مقالات

في ١٧ رمضان.. سيف الغدر والخسة ينال من الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه

قلم وصوت ومحام آل البيت

الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

أمير المؤمنين الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه خير أهل الأرض فى ذلك الزمان، أعبدهم وأزهدهم، وأعلمهم وأخشاهم لله عز وجل، ومع هذا كله خذلوه وتخلوا عنه حتى كره الحياة وتمنى الموت، وذلك لكثرة الفتن وظهور المحن، فكان يكثر أن يقول: ما يحبس أشقاها، أى ما ينتظر؟ ماله لا يقتل؟ ثم يقول: والله لتخضبن هذه ويشير إلى لحيته من هذه ويشير إلى هامته

كما قال البيهقى : عن الحاكم ، عن الأصم ، عن محمد بن إسحاق الصنعاني ، ثنا أبو الحراب الأحوص بن جواب ، ثنا عمار بن زريق ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبى ثابت ، عن ثعلبة بن يزيد قال :

قال على : والذى فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه للحيته من رأسه فما يحبس أشقاها؟
فقال عبد الله بن سبع: والله يا أمير المؤمنين لو أن رجلا فعل ذلك لأبدنا عترته.
فقال: أنشدكم بالله أن يقتل بى غير قاتلى.
فقالوا: يا أمير المؤمنين ألا تستخلف؟
فقال: لا ولكن أترككم كما ترككم رسول الله ﷺ.
قالوا: فما تقول لربك إذا لقيته وقد تركتنا هملا؟.
أقول: اللهم استخلفتنى فيهم ما بدا لك، ثم قبضتنى وتركتك فيهم فإن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم.

ذكر ابن جرير، وغير واحد من علماء التاريخ والسير وأيام الناس: أن ثلاثة من الخوارج وهم: عبد الرحمن بن عمرو المعروف: بابن ملجم الحميرى ثم الكندي، حليف بنى حنيفة من كندة المصري، وكان أسمر حسن الوجه، أبلح شعره مع شحمة أذنيه، وفى وجهه أثر السجود.

والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكر التميمى أيضا – اجتمعوا فتذاكروا قتل على إخوانهم من أهل النهروان فترحموا عليهم.

وقالوا: ماذا نصنع بالبقاء بعدهم؟ كانوا لا يخافون فى الله لومة لائم، فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلال فقتلناهم فأرحنا منهم البلاد وأخذنا منهم ثأر إخواننا؟

فقال ابن ملجم: أما أنا فأكفيكم على بن أبى طالب.

وقال البرك: وأنا أكفيكم معاوية.

وقال عمرو بن بكر: وأنا أكفيكم عمرو بن العاص.

فتعاهدوا وتواثقوا أن لا ينكص رجل منهم عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه، فأخذوا أسيافهم فسمّوها واتعدوا لسبع عشرة من رمضان أن يبيت كل واحد منهم صاحبه فى بلده الذى هو فيه.

فأما ابن ملجم فسار إلى الكوفة فدخلها وكتم أمره حتى عن أصحابه من الخوارج الذين هم بها، فبينما هو جالس فى قوم من بنى الرباب يتذاكرون قتلاهم يوم النهروان إذ أقبلت امرأة منهم يقال: قطام بنت الشجنة.

قد قتل على يوم النهروان أباها وأخاها، وكانت فائقة الجمال مشهورة به، وكانت قد انقطعت فى المسجد الجامع تتعبد فيه.

فلما رآها ابن ملجم سلبت عقله ونسى حاجته التى جاء لها، وخطبها إلى نفسها فاشترطت عليه ثلاثة آلاف درهم وخادما وقينة، وأن يقتل لها على بن أبى طالب.

قال: فهو لك ووالله ما جاء بى إلى هذه البلدة إلا قتل علي، فتزوجها ودخل بها ثم شرعت تحرضه على ذلك وندبت له رجلا من قومها، من تيم الرباب يقال له: وردان، ليكون معه ردءا، واستمال عبد الرحمن بن ملجم رجلا آخر يقال له: شبيب بن نجدة الأشجعى الحرورى قال له ابن ملجم: هل لك فى شرف الدنيا والآخرة؟

فقال: وما ذاك: قال؟ قتل علي.

فقال: ثكلتك أمك، لقد جئت شيئا إذا كيف تقدر عليه؟

قال: أكمن له فى المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا.

فقال: ويحك لو غير على كان أهون عليّ؟ قد عرفت سابقته فى الإسلام وقرابته من رسول الله ﷺ، فما أجدنى أنشرح صدرا لقتله.

فقال: أما تعلم أنه قتل أهل النهروان؟

فقال: بلى.

قال: فنقتله بمن قتل من إخواننا.

فأجابه إلى ذلك بعد لأى ودخل شهر رمضان فواعدهم ابن ملجم ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت.

وقال: هذه الليلة التى واعدت أصحابى فيها أن يثأروا بمعاوية وعمرو بن العاص فجاء هؤلاء الثلاثة – وهم: ابن ملجم، ووردان، وشبيب، وهم مشتملون على سيوفهم فجلسوا مقابل السدة التى يخرج منها علي، فلما خرج جعل ينهض الناس من النوم إلى الصلاة.

ويقول: الصلاة الصلاة فثار إليه شبيب بالسيف فضربه فوقع فى الطاق، فضربه ابن ملجم بالسيف على قرنه فسال دمه على لحيته رضى الله عنه.

ولما ضربه ابن ملجم قال: لا حكم إلا لله ليس لك يا على ولا لأصحابك، وجعل يتلو قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } [البقرة: 207] .

ونادى علي: عليكم به، وهرب وردان فأدركه رجل من حضرموت فقتله، وذهب شبيب فنجا بنفسه وفات الناس، وُمسك ابن ملجم وقدم على جعدة بن هبيرة بن أبى وهب فصلى بالناس صلاة الفجر، وحمل على إلى منزله، وحمل إليه عبد الرحمن بن ملجم فأوقف بين يديه وهو مكتوف – قبحه الله – فقال له: أى عدو الله ألم أحسن إليك؟

قال: بلى.

قال: فما حملك على هذا؟

قال: شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه.

فقال له علي: لا أراك إلا مقتولا به، ولا أراك إلا من شر خلق الله.

ثم قال: إن مت فاقتلوه وإن عشت فأنا أعلم كيف أصنع به.

فقال جندب بن عبد الله: يا أمير المؤمنين إن مت نبايع الحسن؟

فقال: لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر.

ولما احتضر على جعل يكثر من قول لا إله إلا الله، لا يتلفظ بغيرها.

وقد قيل: إن آخر ما تكلم به: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّا يَرَهُ } [الزلزلة: 7]

وقد أوصى ولديه الحسن والحسين بتقوى الله والصلاة، والزكاة، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عن الجاهل، والتفقه فى الدين، والتثبت فى الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واجتناب الفواحش.

ووصاهما بأخيهما محمد بن الحنفية، ووصاه بما وصاهما به، وأن يعظمهما ولا يقطع أمرا دونهما وكتب ذلك كله فى كتاب وصيته رضى الله عنه وأرضاه

كان الإمام علي عليه السلام في يوم ١٧ من شهر رمضان يؤم المسلمين في صلاة الفجر في مسجد الكوفة، و في أثناء الصلاة ضربه عبد الرحمن بن ملجم بسيف مسموم على رأسه، فقال علي جملته الشهيرة: «فزت ورب الكعبة»،

إذ أن الإمام علي عليه السلام و هو ساجد ضربه اللعين ابن ملجم على رأسه بالسيف فصاح الإمام علي عليه السلام صلوات الله وسلامه عليه: فزت ورب الكعبة

فقال بعض من حضر ذلك: فرأيت بريق السيف وسمعت قائلاً يقول لله الحكم يا علي لا لك، ثم رأيت سيفاً ثانياً فضربا جميعاً، فأما سيف عبد الرحمن بن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق، وسمعت علياً يقول: لا يفوتنكم الرجل. وشد الناس عليهما من كل جانب، فأما شبيب فأفلت، وأخذ عبد الرحمن بن ملجم فأدخل على علي فقال: أطيبوا طعامه وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا أولى بدمه عفواً أو قصاصاً، وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين!

وأما شبيب بن بجرة، فإنّه خرج هارباً فأخذه رجل فصرعه وجلس على صدره، وأخذ السيف من يده ليقتله، فرأى الناس يقصدون نحوه، فخشي أن يعجلوا عليه فوثب عن صدره وخلاه، وطرح السيف عن يده ففاته، فخرج هارباً حتى دخل منزله، فدخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره، فقال له: ما هذا؟ لعلك قتلت أمير المؤمنين! فأراد أن يقول: لا، فقال: نعم، فمضى ابن عمه فاشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه حتى قتله.

حمل الإمام عليه السلام إلى داره بعد ضربه

لما ضرب أمير المؤمنين عليه السلام احتمل فأدخل داره فقعدت لبابة عند رأسه وجلست أم كلثوم عند رجليه ففتح عينيه فنظر إليهما فقال: الرفيق الأعلى خير مستقراً وأحسن مقيلاً.

وأخذ ابن ملجم فأدخل على علي، فقال أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا ولي دمي، عفو أو قصاص، وإن مت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين.

وقال ابن الاثير: أًدخل ابن ملجم على أمير المؤمنين عليه السلام، وهو مكتوف فقال: أي عدو الله ألم أحسن إليك، قال: بلى قال عليه السلام. فما حَملَك على هذا؟! قال ابن ملجم: شحذته أربعين صباحاَ “يقصد بذلك سيفه”، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه، قال علي عليه السلام: لا أراك إلا مقتولاً به، ولا أراك إلا من شر خلق الله، ثم قال عليه السلام: النفس بالنفس إن هلكت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي، يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين، تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا يُقتلن إلا قاتلي، انظر يا حسن إذا أنا متّ من ضربتي هذه، فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثـلن بالرجل، فإنّي سـمعت رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور.

وفي كتاب الخرائج قال عمرو بن الحمق: دخلت على علي عليه السلام، حين ضرب الضربة بالكوفة، فقلت: ليس عليك بأس إنّما هو خدش، قال: لعمري إنّي لمفارقكم، ثم أغمي عليه، فبكت أم كلثوم، فلما أفاق قال عليه السلام: لا تؤذيني يا أم كلثوم، فإنّك لو ترين ما أرى، إنّ الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض والنبيين يقولون انطلق يا علي فما أمامك خير لك مما أنت فيه.

لقد بقي الإمام علي عليه السلام يعاني من ضربة المجرم الأثيم ابن ملجم، ثلاثة أيام، عهد خلالها بالإمامة إلى ابنه الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، وطوال تلك الأيام الثلاثة كان عليه السلام يلهج بذكر الله، والرضا بقضائه، والتسليم لأمره، كما كان يُصدر الوصية تلو الوصية، داعياً إلى إقامة حدود الله عزوجل، محذراً من اتباع الهوى والتراجع عن حمل الرسالة الإسلامية.

كانت آخر وقعة خاضها الإمام علي عليه السلام هي معركة النهروان، حيث جابه فيها مجموعة من أنصاره الذين فرضوا التحكيم عليه في حرب صفين آنفاً ، لكنهم ندموا بعدة أيام، فنكثوا عهدهم وخرجوا من بيعة الإمام علي عليه السلام ، وقد عُرفوا هؤلاء فيما بعد باسم الخوارج أو المارقين ، فانتصر عليهم الإمام عليه السلام، وكان يتهيأ لقتال المتمردين في الشام – بعد أن فشل التحكيم عند اللقاء بين الحَكَمَين

وتقول بعض الروايات أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كان في الطريق إلى المسجد حين ضربه ابن ملجم ثم حمل على الأكتاف إلى بيته وقال: «أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، النفس بالنفس، إن هلكت، فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي» ونهى عن تكبيله بالأصفاد وتعذيبه. وجيء له بالأطباء الذين عجزوا عن معالجته فلما علم علي أنه ميت قام بكتابة وصيته كما ورد في مقاتل الطالبيين. ظل السم يسري بجسده إلى أن توفي بعدها بثلاثة أيام، تحديدا ليلة 21 رمضان سنة 40 هـ عن عمر يناهز 64 حسب بعض الأقوال.

وبعد مماته تولى عبد الله بن جعفر والحسن والحسين غسل جثمانه وتجهيزه ودفنه، ثم اقتصوا من ابن ملجم بقتله ولقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بعدها بشهيد المحراب

وعبد الرحمن بن ملجم لعنة الله أحد الخوارج كان قد نقع سيفه بسم زعاف لتلك المهمة. ويُروى أن ابن ملجم كان اتفق مع اثنين من الخوارج على قتل كل من معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب يوم 17 رمضان، فنجح بن ملجم في قتل علي وفشل الآخران.

تذكر العديد من كتب الحديث النبوي وكتب التاريخ أن محمد قد تنبأ بمقتل علي، وتعددت رواياتهم حول ذلك ومنها: «يا علي أبكي لما يُسْتَحَلُّ منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تريد أن تُصلِّي وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة صالح، يضربك ضربة على رأسك فيخضب بها لحيتك»

وفقا للشيخ المفيد فإن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام طلب من ابنه الإمام الحسن عليه السلام أن يدفنه سرا وأن لا يعرف أحد مكان دفنه، لكي لا يتعرض قبره للتدنيس من قبل أعدائه. وظل مدفن علي مجهولا إلى أن أفصح عن مكانه جعفر الصادق في وقت لاحق خلال الخلافة العباسية. وبحسب الرواية الأكثر قبولا عند الشيعة فإن علي بن أبي طالب دفن في النجف حيث بني مشهد ومسجد علي الموجود حتى الآن.

بعد مقتل الإمام علي عليه السلام

رحل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام تاركا خلفه الفتنة مشتعلة بين المسلمين، واستلم الخلافة من بعده ابنه الإمام الحسن بن علي عليهما السلام وبايعه الناس في الكوفة، واستمرت خلافته ستة أشهر، وقيل ثمانية، وانتهت خلافته فيما عرف بعام الجماعة بصلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية وتنازله عن الحكم حقنا لدماء المسلمين، ويقال أن قبوله للصلح يرجع لضعف موقفه حيث استطاع معاوية بسط نفوذه على الشام ومصر وكانت جيوش الحسن ضعفت بعد قتال الخوارج.

كما تذكر بعض المصادر أن أحد بنود الصلح كانت أن يكون الأمر بعد موت معاوية للإمام الحسن عليه السلام ثم لأخيه الإمام الحسين عليه السلام.

يذكر ابن كثير وابن الأثير أن الحسين بن علي كان رافضا صلح أخيه مع معاوية، وأنه كان يريد السير على نهج أبيه والقتال حتى النهاية، ومع إصرار أخيه الحسن الشديد سلم الحسين بالأمر، بعد وفاة الإمام الحسن عليه السلام ثم معاوية أعلن الإمام الحسين عليه السلام ثورته ضد يزيد بن معاوية، واستشهد الإمام الحسين عليه السلام في معركة كربلاء في مواجهة جيش يزيد .

تقول بعض المصادر أن في الفترة الأموية استحدثت سنة سب علي على المنابر حتى ابطلها عمر بن عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى