مقالات

حسام شاكر يكتب/ أشرب شاي

(إن كنت عايز ترتاح اشرب شاي الفلاح) جملة عفوية خرجت من تجارب كثير من الذواقين و(الكييفة) فمهما أحببت من الشاي فلن تجد حلاوة أفضل من الشاي المصنوع على (بصيص) من النار، فلاتوهم نفسك بشاي البوتاجاز أو السخان لأن الجودة والطعامة تسكن في شاي (الكانون) وأعلى رماد الحطب و(القوالح أو عضم الشامي) ومن هذا المنطلق كان للفلاحين دور كبير في أسباب الاحتفال باليوم العالمي للشاي إذ رأت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن إنتاج الشاي وتصنيعه مصدرًا رئيسًا من مصادر كسب العيش بالنسبة للملايين من الأسر على مستوى العالم فجعلت يوم 21 مايو يومًا عالميًا للشاي، وإذا سألتني ماذا يعني لك هذا اليوم أقول لك هو تذكير بأهمية الشاي واستمرار تجارته العابرة للقارات لفتح فرص أكبر من الربح وإتاحة عمل لكثير من الرجال والنساء، وربما لايعنينا ذلك كثيرًا في مصر لأننا اعتدنا فيه على الاستهلاك وليس الإنتاج، لكنه ثروة كبيرة لدول مثل الصين، والهند، وسيريلانكا، ونيبال، وإندونيسيا، وكينيا، واليابان وغيرهم أضف لذلك أني كلما احتسيت كوبًا من الشاي راودني معرفة أصله و”لبشه” أعني فصله فمع أول – شفطة- بصوت عالٍ (كييييف يابيه) تذكرت الصدفة التي جعلت شعوبنا كييفة والتي ترجع إلى قبل الميلاد؛ في عهد الإمبراطور الصيني “شن توانج” في “2727” ق.م، فقد كان من عادته أن يغلي الماء قبل شربه، وقد حدث وهو يشهد عملية غليان الماء أن سقطت ورقة جافة من إحدى الأشجار(شجرة الشاي) فانزعج، لكنه لاحظ أنها غيرت لون الماء، فوضع أوراقاً أخرى، فأعجبه اللون فذاقه، فكان ذلك الإمبراطور أول شريب للشاي في العالم، ويقال: إن “جنكيز خان” قد نقل الشاي في غزواته من آسيا لأوروبا، وبدأ الشاي ينتقل من مكان لآخر، وعندما عرفه امبراطور اليابان قبل 185 عام ق.م، جعله خاصًا بالأسرة المالكة، وكان يقيم له الحفلات، وهو مانطلق عليه الآن في بعض المؤتمرات – حفلة شاي –، لكن مع بداية القرن الثاني عشر انتشر تحضير الشاي أو “السادو” – كما في اللغة اليابانية- ، ودخل المعابد الدينية حين أحضره راهب بوذي اسمه “إيساي” وهو عائد من الصين، وتناوله الرهبان ليتمكنوا من اليقظة فترات طويلة يتعبدون خلالها، ومع هذا الدخول الديني أصبح لـ”السادو” طقوس في تحضيره وطريقة تناوله وحتى مكانه، إذ يحضّر الشاي أمام الضيوف، ولعل ذلك يعود إلى ولع اليابانيين بالاستعراض في فنون الطهي وتحضير المشروب ما جعل “السادو” يُعدُّ طقسًا استعراضيًا بامتياز وتقليدًا متوارثًا، ثم جاء القرن السادس عشر؛ فأضاف أستاذ فن الشاي الياباني “سين ريكيو” الكثير من الملامح لهذا الطقس الإمبراطوري، فقد كان “سين ريكيو” هو مُعدّ الشاي الخاص للقائد “أودا نوبوناغا” أول موحد لبلاد اليابان، وبعد موت “أودا” التحق ببلاط القائد “تويوتومي هيده يوشي” لإعداد الشاي؛ فأسهم في نشر ثقافة “السادو” بعد أن لاقت نجاحاً في البلاط الملكي، ومعابد الرهبان؛ الأمر الذي جعل الشعب الياباني يتمسك بهذا التقليد الذي تطور خلال ستة قرون، فأقيمت في المنازل اليابانية غرف مخصصة للشاي بأثاث تقليدي، كما فُتحت في المدن بيوت للشاي التي لا يقدم فيها مشروب سواه وفق طقوس معتادة، وتتمثل هذه الطقوس في نوعين: الأول يسمى (التاتامي) ويحضر الشاي فيها والضيوف جالسون على الحصيرة اليابانية، أما الثاني (الريو ريه) فيحضّر على منضدة مخصصة للإعداد والضيوف حولها، ويقوم طقس الشاي على أربع قواعد أساسية وضعها ريكيو: وهي التناغم، والاحترام، والنقاء، والسكون، فمثلاً تكون حركة ذراع من يقدم الشاي مستقيمة بما يوحي بالاحترام في حضرة الشاي، ويكون ملء أكواب الشاي بأسلوب فريد كأن يُملأ القدح الأول إلى الربع والثاني إلى النصف والثالث إلى ثلاثة أرباع، ثم يعاد ملء القدح الأول والثاني والثالث، وتتميز هذه الطريقة بالتناغم بحيث يكون الشاي في الأكواب بلون واحد وتركيز واحد، كما يُستعمل في طقس “السادو” الشاي الأخضر المسحوق والمتخذ من أوراق الشاي المجففة، ولقد انتشرت في اليابان دروس خصوصية لتعلم “السادو”، ونقلت إلى البلدان التي ولعت بثقافة الشاي، ولمكانة الشاي في الصين فقد كانوا يشترطون فيه قديماً أن تكون جامعات أوراق الشاي فتيات عذراوات صغيرات السن، يتعطرن قبل أن يبدأن في الجمع ويرتدين فساتين مزركشة وجديدة، وقفازات جديدة يومياً، وأضاف له الوطن العربي نكهات جديدة بأن يشرب مع النعناع حتى تكون له رائحة عطرية جذابة واشتهرت الهند بكثرة أنواعه وبزراعاته .

وذكر أنيس منصور في كتابه حول العالم في 200 يوم: أن أول امرأة في العالم خلطت الشاي باللبن هي “مدام سابلية” في1680م، وكان الأوربيون ولايزال العديد منهم يشربونه بدون سكر؛ حفاظا على صحتهم، ونحن الآن نحذو حذوهم .. لكن حفاظًا على جيوبنا. ‏

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى