مقالات

اضاءات في حياة بطلة كربلاء الصابرة المحتسبة عقيلة بني هاشم السيدة زينب عليها السلام

قلم وصوت آل البيت :
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

ونحن نعيش هذه الأيام ذكرى وفاة سيدة من سيدات الإسلام وعظيمة من عظيمات التاريخ وسيدة الطهر والعلم والجهاد الحوراء الجليلة الكريمة المشيرة رئيسة الديوان عقيله بني هاشم جبل الصبر أمي السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب (عليها السلام).


أن شخصية السيدة زينب (عليها السلام) زاخرة بالمواهب العالية، وسيرتها طافحة بالمكارم الرفيعة وهي القدوة الصالحة لكل امرأة تريد رضا الله سبحانه وتعالى، فقد تحلّت بجميع الفضائل التي وهبها الله تعالى لجدّها الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، وأبيها الامام (علي الكرار وليد الكعبة عليه السلام)، واُمها السيدة فاطمة سيدة نساء العالمين (عليها السلام)، وأخويها الامامان الحسن والحسين عليهما السلام سيدي شباب أهل الجنة وريحانتي رسول الله صلّى الله عليه وآله، وورثت خصائصهم، وحكت مميزاتهم ، وشابهتهم في سمو ذاتهم ومكارم أخلاقهم.


فمن أبرز ملامح شخصيتها التشدد في العفاف حيث كانت مضربا للمثل في ذلك فقد روى يحيى المازني قال: كنت في جوار الامام علي (عليه السلام) في المدينة لمدة وبالقرب من البيت الذي تسكنه السيدة زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً، وكانت اذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله (صل الله عليه وسلم) تخرج ليلاً، والإمام الحسن عن يمينها، والإمام الحسين عن شمالها، والامام (علي كرم الله وجهه) أمامها، فاذا قربت من القبر الشريف سبقها الامام علي (عليه السلام) فأخمد ضوء القناديل فسأله الإمام الحسن عليه السلام مرة عن ذلك؟ فقال: أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب.


أننا نجد في موقف الحوراء زينب (عليها السلام) أنها كانت حريصة على العفة والتستر كوالدتها البتول السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وكانت إيجابية مع أسلوب أبيها الإمام (علي كرم الله وجهه) في توفير أجواء العفاف والتستر.
وأما علمها (عليها السلام)، فهو البحر لا ينزف فانها (عليها السلام) هي المترباة في مدينة العلم النبوي، المعتكفة بعده ببابها العلوي، المتغذاة بلبانه من أمها الصديقة الطاهرة المباركة الشريفة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وقد طوت عمرا من الدهر مع الامامين السبطين يزقانها العلم زقا فهي اغترفت من عباب علم آل محمد (عليه افضل الصلاه واتم التسليم) وعباب فضائلهم.

السيدة زينب الكبرى رضي الله عنها :
هي: بنت فاطمة البتول، بضعة سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم.

أبوها: سيف الله الغالب سيدنا عليُّ بن أبي طالب كرم الله وجهه

وجدتها: السيدة خديجة بنت خويلد عليها السلام

وأخواها الشقيقان: الإمام أبي محمد الحسن، والإمام أبي عبد الله الحسين رضي الله عنهم جميعًا.

  • ولادتها وزواجها وأولادها:
    وُلدت بعد مولد الإمام الحسين بسنتين، وكلاهما ولد في شهر شعبان، أمَّا هي ففي السنة الخامسة أو السادسة للهجرة، فعاصرت إشراق النبوة عِدةَ سنوات، وسَماهَا الرسول صلى الله عليه وسلم «زينب»؛ إحياءً لذكرى ابنته (زينب) التي استشهدت في (بدر) بعد أن طَعَنَهَا مشرك في بطنها، وهي حامل، ومعنى زينب: الفتاة القوية المكتنزة الودودة العاقلة.

واشتهرت زينب بجمال الخِلقة والخُلُقِ، اشتهارها بالإقدام والبلاغة، وبالكرم وحسن المَشُورَةِ، والعلاقة بالله، وكثيرًا ما كان يرجع إليها أبوها وإخوتها في الرأي، ويأخذون بمشورتها؛ لبُعْدِ نظرها وقوة إدراكها.

تزوجت بابن عمها عبد الله بن جعفر (الطيار) بن أبي طالب عليه السلام، وكان عبد الله عليه السلام هذا فارسًا شهمًا نبيلًا كريمًا، اشتهر بأنه (قطب السخاء)، وهو أول طفل ولد أثناء الهجرة الأولى بأرض الحبشة، وهو يكبُر (زينب) بخمس سنوات؛ أي إنه عاصر إشراق النبوة عشر سنوات، ومنه أنجبت ذكورًا وإناثًا، ملئوا الدنيا نورًا وفضلًا، وهم: جعفر، وعلي، وعون الكبر، ثم أم كلثوم، وأم عبد الله، وإليهم ينسب الأشراف الزَّيَانِبَة، وبعض الأشراف الجعافرة .

النبيّ صلّى الله عليه وآله يسمّي زينب عليها السّلام :

أطلّت السيّدة زينب عليها السّلام على الدنيا في الخامس من شهر جمادى الأولى في السنة الخامسة للهجرة في بيتٍ أذن اللهُ أن يُرفع ويُذكر فيه اسمُه، وفتحت الوليدة المباركة عينيها تتطلّع إلى وجوهٍ أكرمها ربّ العزّة عن أن تسجد لصنمٍ قطّ، مُتسلسلةً في أصلاب الطاهرين وأرحام المطهّرات.

وحَمَلت سيّدةُ نساء العالمين: فاطمة عليها السّلام وليدتها إلى خير الخلق بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله: أميرِ المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام تسأله أن يختار للنسمة الطاهرة المباركة اسماً، فأبى أن يَسبِق رسولَ الله صلّى الله عليه وآله ـ وكان غائباً يومذاك ـ في تسميتها، ثمّ عاد النبيُّ صلّى الله عليه وآله إلى المدينة، فحملت الزهراء عليها السّلام وليدتها إلى أشرف الكائنات وخاتم الرسل صلّى الله عليه وآله من الوحي اسماً لها، فسمّاها “زينب “.

لماذا بكى رسول الله صلّى الله عليه وآله في ولادة زينب ؟

من غير المعهود أن الأب أو الجدّ إذا رُزِق ولداً أو حفيداً بكى وانتحب وذرف الدموع سِخاناً، فلماذا يحدّثنا التاريخ أن الإمام الحسين عليه السّلام حَمَل إلى أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام بشارةَ ولادة أخته زينب، وأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام بكى ـ بأبي هو وأمّي ـ لمّا بُشّر بولادتها، فسأله الإمام الحسينُ عليه السّلام عن علّة بكائه، فأخبره أنّ في ذلك سراً ستبينه له الأيام .
ثمّ حُملت الوليدة الطاهرة إلى جدّها الحبيب محمّد صلّى الله عليه وآله، فاحتضن رسولُ الله صلّى الله عليه وآله الطفلةَ الصغيرة وقبل وجهها، ثمّ لم يتمالك أن أرخى عينَيه بالدموع ، وكان جبرئيل عليه السّلام الذي هبط بإسم “زينب ” من ربّ العزّة قد أخبر حبيبه المصطفى صلّى الله عليه وآله بأنّ هذه الوليدة ستشاهد المصائب تلو المصائب، وأنّها ستُفجَع بجدّها رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبأمّها فاطمة سيّدة النساء عليها السّلام، وبأبيها أمير المؤمنين عليه السّلام، وبأخيها الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام سِبطِ رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ تُفجع بمصيبةٍ أعظمَ وأدهى، هي مصيبة قتل أخيها الإمام الحسين عليه السلام سيّد شباب أهل الجنّة وأهله في أرض كربلاء.

ويجمع كل المؤرخون أن السيدة زينب عليها السلام نشأت نشأة حسنة كاملة فاضلة عالمة، على جانب عظيم من الحلم والعلم ومكارم الأخلاق، ذات فصاحة وبلاغة، أخذت عن والدتها الرقة والحنان والخلق الحسن، وأخذت عن والدها العلم والتقوى، حتى تميزت بثقافتها وفصاحتها وبلاغة حديثها ، وكانت السيدة زينب رضي الله عنها صوّامة قوّامة تقضي أكثر لياليها متهجدة تتلو القرآن ، كما كانت رضي الله عنها لبيبة عاقلة، وفي البلاغة والزهد والشجاعة قرينة أبيها الإمام علي رضي الله عنها وأمها فاطمة الزهراء، وكان لسانها رطباً دائماً بذكر الله، تجمع بين جمال الطلعة وجمال الطوية، فيقول الجاحظ في «البيان والتبيين»: إنها كانت تشبه أمها لطفاً ورقة وتشبه أباها علماً وتقى.

ولما خرج الإمام الحسين رضى الله عنه في جهاد الغاصب الفاسد يزيد بن معاوية ، شاركته زينب في رحلته وقاسمته الجهاد، فكانت تثير حَمِيَّةَ الأبطال، وتشجع الضعفاء، وتخدم المقاتلين، وقد كانت أبلغ وأخطب وأشعر سيدة من أهل البيت خاصة، والنساء عامة في عصرها ، ولما قُتِلَ الحسين وساقوها أسيرة مع السبايا، وقفت على ساحة المعركة، تقول: يا محمداه ، يا محمداه ، هذا الحسين في العراء، مزمَّل بالدماء، مقطع الأعضاء، يا محمداه ، هذه بناتك سبايا، وذريتك قتلى، تسفي عليها الرياح ، فلم تبقَ عين إلا بكت، ولا قلب إلا وجف.

كما كان لها مواقفها الجريئة الخالدة مع ابن زياد ومع يزيد، وبها حمى الله السيدة فاطمة الصغرى بنت الإمام الحسين عليه السلام من السبي والتَّسَرِي، وحَمَى الله الإمام عليا الأصغر زين العابدين من القتلِ، فانتشرت به ذرية الإمام الحسين عليه السلام، واستمرت في الثورة على الفساد ولا تزال، ولقبت السيدة زينب عليها السلام بلقب بطلة كربلاء زينب ، وَلَمَّا أعادوها رضي الله عنها إلى المدينة المنورة بعد أن استبقَوا رأس الحسين بدمشق ليطوفوا به الآفاق ، إرهابًا للناس، أحسوا بخطرها الكبير على عَرْشِهِم، فاضطروها إلى الخروج، فَأَبَتْ أن تخرج من المدينة إلا محمولة، ولكن جمهرة أهل البيت أقنعتها بالخروج، فاختارت مصر لما علمت من حب أهلها وواليها لأهل البيت.

ولقبت السيدة زينب بالعديد من الألقاب، منها ” أم العزائم ” لعزيمتها القوية في طاعة الله تعالى وتقواه، و” أم هاشم “، لأنها كانت كريمة سخية كجدها هاشم، و” صاحبة الشورى ” لرجوع أبيها وأخوتها لها في الرأي، و” أم العواجز “، لأن دارها كانت مأوى للعجزة والضعفاء، و ” رئيسة الديوان ” لأنها لما رحلت إلى مصر كان وليها وعلماؤها يعقدون جلساتهم في دارها وتحت رئاستها ، وقال عنها الإمام الحسين رضي الله عنه: أنعم بك يا طاهرة حقاً إنك من شجرة النبوة المباركة ومن معدن الرسالة الكريمة.

وقد توفيت عليها السلام، وهي على عصمة زوجها عبد الله بن جعفر بن أبى طالب عليه السلام ، وأمَّا قصة طلاقها منه فكذب من وضع النواصب خصوم أهل البيت ، أو هي على أحسن الأحوال وَهْمٌ واختلاط وتشويش على أهل البيت من المتمسلفة ، وقد اختلف المؤرخون في تحديد سنة وفاتها، وان كان الأرجح عند كثير من الباحثين أنها توفيت في سنة 62 هـجريه ، لكن ذهب آخرون إلى أن وفاتها سنة 65 هـجريه ، بالرغم من الإتفاق أن وفاتها كانت في يوم 15 رجب ،

من أشعار السيدة زينب بنت علي:
ومما ينسب إلى السيدة زينب بنت علي رضي الله عنها من الشعر، قولها للعراقيين، وهي محمولة وآل بيتها على الأقتاب إلى دمشق للقاء يزيد بعد مذبحة كربلاء، واستشهاد الحسين، وإهانة من بقي من أهله وأحبابه:

ماذا تقولون إن قال النبي لكم

  • ماذا فعلتم وأنتم آخر الأممِ

بعترتي وبأهلي بعد فرقتكم

  • منهم أسارى، ومنهم خُضِّبُوا بدمِ

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

  • أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

ومما ينسب إليها بعد أن وصلت إلى مصر، قولها:

إذا ضاقت بك الأحوال يومًا

  • فثق بالواحد الأحد العليِّ

ولا تجزع إذا ما ناب خطب

  • فكم للهِ من لطفٍ خفيِّ

رضي الله عنها وعنَّا بها وبأهل البيت.

ألقاب وكنى:

وقد كان أهل البيت جميعاً يرجعون إلى رأي (أم هاشم) زينب الكبرى؛ ولهذا سميت (صاحبة الشورى).

ولما جاءت مصر كان الوالي ورجاله يعقدون جلساتهم بدارها وتحت رياستها؛ فسميت (رئيسة الديوان)، وكان إليها يرجع آل البيت في أمورهم؛ فسميت (عقيلة بني هاشم)، وعرف أولادها بـ (بني العقيلة).

وكانت دارها مأوى لكل ضعيف ومريض ومحتاج؛ فسميت (أم العواجز)، وكان لها مع الله جانب عظيم، فظلَّت في الحياة وبعد الممات مهوى الأفئدة، ومناط الاستشفاع والبركة؛ ولهذا جعلت الجماهير أسماءها وألقابها وكناها إشارات ورموزًا إلى بعض المعاني الروحية والغيبية.

﴿رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ﴾ [هود:73]،
وليلهث الثَّرَى بعد ذلك كل (ناصبيٍّ) حقود، وكل ذي غل على أهل البيت والذين آمنوا.

أُمّ المصائب

تُسمّى العقيلة زينب سلام الله عليها أمَّ “المصائب “، وحقّ لها أن تُسمّى بذلك، فقد شاهَدَت مصيبةَ جدّها رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومحنةَ أمّها السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، ثمّ وفاتها؛ وشاهدت مقتلَ أبيها الإمام عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه، ثمّ شاهدت محنةَ أخيها الإمام الحسن سلام الله عليه ثمّ قَتْله بالسمّ، وشاهدت أيضاً المصيبةَ العظمى، وهي قتل أخيها الإمام الحسين عليه السّلام وأهل بيته، وقُتل ولداها عَونٌ ومحمّد مع خالهما أمام عينها، وحُملت أسيرةً من كربلاء إلى الكوفة، وأُدخلت على ابن زياد لعنة الله في مجلس الرجال، وقابلها بما اقتضاه لُؤمُ عنصره وخِسّةُ أصله من الكلام الخشن الموجع وإظهار الشماتة المُمِضّة. وحُملت أسيرةً من الكوفة إلى ابن آكلة الأكباد بالشام، ورأسُ أخيها ورؤوس ولدَيها وأهل بيتها أمامها على رؤوس الرماح طول الطريق، حتّى دخلوا دمشق على هذه الحالة، وأُدخلوا على يزيد لعنة الله في مجلس الرجال وهم مُقرّنون بالحبال .

ثواب البكاء على مصائب السيدة زينب عليها السّلام

روي أنّ جبرئيل عليه السّلام لمّا أخبر النبيّ صلّى الله عليه وآله بما يجري على السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السّلام من المصائب والمحن، بكى النبيّ صلّى الله عليه وآله وقال: من بكى على مصاب هذه البنت، كان كمن بكى على أخوَيها الامامان الحسن والحسين عليهما السّلام .

ومن الجليّ أنّ البكاء على مصائب أهل البيت عليهم السّلام والتلهّف والتوجّع لِما أصابهم، يتضمّن معنى مواساتهم والوفاء لهم وأداء بعض حقوقهم التي افترضها الله تعالى في آية المودّة وغيرها، فقال عزّ مِن قائل: قُل لا أسألُكُم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى ، وقد روى علماء المسلمين أنّه لمّا نزلت هذه الآية الكريمة قالوا: يا رسول الله، مَن قَرابتُك الذين وَجَبَت علينا مودّتُهم ؟ قال صلّى الله عليه وآله: عليّ وفاطمة وابناهما.

كما يتضمّن البكاء على مصائب العترة الطاهرة انتماءً من المؤمن الباكي إلى صفّ أهل البيت عليهم السّلام، وإعلاناً منه لنفوره من أعداء أهل البيت عليهم السّلام وقتلتهم، وإدانةً منه لتلك الجرائم البشعة التي ارتُكبت في حقّ العترة الطاهرة، وإعلاناً من الباكي عن استعداده للسير تحت لوائهم والانضواء في رَكبهم والالتزام بنهجهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

احترام الإمام الحسين عليه السّلام لأخته زينب عليها السّلام

نُقل عن الإمام الحسين عليه السّلام أنّه كان إذا زارته زينب عليها السّلام، يقوم إجلالاً لها، وكان يُجلِسُها في مكانه.

وقال السيّد جعفر آل بحر العلوم الطباطبائي: “ويكفي في جلالة قَدْرِها ونَبالةِ شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنّها دخلت على الحسين عليه السّلام، وكان يقرأ القرآن، فوضع القرآن وقام لها إجلالاً.

السيّدة زينب عليها السّلام مفسّرة القرآن

ذكر أهلُ السِّيَر أنّ العقيلة زينب عليها السّلام كان لها مجلس خاصّ لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء، وليس هذا بمُستكثَر عليها، فقد نزل القرآن في بيتها، وأهلُ البيت أدرى بالذي فيه، وخليقٌ بامرأةٍ عاشت في ظِلال أصحاب الكساء وتأدّبت بآدابهم وتعلّمت من علومهم أن تحظى بهذه المنزلة السامية والمرتبة الرفيعة.

ذكر السيّد نور الله الجزائري في كتاب “الخصائص الزينبيّة ” أنّ السيّدة زينب عليها السّلام كان لها مجالس في بيتها في الكوفة أيّام خلافة أبيها أمير المؤمنين عليه السّلام، وكانت تفسّر القرآن للنساء. وفي بعض الأيّام كانت تفسّر “كهيعص ” إذ دخل عليها أمير المؤمنين عليه السّلام فقال لها: يا قرّةَ عيني، سمعتكِ تفسّرين “كهيعص ” للنساء، فقالت: نعم.

فقال عليه السّلام: هذا رمز لمصيبة تُصيبكم عترة رسول الله صلّى الله عليه وآله. ثمّ شرح لها تلك المصائب، فبكت بكاءً عالياً.

السيّدة زينب عليها السّلام المحدِّثة العالِمة

رُوي أن العقيلة زينب عليها السّلام خَطَبت في الكوفة خُطبتَها الغرّاء فتركت أهل الكوفة يَموجُ بعضُهم في بعض، قد رَدُّوا أيديهم في أفواههم، حيارى يبكون وقد تمثّل لهم هولُ الجناية التي اقترفوها، قال الإمام زين العابدين عليه السّلام لعمّته زينب عليها السّلام: أنتِ بحمد الله عالِمةٌ غيرُ مُعلَّمة، فَهِمةٌ غيرُ مُفهَّمة

وكلام الإمام زين العابدين عليه السّلام يدلّ ـ بما لا غبار عليه ـ على المنزلة العلميّة الرفيعة التي ارتقت إليها عقيلة الهاشميّين عليها السّلام، فهي عالمة بالعلم اللدُنّيّ المُفاض من قِبل ربّ العزّة تعالى وليس بالعلم المتعارَف الذي يُكتسب بالدرس والبحث.

وقال الشيخ المامقانيّ في تنقيح المقال في معرض حديثه في السيّدة زينب عليها السّلام: زينب، وما زينب! وما أدراك ما زينب! هي عقيلة بني هاشم، وقد حازت من الصفات الحميدة ما لم يَحُزْها بعد أمّها أحد، حتّى حقّ أن يُقال: هي الصدّيقة الصغرى، هي في الحجاب والعفاف فريدة، لم يَرَ شخصَها أحدٌ من الرجال في زمان أبيها وأخوَيها إلى يوم الطفّ، وهي في الصبر والثبات وقوّة الإيمان والتقوى وحيدة، وهي في الفصاحة والبلاغة كأنّها تُفرِغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السّلام كما لا يَخفى على مَن أنعم النظر في خُطبتها. ولو قلنا بعصمتها لم يكن لأحد أن يُنكر ـ إن كان عارفاً بأحوالها في الطفّ وما بعده. كيف ولولا ذلك لما حمّلها الحسين عليه السّلام مقداراً من ثقل الإمامة أيّام مرض السجّاد عليه السّلام، وما أوصى إليها بجملة من وصاياه، ولَما أنابَها السجّادُ عليه السّلام نيابةً خاصّة في بيان الأحكام وجملة أخرى من آثار الولاية.

العقيلة تُحدِّث بعهد رسول الله صلّى الله عليه وآله

للسيّدة زينب عليه السّلام مواقف عديدة في الذبّ عن إمام زمانها، فنراها تستمر في مواقفها في المنافحة عن الإمام زين العابدين عليه السّلام بعد استشهاد أبيه سيّد الشهداء الحسين عليه السّلام، تعزّيه تارةً وتصبّره، وتحافظ عليه من القتل وتَفديه بنفسها تارة أخرى. وقد نقل لنا التاريخ ـ من ضمن مواقفها ـ أنّها شاهدت حزنَ الإمام زين العابدين عليه السّلام الشديد على أبيه الحسين عليه السّلام، فقالت له: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّةَ جدّي وأبي وإخوتي؟

فقال عليه السّلام: وكيف لا أجزَع وأهلَع وقد أرى سيّدي وأخوتي وعُمومتي ووُلد عمّي مُصرَّعين بدمائهم مُرمَّلين بالعراء مُسلَّبين لا يُكفَّنون ولا يُوارَون ولا يُعرّج عليهم أحد، ولا يَقرَبُهم بشرٌ، كأنّهم أهلُ بيتٍ من الدَّيلم والخَزَر ؟!

فقالت عليها السّلام: لا يُجزعَنّك ما تَرى، فواللهِ إنّه لَعهدٌ من رسولِ الله صلّى الله عليه وآله إلى جدّكَ وأبيكَ وعمّك، ولقد أخذ اللهُ ميثاقَ أُناسٍ من هذه الأمّةِ لا تَعرِفُهم فَراعنةُ هذه الأمّة، وهم معروفون في أهل السماوات، أنّهم يجمعون هذه الأعضاءَ المتفرّقةَ فيوارونها، وهذه الجسومَ المضرّجة، ويَنصِبون بهذا الطفّ عَلماً لقبرِ أبيك سيّد الشهداء لا يُدرَسُ أثرُه، ولا يَعفو رسمُه على كُرور الليالي والأعوام، ولَيجهَدَنّ أئمّةُ الكفر وأشياعُ الضلالةِ في مَحوه وتَطميسه، فلا يزدادُ إلاّ ظهوراً، وأمرُه إلاّ عُلوّاً.

إخبار أمير المؤمنين عليه السّلام ابنتَه العقيلةَ بواقعة الطفّ

روى الشيخ المجلسيّ عن السيّدة زينب عليها السّلام ـ في حديث طويل ـ أنّها قالت: لمّا ضَرَب ابنُ مُلجَم لعنه الله أبي عليه السّلام، ورأيتُ أثرَ الموت منه، قلت له: يا أبَه، حَدَّثَتني أمُّ أيمن بكذا وكذا، وقد أحببتُ أن أسمعه منك.

فقال: يا بُنيّة، الحديثُ كما حدّثتكِ أمُّ أيمن، وكأنّي بكِ وببنات أهلكِ سبايا بهذا البلد أذلاّء خاشعين تخافون أن يَتخطّفكم الناس، فصبراً صبراً! فَوَالذي فَلَق الحبّةَ وبرأ النسمةَ، ما للهِ على ظهر الأرض يومئذٍ وليٌّ غيركم وغير محبّيكم وشيعتكم، ولقد قال لنا رسولُ الله صلّى الله عليه وآله حين أخبرَنا بهذا الخبر: إنّ إبليسَ في ذلك اليوم يطير فَرَحاً فيجول الأرضَ كلَّها في شياطينه وعَفاريته فيقول: يا معشرَ الشياطين، قد أدركنا من ذريّةِ آدم الطَّلِبَة، وبَلَغنا في هلاكهم الغايةَ، وأورثناهُمُ النارَ إلاّ من اعتصمَ بهذه العصابة، فاجعلوا شُغلكم بتشكيك الناس فيهم، وحَملِهم على عداوتهم، وإغرائهم بهم وأوليائهم، حتّى تستحكمَ ضلالةُ الخلق وكُفرهم، ولا ينجو منهم ناجٍ، ولقد صَدّق عليهم إبليسُ وهو كذوب، أنّه لا ينفع مع عداوتكم عملٌ صالح، ولا يضرّ مع محبّتكم وموالاتكم ذنب من غير الكبائر.

السيّدة زينب عليها السّلام تنقل خطبة أمّها الزهراء عليها السّلام :

وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن أحمد بن محمّد بن جابر، عن زينب بنت عليّ عليه السّلام قالت: قالت فاطمة عليها السّلام في خطبتها في معنى فدك: للهِ فيكم عَهدٌ قَدَّمه إليكم، وبقيّةٌ استخلفها فيكم: كتاب الله بيّنة بصائره، وآيٌ منكشفة سرائره، وبرهان متجلّية ظواهره، مديمٌ للبريّة استماعُه، وقائد إلى الرضوان اتّباعُه، ومُؤدٍّ إلى النجاة أشياعَه، فيه تِبيانُ حُجج الله المنيرة ومَحارمِه المحرّمة، وفضائله المدوّنة، وجُمَله الكافية، ورُخَصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة، وبيّناته الجالية؛ فَفَرَض الإيمانَ تطهيراً من الشِّرك، والصلاةَ تنزيهاً من الكِبْر، والزكاةَ زيادةً في الرزق، والصيامَ تثبيتاً للإخلاص، والحجَّ تسيليةً للدِّين، والعدلَ مَسْكاً للقلوب، والطاعةَ نظاماً للملّة، والإمامةَ لَمّاً من الفُرقة، والجهادَ عِزّاً للإسلام، والصبرَ مَعونةً على الاستيجاب، والأمرَ بالمعروف مصلحةً للعامّة، وبِرَّ الوالدين وِقايةً عن السخط، وصِلةَ الأرحام مَنْماةً للعَدد، والقِصاصَ حَقْناً للدماء، والوفاءَ للنَذرِ تعرّضاً للمغفرة، وتوفيةَ المكائيل والموازين تغييراً للبخسة، واجتنابَ قَذف المُحصَناتِ حَجْباً عن اللعنة، واجتنابَ السرقةِ إيجاباً للعِفّة، ومُجانبةَ أكلِ أموالِ اليتامى إجارةً عن الظلم، والعدلَ في الأحكامِ إيناساً للرعيّة، وحرّمَ اللهُ عزّوجلّ الشِّركَ إخلاصاً للبربويّة، فاتّقوا الله حقَّ تُقاته فيما أمَرَكم به، وانتَهُوا عمّا نهاكم عنه.
ثمّ ذكر الشيخ الصدوق أنّه يروي هذا الحديث بطريقين آخرين عن السيّدة زينب عليها السّلام .

العقيلة تروي عبادةَ أمّها الزهراء عليها السّلام

وروي عن عبدالله بن الحسن، عن أمّه فاطمة الصغرى، عن أبيها الحسين عليه السّلام وعمّتها زينب بنت أمير المؤمنين عليه السّلام، أنّ فاطمة عليها السّلام قامت في محرابها في جُمعتِها، فلم تَزَل راكعةً ساجدةً حتّى اتّضحَ عمود الصبح، وكانت تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسمّيهم وتُكثِرُ الدعاءَ لهم ولا تَدعو لنفسِها بشيء، فقال لها الحسين عليه السّلام: ألا تَدعِينَ لنفسكِ كما تَدعِينَ لغيرِك ؟
فقالت: الجارُ ثمّ الدار .

العقيلة تروي قصّة دفن أمير المؤمنين عليه السّلام:

وروي عن السيّدة زينب عليها السّلام أنّها قالت: كان آخر عهدِ أبي إلى أخوَيّ عليهما السّلام أنّه قال لهما: يا بَنيّ، إذا أنا متُّ فغَسِّلاني ثمّ نَشّفاني بالبُردةِ التي نُشّفَ بها رسول الله صلّى الله عليه وآله وفاطمة، وحيِّظاني وسَجّياني على سريري، ثمّ انظُرا حتّى إذا ارتَفَع لكما مُقدَّمُ السرير فاحمِلا مؤخَّره.

قالت: فخرجتُ أُشيّعُ جنازةَ أبي، حتّى إذا كنّا بظهرِ الكوفة وقَدِمنا بظهرِ الغَريّ ركزَ المقدَّم، فوَضَعنا المؤخّر، ثمّ بَرَز الحسنُ عليه السّلام مُرتدياً بالبُردةِ التي نُشِّف بها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وفاطمةُ وأميرُ المؤمنين عليهما السّلام، ثمّ أخذَ المِعوَلَ فضرَبَ ضربةً فانشَقّ القبرُ عن ضريح، فإذا هو بساجةٍ مكتوبٍ عليها سطران بالسُّريانيّة: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا قبرٌ حَفَره نوحٌ النبيّ لعليٍّ وصيِّ محمّدٍ قَبلَ الطُّوفان بسبعمائة عام.

قالت عليها السّلام:… سمعتُ ناطقاً لنا بالتعزية وهو يقول: أحسَنَ اللهُ لكم العزاءَ في سيّدكم وحجّة الله على خلقه.

السيّدة زينب عليها السّلام تروي قصّة نزول طعام الجنّة

روى عماد الدين الطوسيّ عن زينب بنت عليّ عليهما السّلام، قالت: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله صلاة الفجر ثمّ أقبل على أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: هل عندكم طعام ؟
فقال: لم آكل منذ ثلاثة أيّام طعاماً، وما تركتُ في بيتنا طعاماً.
فقال صلّى الله عليه وآله: سِرْ بنا إلى فاطمة!

فلمّا دخلا على فاطمة نظرا إليها وقد أخَذَها الضَّعف من الجوع وحولَها الحَسَنان عليهما السّلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا فاطمة فِداكِ أبوكِ، هل عندكِ شيء من الطعام ؟
فاستَحيَت فاطمةُ أن تقول لا.. وقامت واستقبلت القِبلة لتصلّي ركعتَين، فأحسّت بحسيس، فالتفتت وإذا بصُحفة ملأى ثَريداً ولحماً، فأتت بها ووضعتها بين يدَي أبيها صلّى الله عليه وآله، فدعا رسولُ الله صلّى الله عليه وآله بعليّ والحسن والحسين، ونظر عليّ عليه السّلام إلى فاطمة متعجّباً وقال:
يا بنتَ رسول الله، أنّى لكِ هذا ؟
فقالت: هو من عند الله، إنّ الله يَرزقُ من يشاء بغير حساب.

العقيلة زينب عليها السّلام المتهجّدة العابدة

أشبَهَت عقيلةُ بني هاشم عليها السّلام أمَّها سيّدةَ نساء العالمين فاطمةَ الزهراء عليها السّلام في عبادتها، فكانت تقضي ليلها بالصلاة والتهجّد، ولم تترك نوافلها حتّى في أحلَك الظروف وأصعبها، فقد روي عن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنّه قال إنّ عمّته زينب ما تَرَكت نوافلها الليليّة مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقهم إلى الشام .
لم تَقعُد بها تلك المصائب الراتبة التي تَهدّ الجبالَ عن أن تتهجّد وتُناجي ربّها الكريم.

ونُقل عن ريحانة رسول الله صلّى الله عليه وآله، الإمام الحسين عليه السّلام، أنّه لمّا ودّع أخته زينب عليها السّلام وَداعَه الأخير قال لها: يا أُختاه، لا تنسيني في نافلة الليل .
وروى الجواهري في مثير الأحزان عن فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السّلام أنّها قالت:… وأمّا عمّتي زينب فإنّها لم تَزَل قائمةً في تلك الليلة ـ أي ليلة العاشر من المحرّم ـ في محرابها تستغيث إلى ربّها، فما هدأت لنا عين ولا سكنت لنا رَنّة .

وروي عن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليه السّلام إنّه قال: إنّ عمّتي زينب كانت تؤدّي صلواتها من قيام ـ الفرائض والنوافل ـ عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام، وفي بعض المنازل كانت تصلّي من جلوس، فسألتها عن سبب ذلك، فقالت: أصلّي من جلوس لشدّة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال؛ لأنّها كانت تُقسّم ما يُصيبها من الطعام على الأطفال، لأنّ القوم كانوا يدفعون لكلّ واحد منّا رغيفاً واحداً من الخبز في اليوم والليلة .

وفي هذه الأخبار دلالة لا أوضح منها على أنّ السيّدة زينب عليها السّلام كانت من القانتات اللائي وَقَفنَ حركاتهنّ وسكناتهنّ وأنفاسهنّ للباري تعالى، فحصلن بذلك على المنازل الرفيعة والدرجات العالية التي حَكَت برفعتها منازلَ المُرسلين ودرجات الأوصياء عليهم الصلاة والسلام.

العقيلة زينب عليها السّلام وصيّة الإمام الحسين عليه السّلام

ومن الشرف الذي لا يَلحقه شرفٌ أنّ الإمام الحسين عليه السّلام ائتمن أختَه العقيلةَ عليها السّلام على أسرار الإمامة، فقد روى الشيخ الصدوق بإسناده إلى أحمد بن إبراهيم، قال:
دخلتُ على حكيمة بنت محمّد بن عليّ الرضا أخت أبي الحسن عليّ الهادي العسكريّ عليهم السّلام في سنة 262 هـ بالمدينة، فكلّمتُها من وراء حجاب وسألتُها عن دِينها، فسَمَّت لي مَن تأتمّ بهم، ثمّ قالت: فلان ابن الحسن عليه السّلام، فسَمّته يقصد سَمَت الإمام الحجّة بن الحسن العسكريّ عليه السّلام .
فقلتُ لها: جَعَلني اللهُ فِداكِ، مُعايَنةً أو خَبَراً ؟
فقالت: خبراً عن أبي محمّد عليه السّلام كَتَب به إلى أمّه.
فقُلت لها: فأين المولود ؟
فقالت: مستور.
فقلت: فإلى مَن تَفَزَعُ الشيعة ؟
فقالت: إلى الجدّةِ أمّ أبي محمّد عليه السّلام.
فقلت لها: أقتدي بمَن وصيّتُه إلى امرأة ؟!
فقالت: اقتداءً بالحسين بن عليّ عليه السّلام؛ إنّ الحسين بن عليّ عليه السّلام أوصى إلى أخته زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في الظاهر، وكان ما يخرج عن عليّ بن الحسين عليه السّلام من عِلم يُنسَب إلى زينب بنت عليّ، سَتراً على عليّ بن الحسين عليه السّلام. ثمّ قالت: إنّكم قومٌ أصحابُ أخبار، أما رَوَيتُم أنّ التاسع من وُلد الحسين عليه السّلام يُقسّم ميراثَه وهو في الحياة

وروي أنّه كانت لزينب عليها السّلام نيابة خاصّة عن الحسين عليه السّلام، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام، حتّى برئ زينُ العابدين عليه السّلام من مرضه .

السيّدة زينب عليها السّلام المدافعة عن حريم الولاية

أ. مع أمير المؤمنين عليه السّلام
نافحت عقيلة الهاشميين عليها السّلام عن حريم الولاية، ووقفت إلى صفّ إمام زمانها عليه السّلام تدافع عنه وتجاهد في الذبّ عنه، فقد رُويَ أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا توجّه لقتال الناكثين الذين نكثوا بيعته وألّبُوا عليه في البصرة، وقال في حقّهم كلاماً جاء فيه «… واللهِ، إنّ طلحة والزبير لَيعلَمان أنّهما مُخطئان وما يَجهلان، ولربّما عالم قَتَلَه جَهْلُه وعِلْمُه معه لا ينفعه! واللهِ لَينبحنّها كلابُ الحَوْأب، فهل يَعتبر مُعتبر، أو يَتفكّر متفكّر ؟! ثمّ قال: قد قامت الفئةُ الباغية، فأين المُحسنون ؟

ونُقل أنّ عائشة أرسلت إلى حفصة كتاباً تقول فيه: ما الخبر ما الخبر ؟‍! إنّ عليّاً كالأشقر، إن تَقَدّم عُقِر، وإن تأخّر نُحِر. فجمعت حفصةُ نساءَ قومها وصِرن يَضرِبنَ بالدُّفوف ويَردِّدنَ ذلك الكلام، فأُخبِرت زينب عليها السّلام بذلك، فعمدت إلى الخروج إليهنّ وخرجت تَحفُّ بها الإماء ومعها أمّ سَلَمة زوجةُ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وأمّ أيمن، حتّى دخلت على النسوة، فلمّا رأتها حفصةُ استحيت وفَرّقت النساء، فقالت لها زينب عليها السّلام: إن تَظاهرتُما على أبي فلقد تَظاهرتُما على رسول الله صلّى الله عليه وآله مِن قبلُ.

ب. مع الحسين الشهيد عليه السّلام
أمّا دفاعها عن أخيها وإمامها الحسين الشهيد عليه السّلام، فقد رافقته إلى كربلاء، ووقفت إلى جانبه خلال تلك الشدائد التي يَشيبُ لها الوِلدان، وقدّمت ابنَيها عوناً ومحمّداً شهيدَين في طفّ كربلاء، ولم يُنقَل عنها عليها السّلام أنّها نَدبت ابنَيها بكلمةٍ ولا ذَرَفت لفقدهما دمعة، فقد كان همّها الشاغل مواساة أخيها الحسين عليه السّلام بكلّ وجودها.

روي أنها عليه السّلام دخلت على أبي عبدالله الحسين عليه السّلام في خِبائه ليلةَ عاشوراء، فوجدته يَصقِلُ سَيفاً له ويقول: يا دهرُ أُفٍّ لك من خليلِ… الأبيات، فذُعِرت وعَرَفت أنّ أخاها قد يئس من الحياة، وأنّه مقتول لا محالة، فصرخت نادبةً أخاها وقالت: وا ثُكلاه! ليتَ الموتَ أعدَمني الحياة! اليومَ ماتت فاطمةُ أمّي وعليٌّ أبي وحسن أخي، يا خليفةَ الماضي وثُمالَ الباقي.

وروي أنّ عليّ الأكبر ابن الإمام الحسين عليه السّلام لما بَرَز إلى القوم وقاتل حتّى استُشهد، جاء إليه الحسين عليه السّلام وهو يقول: قَتَل اللهُ قوماً قتلوك، ما أجرأهُم على الرحمان وعلى رسوله وعلى انتهاكِ حُرمةِ الرسول، على الدنيا بَعدَك العَفا.

قال الراوي: فكأنّي أنظر إلى أمرأةٍ مسرعةٍ تنادي بالويل والثبور وتقول: يا حبيباه! يا ثمرةَ فؤاداه! يا نورَ عيناه!
فسألتُ عنها فقيل: هي زينب بنت عليّ عليه السّلام. فجاءت وانكبّت عليه، فجاء الحسين عليه السّلام فأخذ بيدها ورَدَّها إلى الفِسطاط.

وروى أصحابُ المقاتل أنّ الإمام الحسين عليه السّلام لمّا هَوى من ظهر جوادِه وقد أثخنته الجراح، دون أن يُضعِف ذلك من عزمه أو يَفُتّ في عَضُده، حتّى قال عنه أحدُ الذين قاتَلوه: فواللهِ ما رأيتُ مكسوراً مكثوراً قطُّ قد قُتِل وُلدُه وأهلُ بيته وأصحابُه، أربَطَ جأشاً، ولا أمضى جَناناً، ولا أجرأ مَقدَماً منه، واللهِ ما رأيتُ قَبلَه ولا بعدَه مِثلَه، إن كانت الرجّالةُ لَتنكشِفُ من عن يمينه انكشافَ المِعزى إذا شَدَّ فيها الذئب.
قال: فواللهِ إنّه لكذلك إذ خرجت زينبُ ابنةُ فاطمة أختُه… وهي تقول: لَيتَ السماء تَطابقتْ على الأرض! ثمّ خاطبت عمر بن سعد وقد دنا من الحسين، فقالت: يا عمر بن سعد! أيُقتَلُ أبو عبدالله وأنت تَنظر إليه ؟!فصرف عمر بن سعد وجهَه عنها
.
وروى المجلسي أنّ الإمام الحسين عليه السّلام لمّا طُعن في خاصرته فسقط عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن، خرجت زينب من الفسطاط وهي تنادي: وا أخاه واسيّداه وا أهلَ بيتاه! لَيت السماء أطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل.

وروي أنّ جيش عمر بن سعد أخرجوا النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار، فخَرجنَ حَواسِرَ حافياتٍ باكياتٍ، وقُلنَ: بحقِّ الله إلاّ ما مَررتُم بنا على مصرع الحسين.
قال الراوي: فواللهِ لا أنسى زينبَ بنت عليّ عليه السّلام وهي تندبُ الحسينَ وتنادي بصوتٍ حزين وقلبٍ كئيب:
وا محمّداه! صلّى عليك مَليكُ السماء، هذا حسينٌ مُرمَّلٌ بالدماء، مُقَطَّعُ الأعضاء، وبَناتُك سبايا، إلى الله المُشتكى… وا محمّداه هذا حُسين بالعراء، يَسفي عليه الصَّبا، قتيلُ أولادِ البغايا، يا حُزناه يا كَرباه! اليوم مات جدّي رسول الله. يا أصحابَ محمّداه، هؤلاء ذريّةُ المصطفى يُساقُونَ سَوقَ السبايا!

ج. مع الإمام زين العابدين عليه السّلام
تولّت عقيلة بني هاشم عليها السّلام تمريضَ الإمام زين العابدين عليه السّلام ورعايتَه والمحافظةَ عليه في كربلاء والكوفة والشام. وكان من المواقف التي خلّدها لها التاريخ في دفاعِها عن إمام زمانها: الإمام زين العابدين عليه السّلام بعد شهادة أبي عبدالله الحسين عليه السّلام، موقفٌ في مجلس ابن زياد في الكوفة، فقد خاطبها ابن زياد فقال: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أُحدوثتكم! فقالت: إنّما يُفتَضَحُ الفاسقُ ويُكذَبُ الفاجرُ، وهو غيرنا.
فقال ابن زياد: كيف رأيتِ صُنعَ الله بأخيكِ وأهل بيتكِ ؟
فقالت: ما رأيتُ إلاّ جميلاً. هؤلاءِ قومٌ كَتَب اللهُ عليهم القتلَ فبَرزوا إلى مَضاجِعهم، وسيجمعُ اللهُ بينك وبينهم فتُحاجَّ وتُخاصَم، فانظُرْ لِمَن الفَلج يومئذٍ ثَكَلَتْكَ أمُّك يا ابنَ مَرجانة!
ثم التفتَ ابنُ زياد إلى عليّ بن الحسين فقال: مَن هذا ؟
فقيل: عليّ بن الحسين.
فقال: أليس قد قَتلَ اللهُ عليَّ بن الحسين ؟!
فقال عليّ: قد كان لي أخ يُسمّى عليّ بن الحسين قَتَله الناس.
فقال ابن زياد: بل اللهُ قَتَله!
فقال عليّ عليه السّلام: اللهُ يَتوفّى الأنفُسَ حينَ مَوتِها والتي لَم تَمُت في مَنامِها.
فقال ابنُ زياد: ولكَ جرأةٌ على جوابي ؟! اذهَبوا به فاضربوا عُنُقَه!
فسَمِعَت عمّتُه زينبُ ذلك فقالت: يا ابنَ زياد، إنّك لَم تُبقِ منّا أحداً، فإن عَزَمتَ على قتلهِ فاقتُلني معه .

يا روض قدس بمصر ضم نور الهدي
اتلو سلاما من النفس التي رغبت
يا زينب الفضل يا بنت الإمام لنا
قصد ونظراتك العليا لنا وجبت
نحن الوفود أيا بنت البتول وهل
يرجوك ذو حاجة الا له قضيت؟!

وقد تطرّقنا إلى خطبتَي عقيلة بني هاشم عليها السّلام في الكوفة وفي الشام، اللتين أبانت بهما حقيقةَ النهضة الحسينيّة، وفضحت مَكْر بني أميّة ومحاولتهم تصوير الإمام الحسين عليه السّلام بأنّه خارجيّ خرج على خليفة زمانه، فكانت كلمات العقيلة عليها السّلام استمراراً لنهضة أخيها الشهيد عليه السّلام، وكان ثباتها وصمودها وصبرها السُّورَ الحصين الذي صان مُعطيات الثورة الحسينيّة المباركة، والترجمانَ الصادق الذي نقل للأجيال تفاصيل تلك النهضة الظافرة.

فسلام الله عليكِ يا عقيلةَ الهاشميّين يوم وُلدتِ، ويوم التَحقتِ بالرفيقِ الأعلى، ويوم تُبعثينَ حيّةً فيوفّيكِ اللهُ تبارك وتعالى جزاءك بالكأسِ الأوفى مع جدّكِ المصطفى، وأبيكِ المرتضى، وأمّكِ الزهراء، وأخيك الحسن المجتبى، وأخيكِ الشهيد بكربلاء .

قلم وصوت آل البيت
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
إبن السلطان محمد شمس الدين ابوهارون الشريف
الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي
كاتب ومؤرخ إسلامي
كاتب ومحلل سياسي مصري
باحث في شؤون حركات الإسلام السياسي

قلم وصوت آل البيت
إبن وليد الكعبة الإمام علي الكرار كرم الله وجهه
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
إبن السلطان محمد شمس الدين ابوهارون
الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي
كاتب ومؤرخ إسلامي
كاتب ومحلل سياسي مصري
باحث في شؤون حركات الإسلام السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى