مقالات

في ذكرى ميلادها.. رقيه بنت الإمام الحسين ذکرك عبره للظالمین مدى الزمان یخلد

بقلم صوت ومحام آل البيت
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي

هي السيدة رقية بنت الحسين بن علي بن أبي طالب (ولدت 17 شعبان 57 هـ – 61 هـ) هي ابنة سيد الشهداء الإمام الحسين بن بن الإمام علي عليهما السلام وحفيدة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد استشهدت وهي في الخامسة من العمر في دمشق بُعيد معركة كربلاء، أما عند بعض أهل السنة والجماعة فلا وجود لها ولقصتها ولم يذكرها أي من مؤرخي أو علماء السنة كواحدة من بنات الحسين بن علي، إذ ذكروا منهن فقط سكينة بنت الحسين وفاطمة بنت الحسين وزينب بنت الحسين.

هي السيدة رقية بنت الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام، ذكرها صاحب كتاب لباب الأنساب وغيره في بنات الحسين بن علي.

أُختلف في أمها، ذكرت بعض المصادر بالقول أن أمها هي الرباب بنت امرئ القيس. وذهب آخرون أنها بنت أم إسحاق بنت طلحة واسمها حبوة، وقيل أن أمها شهر بانو (شاه زنان) بنت يزدجرد وقيل أن أمها القضاعية.

رفض الإمام الحسين بن علي بيعة يزيد لعنة الله مما أدى إلى اشتداد الخلاف بينهما ودفع الإمام الحسين عليه السلام إلى الخروج إلى الكوفة مغادراً مكة ومعه أهل بيته وبينهم بنته الطفلة رقية بغية الالتحاق بأنصاره في العراق . إلا أن جيش عبيد الله بن زياد لعنة الله سيطروا على الكوفة قبل وصول الإمام الحسين عليه السلام إليها وأنكر أهل الكوفة الكتب التي بعثوا بها إلى الإمام الحسين عليه السلام ، وما لبث جيش عبيد الله بن زياد لعنة الله أن وصل ليداهم الإمام الحسين عليه السلام في مستقره.

ومع رفض الإمام الحسين عليه السلام للتسليم، بدأ رماة جيش عبيد الله بن زياد لعنهم الله يمطرون الإمام الحسين وأصحابه عليهم السلام بوابل من السهام وأصيب الكثير من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام ثم اشتد القتال ودارت رحى الحرب وغطى الغبار أرجاء الميدان واستمر القتال ساعة من النهار وتم حرق الخيام واستشهد الكثيرون، فراح من بقي من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته ينازلون جيش عبيد الله بن زياد لعنهم الله ويتساقطون الواحد تلو الآخر.

رافقت السيدة رقية عليها السلام ركب السبايا من أهل الإمام الحسين عليه السلام بعد هذه المأساة إلى الشام لمقابلة الخليفة يزيد بن معاوية لعنة الله.

وفاتها

يأتي في الأثر أن السيدة رقية رأت والدها في منامها إبان استشهاده، فبكت بكاء شديدا وعلا صوتها فأمر يزيد بأن يحضروا إليها رأس أبيها الحسين مما أجج مشاعرها وانكبت على رأس أبيها تبكي حتى فارقت الحياة.

أي أنها عندما رأت الرأس الشريف نادت: (يا أبتاه مَن الذي خضّبك بدمائك؟ يا أبتاه مَن الذي قطع وريدك؟ يا أبتاه مَن الذي أيتمني على صغر سنّي؟ يا أبتاه مَن بقي بعدك نرجوه؟ يا أبتاه مَن لليتيمة حتّى تكبر)؟

ثمّ إنّها وضعت فمها على فمه الشريف، وبكت بكاءً شديداً حتّى غشي عليها، فلمّا حرّكوها وجدوها قد فارقت روحها الحياة، فعلى البكاء والنحيب، واستجدّوا العزاء، فلم ير ذلك اليوم إلاّ باك وباكية.

مقام رقية يقع على بعد (100م) أو أكثر قليلاً من الجامع الأموي بدمشق في حي العمارة بدمشق

رُقيّةُ بنت الحسين عليها السلام)

طفلةٌ صغيرة متعلقة بأبيها تعلقَ الزهرة بالغصن ، أسرها النظام الأُموي – من جملة السبايا الأسرى – في كربلاء، ولاقت الأمرّين في طريقها إلى الشام، وفي خربة الشام كان الألم فظيعًا فقد طلبت رؤية أبيها فأُتي لها برأس أبيها بأمر الطاغية، فما إن رأته وقعت ميتة من قوة الصدمة!

بعض التراجم القديمة عند ذكر بنات الإمام الحسين (عليه السلام) لم تذكر اسم السيدة رقية في بنات الإمام الحسين عليه السلام .. ولكن يمكن أن تثار هنا هاتين النقطتين:

الأولى: أنه من المسلّم تاريخياً وبما بلغ حدّ الشهرة والإستفاضة وفاة إحدى بنات الإمام الحسين (عليه السلام) وهي ابنة ثلاث سنوات أو أربع سنين أو أكثر وقد دفنت في خربة الشام في حادثة معروفة يعرفها الجميع من رؤيتها لأبيها في المنام وطلبها له ، فاحضروا لها الرأس الشريف فانحنت عليه مذهولة وماتت من ذهولها به.

الثانية: إن للشهرة محلها في تثبيت الأنساب والأماكن والمراقد، وهذا الأمر معمول به فقهياً وجاءت به الروايات عن أئمة آل البيت (عليهم السلام)، وشهرة هذا المرقد الموجود في الشام ونسبته للسيدة رقية أكبر من أن تخفى ، وحادثة تعميره ووجود الجسد الطاهر لهذه الطفلة المتوفاة هضماً على أبيها مشهورة كذلك ،

ومع ذلك فمن المصادر القديمة أيضاً ذكر اسمها أبو الحسن علي بن أبي القاسم بن زيد البيهقي المعروف بابن فندق المولود عام 493 هجري والمتوفى عام 565 هجري ذكر بأنها من بنات الحسين (عليه السلام) في كتابه (لباب الأنساب والألقاب والاعقاب) ج1 ص 355، وقد أعيد طبعه من مكتبة المرعشي النجفي في قم.

لغزُ البنت الرابعة؟)

– تبين في النقطة السابقة نقل المؤرخين عن وجود بنت رابعة لم يسمّوها من بنات الحسين (عليه السلام) ولو تفحّصنا لرأينا كلامًا جليلًا حكي عن الشيخ الميرزا جواد التبريزي وجملة هذا المحكي الآتي:

” إن اسم رقيّة جاء صريحًا في بعض كتب الأنساب والتاريخ، وهو كتاب أبي الحسن البيهقي المعروف بابن فندق (ت: ٥٦٥ هج) وهو عالم جليل القدر وعظيم الشأن من أصحابنا وهو من أجلة مشايخ ابن شهر آشوب له كتاب قيّم – كما عُبّر عن الشيخ – اسمه (لباب الأنساب والألقاب والأعقاب) طبع بإشراف مكتبة المرعشي، جاء فيه (١:٣٥٥): في معرض حديثه عن السادة الحسينية: “أما الحسينية فهم من أولاد الحسين بن علي عليهما السلام، ولم يبق من أولاده إلا زين العابدين عليه السلام، وفاطمة، وسکينة، ورقية، فأولاد الحسين عليه السلام من قبل الأب هم من صلب زين العابدين عليه السلام”. وبهذا التصريح، يمکن حل إشکال ما في اسمها من إغفال في الكتب التاريخية، على أنّ هذا الكتاب مقدم في الرتبة الزمانية على کتاب (کامل البهائي)”

هذا جملة ما حكي عن الشيخ التبريزي (رضوان الله عليه)، وفيه تصريح باسم البنت الرابعة وهي رقية؛ غير أن ابن فندق عندما أورد في اللباب أسماء بناته ذكر (١:٣٤٩): (فاطمة وسكينة وزينب وأم كلثوم، والأخيرتان ماتتا في صغرهما وهما من شهربانو بنت يزدجر) فلم يذكر اسم رقية إلا بعد صفحات.

بلى من الممكن القول بأن رقية هي أم كلثوم نفسها؛ ولكن هذا القول غير منسجم مع عبارة ابن فندق في ذكر رقية؛ لأنها تشعر بأنها بقت لسنوات طويلة بعد سنة الحادثة؛ إلا إذا قصد من بقي بعد يوم عاشوراء وهذا لا ينسجم وقصة المقتل للسيدة رقية!

– نعم هناك نقل آخر من بعض نسخ الملهوف أن الإمام الحسين ذكر اسم رقية (… وأنت يا رقية) وعورض بأنه عري من الدلالة الصريحة على أن رقية ابنته، واحتمالية كون المخاطبة هي زوجة مسلم بن عقيل؛ وقد أُبعد هذا الاحتمال بمزيد كلام ذُكر.. فراجع (الصحيح من مقتل سيد الشهداء/ ص٢٢١).

– وهناك أبيات شعر لسيف بن عَميرة النخعي – من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام ولم يدك الرضا عليه السلام – قال في مطلعها راثيًا الحسين:
جلَّ المصابُ بمن أُصبنا فاعذري
يا هذه وعن الملام فأقصري

إلى أن يقول:
وعبدكم سيف فتى ابن عميرة
عبد لعبد عبيد حيدر قنبرِ

ورقية رق الحسود لضعفها
وغدا ليعذرها الذي لم يعذرِ

لم أنسها وسكينة ورقية
يبكينه بتحسرٍ وتزفرِ

وفيها من الدلالة على وجود شخصية رقية بنت الحسين، وبهذا قد ينفك اللغز لو تم الاستدلال الذي استدل به بعض الباحثين.

قصة استشهاد رقية بنت الحسين):


إن أول من ذكر القصة على ما ينقل المؤرخين هو كتاب الحاوي الذي ينسب ظاهرًا للقاسم بن محمد السني، وهو كتاب مفقود، وقد نقل عنه القصة عماد الدين الطبري في كتاب (كامل بهائي) المكتوب باللغة الفارسية وقد ترجمه الباحث محمد شعاع فاخر؛ وقد نقل القصة بأن:

نساء أهل بيت النّبوّة أخفين على الأطفال شهادة آبائهم وكانوا يقولون لهم إنّ آباءكم قد سافروا إلى كذا وكذا، وكان الحال على ذلك المنوال حتّى أمر يزيد بأن يدخلن داره، وكان للحسين (عليه السلام) بنت صغيرة لها أربع سنين قامت ليلة من منامها وقالت: أين أبي الحسين (عليه السلام) فإنّي رأيته السّاعة في المنام مضطربًا شديدًا، فلمّا سمع النّسوة ذلك بكين وبكى معهن سائر الأطفال وارتفع العويل، فانتبه يزيد من نومه وقال: ما الخبر؟! ففحّصوا عن الواقعة وقصّوها عليه، فأمر اللعين بأن يذهبوا برأس أبيها إليها، فأتوا بالرّأس الشّريف وجعلوه في حجرها، فقالت: ما هذا ؟ قالوا: رأس أبيك. ففزعت الصّبيّة وصاحت فمرضت وتوفّيت في أيّامها بالشّام” انتهى.

قوال الشعراء فیها : نذکر منهم ما یلی :

1ـ قال الشاعر سیف بن عمیره النخعی الکوفی ـ من اصحاب الامام الصادق والکاظم ( علیهما السلام ) ـ :

وعبدکم سیف بن عمیره ** لعبد عبید حیدر قنبر

وسکینه عنها السکینه فارقت ** لما ابتدیت بفرقه وتغیّر

ورقیه رقّ الحسود لضعفها ** وغدا لیعذرها الذی لم یعذر

ولاُم کلثوم یجد جدیدها ** لئم عقیب دموعها لم یکرر

لم انسها سکینه ورقیه ** یبکینه بتحسّر وتزفّر

2ـ قال الشاعر السیّد مصطفى جمال الدین ـ مکتوبه بماء الذهب على ضریحها ـ :

فی الشام فی مثوى یزید مرقد ** ینبیک کیف دم الشهاده یخلد

رقدت به بنت الحسین فاصبحت ** حتّى حجاره رکنه تتوقّد

هیّا استفیقی یا دمشق وایقظی ** وغدا على وضر القمامه یرقد

واریه کیف تربّعت فی عرشه ** تلک الدماء یضوع منها المشهد

سیظل ذکرک یا رقیه عبره ** للظالمین مدى الزمان یخلد

3ـ قال الشاعر السیّد سلمان هادی آل طعمه :

ضریحک اکلیل من الزهر مورق ** به العشق من کل الجوانب محدّق

ملائکه الرحمن تهبط حوله ** تسبّح فی ارجائه وتحلّق

شممت به عطر الربى متضوعاً ** کانّ الصبا من روضه الخلد یعبق

الیه غدا الملهوف مختلج الروى ** وعیناه بالدمع الهتون ترقرق

کریمه سبط المصطفى ما اجلّها ** لها ینحنی المجد الاثیل ویخفق

یتیمه ارض الشام الف تحیه ** الیک وقلبی بالمودّه ینطق

زیارتها :

( السلام علیک یا ابا عبد الله یا حسینُ بن علی یا ابن رسول الله ، السلام علیک یا حجّه الله وابن حجّته ، اشهد انّک عبد الله وامینه ، بلّغت ناصحاً وادّیت امیناً ، وقلت صادقاً وقتلت صدّیقاً ، فمضیت شهیداً على یقین لم توثر عمىً على هدى ، ولم تمل من حق الى باطل ، ولم تجب الاّ الله وحده .

السلام علیکِ یا ابنه الحسین الشهید الذبیح العطشان ، المرمّل بالدماء ، السلام علیک یا مهضومه ، السلام علیک یا مظلومه، السلام علیک یا محزونه ، تنادی یا ابتاه مَن الذی خضّبک بدمائک ، یا ابتاه من الذی قطع وریدک ، یا ابتاه من الذی ایتمنی على صغر سنّی ، یا ابتاه من للیتیمه حتّى تکبر . لقد عظمت رزیّتکم وجلّت مصیبتکم ، عظُمت وجلّت فی السماء والارض ، فانا لله وانا الیه راجعون ، ولا حول ولا قوّه الاّ بالله العلی العظیم ، جعلنا الله معکم فی مستقرّ رحمته ، والسلام علیکم ساداتی وموالی جمیعاً ورحمه الله وبرکاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى