مقالات

ايمن مدين يكتب: الثروة البشرية ما بين نعمة و نقمة

 

إن الدول والحدود ليست سوى طبيعة جامدة دون تدخل العنصر البشرى والذى يعمل على تحويل هذه الطبيعة ومواردها إلى ثروات ومن ثم تتحول الموارد الطبيعية من هذه الحالة الاولية الجامدة إلى موارد مشكلة يمكن للعنصر البشرى إستغلالها والإنتفاع بها .

وكلما كان هناك حسن إدارة لهذه الموارد ( البشرية – الطبيعية ) وزاد الاحتكاك والتفاعل الإيجابى  بين العنصر البشرى والطبيعة كلما زادت فرص المجتمعات على ترك بصمة حضارية تدل على مدى تقدم المجتمع ورقيه بين الأمم .

ولذلك فإن الموارد البشرية هى ثروة شأنها شأن كل الثروات  إن حسن إدارتها ترتب علي ذلك تحقيق عوائد إيجابية من وراءها وعلى العكس تمام إن تم إساءة  إدارتها تحولت إلى عبء أثقل كاهل الأمم وعليها أن تتحمل كل الأعباء والضغوط التى قد تترتب على ذلك . 

ولدينا أمثلة مختلفة على ذلك  يمكن سردها وإلقاء الضوء عليها وعلى تجربتها وكيف نجحت فى تحويل العنصر البشرى والكثافة السكانية العالية من مشكلة إلى نقطة قوة وثروة منتجة تفيد مجتمعها والمجتمعات الاخرى حول العالم .

 اليابان 

تتكون من مجموعة من الجزر تبلغ مساحتها 378 ألف كم2  وهى تمثل ثلث مساحة مصر تنقسم جغرافيا إلى 8 مناطق رئيسية تنفرد كل منها بلهجة وعادات وتقاليد خاصة . تشكل المناطق الجبلية بها نسبة 70% من مساحتها وتتركز المدن فى مساحة 30 % فقط من مساحتها ويقدر تعداد سكانها بنحو 126 مليون نسمة أى نسبة 1.6 من إجمالى سكان العالم .

وعلى الرغم من أن اليابان تعانى بشكل كبير من الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وأعاصير إضافة إلى أنها تفتقر إلى الموارد الطبيعية الرئيسية مثل ( النفط – الغاز الطبيعى –الذهب –النحاس – الحديد ) وتعتمد على المواد الخام المستوردة .

حيث تعد اليابان أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال والفحم وثانى أكبر مستورد للنفط فى اعقاب اغلاق المفاعلات النووية عقب توسنامى 2011 ما دفعها    للإعتماد على الوقود الاحفورى . إلا أن اليابان من الناحية الاقتصادية واحدة من اكثر الدول تقدما حيث تأتى فى المركز الثالث عالميا  بعد الولايات المتحدة الامريكية وجمهورية الصين الشعبية حيث تحقق ناتج محلى إجمالى يقدر ب 4.9 تريليون دولار أمريكى .

والسبب فى ذلك هو أهتمام اليابان بالعنصر البشرى ووضعه فى المقام الاول حيث تحتل اليابان المركز السابع فى الترتيب العالمى للتعليم كما تهتم اليابان بقطاع الصحة وتحتل المركز الرابع عالميا . حتى أن متوسط العمر المتوقع فى اليابان يتخطى الثمانون عام وهو أعلى الارقام المسجلة على الاطلاق وهو نتيجة للتقدم الكبير فى العلاج  والوعى الصحى المتزايد لدى اليابانيين .

الصين 

وإذا نظرنا للمجتمع الصينى والذى يأتى فى مقدمة شعوب العالم من حيث التعداد السكانى والبالغ ( 1.418 ) مليار نسمة وعلى الرغم من هذا الرقم الضخم إلا أن الصين تلقب بمصنع العالم وهى  متقدمة إقتصاديا حيث تحتل المركز الثانى بين إقتصادات العالم  بناتج محلى إجمالى  قدر ب  ( 19 تريليون دولار أمريكى ) ومرشحة بقوة للوصول إلى المركز الأول عالميا بحلول عام 2028 .

ولم تمنعها الزيادة السكانية من مواصلة التقدم والنمو حتى اصبحت تنافس كبرى دول العالم فى شتى الصناعات بما فيها الصناعات التكنولوجية المتقدمة خاصة التكنولوجيا الحديثة من الجيل الخامس ( G5 )  والتى حققت فيها الصين تقدما كبيرا تفوقت فيه على الولايات المتحدة الأمريكية والتى ظلت لفترات طويلة تستأثر بصدارة دول العالم من حيث التقدم التكنولوجى .

وعلى الرغم من شكوى دول عديدة من الزيادة السكانية إلا  أن الصين لا تواجه مشكلة فيما يخص هذا الامر بل على العكس أقدمت الصين مؤخرا على إلغاء إجراءات تقييد إنجاب الأطفال . كما أجرت الصين أيضا  تعديلا قانونيا ليسمح للزوجين بإنجاب طفل ثالث بل وتعمل على تطبيق إجراءات داعمة لتحول السياسة الإنجابية من بينها إعطاء اجازة للاباء وتأسيس مزيد من الحضانات و زيادة نسب الدعم . 

الهند 

ولا يمكننا أن نغفل ذكر الهند والتى تحتل المرتبة الثانية عالميا من حيث تعداد السكان والبالغ (1.4 ) مليار نسمة وعلى الرغم من ذلك إلا أن الهند حققت نجاحات كبيرة فى الاعوام الاخيرة حتى أنه رغم الازمات التى يمر بها العالم إلا ان الهند حققت نمو أقتصادي سريع حيث  وصل خلال الربع الثانى من العام الجارى إلى نسبة 13.5 بالمائة بفضل تعزيز الصناعة والزراعة .

 وتمكنت الهند ثالث أقوى إقتصاد فى أسيا بعد الصين واليابان من إزاحة بريطانيا والتى كانت تحتل أراضيها سابقا عن المرتبة  الخامسة بين إقتصادات العالم لتصبح هى خامس أكبر إقتصاد عالمى .

روسيا 

أما روسيا فعلى الرغم من الأزمة التى تمر بها ( الحرب الروسية الأوكرانية) والعقوبات الاقتصادية الغير مسبوقة المفروضة عليها إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقع مرسوم يعيد احياء فكرة الام البطلة والتى أطلقها الزعيم السوفيتى ستالين إبان الحرب العالمية والذى يكرم الام التى تلد ١٠ أبناء فيما أزيد معنويا بحصولها على لقب الام البطلة . وماديا بحصولها على دعم مالى قيمته مليون روبل روسي. 

ويتضح مما سبق أن الزيادة السكانية ليست عائق أمام تقدم الامم و إن الموارد البشرية حال تم العناية بها وإدارتها بشكل صحيح  والتخلص من النظرة السلبية للزيادة السكانية والتعامل معها على أنها ثروة يمكن أن تتحول إلى طاقات قادرة على الانتاج وتحقيق النمو ودفع دفة الامة إلى الامام حتى تصل إلى المراتب المتقدمة بين دول العالم 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى