مقالات

اضاءات في حياة أبا السبطين وليد الكعبة وشهيد المحراب أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه.

قلم وصوت ومحام آل البيت
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.. وبعد.
تمثّل الرسالة الإسلامية بكل تجلّياتها الأُسس التي يبتنىٰ عليها المجتمع الإسلامي الصحيح، والتي يرتكز عليها توازن الحياة في نفس الإنسان وعلاقته بمجتمعه وبالحياة كلّها، والانفتاح الفكري والعملي على تلك الرسالة لا يكون من دون الارتباط بالقدوة الرمز من خلال التأثير المباشر بما جسدته سيرته من صور مشرقة على مستوى الكلمة والحركة والموقف. قدوة يعيش الإسلام بروحه وعقله، ويمتلك جميع القيم الإسلامية، ويستوعب جميع امتدادات رسالة التوحيد، مع الفهم الثاقب الذي لا يشتبه في شيء منها، بحيث يكون رسالة تتحرّك على الأرض، وعلماً يتفجّر على الدوام، وحقّاً لا باطل فيه، ووعياً للرسالة وأهدافها ومقاصدها وكأنّه قرآن ناطق ليدلّ على معالم الطريق. ولا خلاف بأن تلك الصفات قد تجسّدت كلّها في شخصية الرسول القائد صلى الله عليه وآله، القدوة الفذّ الذي وقفت السماء لتؤيّده بكل قوّة، حتىٰ استطاع من خلال ذلك القضاء على كل ما خالف التصور الإسلامي الصحيح للرسالة في حياته الشريفة، ولم يكن هناك ثمة اختلاف كبير بين أصحابه صلى الله عليه وآله بفضل شخصيته الفذّة، ووحدة المرجعية آنذاك المتمثّلة في شخصه العظيم في كل شيء، فكان مناراً للهدى في كل حركاته وسكناته صلى الله عليه وآله؛ ولهذا لم يُظْهِر بعض أصحابه في حياته ما أظهروه بعد وفاته صلى الله عليه وآله، لعلمهم بأنّ إشارةً واحدةً منه كافيةٌ لإسقاطهم على مرِّ الجديدين. والدين الخاتِم الذي تكفّل ببيان شخص القدوة، وحمّله ثقل الرسالة ومسؤوليتها، وأمر الناس ـ كل الناس ـ باتّباعه، وحذّرهم من معصيته، لأجل الحفاظ على رسالته الفتية لا يعقل أن يهمل تلك الرسالة بعده، ولا يحافظ على مستقبلها، ولا يعيّن من سيكمل تلك المسيرة، ويهدم كل ما بناه القدوة بترك الأمر للناس في اختيار القدوة الجديد كيفما يشاءون حتىٰ لو لم يمتلك الحدّ الأدنى من شخصية الرسول القائد صلى الله عليه وآله. وإذا كنّا نربأ بالقائد الحكيم أن يهمل أمر رعيته، فحاشا لله أن يهملا ذلك ولرسوله، ومن هنا لم يكن أحد من الصحابة يستفسر عن هذا الأمر الخطير بعد سماعهم وفي مواطن شتّى من سيخلف النبي صلى الله عليه وآله في أُمته، بدءاً من يوم الدار وانتهاءً بمرضه الأخير الذي توفي فيه صلى الله عليه وآله. نعم.. كانوا يعرفون قادتهم بعد نبيهم صلى الله عليه وآله وإنّهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، وإنّهم مع القرآن الكريم ثقلان لا يفترقان حتىٰ يردا على النبي الحوض، وأنهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى، وانهم كباب حطّة من دخله غفر له، وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه منهم، أو لم تكن له بيعة لأحدهم مات ميتة جاهلية، وإن الأرض لا تخلو منهم طرفة عين، وإنهم حجج الله على عباده، وأُمناؤه على وحيه، وهم من أعلى الله تعالى ذكرهم، وأمر بولايتهم، وأوجب الصلاة عليهم، وفرض مودتهم، ومن كانوا من النبي والنبي منهم صلّى الله عليه وعليهم.
ترى فمن عساهم أن يكونوا غير من قال الله تعالى فيهم: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا). بلى.. إنهم عليهم السلام أصحاب الكساء .
وبهذا يمكننا الاقتراب من معالم شخصية من نريد الحديث عنه من أهل البيت عليهم السلام وهو الإمام علي الكرار كرم الله وجهه باب مدينة العلم.

قد سعد صحابة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بلقائه والسّماع منه والجلوس بين يديه والجهاد معه والتبليغ عنه، ونالوا بذلك شرفاً كبيراً ومرتبةً عظيمةً، فكانوا خير الأصحاب وكان عصرهم أفضل العصور، وقد حثّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على الاعتراف بفضلهم، وحرص المؤرخون على تتبّع أخبارهم وتدوين سِيرهم والكشف عن مناقبهم، وإظهار مواقفهم العظيمة في نصرة الدّين ونشر الهداية، ومن هؤلاء الأصحاب عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه؛ حيث حظيت كتب السِّير والتاريخ الإسلاميّ بسيرته العطرة ومواقفه المباركة، وكان لحِكَمه وأقواله ومواعظه أثراً في نفوس العارفين بالله -تعالى- عبر كلّ العقود الماضية، فمن هو عليّ بن أبي طالب ، وما دوره في نصرة دين الله ونبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.

نسبه هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

أن الإمام عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه من سلالة ذرية طيبة وعائلة كريمة في صفاتها ، صالحة في أخلاقها وسيرتها ، محمودة في خصالها ، رفيعة في شمائلها ، متميّزة في رجالها وسيادتها ، فبنو هاشم ، سادة قريش بل سادة الدنيا ، «ملح الأرض ، وزينة الدنيا ، وحلى العالم ، والسنام الأضخم ، والكاهل الأعظم ، ولباب كلّ جوهر كريم ، وسرّ كلّ عنصر شريف ، والطينة البيضاء ، والمغرس المبارك ، والنصاب الوثيق ، والمعدن الفهم ، وينبوع العلم . . .»

فقد كان منها أكرم خلق الله تعالى على الإطلاق ، محمّد بن عبدالله وكان منهم آله الطاهرون ، وأعظمهم وأفضلهم سيّدهم عليّ بن أبي طالب الذي اجتمع فيه من الخصال ما لم يجتمع لغيره ، ومن المكارم ما لم يحظ بها أحد غيره ، ومن السجايا ما لم يحظَ بها الآخرون ، فحسبٌ شريف ، وخلقٌ عال ، وفطرةٌ سليمة لم تتلوّث ببراثن الجاهلية ، وعقيدةٌ صافية ، وعلم جمّ ، وشجاعة لا مثيل لها …

فأبوه : شيبة بني هاشم شيخ قريش وزعيمها وسيّد قومه أبو طالب ، الذي انطوت نفسه على خصال كريمة كلّها شموخ وعزّة وفضائل . . .

وهو الكافل المدافع الذابّ عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، والذي أحاط رسول الله بعناية عظيمة ورعاية قلَّ نظيرها خصوصاً إذا عرفنا مكانته في قريش وبين زعمائها وما سبّبه ذلك من إحراج له وضيق وأذًى ، ومع هذا كلّه فقد صبر أيما صبر دفاعاً عن محمّد ورسالته حتّى إنّ قريشاً لم تكن قادرةً على أذى رسول الله(صلى الله عليه وآله) مع رغبتها في ذلك حتّى توفي أبو طالب فراحت تكيد له..

يقول رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «والله ما نالت قريش منّي شيئاً أكرهه حتّى مات أبوطالب» .

ولم يهاجر إلى المدينة إلاّ بعد وفاة عمّه رضوان الله عليه . هذا أبوه .

وأمّا جدّه : فهو عبد المطّلب شيبة الحمد أمير مكّة وسيّد البطحاء له ولاية البيت الحرام من السقاية والرفادة . . وكان ذا مهابة ووقار وميل إلى الدين والنسك ، وهو الذي قام بحفر بئر زمزم التي تفجّرت تحت قدمي جدّه إسماعيل من قبل ، بعد أن غاب أثرها ولم يهتدِ إليها أحد حتّى هتف به هاتف في منامه ، فراح يحفر حتّى اهتدى إليها مستعيناً بابنه الحارث الذي كان وحيده وقتذاك .

ثمّ هو الذي خذل اللهُ على يديه ابرهة الحبشي وجنده الذين جاؤوا لهدم الكعبة وصرف الحاجّ عنها إلى بيت بناه في اليمن ، ولمّا التقى ابرهة بعبد المطلب أراد أن يستميله إلى جنبه ، فما وجد منه إلاّ الرفض ، وإلاّ الثقة العالية بالله ، مكتفياً بأن يرد إليه إبله وشويهاته التي أخذها جنده .

فقال ابرهة : كنت في نفسي كبيراً وسمعت أنّك وجيه في قومك ، فلمّا سألتك عن حاجتك وذكرت الإبل والشياه ونسيت بلدك وأهلك وبيتك المقدّس سقطت من عيني .

فقال عبد المطلب : الإبل لي ، وللبيت ربّ يحميه .

فقال ابرهة : ما كان ليمتنع منّي .

فقال عبد المطلب : أنت وذلك ، وصعد على الجبل وتضرّع إلى الله وأنشد :

يارب عادِ من عاداك وامنعهموا أن يهدموا حماك

ثمّ راح يستحثّ قومه على ترك مكّة واللجوء إلى الجبل خشية بطش ابرهة وجيشه ، والتوجّه إلى الله بالدعاء . فحلّت الكارثة بابرهة وجنده . . . وهناك سورة الفيل تحكي هذه الحادثة

أمه السيدة فاطمة بنت أسد بن هاشم كفيلة النبي محمد

أُمّه : فاطمة بنت أسد بن هاشم فهي ابنة عمّ أبي طالب وهي أوّل هاشمية تزوّجها هاشمي ، وعليّ أوّل مولود (مع اخوته) ولد لهاشميين فقد تعوّد بنو هاشم أن يصهروا إلى اُسر اُخرى . كانت ذات منزلة رفيعة ، جعلتها من اللائي امتازت حياتهنّ بمواقف جليلة في حركة الأنبياء ومسيرتهم عبر التاريخ ، فقد أثنى عليها رسول الله(صلى الله عليه وآله) وكان شاكراً لها ولمعروفها ورعايتها له ، فكان يدعوها «اُمّي بعد اُمّي التي ولدتني» وراحت هي الاُخرى تفضّله على جميع أولادها الأربعة ، فقد كان طالب أكبر أولادها ثمّ عقيل ، ثمّ جعفر ثمّ عليّ ، وكلّ واحد أكبر من الذي بعده بعشر سنوات ، وكان عليّ(عليه السلام) أصغر أولادها .

حظيت هذه السيّدة والمرأة المؤمنة الطاهرة بمكانة عظيمة في قلب رسول الله ، وتركت في نفسه آثاراً طيّبة راح يذكرها طيلة حياته ، ويترحّم عليها ويدعو لها . . تقول الرواية :

لمّا ماتت فاطمة بنت أسد أُمّ عليّ ـ وكانت قد أوصت لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وقَبِل وصيتها ـ ألبسها النبي(صلى الله عليه وآله) قميصه واضطجع معها في قبرها ، فقالوا : ما رأيناك يا رسول الله صنعت هذا!

فقال : إنّه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرَّ بي منها ، إنّما ألبستها قميصي لتكسى من حُلل الجنّة واضطجعت معها ليُهوَّن عليها .

وفي دعاء خاص لها قال : اللّهم اغفر لاُمّي فاطمة بنت أسد ، ولقنها حجّتها ، ووسِّع عليها مدخلها . وخرج من قبرها وعيناه تذرفان .

لقد كانت رضوان الله عليها لرسول الله(صلى الله عليه وآله) بمنزلة الاُمّ ، بل كانت أُمّاً بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ، وقد كانت بارّة برسول الله(صلى الله عليه وآله) «لم يكن بعد أبي طالب أبرّ بي منها» ، فحنانها وشفقتها ورعايتها له بلغت مبلغاً عظيماً حتّى فاقت رعايتها لأبنائها وكأنّها تعلم أنّ له مكانة عظيمة وشأنا جميلا ، تقول بعض الروايات كان أولادها يصبحون شعثاً رمصاً ويصبح رسول الله(صلى الله عليه وآله) كحيلا دهيناً . هذا في مداراتها لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وحبّها له .

أمّا في إيمانها فقد كانت بدرجة عظيمة ، ومن السابقات إلى الإسلام والمهاجرات الاُول إلى المدينة وهي بدرية.

فذاك أبوه وجدّه وهذه اُمّه ، فهو وليد هذه الاُسرة الهاشمية المباركة .

زوجته السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين بنت رسول الله وهي زوجته الأولى عليه السلام.

الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام: هو ابو الحَسَنْ علِي بْنُ أَبِيْ طَالِبٍ الهَاشِمِي القُرَشِي (13 رجب 23 ق هـ/17 مارس 599م – 21 رمضان 40 هـ/ 27 يناير 661 م) ابن عم الرسول محمد وصهره، من آل بيته، وأحد أصحابه، هو رابع الخلفاء الراشدين عند السنة وأحد العشرة المبشرين بالجنة وأوّل الأئمّة عند الشيعة.

من ألقابه:

ولي الله: حيث يقول بعض المفسرين مثل الطوسي أنه نزلت فيه آية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ (المائدة)
حيدرة: وتعني الأسم الأسد ، المرتضى ،
أمير المؤمنين: تعده بعض الروايات الشيعية أول من لقب بأمير المؤمنين ، بينما تشير الروايات السنية أن عمر بن الخطاب أول من تسمى بأمير المؤمنين.
يعسوب المؤمنين ويعسوب الدين ، الصديق الأكبر ، الفاروق الأعظم ،
باب مدينة العلم: وهي تسمية مستندة لحديث الرسول محمد بن عبد الله يقول فيه: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» وهو حديث يقبله كل الشيعة وبعض أهل السنة كالسيوطي الذي ذكر في كتابه تاريخ الخلفاء أنه حسن، أما السلفية يرفضون هذا الحديث ،
وليد الكعبة: لما ذكر بأنه ولد داخل الكعبة ،
شهيد المحراب: لأنه قتل أثناء الصلاة.
ويُكنَى: أبو الحسن ، أبو تراب ، ابو السبطين ، أبو الحسنين ، أبو الريحانتين.

في الخطاب العام : سيِّدُنا عليّ ، أو الإمام عليّ، ملحوقة بعبارة كرَّم الله وجهه (كرَّم الله وجهه) أو عليه السلام (عليه السلام) أو رضي الله عنه (رضي الله عنهُ)

كان الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه أول من دخل الإسلام بعد السيدة خديجة رضى الله عنها، ولم يكن عمره قد جاوز عشر سنوات ، كان شجاعًا قوياً ، قاتل في سبيل الله فأبلى بلاءً حسنا ، وكان من أسباب نصر المسلمين فى مشاهد مختلفة ، الإمام عليّ كرم الله وجهه كان صاحب الراية في غزوة خيبر.. كان الإمام عليّ عليه السلام من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى..

كما روى الإمام أحمد في “مسنده”، أنه بات في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة غادر إلى غار ثور ، وبات الكفار يحرسونه حتى الصباح وهم يظنونه رسول الله حتى دخلوا عليه فرأوا عليا ، فذهبوا يبحثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر علياً ، أن ينام مكانه في الفراش، وأن يؤدي إلى كل ذي حق حقه ، ففعل ذلك الإمام علي كرم الله وجهه، ثم لحق بعد ذلك بالنبي “صلى الله عليه وسلم”، إلى المدينة، قال النبي “صلى الله عليه وسلم”، ادعوا لي عليا ، قيل يارسول الله، لا يقدر أن يمشي، وقد تورمت قدماه وأدميتا ، فأتاه النبي “صلى الله عليه وسلم”، فلما رآه اعتنقه وبكى ، فتفل النبي “صلى الله عليه وسلم”، في يديه ومسح بهما رجليه ، ودعا له بالعافية ، فلم يشتك منهما بعد ذلك حتى أستشهد الإمام عليَّ رضي الله عنه وأرضاه .

غزوة بدر الكبرى

هي أول معركة يحارب فيها الإمام عليٌّ عليه السلام دفاعاً عن الإسلام، وقد دفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه المعركة رايته إلى عليٍّ، وكان عمره يوم ذاك 25 سنة، وبرز عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، ودعوا المسلمين إلى البراز، فبرز إليهم ثلاثة من فتيان الأنصار، وهم من بني عفراء: معاذ ومعوذ وعوف ، فلمَّا وقفوا في مقابل عتبة وأخيه وولده، ترفَّعوا عن مقاتلتهم، وطلب عتبة من النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يرسل له الأكفّاء من قريش.

فالتفت نبيُّ الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني عمومته، وأحبَّ أن تكون الشوكة في بني عمِّه وقومه، وقال: “قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة بن عبدالمطَّلب، قم يا عليَّ بن أبي طالب”، فقاموا مسرعين، يهرولون بين الجيشين على أقدامهم، بقلوب ثابتة، عامرة بالإيمان، ووقفوا أمام القوم، فقال عتبة: تكلَّموا نعرفكم، وكان عليهم البيض، فقال حمزة: أنا حمزة بن عبدالمطَّلب ، أسد الله ، وأسد رسوله ، فقال عتبة: كُفءٌ كريم، وأنا أسد الحلفاء، من هذا معك؟ قال: عليُّ بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث ، قال: كُفآن كريمان

فبرز عبيدة بن الحارث ـ وكان عمره سبعين سنة ـ إلى عتبة بن ربيعة ـ وقيل شيبة ـ فضربه على رأسه، وضرب عتبة عبيدة على ساقه فقطعها، وسقطا معاً، وحمل عليٌّ عليه السلام على الوليد ـ وكانا أصغر القوم سنَّاً ـ فضربه عليُّ بن أبي طالب عليه السلام على حبل عاتقه، فخرج السيف من إبطه، وحمل حمزة على شيبة فتضاربا بالسيف حتى انثلما، فاعتنق كلُّ واحد صاحبه، وكان حمزة أطول من شيبة، فصاح المسلمون: يا علي، أما ترى الكلب قد بهر عمَّك؟ فأقبل عليهما، فقال عليٌّ: “طأطئ رأسك يا عم” فأدخل حمزة رأسه في صدر شيبة، فضربه الإمام على عنقه فقطعها ، ثُمَّ كرَّ علي عليه السلام وحمزة على عتبة فأجهزا عليه، وحملا عبيدة فألقياه بين يدي ابن عمِّه الرسول، فاستعبر وقال: “ألستُ شهيداً يا رسول الله؟ ” قال: “نعم”. قال: “لو رآني أبو طالب لعلم أننا أحق منه بقوله .

ونُسْلمه حتَّى نصرع حولــهُ***ونذهل عن أبنائنا والحلائلِ”

ولم يلبث بعدها إلاّ يسيراً، وهو أول شهيد من المسلمين في تلك المعركة.

وبرز بعدهما حنظلة بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلما دنا منه ضربه علي بالسيف ، فسالت عيناه، وسقط كالذبيح على رمال بدر، ثُم أقبل العاص بن سعيد بن العاص يطلب البراز، فبرز إليه علي عليه السلام وقتله.

ولما رأت مخزوم كثرة القتلى من المشركين، أحاطوا بأبي جهل خوفاً عليه ، وألبسوا لامة حربه عبدالله بن المنذر، فصمد له علي عليه السلام وقتله، ثم ألبسوها الفاكه بن المغيرة، فقتله حمزة وهو يظنه أبا جهل، وألبسوها بعدهما حرملة بن عمرو فقتله علي عليه السلام أيضاً ، وأبى أن يلبسها أحد بعدما رأوا صنيع علي وحمزة.

ثم التحم الجيشان، ودار بينهما أعنف قتال، فتساقطت الرؤوس وتهاوت الأجسام.

وقَتَلَ عليٌّ عليه السلام ـ فيمن قتله يوم ذاك ـ نوفل بن خويلد ، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد قال فيه: “اللَّهمَّ اكفني ابن العدوية”.

واشترك النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم مع المسلمين، وكبرياء مشركي قريش تتهاوى تحت الأقدام، ثمَّ أخذ كفَّاً من التراب ورمى به إلى جهة المشركين قائلاً: “شاهت الوجوه ، اللَّهمَّ أرعب قلوبهم”، فانهزموا تاركين أمتعتهم وأسلحتهم، وانجلت المعركة عن مقتل سبعين رجلاً من مشركي قريش، وكانوا سادات قريش وأبطالها، وأُسر منهم سبعون رجلاً، وفقد المسلمون أربعة عشر شهيداً ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار .

وانطوت صفحة التاريخ معربة عن أول انتصار حقَّقه المسلمون على صعيد المعارك، وتجلَّت هذه الانتصارات ببطولات بني هاشم ولا سيَّما الإمام علي عليه السلام، الذي كان متعطِّشاً لحصد أشواك الشرك وتثبيت دعائم الإسلام.

وقد أحصى بعض مصادر التاريخ من قتلهم عليٌّ 35 رجلاً، وذكرتهم بعض المصادر بأسمائهم

غزوة أُحد

أخذ المشركون يعدُّون العدَّة للثأر، واستطاعوا أن يؤلِّفوا جيشاً كبيراً، يضمُّ ما يقارب ثلاثة آلاف مقاتل! وتبرَّع أبو سفيان بأموال طائلة لتجهيز هذا الجيش الذي قاده بنفسه. وقبل أن تخرج قريش إلى أُحد بعث العبَّاس بن عبد المطَّلب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخبره بكيد قريش واستعدادها.

وبدأ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم من ساعة وصول الرسالة يستعدُّ لملاقاة الجيش الزاحف نحوهم، وكان ذلك في شوال، في السنة التالية لمعركة بدر.

خرج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ألف رجل أو يزيدون قليلاً، وكان الإمام عليُّ بن أبي طالب عليه السلام حامل لوائه، ووزَّع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الرايات على وجوه المهاجرين والأنصار، ولمَّا كان بين المدينة وأُحد، عاد عبد الله بن أُبيّ ـ رأس النفاق ـ بثلث الجيش قائلاً: علامَ نقتل أنفسنا؟! ارجعوا أيُّها الناس، فرجع وبقيَ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعمائة.

ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بجيشه البالغ سبعمائة رجلٍ حتى بلغ أُحداً، فأعدَّ أصحابه للقتال، ووضع تخطيطاً سليماً للمعركة ليضمن لهم النصر بإذن الله، ثُم جعل أُحداً خلف ظهره، فجعل الرماة على جبل خلف عسكر المسلمين وهم خمسون رجلاً، وأمَّر عليهم عبدالله بن جبير، وقال لهم: “احموا ظهورنا ولا تفارقوا مكانكم، فإن رأيتمونا نُقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا نغنم فلا تشاركونا، فإنَّما نؤتى من موضعكم هذا” .

ولمَّا التحمت المعركة تقدَّم طلحة بن أبي طلحة ـ وكان يدعى كبش الكتيبة ـ وصاح: من يبارز؟ فخرج إليه عليٌّ عليه السلام، وبرزا بين الصفَّين، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس في عريش أُعدَّ له يشرف على المعركة ويراقب سيرها، فقال طلحة: مَنْ أنت؟ قال: “أنا عليُّ بن أبي طالب” فقال: لقد علمت أنَّه لا يجرؤ عليَّ أحدٌ غيرك، فالتحمت سيوفهم، فضرب عليٌّ عليه السلام رأس عتبة ضربة فلق فيها هامته، فبدرت عيناه وصاح صيحة لم يُسمع مثلها، وسقط اللواء من يده، ووقع يخور في دمه كالثور، وقيل: ضربه فقطع رجله، فسقط وانكشفت عورته، فناشده الله والرحم فتركه .

فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون، وتقدَّم بعده أخوه عُثمان بن أبي طلحة، فحمل عليه حمزة بن عبد المطَّلب، فضربه بسيفه ضربةً كانت بها نهايته، ورجع عنه يقول: أنا ابن ساقي الحجيج.

وأخذ اللواء بعدهما أخوهما أبو سعيد بن أبي طلحة، فحمل عليه عليٌّ عليه السلام فقتله، ثُمَّ أخذ اللواء أرطأة بن شرحبيل، فقتله عليٌّ عليه السلام أيضاً، وأخذ اللواء بعد ذلك غلام لبني عبد الدار، فقتله عليُّ بن أبي طالب عليه السلام.

وذكر المفيد في إرشاده : أنَّ أصحاب اللواء كانوا تسعة، قتلهم عليُّ بن أبي طالب عن آخرهم، وانهزم القوم .

وتؤكِّد أكثر الروايات أنَّه بعد أن قُتل أصحاب الألوية والتحم الجيشان، لم يتقدَّم أحد من عليٍّ عليه السلام إلّا بعجه بسيفه أو ضربه على رأسه، ففلق هامته وأرداه قتيلاً، وانكشف المشركون لا يلوون على شيء، حتى أحاط المسلمون بنسائهم، ودبَّ الرعب في قلوبهم.

وإنَّ النصر الذي تهيَّأ للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم في أُحد لم يتهيأ له في موطنٍ قطّ. وظلَّ النصر إلى جانب المسلمين، حتَّى خالف جماعة من الرماة توجيهات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وانصرفوا إلى الغنائم.

فلمَّا انهزم المشركون لا يلوون على شيء، نزل الرماة من على الجبل، بعد أن نظروا إلى إخوانهم المسلمين يتسابقون إلى الغنائم، وردعهم أميرهم عبدالله بن جبير، فأبوا الرجوع، ثُمَّ انطلقوا للسلب والنهب، ولم يبقَ مع ابن جبير إلّا عشرة رجال.

ولمَّا رأى خالد بن الوليد أن ظهر المسلمين قد خلا ، كرَّ في مئتي فارس، على من بقي مع ابن جبير فأبادهم، وقُتل ابن جبير بعد أن قاتل قتال المستميت، وتجمَّع المشركون من جديد، وأحاطوا بالمسلمين من خلفهم، واستدارت رحاهم وحالت الريح فصارت دبوراً، وما أحسَّ المسلمون إلّا والعدو قد أحاط بهم واختلط بينهم، وأصبحوا كالمدهوشين، يتعرَّضون لضرب السيوف وطعن الرماح من كلِّ جانب، وأوجعوا في المسلمين قتلاً ذريعاً، واشتدَّ عليهم الأمر حتَّى قتل بعضهم بعضاً من حيث لا يقصدون.

وفرَّ المسلمون عن نبيِّ الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكن عليٌّ عليه السلام يفكِّر في تلك اللحظات الحاسمة إلّا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا سيَّما وقد رأى المشركين يتَّجهون نحوه، وأصبح هدفهم الأوّل، بعد أن أصبحت المعركة لصالحهم، فأحاط به هو وجماعة من المسلمين، وقد استماتوا في الدفاع عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وحمزة يهذُّ الناس بسيفه هذَّاً، وعليٌّ عليه السلام يفرِّق جمعهم كالصقر الجائع حينما ينقضّ على فريسته، فيشتِّتهم إرباً إرباً بسيفه البتَّار، وهو راجل وهم على متون الخيل، فدفعهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى انقطع سيفه.

وقاتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتالاً شديداً، وقد تجمَّع عليه المشركون وحاولوا قتله بكلِّ سبيل، ورماه ابن قمئة فكسر أنفه ورباعيته السفلى، وشقَّت شفته، وأصابته ضربة في جبهته الشريفة، وسال الدم على وجهه الشريف، وغلب عليه الضعف.

روى عكرمة قال: سمعت عليَّاً عليه السلام، يقول: “لمَّا انهزم الناس يوم أُحد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي، وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره فقلت: ما كان رسول الله ليفرَّ، وما رأيته في القتلى، فأظنُّه رُفع من بيننا، فكسَّرت جفن سيفي وقلت في نفسي: لأقاتلنَّ به عنه حتَّى أُقتل، وحملت على القوم فأفرجوا، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد وقع على الأرض مغشياً عليه، فقمت على رأسه، فنظر إليَّ فقال: ما صنع الناس، يا عليُّ؟ فقلت: كفروا يا رسول الله وولَّوا الدبر وأسلموك، فنظر إلى كتيبة قد أقبلت فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ردَّ عنِّي يا عليُّ هذه الكتيبة، فحملت عليها بسيفي أضربها يميناً وشمالاً حتَّى ولَّوا الأدبار، فقال لي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: أما تسمع مديحك في السماء، إنَّ ملكاً يقال له رضوان ينادي: لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليُّ، فبكيتُ سروراً وحمدتُ الله على نعمه”.

وفي هذه الوقعة قُتل حمزة بن عبدالمطَّلب، رماه وحشيّ ـ وهو عبد لجبير بن مطعم ـ بحربة، فسقط شهيداً، ومثَّلت به هند بنت عتبة بن ربيعة، وشقَّت عن كبده فأخذت منها قطعة فلاكتها، وجدعت أنفه، فحزن عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حزناً شديداً، وقال: “لن أُصاب بمثلك”.

ولمّا يئس المشركون من قتل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم برغم جميع المحاولات، فترت همَّتهم وقفلوا راجعين، بعد أن قُتل من المسلمين ثمانية وستُّون رجلاً، ومن المشركين اثنان وعشرون رجلاً، وكفى الله المؤمنين القتال بأمير المؤمنين عليه السلام.

وقفل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه راجعين إلى المدينة يوم السبت، فاستقبلته فاطمة عليها السلام ومعها إناء فيه ماء، فغسل وجهه، ولحقه الإمام وقد خضَّب الدم يده إلى كتفه ومعه ذو الفقار، فناوله السيدة فاطمة عليها السلام فقال : “خذي السيف فقد صدقني اليوم” وقال:
“أفاطمُ هاكِ السيف غيـر ذميـم فلسـتُ بــرعديـد ولا بمليـمِ لعمري لقد أعذرت في نصر أحمدٍوطاعــة ربٍّ بالعبـاد عليمِ”

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “خذيه يا فاطمة، فقد أدَّى بعلك ما عليه، وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش”

واقعة حنين

كانت هذه الغزوة في شوال سنة ثمان من الهجرة. وحنين وادٍ بينه وبين مكَّة ثلاث ليال .

وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ هوازن قد جمعت بحنين جمعاً كبيراً تريد غزو المسلمين وقتالهم، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جيش عظيم عدَّتهم اثنا عشر ألفاً، فقال بعضهم: ما نُؤتى من قلَّة، فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك من قولهم.

وكان لواء المهاجرين مع عليِّ بن أبي طالب عليه السلام ، ووزَّع بقية الرايات على قادة الجيش وزعماء القبائل.

يروى عن جابر بن عبدالله الأنصاري، أنَّه قال: “لمَّا استقبلنا وادي حُنين، انحدرنا في وادٍ أجوف حَطُوطٍ، إنّما ننحدر فيه انحداراً في عماية الصبح، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه ومضايقه، قد أجمعوا وتهيّأوا وأعدّوا، فوالله ما راعنا ونحن منحطُّون إلّا والكتائب قد شدَّت علينا شدَّة رجل واحد، فانهزم الناس أجمعون لا يلوي أحد على أحد.. إلّا أنَّه قد بقي مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته عليهم السلام” .

وعلى أيِّ الأحوال فلقد اتَّفق المؤرِّخون على أنَّ علياً عليه السلام وأكثر بني هاشم ثبتوا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في تلك الأزمة ، كان الإمام عليُّ بن أبي طالب عليه السلام يذبُّ الناس بسيفه ويفرقهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما كانت أكثر مواقفه في الحروب التي مضت ، فلم يستطع أحد أن يدنو من النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا جدله بسيفه .

وكان رجل من هوازن على جمل أحمر بيده راية سوداء أمام الناس، فإذا أدرك رجلاً طعنه، ثُمَّ رفع رايته لمن وراءه فاتَّبعوه، فحمل عليه عليٌّ عليه السلام فقتله ، فكانت الهزيمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس: “صِح للأنصار” وكان صيتاً، فنادى : يا معشر الأنصار ، يا أصحاب السمُرة، يا أصحاب سورة البقرة! فأقبلوا كأنَّهم الإبل إذا حنت على أولادها، يقولون: يا لبَّيك يا لبَّيك! فحملوا على المشركين، فأشرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنظر إلى قتالهم فقال: “الآن حمي الوطيس”! وهو أول من قالها، ثُمَّ قال : “أنا النبيُّ لا كذبْ أنا ابن عبد المطَّلب”.

واقتتل الناس قتالاً شديداً.

وأخذ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم، فكانت الهزيمة.

وقيل: إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام قد قتل منهم أربعين رجلاً ، واستشهد من المسلمين أيمن ابن أمِّ أيمن، ويزيد بن زَمعَة بن الأسود بن المطَّلب بن عبد العُزَّى وغيرهما

غزوة الخندق :
لمّا نقضت بنو قريظة صلحها مع رسول الله “صلى الله عليه وسلم”، وانضمَّت إلى صفوف المشركين، تغيَّر ميزان القوى لصالح أعداء الإسلام. فتحزّبت قريش والقبائل الأُخرى، ومعهم اليهود على رسول الله “صلى الله عليه وسلم” وعلى المسلمين.

وكان يقود الأحزاب أبوسفيان، فقاموا بتطويق المدينة بعشرة آلاف مقاتل؛ ممَّا أدَّى إلى انتشار الرُعب بين صفوف المسلمين، وتزَلْزَلَت نفوسهم، وظَنّوا بالله الظنونا، كما قال الله تعالى: (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا)، استشار رسول الله “صلى الله عليه وسلم” أصحابه في معالجة الهجوم المتوقّع من قبل العدو على المدينة المنوّرة، فأجمع رأيهم على البقاء في المدينة ومحاربة القوم إن جاءوا إليهم، كما توصّلوا إلى حفر خندق يحصّن المسلمين من أعدائهم.

وبدأوا بحفر الخندق حول المدينة باتجاه العدو، وخرج النبي “صلى الله عليه وسلم” مع المسلمين ليشاركهم في حفر هذا الخندق، وتقسيم العمل بينهم، وكان يحثّهم ويقول: (لا عيش إلاّ عيش الآخرة، اللهم اغفر للأنصار والمهاجرة).

لم يدع المنافقون والمتقاعسون تثبيط العمل برغم الهمّة والحماس الذي أبداه المسلمون، لقد استطاعت مجموعة من العدو عبور الخندق، وكان من بينهم عمرو بن عبد ودٍّ، فراح يصول ويجول، ويتوعَّد ويتفاخر ببطولته، ، ودعا عمرو بن عبد ود فى غزوة الخندق من يبارزه ، وكان من أشجع فرسان العرب ، فقال سيدنا علي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا له يا نبي الله ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « إنه عمرو بن عبد ود ، أجلس » ، فنادى عمرو : ألا رجل؟ فأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأعطى له سيفه الشهير (ذا الفقار) ، وألبسه درعه ، وعممه بعمامته .. ثمّ قال “رسول الله صلى الله عليه وسلم”، إلهي أخذت عبيدة منّي يوم بدر، وحمزة يوم أُحد ، وهذا أخي ، وابن عمّي ، فلا تَذَرني فردًا، وأنت خير الوارثين .. ونزل الإمام عليَّ الميدان، ويمتلكه الثقة بالله ، والنصر المبين ، وقال كلامه الشهير رداً على عمرو بن عبد ود : وهو يقول : “لا تعجلن فقد أتاك .. مجيب صوتك غير عاجز .. ذو نبهة و بصيرة .. والصدق منجى كل فائز .. إني لأرجو أن أقيم .. عليك نائحة الجنائز .. من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز”.

فقال له عمرو : من أنت؟ قال : أنا علي ، قال: إبن من ؟ قال : ابن عبد مناف ، أنا علي بن أبي طالب ، فقال : عندك يا ابن أخي مِنْ أعمامك من هو أسن منك ، فانصرف فإني أكره أن أريق دمك ،

ثمّ خاطب ابن عبد ودٍّ بقوله : (يا عمرو، إنّك كنت تقول لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلاّ قبلتها).

قال عمرو : أجل .

فقال عليَّ عليه السلام، (فإنّي أدعوك أن تشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله ، وتسلم لربّ العالمين).

فقال : يا إبن أخي أخّر عنّي هذه .

فقال له علي : ( أما أنّها خير لك لو أخذتها).

ثمّ قال عليَّ: ( وأُخرى ترجع إلى بلادك ، فإن يك محمّد صادقًا كنت أسعد الناس به ، وإن يك كاذبًا كان الذي تريد).

قال : هذا ما لا تتحدث به نساء قريش أبداً .

ثمّ قال علي ، فالثالثة، أدعوكَ إلى البراز).

فقال عمرو : إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أن أحداً من العرب يرومني عليها ، ولم يا إبن أخي؟ إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، وقد كان أبوك لي نديما .

فردَّ علياً : لكني أحب أن أقتلك ، والله ما أكره أن أهريق دمك ، فغضب عمرو ، فنزل فسل سيفه كأنه شعلة نار ، ثم أقبل نحو علي مغضبا واستقبله الإمام علي كرم الله وجهه ، بدرقته فضربه عمرو في الدرقة فقدها ، وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجَّه، وضربه علي رضي الله عنه على حبل العاتق ، فسقط وثار العجاج ، فسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التكبير ، فعرف أن علياً قتلَه . رواه الحاكم في “المستدرك”.

وحينما قتل عليَّ عمرواً أقبل نحو رسول الله “صلى الله عليه وسلم” ووجهه يتهلل، فقال له عمر بن الخطّاب: هلاّ سلبته يا علي درعه، فإنّه ليس في العرب درع مثلها؟ فقال عليّ: (إنّي استحييت أن أكشف سوءة ابن عمّي).

وقال عليّ أبياتاً في قتل عمرو، منها:

لا تحسبنّ الله خاذل دينه … ونبيّه يا معشر الأحزابِ

ولمَّا رجع سيدنا عليّ ظافرًا، استقبله رسول الله “صلى الله عليه وسلم” وهو يقول: (لَمُبَارَزَة عَليّ بن أبي طالب لِعَمرو بن عبد ودٍّ أفضلُ من عَمل أُمَّتي إلى يوم القيامة).

وفي رواية: (ضربة علي يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين).

فلولا توفيق الله ونصره سبحانه وتعالى والموقف البطولي لسيدنا علي، لاقتحم جيش المشركين المدينة على المسلمين بذلك العدد الهائل، وهكذا كانت للإمام علي كرم الله وجهه بطولته في غزوة الخندق ، فكانت أهمّ عناصر النصر لمعسكر الإيمان على معسكر الكفر والضلال ، أقام المشركون بضعًا وعشرين ليلة لم يكن بينهم وبين المسلمين حرب إلاّ الرمي بالنبل والحصى ، ولكن بعد عبور أحد صناديد الشرك والكفر، وهو عمرو بن عبد ودٍّ العامري الخندق ، ومبارزة الإمام عليَّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، وقتله لعمرو ، تحقّق النصر للإسلام والمسلمين في الثالث من شوال 5 هـ .

الإمام علي كرم الله وجهه صاحب راية الفتح في خيبر :

كان الإمام عليّ بن أبي طالب، كرم الله وجهه ، هو الذي اختاره رسول الله “صلى الله عليه وسلم”، من بين الصحابة ليحمل الراية يوم خيبر فاتحاً ، قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”، (لأعطين الراية غدًا رجلا يفتح الله على يديه).

قال الراوي : فبات الناس يفكرون في ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله “صلى الله عليه وسلم”، كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: (أين علي بن أبي طالب؟)، فقالوا: يشتكي عينيه، قال: (فأرسلوا إليه فأتوني به) فلما جاء بصق في عينيه ودعا له ، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، قال علي: يارسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال : (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحداً ، خير لك من أن يكون لك حمر النعم).. وقد فتح الله على يديه.

كما أن الإمام عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه هو الذي كتب الإتفاقية بين المسلمين وأهل مكة يوم الحديبية ، بإملاء الرسول “صلى الله عليه وسلم”، وكان الإمام عليّ عليه السلام من النبي بمنزلة هارون من موسى.

فى غزوة تبوك خَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ على أهله.

فَقَالَ عليّ: يَا رَسُولَ اللهِ تُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟

فَقَالَ “صلى الله عليه وسلم”: (أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي).

لزوم حب عليّ: أخرجه الإمام مسلم بسنده، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَيَّ: (أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ).

تبوك والاستخلاف

ثمَّ كانت غزوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى تبوك في رجب سنة تسع من مُهاجره .

لمَّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ الروم قد جمعت جموعاً كثيرة بالشام. لغزو المسلمين في ديارهم، لم يتردَّد في مواجهة تلك الجيوش، فأمر الناس بالتجهُّز لغزو الروم، وأعلم الناس مقصدهم، لبعد الطريق وشدَّة الحر وقوَّة العدو.. لذلك يسمى بجيش العسرة، وهي آخر غزوات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسير في أصحابه، حتى قدم تبوك في ثلاثين ألفاً من الناس، والخيل عشرة آلاف. واستعمل على المدينة علياً عليه السلام وقال له: (تقيم أو أقيم) “إنَّه لابدَّ للمدينة منِّي أو منّك” ، “إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك” .

وهذه هي الغزوة الوحيدة من الغزوات التي لم يشترك فيها عليُّ بن أبي طالب عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان بقاؤه عليه السلام في المدينة أمراً تفرضه مصلحة الإسلام، بعدما ظهر للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم من أمر المنافقين، فإنَّ بقاءهم بالمدينة يشكِّل خطراً على الدعوة.

فأُرجِفَ المنافقون بعلي عليه السلام وقالوا: ما خلَّفه إلّا استثقالاً له! فلمَّا سمع عليٌّ عليه السلام ذلك أخذ سلاحه ولحق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخبره ما قال المنافقون، فقال: “كذبوا، وإنَّما خلفتك لما ورائي، أما ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى؟ إلّا أنَّه لا نبيَّ بعدي” . فقال: “قد رضيت ، قد رضيت”، ثُمَّ رجع إلى المدينة وسار رسول الله بجيشه.

وفي رواية الشيخ المفيد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: “ارجع يا أخي إلى مكانك، فإن المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك، فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي”

معركة الجمل

رسم الإمام في سياسته الجديدة خطوط الحكم العريضة، وكان وسامها: “لا فضل لعربيّ على أعجميّ”. أثارت هذه السياسة غضب المتمرِّدين على الحكم، وكان منهم ما كان من الخروج عليه، فلمَّا أدرك طلحة والزبير رَفَضَ الإمام أن يجعل لهما ميزة على غيرهما، فلا ينالان إلّا ما ينال المسكين والفقير بعطاء متساوٍ.. سكتا على مضضٍ، وأخذا يعملان للثورة ضدَّه، فانضمَّا إلى الحزب الأُموي، وبدأوا بالتخطيط لشن الحرب على أمير المؤمنين علي عليه السلام، وهكذا كانت شرارة حرب الجمل.

حيث كانت الواقعة خارج البصرة، عند قصر عبيد الله بن زياد. وكان عسكر الإمام عليه السلام عشرين ألفاً، والعسكر المقابل ثلاثين ألفاً.

ولمَّا التقى الجمعان قال الإمام لأصحابه: “لا تبدأوا القوم بقتال، وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح، وإذا هزمتموهم فلا تتَّبعوا مدبراً، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثِّلوا بقتيل، وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا ستراً، ولا تدخلوا داراً، ولا تأخذوا من أموالهم شيئاً.. ولا تهيجوا امرأةً بأذى وإن شتمن أعراضكم، وسَبَبنَ أمراءكم وصلحاءكم”

وقيل: إنَّ أوَّل قتيل كان يومئذٍ مسلم الجُهني، أمره عليٌّ عليه السلام فحمل مصحفاً، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله، فقُتل .

قال عليٌّ: “﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾، يا طلحة، تطلب بدم عُثمان؟! فلعن الله قتلة عُثمان، يا طلحة، أجئت بِعرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقاتل بها، وخبَّأتَ عرسك في البيت؟ أما بايعتني؟!”.

قال: بايعتك والسيف على عنقي!

فقال عليٌّ عليه السلام للزبير: “يا زبير، ما أخرجك؟ قد كنَّا نعدُّك من بني عبدالمطَّلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ، ففرَّق بيننا” وذكَّره أشياء، فقال: “أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بني غنم، فنظر إليَّ، فضحك، وضحكت إليه، فقلتَ له: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك: ليس به زهوٌ، لتقاتلنَّه وأنت ظالم له؟”.

قال: اللَّهمَّ نعم، ولو ذكرت ما سرتُ مسيري هذا، والله لا أُقاتلك أبداً…

واحتدمت المعركة بين الفريقين، وتقاتلوا قتالاً لم يشهد تاريخ البصرة أشدَّ منه، ثُمَّ إنَّ مروان بن الحكم رمى طلحة بسهمٍ وهو يقاتل معه ضدَّ عليٍّ عليه السلام! يرميه فيرديه ويقول: لا أطلب بثأري بعد اليوم .

واستمرَّ الحال في أشدِّ صراعٍ، لم يرَ سوى الغبرة وتناثر الرؤوس والأيدي، فتتهاوى أجساد المسلمين على الأرض.

ثمَّ أخذ أصحاب الجمل يرمون عسكر الإمام بالنبال، حتى قُتل منهم جماعة، فقال أصحاب الإمام: عقرتنا سهامهم، وهذه القتلى بين يديك..

عند ذلك استرجع الإمام وقال: “اللَّهمَّ اشهد”، ثُمَّ لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقلَّد سيفه ورفع راية رسول الله السوداء المسمَّاة بالعقاب، فدفعها إلى ولده محمَّد ابن الحنفية.

وتقابل الفريقان للقتال، فخرج الزبير، وخرج طلحة بين الصفَّين، فخرج إليهما عليٌّ، حتى اختلفت أعناق دوابِّهم، فقال عليٌّ عليه السلام: “لعمري قد أعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً إن كنتما أعددتما عند الله عذراً، فاتَّقيا الله، ولا تكونا ﴿كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثً﴾ ، ألم أكن أخاكما في دينكما؟ تُحرِّمان دمي، وأُحرِّم دمكما، فهل من حدثٍ أحلَّ لكما دمي” ؟!

قال طلحة: ألَّبت على عُثمان.

قال عليٌّ: “﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾، يا طلحة، تطلب بدم عُثمان؟! فلعن الله قتلة عُثمان، يا طلحة، أجئت بِعرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقاتل بها، وخبَّأتَ عرسك في البيت؟ أما بايعتني؟!”.

قال: بايعتك والسيف على عنقي!

فقال عليٌّ عليه السلام للزبير: “يا زبير، ما أخرجك؟ قد كنا نعدك من بني عبدالمطَّلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ، ففرَّق بيننا” وذكَّره أشياء، فقال: “أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بني غنم، فنظر إليَّ، فضحك، وضحكت إليه، فقلتَ له: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك: ليس به زهوٌ، لتقاتلنَّه وأنت ظالم له؟”.

قال: اللَّهمَّ نعم، ولو ذكرت ما سرتُ مسيري هذا، والله لا أُقاتلك أبداً…

واحتدمت المعركة بين الفريقين، وتقاتلوا قتالاً لم يشهد تاريخ البصرة أشدَّ منه، ثُمَّ إنَّ مروان بن الحكم رمى طلحة بسهمٍ وهو يقاتل معه ضدَّ عليٍّ عليه السلام! يرميه فيرديه ويقول: لا أطلب بثأري بعد اليوم .

واستمرَّ الحال في أشدِّ صراعٍ، لم يرَ سوى الغبرة وتناثر الرؤوس والأيدي ، فتتهاوى أجساد المسلمين على الأرض.

ولمَّا رأى الإمام علي كرم الله وجهه هذا الموقف الرهيب من كلا الطرفين، وعلم أنَّ المعركة لا تنتهي أبداً ما دام الجمل واقفاً على قوائمه قال: “ارشقوا الجمل بالنبل، واعقروه وإلا فنيت العرب ، ولا يزال السيف قائماً حتى يهوي هذا البعير إلى الأرض”. فقطعوا قوائمه، ثُمَّ ضربوا عجز الجمل بالسيف، فهوى إلى الأرض وعجَّ عجيجاً لم يُسمع بأشدِّ منه. فتفرَّق من كان حوله كالجراد المبثوث. وانتهت المعركة بهزيمة أصحاب الجمل .

ثمَّ أمر الإمام علي عليه السلام نفراً أن يحملوا هودج السيّدة عائشة من بين القتلى، وأمر أخاها محمَّد بن أبي بكر أن يضرب عليها قُبةً ، وقال: “انظر هل وصل إليها شيء من جراحة”؟ فلما كان الليل أدخلها أخوها محمَّد بن أبي بكر عليه السلام البصرة، في دار صفية بنت الحارث، ثمَّ دخل الإمام عليه السلام البصرة فبايعه أهلها على راياتهم حتى الجرحى والمستأمنة..

ثمَّ جهَّز الإمام علي عليه السلام السيّدة عائشة بكلِّ ما ينبغي لها من مركبٍ وزادٍ ومتاعٍ وغير ذلك، وبعث معها كلَّ من نجا ، ممَّن خرج معها، إلّا من أحبَّ المقام، واختار لها أربعين امرأةً من نساء البصرة المعروفات، وسيَّر معها أخاها محمَّد بن أبي بكر عليه السلام.

مراقبته للناس
وكَانَ الإمام عَلِي يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ وَحدهُ وَهُوَ خَلِيفَة ، يُرْشِدُ الضَّالَّ وَيُعِينُ الضَّعِيفَ ، وَيَمُر بِالْبياعِ وَالْبَقالِ فَيَفْتَحُ عَلَيْهِ الْقُرآنَ، وَيَقْرَأُ (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا). ثُمَّ يَقُولُ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ الْعَدْلِ وَالتَّوَاضُعِ مِنَ الْوُلَاةِ وَأَهْلِ الْقُدْرَةِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ.

الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي

إبن وليد الكعبة وشهيد المحراب أبا السبطين
إبن أمير المؤمنين الإمام علي الكرار كرم الله وجهه
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى