تقارير و تحقيقات

السلطان حسن بالقلعة.. درة المساجد وهرم مصر الإسلامي

 “إن المنارةَ لمْ تَسْقُط لمنقَصة لكن لسر خفيّ قد تبينَ لي‏.‏.من تحتها قرئ القرآن فاستمَعَت فالوجدُ في الحالِ أدّها إلى الميل‏.‏.لو أنزلَ اللهُ قرآنًا على جبل تصدعت رأسُهُ من شدّةِ الوجل‏.‏.تلكَ الحجارةُ لم تنقَضُّ بل هبطَت من خشيةِ الله للضعفِ والخلل‏.‏.وغابَ سلطانُها فاستوحشت ورمَت بنفسها لجوى في القلبِ مشتعل‏” قالها الشيخ الدين أبو حامد حين سقطت المنارة التي بُنيت علي باب جامع ومدرسة السلطان حسن.

ويعد هذا المسجد بمكانته المهمة لدي المسلمين في ذلك الوقت أكثر أثار القاهرة الإسلامية تناسقًا وانسجاما، ويمثل مرحلة نضوج العمارة المملوكية، ويستمد أهميته من كونه مدرسة لكل مذهب من المذاهب الأربعة ” الشافعي،الحنفي،المالكي،الحنبلي”.

تقع هذه المدرسة في نهاية شارع محمد علي أمام جامع الرفاعي بميدان القلعة “ميدان صلاح الدين”  .

هرم مصر الإسلامي

أنشأ الجامع والمدرسة السلطان حسن بن محمد بن قلاوون والذي أستغرق 7 سنوات ،بدأ البناء في عام 1356 ميلادية،وقُتل السلطان قبل انتهاء البناء ولم يُعثر علي جثمانه ولم يدفن في الضريح الذي بناه في المسجد.

وتبلغ المساحة الإجمالية للجامع حوالي 7906متر، أي ما يقرب من فدانين، وهو علي شكل مستطيل غير منتظم الأضلاع، وتقع الواجهة الرئيسية في الضلع الشمالي الذي يبلغ طوله 145 مترا، وارتفاعه 37.80 مترا، ويؤدي الباب الرئيسي للمسجد إلى مدخل يؤدي إلى الصحن وهو مربع الشكل تقريبا يبلغ طوله 34.60 مترا، مفروش بالرخام، ويتوسطه فسقية للوضوء تعلوها قبة خشبية تقوم على ثمانية أعمدة.

وحول الصحن من جهاته الأربعة إيوانات المدارس الأربعة، وتعد كل مدرسة مسجد صغير مخصص لدراسة مذهب من المذاهب الأربعة ، وتتكون كل مدرسة من إيوان وصحن تتوسطه فسقية، وتحتوي كل مدرسة على ثلاثة طوابق تشتمل على غرف الطلبة والدرس، ويطل بعضها على صحن المدرسة وبعضها الآخر يطل على الواجهات الخارجية وكان أكبرها مدرسة الحنفية حيث تبلغ مساحتها 898 متر.

مليون دينار

وكما وصفه “جومار” في كتابه وصف مصر: “إنه من أجمل مباني القاهرة والإسلام، ويستحق أن يكون في الرتبة الأولى من مراتب العمارة العربية بفضل قبته العالية، وارتفاع مئذنتيه، وعظم اتساعه وفخامة وكثرة زخارفه”.

وقد تجاوز إجمالى تكلفة المشروع المليون دينار، نظرًا لأن المشروع تم تنفيذه على هذا النطاق الهائل مما جذب العديد من الصناع والحرفيين من مختلف أقاليم الدولة المملوكية.

وبسبب الأموال الباهظة التي صُرفت عليه قال السلطان حسن : “لولا القول إن ملك مصر عجز عن إتمام بنائه لتركته لكثرة ما صرف عليه”.

درة المساجد

أسباب جعل مسجد السلطان حسن من أعظم المساجد المملوكية وأجلها شأنا فقد جمع بين ضخامة البناء وجلال الهندسة، وتوفرت فيه دقة الصناعة وتنوع الزخرف، كما تجمعت فيه شتى الفنون والصناعات فنرى دقة الحفر في الحجر ممثلة في زخارف المدخل ومقرنصاته العجيبة.

ويكمل سحره الفريد جمال ودقة صناعة الرخام ممثلة في وزرتى القبة وإيوان القبلة ومحرابيهما الرخاميين والمنبر ودكة المبلغ وكسوة مداخل المدارس الأربعة المشرفة على الصحن ومزررات أعتاب أبوابها ،بالإضافة إلي دقة صناعة النجارة العربية وتطعيمها مجسمة في كرسى السورة الموجود بالقبة.

بلغت دقة وفن النحاسين في هذا الوقت ليصنعوا لنا تحفة فنية رائعة وهي باب المسجد النحاسى المركب الآن على باب جامع المؤيد فيعتبر مثلا رائعا لأجمل الأبواب المكسوة بالنحاس المشغول على هيئة أشكال هندسية تحصر بينها حشوات محفورة ومفرغة بزخارف دقيقة. وما يقال عن هذا الباب يقال عن باب المنبر.

وهناك على أحد مدخلى القبة بقى باب مصفح بالنحاس كفتت حشواته بالذهب والفضة على أشكال وهيئات زخرفية جميلة جديرة بإقناعنا بعظيم ما يحويه هذا المسجد من روائع الفن وما أنفق في سبيله من أموال طائلة.

كل هذة الفنون المتقنة تتزاحم لتبهرنا أكثر وأكثر وكأن كل حرفي كان يعمل كأنه في سباق لينال إعجاب السلطان ويبهره بمهارته

واشتمل المسجد أيضًا الثريات النحاسية والمشكاوات الزجاجية وقد احتفظت دار الآثار العربية بالقاهرة بالكثير من هذه التحف النادرة وهى تعتبر من أدق وأجمل ما صنع في هذا العصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى