الإنسان للإبقاء على المسلمات.

جرى تأليف الأغنية لأول مرة بسبب الغضب من إجراءات كان يقوم بها حكام بريطانيا ضد معتقدات عامة. الموضوع حساس، وكان يخص قرارات اتخذتها السلطات آنذاك بمنع احتفالات دينية قديمة. رغم ذلك ورد في الأغنية “فلنكن راضين!”.

ومن كلمات الأغنية الأصلية:

“يجلس الرجال الذين يخدمونهم ويتذمرون..

ويفكرون في ذلك طويلاً قبل وقت العشاء..

حيث لا يوجد أي خير يمكن العثور عليه..

ومع ذلك فلنكن راضين..

والوقت يرثى له..

إذ ترى العالم ينقلب رأسًا على عقب..”

.. وأخيرا، وتماشياً مع روح أغنية الاستسلام هذه، يبدو أنه من الخطأ أن تكون حاداً، في أوقات معينة، وأنه ينبغي عليك، أحياناً، أن تكون مرناً، وأن تتعاطى مع السياسة كلعبة للمكسب والخسارة. والأهم ” فلنكن راضين..”، لأنه لا يوجد بديل، أو كما قيل!   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى