مقالات

عماد نصير يكتب: هيبة شهر رمضان

 
دائما ما يتغنى المصريون باختلاف شكل شهر رمضان وقالبه العام في بلدهم عن أي من بقاع الدنيا، البعض منهم يرجع ذلك ربما لبعض العادات والتقاليد التي يتسم بها المصريون دون غيرهم كماً وموضوعاً، كموائد يقيمها أهالي القرى على الطريق، يدعون المسافر إليها بالترغيب والترحيب، وربما يرجع ذلك لكم الزينة والأنوار التي لا يكاد يخلو منها شارع في ربوع مصر بمحافظاتها ووجها القبلي والبحري، والتي يشارك في مختلف فئات المجتمع، فكما هي في الأحياء البسيطة تجدها أيضاً في التجمعات السكانية الراقية، بل وأكثر من ذلك حيث تجد قساوسىة وكنائس وشباب مسيحيون يشاركون في الابتهاج بقدوم رمضان، وهو ما يسمى بالحالة المصرية الفريدة.
كل ما سبق وغيره الكثير والكثير من النماذج والأمثلة، بمثابة تفرد وحالة غير متكررة في الاحتفال بشهر رمضان المبارك، يلاحظها الزائر لمصر بل وتشد انتباهه بشكل كبير، وذلك بالرغم من أن المجتمعات العربية تكاد تكون متشابهة في العديد من سلوكيات وعادات وطقوس شعبها في المناسبات، إلا أن لشهر رمضان خصوصية فعلا لا يميزها إلا من عاش خارج مصر أو زائريها، وهذا أمر طبيعي.
غير الطبيعي هنا هو ما أضيف إلى قوائم التفرد المصرية في شهر رمضان مؤخراً، وهنا لا نخص مظاهر الاحتفال وحسب، بل الحديث هنا عن الشخصية والسلوك والسمات المجتمعية، حيث أصبحنا نحصي نفس نوعية الجرائم التي نشاهدها على مدار السنة في شهر رمضان أيضاً، لا فرق هنا بين حرمة الشهور وأفضليتها ورووحانيتها، فالكثير والكثير من قصص السرقة والقتل والتحرش والمشاجرات والإفطار العلني وتجاوز الخطوط المجتمعية الحمراء،  وغيرها من الجرائم والسلوكيات السلبية التي لم يجد فاعلوها حرجاً من القيام بها في شهر رمضان، ولم يعد للشهر الكريم خصوصية ولا تفرد، وهنا أستحضر كلمة قالها أحدهم “ضاعة هيبة الشهر”.
قد يقول قائل أن هذه نظرة تشاؤمية، أو أن كل المجتمعات بها ما بها وتعج أيضاً بصنوف السلوكيات غير السوية، والرد على هؤلاء سهل وبسيط، فمجتمع نتغنى به وبصفاته وأفعاله وخصاله، لا سيما في شهر رمضان يكون لافت للنظر أي سوء يطرأ عليه أو عارض سلبي، مثله في هذا كمثل الثوب الأبيض الذي طاله شيء مستقذر، حيث تجده يجذب الانتباه بغض النظر عن كمية البياض من حوله.
سلوكيات الناس في رمضان باتت تستحق الدراسة، فالتحول الكبير الذي دخل على السلوك الجماعي للشعب المصري أمر ليس بهين وله ما بعده، ربما يعزي البعض ذلك إلى تراجع دور البرامج الدينية والتوعوية والمسابقات والأعمال الدرامية الدينية، التي كانت تزدهر على خارطة التليفزيون لا سيما في فترة التسعينيات من القرن الماضي، وهذا إسقاط معتبر، وربما يعزي البعض الآخر ذلك إلى تفشي حمى “سلطة الذات” التي ينتهجها الخارجون على القانون، حيث بات من العيب الرجوع للقانون أو اللجوء لأجهزة الدولة، وبات للعزوة والشللية والبلطجة دور ملحوظ في استرداد الحق، وبالتبعية انسحب ذلك على شهر رمضان كما هو الحال مع باقي شهور السنة، فلم يعد رمضان استثناءً ولم يعد للشهر اعتباره ولا قدسيته كما هو الحال فيما مضى وبالبلدي “فقد الشهر هيبته”.
ما بات عليه الحال من سلوكيات ليس بأمر فطري، فلسنا بمختلفين عن غيرنا، ولا نملك دون غيرنا جينات السوء، ولسنا بأقل من غيرنا حضارة وتحضراً، إلا أنه مما لا يخفى على أحد أن العقل الجمعي دائماً ما يحتاج إلى توجيه وإرشاد، وهنا يبدأ دور الدولة وتلوح في الأفق مسؤوليتها تجاه شعبها، فالدول تزرع في شعوبها ما يخدم مصالحها وهو ما يسمى في علم النفس “سيكولوجية الجماهير”، فتحريك الشعوب تجاه قضية أو فضيلة ما أمر ليس بالصعب، بل يحتاج فقط إلى إرادة ودراية بالنقطة التي تستحق العلاج، بأن تضع الدولة يدها على مركز الضرر ومسبباته.
الأمر بات من الخطورة بمكان، ولعل شهر رمضان جاء كاشفاً للعديد من السلوكيات التي كانت في الماضي خطوط حمراء، ولعلنا نستدرك ما نلمسه بأيدينا من تغير في السلوك الجماهيري، ونسعى لتطوير ذلك ونجتهد في تحجيم الانفلات السلوكي وإرجاعه إلى سماته الجميلة السابقة، ولعلنا نبدأ بإنتاج العديد من الأعمال الدرامية والبرامج التليفزيونية التي تتناول القيم ومكارم الأخلاق لدى الصحابة والعلماء والنوابغ من أبناء ديننا ووطنا بمختلف طوائفه، لنحاول من خلال السرد الوسطي الهادف وغير المغالي أو المتشدد، أن نقوم ما بات أعوجاً في السلوك الجماهيري، ولنبقى على دراية بماهية ما يستقي منه الجيل الحال من معلومات وسلوكيات، حتى نوفر له الاكتفاء التعليمي والقيمي، لنضمن أن لا يعوض نقصه من إناء فكري مختلف، فنضطر مستقبلاً أن نعالج دائين لا داء واحد، ربما يستعيد الشارع بعضاً من سماته الطيبة، وقتها فقط ربما تعود للشهر الكريم هيبته.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى