مقالات

طاولة اللعب الليبية بين الدبيبة وباشاغا

بقلم: عبد الستار حتيتة

أنت تحرك جندي. وهو يحرك جندي. أنت تحرك الفيل. وهو يحرك الفيل. إن الوصول لمحاصرة الملك ما زالت بعيدة. لكنها جارية. حتى لو طال وقت اللعب، فإن طاولة الشطرنج لا بد أن تصل لنهايتها، بالإطاحة بالملك.

هذا ما يجري في ليبيا حالياً. فمن يا ترى يمكن أن يخرج من اللعبة. عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، والمتحصن في طرابلس، أم فتحي باشاغا، رئيس الحكومة التي انتخبها مجلس النواب، والذي فشل، منذ منحه الثقة قبل ستة أشهر، في تولي مهام عمله، أو دخول العاصمة؟

الدبيبة وباشاغا ينتميان لمدينة واحدة، هي مدينة مصراتة ذات التسلح القوي والمقاتلين الأشداء. يوجد في لوبي الدبيبة المجلس الرئاسي، ومجلس الدولة الذي تهيمن عليه جماعة الإخوان، والجماعة المقاتلة. ولبعض هؤلاء قوات ميليشياوية على الأرض. ويوجد في لوبي باشاغا مجلس النواب، والجيش الوطني، وبعض الميليشيات في شمال غرب ليبيا. التوافق بين الفريقين صعب المنال.

جر القضاء للصراع السياسي

كان القضاء الليبي بعيداً عن الصراع السياسي. لكن يبدو في الآونة الأخيرة أنه يجري جر هذه المؤسسة العريقة للخلافات القائمة حول من يحكم البلاد. ففي الأيام القليلة الماضية حرك لوبي باشاغا أحد جنوده على رقعة الشطرنج. فرد لوبي الدبيبة، في المقابل، بتحريك جندي من عنده.

ماذا حدث بالضبط؟ مجلس النواب قرر يوم الثلاثاء الماضي تعديل قانون المحكمة العليا بغرض تحصين القضاء من التجاذبات السياسية. لكن المحكمة العليا، التي تهيمن عليها أطراف موالية للوبي الدبيبة، ردت بتفعيل الدائرة الدستورية التابعة لها، وهي دائرة كانت معطلة منذ 2016. والهدف من إعادتها للحياة الآن، هو تعطيل عدد من تشريعات مجلس النواب! 

نقلة أخرى

وبعد ذلك قام لوبي باشاغا بتحريك قطعة أخرى على طاولة اللعب. ولوح عن طريقها بإمكانية تضييق الخناق على الدبيبة حتى يترك السلطة، وحتى يسلم مقرات الحكومة. فقد دق لوبي باشاغا طبول الحرب من جبهة الزنتان، جنوب غرب طرابلس، ومن جبهة مصراتة، من شرق طرابلس. لكن الدبيبة رد بحركة مضادة، وذلك بأن أوعز للميليشيات التي يستند إليها في العاصمة، بتسيير دوريات في الجنوب والشرق. يبدو كمن يريد أن يقول: أنا هنا يا باشاغا!

بيدَ أنَّ لوبي باشاغا لم يتوقف. هدد خصمه، قبل ساعات، بأن زاد من وتيرة البيانات المؤيدة لحكومته، في مناطق قريبة من نفوذ الدبيبة. كما لم يتوقف هذا الأخير، بدوره، إذ جاء رده بإطلاق وعود مغرية للعامة، منها زيادة المنح المالية للشباب، وتخصيص قطع الأراضي لهم بأسعار ميسرة، وغيرها.

الانقسام مفيد أحياناً!

بطبيعة الحال لا يخفي على أحد أن هناك أطرافاً محلية، وإقليمية، ودولية تستفيد من بقاء الصراع بين الرجلين على ما هو عليه. أي استمرار حالة الانقسام، بهدف ضمان تدفق النفط والغاز، إلى الخارج، بأسعار بخسة لأطراف داخلية. لهذا ستجد أن هناك مقتدرين أجانب، لديهم قدرة على ضبط ميزان الفوضى، حتى لا تنزلق البلاد إلى اقتتال سافر، أو أن يتغلب هذا على ذاك.

وجود رأس واحد للحكم في دولة ذات ثراء نفطي، في هذه الظروف الدولية الصعبة، أمر غير مطلوب. لهذا ستجد في ليبيا رأسين وقد يكون هناك رؤوس أخرى لا تظهر للعيان. لكن السؤال البديهي يقول: من أين يأتي المتصارعون بالأموال؟ من أين ينفقون على رواتب العناصر المسلحة، وعلى الذخيرة، وعلى كروت شحن الهواتف لآلاف المقاتلين؟ إنه النفط.. إنه المصرف المركزي!

بقاء الدبيبة وباشاغا كل هذا الوقت، أي نحو ستة أشهر حتى الآن، حول طاولة اللعب، يحتاج، بلا شك، لمصاريف. لهذا يمكن معرفة إلى أين تتجه الرياح إذا قرأت ملامح الممسكين بصنابير البترول والغاز، وإذا قرأت وجوه من يتحصلون على الإيرادات.

الغريب في هذه الإشكالية أن معظم خطوط النفط والغاز، موجودة لدى لوبي باشاغا، ومعظم إيرادات هذه الثروة موجودة لدى لوبي الدبيبة. فمن يدير هذه الفوضى، ومن يطيل أمد بقاء اللاعبين على الطاولة؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى