مقالات

في ذكرى قدومها مصر.. السيدة زينب قارعت الظالمين وأذلت الجبابرة المتكبرين وألحقت بهم الخزي والعار

قلم وصوت ومحام آل البيت
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

ومن المقطوع به إنه ليس في تاريخ الشرق العربي وغيره حاكم كالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قد عنى بالصالح العام ، وتجرد عن كل منفعة شخصية له ، وهو القائل لابن عباس ، وكان يصلح نعله الذي هو من ليف : يابن عباس ، ما قيمة هذا النعل ؟
قال ابن عباس : لا قيمة له يا أمير المؤمنين .
فقال الإمام (عليه السلام) : والله ، لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن اُقيم حقاً ، أو أدفع باطلاً .

لقد تبنى الإمام علي عليه السلام العدل الخالص والحقّ المحض في جميع مراحل حكمه ؛ فالقريب والبعيد عنده سواء ، والقوي عنده ضعيف حتّى يأخذ منه الحقّ ، والضعيف عنده قوي حتّى يأخذ له بحقّه . وقد أوجد في أيام خلافته وعياً سياسياً أصيلاً وهو التمرد على الظلم , ومقارعة الجبابرة والطغاة .

وكان أبرز منْ تغذى بهذا الوعي ولده أبو الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام) , وبطلة الإسلام ابنته سيدة النساء زينب (عليها السلام) ، وكوكبة من مشاهير أصحابه ؛ كحجر بن عدي , وعمرو بن الحمق الخزاعي , وميثم التمّار , وغيرهم من بُناة المجد الإسلامي الذين ثاروا على الظالمين .

وعلى أي حال ، فهذا العملاق العظيم هو أبو الصديقة الطاهرة زينب (عليها السّلام) ، فقد غذّاها بمثله ومكوّناته النفسية ، وأفرغ عليها أشعة من روحه الثائرة على الظلم والطغيان ، فكانت تحكيه في انطباعاته واتجاهاته ، فقارعت الظالمين ، وناجزت الطغاة المستبدّين ، وأذلّت الجبابرة المتكبّرين وألحقت بهم الخزي والدمار .

السيّدة زينب حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، هي أوّل سيّدة في دنيا الإسلام صنعت التأريخ ، وأقامت صروح الحقّ والعدل ، ونسفت قلاع الظلم والجور ، وسجّلت في مواقفها المشرّفة شرفاً للإسلام وعزاً للمسلمين على امتداد التأريخ .
لقد أقامت سيّدة النساء صروح النهضة الفكرية ، ونشرت الوعي السياسي والديني في وقت تلبّدت فيه أفكار الجماهير ، وتخدّرت وخفي عليها الواقع ؛ وذلك من جرّاء ما تنشره وسائل الحكم الاُموي من أنّ الاُمويِّين أعلام الإسلام وحماة الدين وقادة المتّقين ، فأفشلت مخطّطاتهم , وأبطلت وسائل إعلامهم ، وأبرزت بصورة إيجابية واقعهم الملوّث بالجرائم والموبقات وانتهاك حقوق الإنسان ، كما دلّلت على خيانتهم وعدم شرعيّة حكمهم ، وأنّهم سرقوا الحكم من أهله ، وتسلّطوا على رقاب المسلمين بغير رضاً ومشورة منهم .

لقد أعلنت ذلك كلّه بخطبها الثورية الرائعة التي وضعت فيها النقاط على الحروف ، وسلّطت الأضواء على جميع مخطّطاتهم السياسيّة وجرّدتها من جميع المقوّمات الشرعيّة .

لقد وقفت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، ومفخرة الإسلام إلى جانب أخيها أبي الأحرار حينما فجّر ثورته الكبرى التي هي أعظم ثورة إصلاحية عرفها التأريخ الإنساني . وقد شابهت بذلك أباها رائد العدالة الاجتماعية حينما وقف إلى جانب جدها الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) حينما أعلن دعوته الخالدة الهادفة إلى تحرير الفكر البشري من عوامل الانحطاط والتأخر ، وإنارته بالعلوم والعرفان ، ودفعه إلى إقامة مجتمع متوازن في سلوكه وإرادته .

وتجسدت في حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) جميع الصفات الكريمة والنزعات الشريفة ؛ فكانت أروع مثلٍ للشرف والعفاف والكرامة , ولكلّ ما تعتزّ به المرأة وتسمو به في دينا الإسلام .
لقد ورثت العقيلة من جدّها الرسول (صلّى الله عليه وآله) ومن أبيها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) جميع ما امتازوا به من المثل الكريمة ، والذي كان من أبرزها الإيمان العميق بالله تعالى ، فقد ضارعتهما العقيلة في هذه الظاهرة .

وقد روى المؤرّخون عن إيمانها صوراً مذهلة , كان منها أنّها صلّت ليلة الحادي عشر من محرّم ، وهي أقسى ليلة في تأريخ الإسلام ، صلاة الشكر لله تعالى على هذه الكارثة الكبرى التي حلّت بهم ، والتي فيها خدمة للإسلام ورفع لكلمة التوحيد .
وكان من عظيم إيمانها وإنابتها إلى الله تعالى أنّها في اليوم العاشر من المحرّم وقفت على جثمان أخيها ، وقد مزّقته سيوف الكفر , ومثّلت به العصابة المجرمة ، فقالت كلمتها الخالدة التي دارت مع الفلك وارتسمت فيه قائلةً : « اللّهمّ تقبّل هذا القربان ، وأثبه على عمله … » .
تدول الدول وتفنى الحضارات وهذا الإيمان أحقّ بالبقاء وأجدر بالخلود من هذا الكوكب الذي نعيش عليه .

لقد كانت هذه السيدة العظيمة في سيرتها وسلوكها من أشبه الناس بأبيها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ؛ فقد تبنت بصورة إيجابية جميع أهدافه ومخطّطاته ومواقفه التي منها نصرته للإسلام في أيام محنته وغربته .

وكذلك هذه السيدة العملاقة نصرت الإسلام حينما عاد غريباً في ظلّ الحكم الاُموي الذي استهدف قلع جذور الإسلام ولفّ لوائه ، وإعادة الحياة الجاهليّة بأوثانها وأصنامها ، ولكنّها مع أخيها (سلام الله عليها) قد أفسدت مخطّطات الاُمويِّين ، وأعادت للإسلام نضارته ومجده .

جدها لأبيها

أمّا جدّ السيدة الزكية زينب لأبيها فهو حامي الإسلام وبطل الجهاد المقدس ، أبو طالب (مؤمن قريش) الذي نافح عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وجاهد في سبيله كأعظم ما يكون الجهاد ، ولولا حمايته للنبي وقيامه بدور مشرق في الذبّ عنه لأتت عليه قريش وقضت على الدعوة في مهدها .
لقد كان أبو طالب من أوثق المسلمين إيماناً ، ومن أكثرهم إخلاصاً لدين .

وساهمت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) السيدة زينب (عليها السلام) في الثورة الحسينية ، وشاركت في جميع ملاحمها وفصولها مشاركة إيجابيّة وفاعلة ؛ فقد وقفت إلى جانب شقيقها في أوّل مرحلة من مراحل جهاده ، وهي على علم لا يُخامره أدنى شك من شهادته ، وما يجري عليه وعليها من صنوف الكوارث والخطوب .

أخبرها بذلك أبوها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) باب مدينة علم النبي (صلّى الله عليه وآله) ، كما أسرّ إليها بذلك أخوها الإمام الحسين (عليه السّلام) ، فانطلقت (سلام الله عليها) بإرادة وعزم وتصميم إلى مساندة أخيها ، ومشاركته في ثورته الكبرى التي غيّرت مجرى التأريخ ، وأمدت العالم الإسلامي بجميع عوامل النهوض والارتقاء .

لقد آمنت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) بثورة أخيها أبي الأحرار ، وجاهدت جهاداً لم يعرف التأريخ مثله في مرارته وأهواله ، وتبنّت جميع مُخطّطات الثورة وأهدافها ، وهي التي أبرزت قيمها الأصيلة في خطبها التأريخية في أروقة الحكم الاُموي ؛ فبلورت الرأي العام ، وأوجدت وعياً أصيلاً كان من نتائجه الثورات الشعبية المتلاحقة التي أطاحت بالحكم الاُموي , وأزالت ذلك الكابوس المظلم عن الاُمّة الإسلاميّة .

وليس في العالم الإسلامي وغيره امرأة تضارع سيدة النساء السيّدة زينب في قوّة شخصيتها ، وصلابة عزيمتها ، وعظيم إيمانها ؛ فقد رأت ما حلّ بأهلها من الرزايا والكوارث التي تميد من هولها الجبال ، وهي صامدة قد تسلّحت بالصبر ، وسلّمت أمرها إلى الله تعالى .

رأت حفيدة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الشباب الذين هم كالبدور من أبنائها ، وأبناء إخوتها وعمومتها ، قد تقطّعت أوصالهم على صعيد كربلاء ، رأت الأطفال الأبرياء من أهل البيت يُذبحون بوحشية لا مثيل لها بأيدي اُولئك القُساة الممسوخين .

رأت حرائر النبوّة قد أشرفن على الهلاك من ألم العطش القاتل وهنّ يندبن بذوب أرواحهنّ قتلاهنّ ، وهي (سلام الله عليها) تسلّيهنّ وتأمرهنّ بالخلود إلى الصبر .

رأت أخاها سيد الشهداء الذي هو عندها أعز من الحياة قد أحاطت به أوغاد البشرية ، وهم يوسعونه ضرباً بسيوفهم ورماحهم ونبالهم حتّى احتزّوا رأسه الشريف .

رأت هجوم الكفرة العتاة بعد مقتل أخيها على خيام النساء وقد أضرموا النار فيها ، والمخدّرات من بنات الرسول يتراكضن في البيداء خوفاً من الحريق , وقد تكالب على نهبهن أعداء الله … كلّ هذه المصائب والرزايا قد حلّت بحفيدة النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فما استكانت ولا وهنت وإنّما زادتها إيماناً وتماسكاً وتسليماً لأمر الله .

كان للسيدة زينب دور بطولي وأساسي في ثورة كربلاء التي تعتبر من أهم الأحداث التي عصفت بالأمة الإسلامية بعد رسول الله، وكان دورها لا يقل من دور أخيها الإمام الحسین وأصحابه صعوبةً وتأثيراً في نصرة الدين. وأنها قادت مسيرة الثورة بعد استشهاد أخيها وكان لها دور إعلامي، فأوضحت للعالم حقيقة الثورة، وأبعادها وأهدافها.

حيث قُتل أبناؤها وأخوتها وبني هاشم أمام عينيها. و بعد انتهاء المعركة رأت أجسادهم بدون رؤوس وأجسامهم ممزقة بالسيوف .

وکانت النساء الأرامل من حولها وهن يندبن قتلاهن وقد تعلق بهن الاطفال من الذعر والعطش .و كان جيش العدو يحيط بهم من كل جانب وقاموا بحرق الخيم، واعتدوا على حرمات النساء والأطفال. وبقيت صابرة محتسبة عند الله ما جرى عليها من المصائب. وقابلت هذه المصائب العظام بشجاعة فائقة.

إنّ كارثة كربلاء وما جرى على بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من صنوف الأسر والذلّ والتنكيل من أجل استقرار استيلاء بني اُمية على كرسي الحكم ، وتسلّطهم على رقاب المسلمين ، وإبادتهم لعترة النبي (صلّى الله عليه وآله) .

وظهر على مسرح السياسة الإسلاميّة بعد موت معاوية ولده يزيد لعنة الله ، وهو فيما أجمع عليه المؤرّخون : حاكم ظالم ، جاهلي ، لم يؤمن بالله طرفة عين ، قد خلد إلى الفسق والفجور واقتراف كلّ ما حرّم الله من إثم ، وقد أعلن كفره وإلحاده ومروقه عن الدين بقوله :

لَـعِبَت هاشمُ بالمُلكِ فلا خبرٌ جاءَ ولا وحيٌ نزل

وقد تفجّرت سياسته في جميع مراحل حكمه بكلّ ما خالف كتاب الله وسنّة نبيّه ؛ من إشاعة المنكر والفجور ، واستعباد المسلمين ، وإرغامهم على ما يكرهون ..

لقد سلّطه أبوه معاوية على جميع مقدّرات الدولة الإسلاميّة ، ومكّنه من رقاب المسلمين مع علمه وإحاطته التامّة بنزعاته الجاهليّة , وتحلّله من جميع القيم والأعراف الإنسانيّة ، فهو المسؤول أمام الله وأمام التأريخ والاُمّة عن موبقات هذا الوغد الجاهلي الذي حوّل حياة المسلمين إلى جحيم لا يُطاق .

وكانت الأحداث المفزعة التي مُني بها العالم الإسلامي في أيام معاوية وولده يزيد بمرأى ومسمع من الإمام الحسين (عليه السّلام) ؛ فقد رأى باطلاً يُحيا ، وصادقاً يُكذَّب ، وكاذباً يُصدَّق ، ومفسداً يُعظّم ، وأثرة بغير تُقى .

قد عُطلت حدود الله ، وجمدت أحكام الإسلام . لا آمر بمعروف ، ولا ناهٍ عن منكر ، فلم يستطع سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الصبر على هذه الكوراث التي مُني بها العالم الإسلامي ؛ فأعلن (سلام الله عليه) ثورته الكبرى على الحكم الاُموي , مستهيناً بالموت ، عازماً على الشهادة ، وأعلن كلمته الخالدة التي هي وسام شرف وفخر للإسلام ، ونشيد لأحرار العالم في كلّ زمان ومكان قائلاً : (( لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً … )) .

واستقبل الموت هو وأهل بيته وأصحابه بثغورٍ باسمة ، ونفوس .

مجرى التاريخ عبر سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وريحانته ، ووارث علمه الإمام الحسين (عليه السّلام) ؛ ففجّر ثورته الكبرى التي أعزّ الله بها الإسلام ، وأوضح بها الكتاب ، وجعلها عبرة لأولي الألباب ، تمدّ المسلمين على امتداد التأريخ بالعزّة والكرامة , والتمرّد على الظلم ، ومصارعة الطغاة ، ومناجزة المستبدين .

لقد كانت ثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) من أهم الثورات الإصلاحية التي عرفها التأريخ الإنساني ؛ فقد هزّت الضمير العالمي وذلك بفصولها المروّعة ، ومآسيها الخالدة في دنيا الأحزان ، كما أنّها تحمل عطاءً فكرياً ودروساً مشرقة لجميع شعوب العالم لإنقاذها من ويلات الاستعمار والاستعباد ، وستبقى حيّةً مشرقةً حتّى يرث الله الأرض ومَنْ عليها .

وصلت السيدة زينب بنت علي إلي مصر في أول شعبان عام 61 هجرية ، و خرج لاستقبالها جموع المسلمين و علي رأسهم والي مصر الأموي مسلمة بن مخلد الأنصاري. و أقامت السيدة زينب في بيت الوالي حتي وافتها المنية بعد عام واحد من قدومها إلي مصر يوم 14 رجب 62 هجرية ، و دفنت في بيت الوالي ، الذي تحول إلي ضريح لها.

وعرف عن السيدة زينب تحليها بالعلم و التقوي، و الشجاعة و الإقدام السيدة زينب هي من أوائل نساء أهل البيت اللاتى شرفت أرض مصر بالمجيء إليها.

قدمت إذن السيدة زينب برغبة منها إلى مصر ، بعد أن أعطاها معاوية فرصة اختيار منفاها، واستقبلها والي مصر وأهل مصر استقبالا رائعا غامرا، لم يسبق له مثيل، حيث فرحوا كثيرا بقدومها، وذلك حبا في جدها المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وتبركا بنسبها الشريف، فهي حفيدة محمد- عليه الصلاة والسلام-، وابنة سيدنا علي- رضي الله عنه- وسيدتنا فاطمة- رضي الله عنها- وأخت الحسن والحسين محبوبي نبي الله- عليه أزكى الصلاة والتسليم-.

بعد الترحيب الكبير الذي لقيته السيدة زينب ومن معها، دعت دعوتها الشهيرة لأهل مصر فقالت: “أهل مصر، نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة مخرجا ومن كل ضيق فرجا”.

حين استقرت سيدتنا زينب في أرض مصر وهبها والي مصر آنذاك قصره كله للإقامة فيه، لكنها اكتفت بغرفة واحدة فقط في القصر، أقامت هذه السيدة الشريفة في هذه الغرفة وجعلتها مكانا لتعبدها وزهدها، وتحولت هذه الغرفة بعد وفاتها إلى مقامها الآن، فتسمى هذه الغرفة مقام السيدة زينب. وأوصت السيدة زينب قبل وفاتها بأن يتحول باقي القصر إلى مسجد، فكان لها ذلك، وتحول قصر الوالي إلى مسجد السيدة زينب- رضي الله عنها.

واليوم ، يعتبر مسجد السيدة زينب من أهم المساجد في مصر، وكل من يزور القاهرة يتشوق إلى زيارته، فهو من أهم المزارات الإسلامية في مصر إلى جانب مسجد سيدنا الحسين بن علي- رضي الله عنهما- والمسجد الأزهر الشريف.

كان علينا الحديث عن السيدة زينب عليها السلام ونسبها ونشأتها ومكانتها ودورها في البارز في معركة كربلاء وما حدث فيها.

من هي السيدة زينب

الحَوْرَاءُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الملقبة بـزَيْنَبِ الكُبْرَى (5 هـ – 62 هـ)؛ ثالث أولاد فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد وعلي بن أبي طالب وكبرى بنتيهما والأخت الشقيقة للسبطين الحسن والحسين.

وأبوها هو الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين عند أهل السنة والجماعة، وأوّل الأئمة الأثني عشر عند الشيعة، ولهذا تُعتبر زينب، إحدى الشخصيات المهمة عند المسلمين. كما أن لها قُدسيَّة خاصة عند الشيعة؛ بسبب دورها في معركة كربلاء التي قتل فيها أخوها الحسين بن علي بن أبي طالب، وعدد من أهل بيته. ويعتقد الشيعة بعصمتها بالعصمة الصغرى ،

قال فيها ابن أخيها علي بن الحسين السجاد : «يا عمة، أنتِ بحمد الله عالِمة غير معلّمة وفهمة غير مفهمة».

كما انتشر عدد من الألقاب لزينب، منها : زينب الكبرى، للفرق بينها وبين من سميت باسمها من أخواتها وكنيت بكنيتها. الحوراء ، أم المصائب وسُمّيت اُمّ المصائب ، لأنّها شاهدت مصيبة وفاة جدّها محمد رسول الإسلام، ومصيبة وفاة اُمّها فاطمة الزهراء، ومصيبة قتل أبيها علي بن أبي طالب، ومصيبة شهادة أخيها الحسن بن علي بالسمّ، والمصيبة العظمى‌ بقتل أخيها الحسين بن علي من مبتداها إلى منتهاها، وقتل ولداها عون ومحمد مع خالهما أمام عينها وحملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة وأدخلت على ابن زياد إلى مجلس الرجال وقابلها بما اقتضاه لؤم عنصره وخسة أصله من الكلام الخشن الموجع واظهار الشماتة وحملت أسيرة من الكوفة إلى الشام ورأس أخيها ورؤوس ولديها وأهل بيتها امامها على رؤوس الرماح طول الطريق حتى دخلوا دمشق على هذا الحال وادخلوا على يزيد في مجلس الرجال وهم مقرنون بالحبال.

وكذلك سميت أم هاشم ، عقيله بني هاشم ، بطلة كربلاء ، الحنونة نور من نور سيدنا محمد ، الغريبة، العالمة غير المعلمة، الطاهرة، السيدة. وإذا قيل في مصر السيدة فقط عرفت انها السيدة زينب.

السيدة زينب بنت علي عليها السلام ، أبوها أمير المؤمنين عليه السلام، وأمّها فاطمة الزهراءعليها السلام. بحسب بعض الروايات إنّ جدّها رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم سمّاها زينب، وذكر أنها كانت تعلّم النساء تفسير القرآن وذلك في فترة خلافة أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة. شاركت أخاها الحسينعليه السلام في واقعة الطف، وكان لها دور بارز في أحداثها، وقد سيقت هي وسائر الأرامل والأيتام بعد العاشر من المحرم سبايا إلى الكوفة حيث ألقت خطبتها الشهيرة هناك، ومن ثم سيقت إلى الشام، فألقت خطبة أخرى في الشام أيضاً، وبحسب المحللين كان لخطبتها دورٌ كبير في بقاء الثّورة الحسينيّة وتحقّق أهدافها وفضح السلطة الأموية. وقد لُقّبت بأم المصائب لما رأت من مصائب في حياتها.

النبيّ صلّى الله عليه وآله يسمّي زينب عليها السّلام

أطلت السيدة زينب عليها السّلام على الدنيا في الخامس من شهر جمادى الأولى في السنة الخامسة للهجرة في بيتٍ أذن اللهُ أن يُرفع ويُذكر فيه اسمُه، وفتحت الوليدة المباركة عينيها تتطلّع إلى وجوهٍ أكرمها ربّ العزّة عن أن تسجد لصنمٍ قطّ، مُتسلسلةً في أصلاب الطاهرين وأرحام المطهّرات.
وحَمَلت سيّدةُ نساء العالمين: فاطمة عليها السّلام وليدتها إلى خير الخلق بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله: أميرِ المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام تسأله أن يختار للنسمة الطاهرة المباركة اسماً، فأبى أن يَسبِق رسولَ الله صلّى الله عليه وآله ـ وكان غائباً يومذاك ـ في تسميتها، ثمّ عاد النبيُّ صلّى الله عليه وآله إلى المدينة، فحملت الزهراء عليها السّلام وليدتها إلى أشرف الكائنات وخاتم الرسل صلّى الله عليه وآله من الوحي اسماً لها، فسمّاها “زينب .

لماذا بكى رسول الله صلّى الله عليه وآله في ولادة زينب ؟

من غير المعهود أنّ الأب أو الجدّ إذا رُزِق ولداً أو حفيداً بكى وانتحب وذرف الدموع سِخاناً، فلماذا يحدّثنا التاريخ أن الحسين عليه السّلام حَمَل إلى أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام بشارةَ ولادة أخته زينب، وأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام بكى ـ بأبي هو وأمّي ـ لمّا بُشّر بولادتها، فسأله الحسينُ عليه السّلام عن علّة بكائه، فأخبره أنّ في ذلك سرّاً ستبيّنه له الأيّام.
ثمّ حُملت الوليدة الطاهرة إلى جدّها الحبيب محمّد صلّى الله عليه وآله، فاحتضن رسولُ الله صلّى الله عليه وآله الطفلةَ الصغيرة وقبّل وجهها، ثمّ لم يتمالك أن أرخى عينَيه بالدموع.
وكان جبرئيل عليه السّلام الذي هبط باسم “زينب ” من ربّ العزّة قد أخبر حبيبه المصطفى صلّى الله عليه وآله بأنّ هذه الوليدة ستشاهد المصائب تلو المصائب، وأنّها ستُفجَع بجدّها رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبأمّها فاطمة سيّدة النساء عليها السّلام، وبأبيها أمير المؤمنين عليه السّلام، وبأخيها الحسن المجتبى عليه السّلام سِبطِ رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ تُفجع بمصيبةٍ أعظمَ وأدهى، هي مصيبة قتل أخيها الحسين عليه السّلام سيّد شباب أهل الجنّة في أرض كربلاء
في عصر العاشر من المحرم أمر شمر بن ذي الجوشن أن یرموا الحسین(عليه السلام)، فرشقوه بالسهام، فخرجت زینب (عليها السلام) من باب الخيمة نحو الميدان، ثم وجّهت كلامها إلى عمر بن سعد، وقالت: «يا بن سعد! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟!» فلم يجبها عمر بشيء.

ولما انتهت إلى جسد أخيها المضرّج بالدماء بسطت يديها تحت بدنه المقدس، ورفعته نحو السماء، وقالت: «إلهي تقبَّل منَّا هذا القربان». وروي أنها جلست بالقرب من جسد أخيها توجهت نحو المدينة المنورة، وندبت قائلة: «وا محمّداه! بَناتكَ سَبايا وذرّيتك مُقتلة، تَسفي عليهم رِيحُ الصّبا، وهذا حسينٌ محزوزُ الرأسِ مِن القَفا، مَسلوبُ العمامةِ والرِّداء…». فأبكت كلّ عدو وصديق.

(السيدة زينب عليها السلام) في الكوفة

لما وضعت الحرب أوزارها سيق من بقي من النساء والأطفال والعيال أسارى إلى الكوفة وهم في حالة يرزى لها، وما إن وصلوا إلى الكوفة حتى خطبت السيدة زينب عليها السلام في أهل الكوفة خطبة عظيمة وصفها بشير بن خُزيم الأسدي بقوله: «ونظرت إلى زينب بنت علي (عليهما السلام) يومئذ، ولم أر خفرة – والله – أنطق منها كأنها تفرع من لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس، وسكنت الأجراس». ثم قالت: «الحمد لله والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة…».

قال بشير: «فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، وضج الناس بالبكاء والنوح، ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤسهن، وخمشن وجوههن، وضربن خدودهن، ودعون بالويل والثبور، وبكى الرجال، ونتفوا لحاهم، فلم ير باكية وباك أكثر من ذلك اليوم».

فلما خشي ابن زياد لعنة الله وقوع الثورة وانقلاب الناس عليه أمر بإدخال السبايا إلى قصر الإمارة.

فأدخلت السيدة زينب عليها السلام وسائر الأسرى إلى دار الإمارة إلا أنها (عليها السلام) لم تسكت، بل واجهت ابن زياد وهو في مجلس بكلام أدحض حجته وبيّن سفه رأيه.

وكان لكلام كل من السيدة زينب عليها السلام والامام السجّاد عليه السلام وأمّ كلثوم وفاطمة بنت الحسين في الكوفة وفي دار الإمارة، بالإضافة إلى اعتراض كل من عبد الله بن عفيف الأزدي وزيد بن أرقم، الأثر الكبير في تغيير الرأي العام وندم الكوفيين على ما اقترفوه مما جعلهم يفكرون في الثأر للشهداء والانتقام من قتلتهم، وبهذا تشكلت النواة الأولى للمعارضة، وتمهدت الأرضية لثورة المختار والالتفاف حول حركته.

مع قافلة الأسارى إلى الشام

سارع عبيد الله بن زياد بالكتابة إلى يزيد بن معاوية في الشام يعلمه بمصرع الإمام الشهيد (ع) ووصول سباياه ورؤوس القتلى إلى الكوفة، فأجابه يزيد بالإسراع في إيفاد الأسرى من السبايا مع الرؤوس إليه، فبادر ابن زياد بإرسال ركب الأسرى والسبايا والرؤوس إلى الشام.

فبعث الرؤوس مع زجر بن قيس، وأرسل السبايا أثر الرؤوس مع مخفر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن

وكان معاوية قد رسّخ جذور الحكم الأموي في الشام، وكانت الأمور متسقة أمام يزيد بن معاوية بسبب الماكنة الإعلامية القوية التي سخّرها آل أبي سفيان لتضليل الجماهير وإظهار الأمويين بمظهر الوريث الشرعي للنبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم, فكان الوضع السياسي والأمني مطمئنا لا يشوبه ما يكدر حياة يزيد السياسية؛ وقد وصف الصحابي سهل بن سعد الساعدي حالة الفرح والإبتهاج في الوسط الشامي قبيل قدوم السبايا بقوله: «خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام، فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار، كثيرة الأشجار، قد علقوا الستور والحجب والديباج وهم فرحون مستبشرون، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول…».

ولكن سرعان ما انقلبت الأمور على عقب بمجرد دخول ركب السبايا إلى الشام وسماعهم خطب الإمام السجّاد عليه السلام وخطبة عمّته زينب (عليها السلام) التي فضحت البيت الأموي، وبينت عظم الجريمة التي اقترفها الأموييون من جهة، وخففت من غلواء العداء الشامي لأهل البيت (عليهم السلام) وحولته إلى حالة من الحبّ والتعاطف معهم. في تلك الأجواء عقد يزيد بن معاوية مجلساً لم يعقد من قبله حضره الرؤساء والحكام والقادة و…. وتحت تأثير نشوة الانتصار نطق بكلمة الشرك والكفر.

وجيء برأس الحسين عليه السلام ووضع بين يديه في طشت وجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده.

مظهراً ما كتمه من عداء وبغض لرسول الله صلی الله عليه وآله وسلم والرسالة المحمدية، وأخذ یتمثل بقول ابن الزبعري المشرك و زاد علیها أبیات أخر:

ليــت أشيـــاخي بـبدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلــــوا، واستهلــــوا فـــــــــرحا ثم قالـــوا: يا يــــزيد لا تشــــــــل
لـــــــــــعبت هــاشم بالـــملك فلا خبـــر جـــــاء ولا وحـــي نـــــــزل

وبينما هو يكرر تلك الأبيات منتشياً قامت زينب خطيبة، فاستهلت كلمتها بالحمد لله والصلاة على النبي (صل الله عليه وسلم)، ثم تابعت خطبتها موبخة يزيد على السياسات التي اتخذها في حكمه بحق أهل البيت (عليهم السلام) ومن المضايقات التي عملها، مشيرة إلى بطره وتبختره. كما أشارت تعنته وغلظته وطغيانه وكفره، وتتابع أن هذا نتيجة الأحقاد والأضغان الكامنة والمتبيقية من غزوة بدر ومعارك صدر الإسلام. ثم حذرته مما ارتكب بهتك حرمات بحق «سيد شباب أهل الجنة»، وجميع ذلك بعين الله، وقالت ليزيد سيحل عليك سخط الله، ويخاصمك رسول الله (صل الله عليه وسلم)، حتى تتمنى أن أمك لم تلدك

ولما رأى يزيد أن الجريمة التي اقترفها بقتل الحسين عليه السلام قد انكشفت، وبان ما كان قد تستر عليه، وأن خطب السيدة زينب عليها السلام وسائر عائلة الإمام الحسين عليه السلام كشفت زيف التعتيم الذي مارسه، أخذ بالتنصل عن الجريمة وإلقاء تبعة ذلك على عبيد الله بن زياد.

ثم إن يزيد أمر بأن تقام للسبايا والأسرى دار تتصل بداره، فزارهم نساء من آل أبي سفيان منهن هند زوج يزيد بن معاوية، فأقمن النياحة على الحسين عليه السلام.

وبعد ثلاثة أيام أمر يزيد بإرجاع الأسرى إلى المدينة.

أُمّ المصائب

تُسمّى العقيلة زينب سلام الله عليها أمَّ “المصائب “، وحقّ لها أن تُسمّى بذلك، فقد شاهَدَت مصيبةَ جدّها رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومحنةَ أمّها فاطمة الزهراء سلام الله عليها، ثمّ وفاتها؛ وشاهدت مقتلَ أبيها الإمام عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه، ثمّ شاهدت محنةَ أخيها الحسن سلام الله عليه ثمّ قَتْله بالسمّ، وشاهدت أيضاً المصيبةَ العظمى، وهي قتل أخيها الحسين عليه السّلام وأهل بيته، وقُتل ولداها عَونٌ ومحمّد مع خالهما أمام عينها، وحُملت أسيرةً من كربلاء إلى الكوفة، وأُدخلت على ابن زياد في مجلس الرجال، وقابلها بما اقتضاه لُؤمُ عنصره وخِسّةُ أصله من الكلام الخشن الموجع وإظهار الشماتة المُمِضّة. وحُملت أسيرةً من الكوفة إلى ابن آكلة الأكباد بالشام، ورأسُ أخيها ورؤوس ولدَيها وأهل بيتها أمامها على رؤوس الرماح طول الطريق، حتّى دخلوا دمشق على هذه الحالة، وأُدخلوا على يزيد في مجلس الرجال وهم مُقرّنون بالحبال .

ثواب البكاء على مصائب زينب عليها السّلام

روي أنّ جبرئيل عليه السّلام لمّا أخبر النبيّ صلّى الله عليه وآله بما يجري على زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السّلام من المصائب والمحن، بكى النبيّ صلّى الله عليه وآله وقال: من بكى على مصاب هذه البنت، كان كمن بكى على أخوَيها الحسن والحسين عليهما السّلام .

ومن الجليّ أنّ البكاء على مصائب أهل البيت عليهم السّلام والتلهّف والتوجّع لِما أصابهم، يتضمّن معنى مواساتهم والوفاء لهم وأداء بعض حقوقهم التي افترضها الله تعالى في آية المودّة وغيرها، فقال عزّ مِن قائل: قُل لا أسألُكُم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى ، وقد روى علماء المسلمين أنّه لمّا نزلت هذه الآية الكريمة قالوا: يا رسول الله، مَن قَرابتُك الذين وَجَبَت علينا مودّتُهم ؟ قال صلّى الله عليه وآله: عليّ وفاطمة وابناهما .

كما يتضمّن البكاء على مصائب العترة الطاهرة انتماءً من المؤمن الباكي إلى صفّ أهل البيت عليهم السّلام، وإعلاناً منه لنفوره من أعداء أهل البيت عليهم السّلام وقتلتهم، وإدانةً منه لتلك الجرائم البشعة التي ارتُكبت في حقّ العترة الطاهرة، وإعلاناً من الباكي عن استعداده للسير تحت لوائهم والانضواء في رَكبهم والالتزام بنهجهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

العقيلة زينب عليها السّلام المتهجّدة العابدة

أشبَهَت عقيلةُ بني هاشم عليها السّلام أمَّها سيّدةَ نساء العالمين فاطمةَ الزهراء عليها السّلام في عبادتها، فكانت تقضي ليلها بالصلاة والتهجّد، ولم تترك نوافلها حتّى في أحلَك الظروف وأصعبها، فقد روي عن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنّه قال إنّ عمّته زينب ما تَرَكت نوافلها الليليّة مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقهم إلى الشام .

لم تَقعُد بها تلك المصائب الراتبة التي تَهدّ الجبالَ عن أن تتهجّد وتُناجي ربّها الكريم.

ونُقل عن ريحانة رسول الله صلّى الله عليه وآله، الإمام الحسين عليه السّلام، أنّه لمّا ودّع أخته زينب عليها السّلام وَداعَه الأخير قال لها: يا أُختاه، لا تنسيني في نافلة الليل.

وروى الجواهري في مثير الأحزان عن فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السّلام أنّها قالت:… وأمّا عمّتي زينب فإنّها لم تَزَل قائمةً في تلك الليلة ـ أي ليلة العاشر من المحرّم ـ في محرابها تستغيث إلى ربّها، فما هدأت لنا عين ولا سكنت لنا رنة .

وروي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السّلام إنّه قال: إنّ عمّتي زينب كانت تؤدّي صلواتها من قيام ـ الفرائض والنوافل ـ عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام، وفي بعض المنازل كانت تصلّي من جلوس، فسألتها عن سبب ذلك، فقالت: أصلّي من جلوس لشدّة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال؛ لأنّها كانت تُقسّم ما يُصيبها من الطعام على الأطفال، لأنّ القوم كانوا يدفعون لكلّ واحد منّا رغيفاً واحداً من الخبز في اليوم والليلة

السيّدة زينب عليها السّلام المدافعة عن حريم الولاية

مع أمير المؤمنين عليه السلام

نافحت عقيلة الهاشميين عليها السّلام عن حريم الولاية، ووقفت إلى صفّ إمام زمانها عليه السّلام تدافع عنه وتجاهد في الذبّ عنه، فقد رُويَ أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا توجّه لقتال الناكثين الذين نكثوا بيعته وألّبُوا عليه في البصرة، وقال في حقّهم كلاماً جاء فيه «… واللهِ، إنّ طلحة والزبير لَيعلَمان أنّهما مُخطئان وما يَجهلان، ولربّما عالم قَتَلَه جَهْلُه وعِلْمُه معه لا ينفعه! واللهِ لَينبحنّها كلابُ الحَوْأب، فهل يَعتبر مُعتبر، أو يَتفكّر متفكّر ؟! ثمّ قال: قد قامت الفئةُ الباغية، فأين المُحسنون ؟

ونقل أنّ عائشة أرسلت إلى حفصة كتاباً تقول فيه: ما الخبر ما الخبر ؟‍! إنّ عليّاً كالأشقر، إن تَقَدّم عُقِر، وإن تأخّر نُحِر. فجمعت حفصةُ نساءَ قومها وصِرن يَضرِبنَ بالدُّفوف ويَردِّدنَ ذلك الكلام، فأُخبِرت زينب عليها السّلام بذلك، فعمدت إلى الخروج إليهنّ وخرجت تَحفُّ بها الإماء ومعها أمّ سَلَمة زوجةُ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وأمّ أيمن، حتّى دخلت على النسوة، فلمّا رأتها حفصةُ استحيت وفَرّقت النساء، فقالت لها زينب عليها السّلام: إن تَظاهرتُما على أبي فلقد تَظاهرتُما على رسول الله صلّى الله عليه وآله مِن قبلُ .

مع الحسين الشهيد عليه السّلام

أمّا دفاعها عن أخيها وإمامها الحسين الشهيد عليه السّلام، فقد رافقته إلى كربلاء، ووقفت إلى جانبه خلال تلك الشدائد التي يَشيبُ لها الوِلدان، وقدّمت ابنَيها عوناً ومحمّداً شهيدَين في طفّ كربلاء، ولم يُنقَل عنها عليها السّلام أنّها نَدبت ابنَيها بكلمةٍ ولا ذَرَفت لفقدهما دمعة، فقد كان همّها الشاغل مواساة أخيها الحسين عليه السّلام بكلّ وجودها.

روي أنها عليه السّلام دخلت على أبي عبدالله الحسين عليه السّلام في خِبائه ليلةَ عاشوراء، فوجدته يَصقِلُ سَيفاً له ويقول: يا دهرُ أُفٍّ لك من خليلِ… الأبيات، فذُعِرت وعَرَفت أنّ أخاها قد يئس من الحياة، وأنّه مقتول لا محالة، فصرخت نادبةً أخاها وقالت: وا ثُكلاه! ليتَ الموتَ أعدَمني الحياة! اليومَ ماتت فاطمةُ أمّي وعليٌّ أبي وحسن أخي، يا خليفةَ الماضي وثُمالَ الباقي .

وروي أن عليّ الأكبر ابن الإمام الحسين عليه السّلام لما بَرَز إلى القوم وقاتل حتّى استُشهد، جاء إليه الحسين عليه السّلام وهو يقول: قَتَل اللهُ قوماً قتلوك، ما أجرأهُم على الرحمان وعلى رسوله وعلى انتهاكِ حُرمةِ الرسول، على الدنيا بَعدَك العَفا.

قال الراوي : فكأنّي أنظر إلى أمرأةٍ مسرعةٍ تنادي بالويل والثبور وتقول: يا حبيباه! يا ثمرةَ فؤاداه! يا نورَ عيناه!
فسألتُ عنها فقيل: هي زينب بنت عليّ عليه السّلام. فجاءت وانكبّت عليه، فجاء الحسين عليه السّلام فأخذ بيدها ورَدَّها إلى الفِسطاط.

وروى أصحابُ المقاتل أنّ الإمام الحسين عليه السّلام لمّا هَوى من ظهر جوادِه وقد أثخنته الجراح، دون أن يُضعِف ذلك من عزمه أو يَفُتّ في عَضُده، حتّى قال عنه أحدُ الذين قاتَلوه: فواللهِ ما رأيتُ مكسوراً مكثوراً قطُّ قد قُتِل وُلدُه وأهلُ بيته وأصحابُه، أربَطَ جأشاً، ولا أمضى جَناناً، ولا أجرأ مَقدَماً منه، واللهِ ما رأيتُ قَبلَه ولا بعدَه مِثلَه، إن كانت الرجّالةُ لَتنكشِفُ من عن يمينه انكشافَ المِعزى إذا شَد فيها الذئب.

قال : فواللهِ إنّه لكذلك إذ خرجت زينبُ ابنةُ فاطمة أختُه… وهي تقول: لَيتَ السماء تَطابقتْ على الأرض! ثمّ خاطبت عمر بن سعد وقد دنا من الحسين، فقالت: يا عمر بن سعد! أيُقتَلُ أبو عبدالله وأنت تَنظر إليه ؟!فصرف عمر بن سعد وجهَه عنها .

وروى المجلسي أنّ الإمام الحسين عليه السّلام لمّا طُعن في خاصرته فسقط عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن، خرجت زينب من الفسطاط وهي تنادي: وا أخاه واسيّداه وا أهلَ بيتاه! لَيت السماء أطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل .

وروي أنّ جيش عمر بن سعد أخرجوا النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار، فخَرجنَ حَواسِرَ حافياتٍ باكياتٍ، وقُلنَ: بحقِّ الله إلاّ ما مَررتُم بنا على مصرع الحسين.
قال الراوي: فواللهِ لا أنسى زينبَ بنت عليّ عليه السّلام وهي تندبُ الحسينَ وتنادي بصوتٍ حزين وقلبٍ كئيب:
وا محمّداه! صلّى عليك مَليكُ السماء، هذا حسينٌ مُرمَّلٌ بالدماء، مُقَطَّعُ الأعضاء، وبَناتُك سبايا، إلى الله المُشتكى…
وا محمداه هذا حُسين بالعراء، يَسفي عليه الصَّبا، قتيلُ أولادِ البغايا، يا حُزناه يا كَرباه! اليوم مات جدّي رسول الله. يا أصحابَ محمّداه، هؤلاء ذريّةُ المصطفى يُساقُونَ سَوقَ السبايا!

مع الإمام زين العابدين عليه السّلام

تولّت عقيلة بني هاشم عليها السّلام تمريضَ الإمام زين العابدين عليه السّلام ورعايتَه والمحافظةَ عليه في كربلاء والكوفة والشام. وكان من المواقف التي خلّدها لها التاريخ في دفاعِها عن إمام زمانها: الإمام زين العابدين عليه السّلام بعد شهادة أبي عبدالله الحسين عليه السّلام، موقفٌ في مجلس ابن زياد في الكوفة، فقد خاطبها ابن زياد فقال: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أُحدوثتكم! فقالت: إنّما يُفتَضَحُ الفاسقُ ويُكذَبُ الفاجرُ، وهو غيرنا.
فقال ابن زياد: كيف رأيتِ صُنعَ الله بأخيكِ وأهل بيتكِ ؟

فقالت: ما رأيتُ إلاّ جميلاً. هؤلاءِ قومٌ كَتَب اللهُ عليهم القتلَ فبَرزوا إلى مَضاجِعهم، وسيجمعُ اللهُ بينك وبينهم فتُحاجَّ وتُخاصَم، فانظُرْ لِمَن الفَلج يومئذٍ ثَكَلَتْكَ أمُّك يا ابنَ مَرجانة!
ثم التفتَ ابنُ زياد إلى عليّ بن الحسين فقال: مَن هذا ؟
فقيل: عليّ بن الحسين.
فقال: أليس قد قَتلَ اللهُ عليَّ بن الحسين ؟!
فقال عليّ: قد كان لي أخ يُسمّى عليّ بن الحسين قَتَله الناس.
فقال ابن زياد: بل اللهُ قَتَله!
فقال عليّ عليه السّلام: اللهُ يَتوفّى الأنفُسَ حينَ مَوتِها والتي لَم تَمُت في مَنامِها.
فقال ابنُ زياد: ولكَ جرأةٌ على جوابي ؟! اذهَبوا به فاضربوا عُنُقَه!
فسَمِعَت عمّتُه زينبُ ذلك فقالت: يا ابنَ زياد، إنّك لَم تُبقِ منّا أحداً، فإن عَزَمتَ على قتلهِ فاقتُلني معه .

وقد تطرّقنا إلى خطبتَي عقيلة بني هاشم عليها السّلام في الكوفة وفي الشام، اللتين أبانت بهما حقيقةَ النهضة الحسينيّة، وفضحت مَكْر بني أميّة ومحاولتهم تصوير الإمام الحسين عليه السّلام بأنّه خارجيّ خرج على خليفة زمانه، فكانت كلمات العقيلة عليها السّلام استمراراً لنهضة أخيها الشهيد عليه السّلام، وكان ثباتها وصمودها وصبرها السُّورَ الحصين الذي صان مُعطيات الثورة الحسينيّة المباركة، والترجمانَ الصادق الذي نقل للأجيال تفاصيل تلك النهضة الظافرة .

فسلام الله عليكِ يا عقيلةَ الهاشميّين يوم وُلدتِ، ويوم التَحقتِ بالرفيقِ الأعلى، ويوم تُبعثينَ حيّةً فيوفّيكِ اللهُ تبارك وتعالى جزاءك بالكأسِ الأوفى مع جدّكِ المصطفى، وأبيكِ المرتضى، وأمّكِ الزهراء، وأخيك الحسن المجتبى ، وأخيكِ الشهيد بكربلاء .

قلم وصوت ومحام آل البيت
إبن وليد الكعبة وشهيد المحراب أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي

قلم وصوت ومحام آل البيت
إبن وليد الكعبة وشهيد المحراب

أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى