مقالات

غزوة بدر الكبرى: يوم الفرقان وإعلاء كلمة الحق مستضيئة بنور الهدى والإيمان

بقلم صوت ومحام آل البيت

الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

يوم بدر يوم له مكانة عظيمة في دين الله تبارك وتعالى وهو يوم عظيم من أيام الله تعالى أعز الله فيه القلة المؤمنة المستضعفة على جحافل الكفار المتغطرسين الذين أخذتهم حمية الجاهلية، وسكرة الغفلة، ومكروا واستكبروا على عباد الله الموحدين، فأنزل الله بأسه بهم ، وحاق بهم النكال ، وخسروا مجدهم وعزهم، وردَّ الله الذين آمنوا إلى مأمنهم لم يصبهم شرّ ولا أذى ، إنه يوم بدر ، يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان

التقى الضعفاء القلة المؤمنة التي خرجت لا للحرب ولا للقتال، وإنما للاسترداد بعض حقوقهم عند من عصبوهم أرضهم وديارهم، وسلبوا أموالهم، ولكن الله أراد أمرًا آخر غير المال، فقد شاء الله وقدَّر أن تنجو القافلة، ويعرب أبو سفيان إلى مكة بالمال والقافلة والجمال، وهنا فوجئ المسلمون بصلَف واستكبار الكافرين، ووجدوا أنفسهم مضطرين للمعركة والنزال، وإذا أراد الله أمرًا هيَّأ أسبابه، وما أصدق القائل:

وإذا لم تكن إلا الأسنةُ مركباً *** فما حيلةُ المضطر إلا ركوبها

ليس هناك مفر ولا مهرب، إنها الحرب بشدائدها، والمسلمون قلة، والعدو متجبر متكبر، ولم يخرج من الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا عدد قليل، وهنا رغب الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى ربه، ولجأ إليه لجوء المضطر، ورتَّب أصحابه وعبّأ جيشه، ووقعت الملحة ونصر الله هؤلاء الضعاف القلائل على تلك الجحافل المشركة، وكان يومًا عجيبًا من أيام الله -تعالى-.

إن غزوة بدر الكبرى تعد إعلانًا لبدء حياة جديدة، تعلو فيها كلمة الحق لبناء عقلية جديدة مستضيئة بنور الهدى والإيمان؛ ولذا سماها الله -تعالى- الفرقان في سورة الأنفال.

لقد كانت معركة بدر الكبرى فرقاناً بين الحق و الباطل أول معركة حاسمة بين المسلمين والمشركين، ونصر الله فيها عباده المؤمنين نصراً مؤزراً، وسجل عليهم المنة العظمى إلى يوم الدين: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

لم تعرف الدنيا أفقر ولا أضعف ولا أذل من العرب، حتى بعث فيهم المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وجاءهم الله بالإسلام فمكن لهم في البلاد، وأوسع لهم في الأرزاق.

سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ أبا سفيان مُقبلٌ من الشام في ألف بعير للمشركين فيها أموالٌ عظيمة لم يبق في مكة مشركٌ ولا مشركةٌ إلا بعث بماله كله في هذه العير، فندب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أصحابه للخروج معه قائلاً: “هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا لعل الله أن يغنمكموها”.

فخرج معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، من كبار الصحابة مهاجرين وأنصار. وإنما تخلف البقية الباقية؛ لأنهم لم يعلموا بالقتال.

وبلغ أبا سفيان الخبر فأرسل إلى مكة يستنجد قومه، فهبت إليه قريش برجالها وعتادها بطراً ورئاء الناس، ويصدون عن سبيل، ويُحادون الله ورسوله وجاؤوا على حردٍ قادرين، وعلى حميةٍ وغضب وحنقٍ على رسول الله وأصحابه. وكانوا قرابة الألف، جاؤوا من غير ميعاد؛ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.

ولما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- خروج المشركين لقتاله استشار أصحابه، فتكلم المهاجرون فأحسنوا، ثم استشارهم ثانياً فتكلم المهاجرون فأحسنوا، ثم استشارهم ثالثاً، فعرف الأنصار أنه يعنيهم، فقام سعد بن معاذ -رضي الله عنه- فقال: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله! قال أجل. قال: يا رسول الله: لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض -يا رسول الله- لما أردت فنحن معك؛ فو الذي بعثك بالحق رسولاً لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجلٌ واحد، وما نكرهُ أن تلقى بنا عدوّنا، إنّا لصُبُرٌ في الحروب، صُدُقٌ عند اللقاء، ولعلَّ الله يُريك منّا ما تقرُّ به عينُك، فسِرْ بنا على بركة الله.

فتهلّلَ وجهُه -صلى الله عليه وسلم- لذلك، وقال: سيروا وأبشروا فإنّ الله -تعالى- قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم.

وسار المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حتى نزلوا ماء بدرٍ بمشورة الحِبَابِ ابن المنذر -رضي الله عنه- فصنعوا الحياض، وغوروا ما عداها من المياه؛ منعاً للمشركين منها.

وجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمشي في موضع المعركة، ويُشير بيده إلى مصارع القوم، وهو يقول: هذا مصرعُ فلان، وهذا مصرعُ فلان، وهذا مصرع فلان، إن شاء الله. قال أنس -رضي الله عنه-: “فما تعدى أحدٌ ممّن سمّى موضع إشارته”.

فلما طلع المشركون، وتراءى الجمعان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم وقد رفعَ يديه إلى السماء-: “اللهم هذه قريشٌ جاءت بخيلائها وفخرها تُحادك وتكذب رسولك، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تَهلِك هذه العُصابةُ لا تُعْبَدُ في الأرض”. وأخذ يُلحُّ على الله في الدعاء حتى سقطَ رداؤه عن ظهره فالتزمَه أبو بكرٍ -رضي الله عنه- من ورائه وقال: يا رسول الله أبشر فو الذي نفسي بيده ليُنجزنّ الله لك ما وعدك. رواه البخاري ومسلم.

واستفتحَ أبو جهل في ذلك اليوم يدعو اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، وهو يقول: “اللهم أقطعنا للرحم، وأتانا بما لا نعرفه، فاحْنِهِ الغداةَ، واللهم أيُّنا كان أحبَّ إليك وأرضى عندك، فانصره اليوم؛ فأنزل الله -تعالى-: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ)[الأنفال:19]،

واستنصر المسلمون الله الذي يُجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، واستغاثوه وأخلصوا له وتضرعوا إليه، فأوحى الله إلى ملائكته (أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ)[الأنفال:12].

وبدأت المعركة بالمبارزة، ثم حمى القتال، واشتدت رحى الحرب، وقام النبي -صلى الله عليه وسلم- في الناس، فوعظهم وذكرهم بما لهم في الصبر والثبات من النصر والظَفَرِ العاجل، وثواب الله في الآجل، وأخبرهم أنّ الله -سبحانه- قد أوجب لمن استُشهِدَ في سبيله الجنة.

حامل الراية

1ـ روى الطبري بسنده عن ابن عباس، أنه قال:كان المهاجرون يوم بدر سبعة وسبعين رجل، و كان الأنصار مائتين وستة و ثلاثين رجل، و كان صاحب راية رسول الله علي بن أبي طالب، و صاحب راية الأنصار سعد بن عبادة.

2ـ و قال ابن عبد البر المالكي:و أجمعوا على أن عليا عليه السلام صلى القبلتين، وهاجر وشهد بدرا والحديبية وسائر المشاهد، وأنه أبلى ببدر وباحد وبالخندق وبخيبر بلاء عظيم، وأنه أغنى في تلك المشاهد، وقام فيها المقام الكريم، وكان لواء رسول الله (ص) وآله بيده في مواطن كثيرة، و كان يوم بدر بيده.

3ـ و عنه أيض، عن ابن عباس، قال: دفع رسول الله (ص) الراية يوم بدر إلى علي وهو ابن عشرين سنة.

4ـ و روى ابن عساكر الشافعي، عن ابن عباس، قال:إن راية المهاجرين كانت مع علي علي (ع) في المواقف كلها يوم بدر ويوم احد ويوم خيبر ويوم الأحزاب ويوم فتح مكة، ولم تزل معه في المواقف كلها.

وقبل وقوع القتال انزل الله تعالى على نبيه (صل الله عليه وسلم): (وإن جَنَحُوا لِلسِّلمِ فاجنَح لَها…), فبعث (النبي صلى الله عليه وسلم) الى المشركين ينهاهم عن القتال، فوافق عتبة بن ربيعة وقال: ما رد هذا قومٌ فافلحوا… يا معشر قريش انّ محمداً ابن عمكم فخلوه والعرب.

فان يكُ صادقاً فأنتم أعلى عيناً به، وإن يكُ كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره, فأبى أبو جهل ولم يقبل بأقلّ من القتال, وكان علي (عليه السلام) حامل الراية في أول حرب يشارك فيها مع رسول الله (صل الله عليه وسلم)، وهي اول حروب النبي (صل الله عليه وسلم) أيضا

قاتل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) المشركين مع رسول الله (صل الله عليه وسلم) على كلمة التوحيد، وتنزيل الكتاب الكريم، وتثبيت دعائم النبوة ومبادئ‏ الإسلام العزيز، فكان لسيفه دور متميز، ولجهاده أثر واضح في أن تعم كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله الجزيرة العربية وما والاه، وكان لثباته مع الرسول (صل الله عليه وسلم) في كثير من المعارك التي عز فيها الناصر وقل فيها الصديق وكثر فيها العدو، أثر كبير في الانتصارات الكبرى التي عززت موقع الإسلام، وثبتت أركانه.

وصف المعركة

بداية المعركة يصفها لنا رافع مولى رسول الله (صل الله عليه وسلم) قال:”لما أصبح الناس يوم بدر اصطفّت قريش، أمامها ، عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وابنه الوليد ، فنادى عتبة رسول الله (صل الله عليه وسلم) يا محمد اخرج لنا أكفاءنا من قريش فبرز إليهم ثلاثة من شباب الأنصار فقال لهم عتبة: من أنتم؟ فانتسبوا فقال: لا حاجة لنا في مبارزتكم إنما طلبنا بني عمنا، فقال رسول الله (صل الله عليه وسلم) للأنصار ارجعوا إلى مواقفكم.

ثم قال: قم يا علي، قم يا حمزة، قم يا عبيدة، قاتلوا على حقكم الذي بعث الله به نبيكم فقاموا فصفوا في وجوههم وكان على رؤوسهم البيض فلم يعرفوهم ، فقال عتبة: من أنتم يا هؤلاء؟ تكلموا، فان كنتم أكفاءنا قاتلناكم فقال حمزة بن عبد المطلب : انا حمزة بن عبد المطلب ، أنا أسد الله وأسد رسوله فقال عتبة: كفء كريم.

وقال علي : أنا علي بن أبي طالب وقال عبيدة: أنا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب فقال عتبة لابنه الوليد : قم يا وليد أبرز لعلي وكان أصغر الجماعة سنّاً فاختلفا بضربتين أخطأت ضربة الوليد ووقعت ضربة علي (عليه السلام) على اليد اليسرى من الوليد فأبانتها، ثمّ ثنى عليه بأخرى فخرّ قتيلاً”, وبارز حمزة عتبة فقتله حمزة (عليه السلام) وبارز عبيدة شعبة، فأصاب سيف شعبة عضلة ساق عبيدة فقطعها فاستنقذه علي (عليه السلام) وحمزة (عليه السلام) وقتلا شيبة، وحُمِل عبيدة فمات بالصفراء.

وكان المهاجرون “يوم بدر سبعة وسبعين رجلاً وكان الأنصار مائتين وستة وثلاثين رجلاً، وكان صاحب راية رسول الله (صل الله عليه وسلم) علي بن ابي طالب (عليه السلام) فيكون مجموع المسلمين ثلاثمائة وثلاثة عشر مقاتلاً وكان معهم فرَسان وسبعون بعيراً فكان الرجلان والثلاثة يتعاقبون على بعير واحد وكان المشركون تسعمائة وخمسين رجلاً بصحبة مائتي فرس وسبعمائة بعير.

وبالرغم من اختلاف الروايات في عدد الذين قتلهم علي (عليه السلام) يوم بدر، إلا إن المرجّح تاريخيا إن أمير المؤمنين (علي كرم الله وجهه) قتل النصف ممن قُتل ببدر أو قريباً منه ، وكانوا من أكابر قريش وقادتهم عندها نادى منادٍ من السماء يوم بدر: “لا سيف الا ذو الفقار، ولا فتى الا علي”, يقول ابن شهر آشوب: “وجدت في كتاب المقفع قول هند:

أبي وعمي وشقيق بكري أخي الذي كان كضوء البدر

بهم كسرت يا علي ظهري

وكان من جملة من قتلهم علي (عليه السلام) يوم بدر من بني امية:

1- حنظلة بن ابي سفيان اخو معاوية.

2- العاص بن سعيد العاص.

3- عقبة بن ابي معيط.

4- الوليد بن عتبة اخو هند وخال معاوية.

5- ابا قيس بن الوليد أخا خالد بن الوليد.

واشترك في قتل:

6- عتبة وهو جد معاوية وهو اموي ايضاً.

وبذلك فقد قتل الإمام (علي كرم الله وجهه) في بدر وحدها من المشركين جد معاوية وخاله وأخاه وبعضاً من عشيرته وكان لذلك اثر بالغ في نفس ابن أبي سفيان بالخصوص والأمويين عموماً ضدّ أمير المؤمنين (علي كرم الله وجهه).

شهداء غزوة بدر

استشهدا في غزوة بدر أربعة عشر رجلاً من المسلمين 6 من المهاجرين و 8 من الأنصار هم :

عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف
عمير بن أبي وقاص بن أبي أهيب الزهري
ذو الشمالين عمير بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي
عاقل بن البكير من بني سعد بن ليث بن عبد مناة بن كنانة
مهجع العكي مولى عمر بن الخطاب
صفوان بن وهب بن ربيعة بن هلال الفهري
سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك الخزرجي
مبشر بن عبد المنذر بن علي زنبر الخزرجي الأنصاري.
يزيد بن الحارث – أو الحرث – بن قيس بن مالك الأنصاري الخزرجي
عمير بن الحمام بن الجموح بن زيد بن حرام الخزرجي الأنصاري
حارثة بن سراقة بن الحارث الأنصاري الأوسي النجاري،
رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة الخزرجي الأنصاري
عوف بن الحارث بن رفاعة بن سواد
معوذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد

الأسرى في معركة بدر

قتل في غزوة بدر 70 رجُلاً من كفار قريش وأُسر 70 آخرين, استشار النبي ﷺ أصحابه: ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟

فقال أبو بكر الصديق: «يا رسول الله قومك وأهلك، استبقهم واستأْنِ بهم لعل الله أن يتوب عليهم».

وقال عمر بن الخطاب: «يا رسول الله، أخرجوك وكذبوك، قرِّبهم فاضرب أعناقهم».

وقال عبد الله بن رواحة: «يا رسول الله، انظر واديًا كثير الحطب، فأدخلهم فيه ثم اضرم عليهم نارًا».

فقال رسول الله ﷺ: «إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، ثم قال: «أنتم عالة، فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق».

ثم نزل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

غنائم غزوة بدر

وقع خلاف بين المسلمين حول الغنائم، إذ لم يكن حكمها قد شُرِّع بعد، وعليه كان أمرها عُرضة لاختلاف وجهات النظر بينهم، فنزل القرآن الكريم بمشروعيتها وكيفية تقسيمها وتوزيعها، وفي ذلك قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}.

فالمسلمون لم يخرجوا عن كونهم بشر يختلفون؛ ولكنهم لمّا جاءهم الأمر الإلهي امتثلوا، حيث قسّمها رسول الله ﷺ: فأعطى أربعة أخماس الغنائم للجيش وتمَّ تقسيمها بالتساوي، واحتفظ بالخمس قسّمه فيما يراه هو منْ حاجات المسلمين.

نتائج الغزوة

أصبحت شوكة المسلمين قوية، وأصبحوا مرهوبين بين قبائل الجزيرة العربية كلها، وتعزَّزت مكانة الرَّسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وارتفع نجم الإسلام فيها، ولم يعد المتشكِّكون في الدَّعوة الجديدة، والمشركون في المدينة يتجرَّؤون على إظهار كفرهم، وعداوتهم للإسلام؛ لذا ظهر النِّفاق، والمكر، والخداع، فأعلنوا إسلامهم ظاهرًا أمام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

وازدادت ثقة المسلمين بالله تعالى وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. ودخل عددٍ كبيرٍ من مشركي قريشٍ في الإسلام، وقد ساعد ذلك على رفع معنويات المسلمين الَّذين كانوا لا يزالون في مكَّة، فاغتبطت نفوسهم بنصر الله، واطمأنَّت قلوبهم إلى أن يوم الفرج قريب، فازدادوا إيمانًا على إيمانهم، وثباتًا على عقيدتهم. كسب المسلمون مهارةً عسكريَّةً، وأساليبَ جديدةً في الحرب، وشهرةً واسعةً داخل الجزيرة العربيَّة، وخارجها.

أمَّا قريش، فكانت خسارتها فادحةً، فإضافةً إلى أنَّ مقتل أبي جهل بن هشام، وأميَّة بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وغيرِهم من زعماء الكفر؛ الَّذين كانوا من أشد القرشيِين شجاعةً، وقوةً، وبأسًا

لم يكن خسارةً حربيَةً لقريشٍ فحسب، بل كان خسارةً معنويَّةً أيضًا؛ ذلك : أنَّ المدينة لم تعد تُهَدِّدُ تجارتَها فقط، بل أصبحت تهدِّد أيضًا سيادتها ونفوذها في الحجاز كلِّه. وبذلك تعدُّ غزوة بدر رغم صغر حجمها معركة فاصلة في تاريخ الإسلام، ولذلك سماها الله عز وجل بيوم الفرقان، قال تعالى: { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ} [الأنفال: 41]، ففرق بها سبحانه بين الحق والباطل؛ فأعلى فيها كلمة الإيمان على كلمة الباطل، وأظهر دينه، ونصر نبيه وحزبه.

بقلم صوت ومحام آل البيت
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى