فى مثل هذا اليوم اسودت الدنيا وانطفى نورها بوفاه سيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه الصلاه والسلام
قلم وصوت ومحام آل البيت
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
فى مثل هذا اليوم شهدت الدنيا أسود يوم مر بها وفاة سيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين نبينا وحبيبنا وشفيعنا وقائدنا وقدوتنا واسوتنا وجدنا المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذى توفى 8 يونيو لعام 632 ميلاديا ، الموافق 12 ربيع الأول للعام الـ 11 من الهجرة، عن عمر 63 عاما.
لم تكن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حدثًا هينًا على المسلمين؛ فبوفاته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي عن الأرض، ولأن هذا الحدث جلل في السيرة النبوية، لابد لكل مسلم من الاطلاع على تفصيلاته، وذلك ليستشعر ما مر به الصحابة حينها، وليطلع على آخر ما قاله وأوصى به صلى الله عليه وسلم، كما أن المحب للرسول صلى الله عليه وسلم لابد وأن يدرس سيرته ويعرفها، وإن وفاته صلى الله عليه وسلم جزء لا يتجزأ من سيرته؛ فقد ظل الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا ويوصينا إلى آخر لحظة في حياته، وقد كان كل سلوكه سيرة نقتدي بها،
واخر خطبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واخر كلمات لرسول الله صلى الله عليه وسلم واخر دعاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال النبي : ((ايها الناس كأنكم تخافون علي)) قالوا: ((نعم يا رسول الله)) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ايها الناس موعدكم معي ليس الدنيا، موعدكم معي عند الحوض، والله ولكأني انظر اليه من مقامي هذا، ايها الناس والله ما الفقر اخشى عليكم ولكني اخشى عليكم الدنيا ان تتنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم فتهلككم كما اهلكتهم)) ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((ايها الناس الله الله بالصلاة الله الله بالصلاة)) تعني (حلفتكم بالله حافظوا على الصلاة) فظل يرددها ثم قال: ((ايها الناس اتقوا الله في النساء، اوصيكم بالنساء خيراً)) ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((ايها الناس ان عبداً خيّره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله)) فما احد فهم من هو العبد الذي يقصده فقد كان يقصد نفسه ان الله خيّره ولم يفهم سوى ابو بكر الصديق وكان الصحابة معتادين عندما يتكلم الرسول يبقوا ساكتين كأنه على رؤوسهم الطير فلما سمع ابو بكر كلام الرسول لم يتمالك نفسه فعلا نحيبه (البكاء مع الشهقة) وفي وسط المسجد قاطع الرسول وبدأ يقول له: ((فديناك بأبائنا يا رسول الله فديناك بأمهاتنا يا رسول الله فديناك بأولادنا يا رسول الله فديناك بأزواجنا يا رسول الله فديناك بأموالنا يا رسول الله)) ويردد ويردد فنظر الناس إلى ابو بكر شزراً (كيف يقاطع الرسول بخطبته) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((ايها الناس فما منكم من احد كان له عندنا من فضل الا كافأناه به إلاّ أبي بكر فلم استطع مكافأته فتركت مكافأته إلى الله – تعالى عز وجل – كل الابواب إلى المسجد تسد إلاّ باب أبي بكر لا يسد ابدا .
ثم بدأ يدعي لهم ويقول آخر دعوات قبل الوفاة : (( رعاكم الله حفظكم الله نصركم الله ثبتكم الله ايدكم الله حفظكم الله )) واخر كلمة قبل ان ينزل عن المنبر موجهة للأمة من على منبره : (( ايها الناس اقرؤوا مني السلام على من تبعني من امتي إلى يوم القيامة )) وحُمل مرة اخرى إلى بيته .

دخل عليه وهو بالبيت عبد الرحمن ابن أبي بكر وكان بيده سواك فظل النبي ينظر إلى السواك ولم يستطع ان يقول اريد السواك فقالت عائشة : (( فهمت من نظرات عينيه انه يريد السواك فأخذت السواك من يد الرجل فأستكت به (أي وضعته بفمها) لكي الينه للنبي واعطيته اياه فكان اخر شي دخل إلى جوف النبي هو ريقي)) (ريق عائشة) فتقول عائشة: كان من فضل ربي عليّ انه جمع بين ريقي وريق النبي قبل ان يموت .
ثم دخلت ابنته فاطمة فبكت عند دخولها بكت ؛ لأنها كانت معتادة كلما دخلت على الرسول وقف وقبلها بين عينيها ولكنه لم يستطع الوقوف لها فقال لها الرسول: (( ادنِ مني يا فاطمة)) فهمس لها بأذنها فبكت ثم قال لها الرسول مرة ثانية: ((ادنِ مني يا فاطمة )) فهمس لها مرة اخرى بأذنها فضحكت فبعد وفاة الرسول سألوا فاطمة : (( ماذا همس لك فبكيتي وماذا همس لك فضحكت!)) قالت فاطمة: ((لأول مرة قال لي يا فاطمة اني ميت الليلة فبكيت! ولما وجد بكائي رجع وقال لي: انت يا فاطمة اول أهلي لحاقاً بي فضحكت …

فقالت السيدة عائشة: (( كان يرفع يده للسماء ويقول (بل الرفيق الاعلى بل الرفيق الأعلى) فتعرف من خلال كلامه انه يُخّير بين حياة الدنيا او الرفيق الأعلى ))
فدخل الملك جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال : (( ملك الموت بالباب ويستأذن ان يدخل عليك وما استأذن من احد قبلك)) فقال صلى الله عليه وسلم له : (( آذن له يا جبريل)) ودخل ملك الموت وقال: (( السلام عليك يا رسول الله أرسلني الله اخيرك بين البقاء في الدنيا وبين ان تلحق بالله )) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( بل الرفيق الاعلى بل الرفيق الاعلى)) وقف ملك الموت عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم (كما سيقف عند رأس كل واحد منا) وقال: (( ايتها الروح الطيبة روح محمد بن عبدالله اخرجي إلى رضى من الله ورضوان ورب راضي غير غضبان .
تقول السيدة عائشة: (( فسقطت يد النبي وثقل رأسه على صدري فقد علمت انه قد مات)) وتقول : ((ما ادري ما افعل فما كان مني إلاّ ان خرجت من حجرتي إلى المسجد حيث الصحابة وقلت :
مات رسول الله مات رسول الله مات رسول الله فانفجر المسجد بالبكاء فهذا علي إبن أبي طالب أُقعد من هول الخبر، وهذا عثمان بن عفان كالصبي يأخذ بيده يميناً ويساراً وهذا عمر بن الخطاب قال: اذا احد قال انه قد مات سأقطع راسه بسيفي انما ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى للقاء ربه اما أثبت الناس كان ابو بكر – رضى الله عنه- فدخل على النبي وحضنه وقال : واخليلاه واحبيباه واابتاه وقبّل النبي وقال: طبت حياً وطبت ميتاً فخرج ابو بكر – رضى الله عنه – إلى الناس وقال: من كان يعبد محمد فأن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فان الله باقٍ حي لا يموت ثم خرجت ابكي وابحث عن مكان لأكون وحدي وابكي لوحدي

وكانت وفاة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في المدينة المنورة، في حُجرة السيدة عائشة -رضي الله عنها-، بل جاء بالخبر الصحيح أنّه قُبض -عليه الصلاة والسلام- ورأسه على فخذ عائشة رضي الله عنها.
غسّل النبيَّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعد وفاته أهلُ بيته، وعُصبته من بني هاشم، وهم: ابن عمّه علي بن أبي طالب، وعمّه العبّاس مع ابنَيه: الفضل، وقثم، وأسامة بن زيد، وشقران مولى النبيّ -رضي الله عنهم جميعاً-، وتمّ تغسيله، وثيابه عليه، ولم تُنزَع عنه، فقد رُوِي عن السيّدة عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (لمَّا أرادوا غسلَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالوا: واللَّهِ ما ندري أنُجرِّدُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ من ثيابِهِ كما نجرِّدُ مَوتانا، أم نَغسلُهُ وعلَيهِ ثيابُهُ؟ فلمَّا اختَلفوا ألقى اللَّهُ عليهمُ النَّومَ حتَّى ما منهم رجلٌ إلَّا وذقنُهُ في صَدرِهِ، ثمَّ كلَّمَهُم مُكَلِّمٌ من ناحيةِ البيتِ لا يَدرونَ من هوَ: أن اغسِلوا النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وعلَيهِ ثيابُهُ). وباشر عليّ غسلَ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وحده، وأسنده إلى صدره، وكان يقول وهو يُغسّله: “ما أطيبك يا رسول الله حيّاً وميتاً”، أمّا العبّاس وابناه: الفضل، وقثم فكانوا يُقلّبون النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان أسامة وشقران يصبّان الماء، وشَهد الغسل أوس بن خولي من بني عمرو بن عوف من الخزرج؛ فقد طلب ذلك من عليّ فأذن له، وتمّ تكفين النبيّ -صلّى الله عله وسلّم- بثلاثة أثوابٍ من القطن دون نزع ثيابه عنه .
و بعد أن انتهى الصحابة -رضي الله عنهم- من تغسيل النبيّ -صلى الله عليه وسلّم-، وتكفينه، وضعوه في بيته على سريره؛ ليُصلّى عليه، وقد صلّى عليه المسلمون فُرادى من غير إمامٍ يؤمّهم؛ بحيث تدخل جماعةٌ من الناس تصلّي عليه وتخرج، فصلّى عليه الرجال، ثمّ النساء، ثمّ الصبيان،وقد دُفِن النبيّ في مكان فراشه في المكان الذي قبض الله فيه روحه الطاهرة، وتمّ إدخال النبيّ إلى القبر من جهة القبلة، وجُعِل قبره مُسطَّحاً غير بارزٍ، ورشّ بلال بن رباح -رضي الله عنه- الماء على قبره ابتداءً بالشقّ الأيمن لرأس النبيّ الكريم، وانتهاءً بقدميه الشريفتَين، وكان الدفن ليلة الأربعاء، وقد نزل في قبره: علي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وأخوه قثم، وشقران مولى النبي، وقيل أسامة بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، فكانوا هم من دفنوا النبي.
حدثت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد أن قام بحجة الوداع ، حيث كانت آخر كلمات القاها النبي ، في هذه الحجة اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ، و رضيت لكم الإسلام دينا ، و حينها قد بكى صاحبه أبو بكر الصديق ، عند سماع تلك الآية و قد عرف أنها نعي رسول الله .
يمكن القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم توفى حين اشتد الضحى من يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة في يوم لم ير في تاريخ الإسلام أظلم منه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت يوماً كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الدارمي والبغوي.
وقد حكى أنس عن ذلك اليوم فقال: بينما هم في صلاة الفجر يوم الاثنين وأبو بكر يصلي بهم لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، فقال أنس وهمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم، فرحاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليهم بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر. رواه البخاري.
هذا ولم يأت على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة أخرى بل بدأ الاحتضار، فأسندته عائشة إليها وكانت تقول رضي الله عنها: إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل عبد الرحمن -ابن أبي بكر- وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك، فأشار برأسه أن نعم فتناولته فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته. رواه البخاري.
وما أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من السواك حتى رفع يده أو إصبعه وشخص بصره نحو السقف وتحركت شفتاه فأصغت إليه عائشة وهو يقول: مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى. كرر الكلمة الأخيرة ثلاثاً، ومالت يده ولحق بالرفيق الأعلى، إنا لله وإنا إليه راجعون.
ودخل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على أم أيمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يتفقدانها، فوجداها تبكي، فقال لها أبو بكر: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله، قالت: والله ما أبكي أن لا أكون أعلم ما عند الله خير لرسوله، ولكن أبكي أنّ الوحي انقطع من السماء، فهيَّجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان.
وكان بلال رضي الله عنه يؤذن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وقبل دفنه فإذا قال: أشهد أن محمدا رسول الله ارتج المسجد بالبكاء والنحيب.
ولما دفن قالت فاطمة رضي الله عنها: يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟!. أفاطم إن جزعت فذاك عذر ** وإن لم تجزعي ذاك السبيل لقد عظمت مصيبتنا وجلت عشية قيل قد قبض الرسول وأضحت أرضنا مما عراها تكاد بنا جوانبـــــــها تميل فقدنا الوحي والتنزيل فينا ** يروح به ويغدو جبــــــرئيل وذاك أحق ماسالت عليه **نفوس الناس أو كادت تســـــيل