مقالات

إثيوبيا تبدأ عملية الملء الثاني للسد بالإرادة المنفردة.. ومصر والسودان وقعتا في شرك الخديعة

بقلم عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

في وقت قبلت مصر بسد النهضة ووقعت على إتفاقية المبادئ ، متمسكه بحقوق كفلها القانون الدولي واقرتها المواثيق الدولية ، بحتميه إجراء تقييم للأثر البيئي والاجتماعي يراعي مخاوفها المتعلقة بجوانب ملء السد ، إذ أن مصر تريد التأكد من أن تدفّق مياه النهر إلى أراضيها لن يتأثر لدى قيام إثيوبيا بإعادة ملء خزان السد خلال فترات الجفاف المطولة، حين يتراجع منسوب مياه النيل الأزرق بسبب انخفاض معدل هطول الأمطار ،الا أن عناد إثيوبيا الذي حال دون التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض ،

وما زاد الأمور سوءاً قيام إثيوبيا بالمماطلة في السماح بإجراء تقييم للأثر البيئي والاجتماعي للسد، وهو شرط يفرضه القانون الدولي عند تنفيذ مثل هذه المشاريع. وفي هذا الإطار، كرر الإثيوبيون مراراً تأكيدهم على أن المسألة تتعلق بسيادة بلادهم ، وعازمون على الملء الثاني للسد سواء وصلوا إلى إتفاق مع الجانب المصري والسوداني من عدمه،ضاربين بقواعد القانون الدولي واتفاقية المبادئ والوساطات الدولية عرض الحائط.

سد النهضة الإثيوبي ، الذي تسير أعمال بنائه على قدم وساق على الرغم من عدم التوصل إلى إتفاق ملزم بين إثيوبيا ومصر والسودان حول مدى وحجم تشغيله والقواعد التي يجب أن تتقيد بها إثيوبيا ، في حين أن النيل الأزرق، الذي بني السد على ضفتيه، هو المصدر الرئيسي الذي يغذي نهر النيل، ويزود البلاد بالكمية الأكبر من المياه التي تعتمد عليها اعتماداً كبيراًً

دول المصب كلا من مصر والسودان تصران على ملء الخزان بوتيرة بطيئة وخلال فترة تتراوح بين 12 و21 سنة لعدم تعريض أمن مصر المائي للخطر، فيما السلطات الإثيوبية تصر على إنجاز هذه العملية خلال هذا الصيف من أجل زيادة قدرتها على توليد الطاقة الكهربائية،

الأمر الذي شك معه المتابعين ودول المصب أن إنشاء السد ليس لهدفي تنموي، وانما هدفه سياسي بحت ، وتنفيذاً لاجندات لها اهدافها الخاصة في الأضرار بالأمن القومي المصري.

يدرك المتابعين والقوى الدولية والإقليمية والمنظمات الدولية أنه إذا تحول الخلاف المصري السوداني-الإثيوبي حول السد إلى نزاع عسكري، فسيدفع المواطنون السودانيون المقيمون في المناطق الحدودية ثمناً أكبر من نظرائهم الإثيوبيين بسبب إتجاه تدفق المياه. لهذا السبب، من مصلحة السودان التوصل إلى حل سلمي للخلاف، وبالتالي دعم الجانب المصري المدعوم بجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الخليجي وقوى ومنظمات دولية.

العالم يخشى الصدام بسبب أزمة السد وهو ما يؤثر بالسلب على القارة الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط ومصالح القوى الدولية ، وهذا ما أشار له قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكنزي، خلال مقابلة أجرتها معه قناة “النيل للأخبار” المصرية يوم الجمعة الماضي إن “سلوك إثيوبيا نحو المشكلة الآن يقلقنا، فنحن ندرك الأهمية الفريدة للنيل بالنسبة لمصر ، ليس فقط من الناحية الثقافية بل الموارد المائية والإقتصاد عموما.

وأعرب ماكنزي عن اعتقاده أن “مصر تمارس قدرا هائلا من ضبط النفس، وهي تحاول التوصل لحل دبلوماسي وسياسي لمشكلة حقيقية، وأكد إستمرار أمريكا في محاولة إيجاد حل لمشكله السد ، يكون مناسبا لكل أطراف النزاع”.

من جانبه طالب الإتحاد الأوروبي بضرورة التوصل إلى إتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا في قضية سد النهضة، قبل شروع أديس أبابا في الملء الثاني للسد.

أكدت وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي، يوم الجمعة الماضي، رفضها الانزلاق في أي مواجهات عسكرية لحل قضية سد النهضة رغم أنه تحول لسلاح وخطر ضد السودان، واصفة الملء الأول للسد العام الماضى بأنه “طعنة في الظهر” من جانب إثيوبيا.

المتابع لملف السد يدرك أنه لا يجب ترك البلدين (مصر والسودان وإثيوبيا) في الوضع الراهن لحالهما، وإلا سيكون لذلك عواقب على الإستقرار الأمني في المنطقة وأفريقيا ككل

مصر والسودان سعيا إلى حل المسألة بالطرق الدبلوماسية وبالتفاوض وبالوساطات الدولية ، ولم يجدوا للان بعد الصيغة الرابحة لمسألة مياه النيل، والتي تجنبهم الخوض في غمار تجربة متوترة عسكرياً أو سياسياً مع أثيوبيا والدول التي تدعمها،

مصر والسودان قد استهلكت كل الحلول الدبلوماسية، في ظل تعنت إثيوبي شديد للغاية ومراوغة ورفض مطلق لأي إتفاق ملزم الأمر معه يؤكد للجميع أن مسألة إنشاء السد وتشييده ليس للتنمية ،وهناك تعمد للأضرار بالأمن القومي المصري والسوداني ، ومحاولة جرهم إلى مشاكل وحروب معها.

السد ماهو إلا “مؤامرة”، ومصر “وقعت في شرك الخديعة” بتوقيعها على إتفاقية المبادئ في2015 ، في وقت تحاول مصر والسودان والوصول إلى إتفاق ملزم في هذا السياق ، من دون المزيد من التوتر الذي تبدو أثيوبيا ساعية إليه في المرحلة الحالية.

أمس الإثنين أخطر الجانب الإثيوبي الدكتور محمد عبدالعاطي، وزير الموارد المائية والري بخطاب رسمي ، يفيد ببدء إثيوبيا في عملية الملء للعام الثاني لخزان سد النهضة.

ومعه أخطر الوزير محمد عبدالعاطي بخطاب رسمي الوزير الإثيوبي برفض مصر القاطع لهذا الإجراء الأحادي الذي يعد خرقا صريحا وخطيرا لاتفاق إعلان المبادئ ، كما أنه يعد انتهاكا للقوانين والأعراف الدولية التي تحكم المشروعات المقامة على الأحواض المشتركة للأنهار الدولية، بما فيها نهر النيل، وتنظم استغلال موارده اتفاقيات ومواثيق تلزم إثيوبيا باحترام حقوق مصر ومصالحها المائية وتمنع الإضرار بها.

وارسلت “وزارة الخارجية المصرية” أرسلت الخطاب الموجه من وزير الموارد المائية والري إلى الوزير الإثيوبي، إلى رئيس مجلس الأمن بالأمم المتحدة لإحاطة المجلس– والذي سيعقد جلسة حول قضية سد النهضة يوم الخميس المقبل- بهذا التطور الخطير والذي يكشف مجددا عن سوء نية إثيوبيا واصرارها على إتخاذ إجراءات أحادية لفرض الأمر الواقع وملء وتشغيل سد النهضة دون إتفاق يراعي مصالح الدول الثلاث ، ويحد من أضرار هذا السد على دولتي المصب، وهو الأمر الذي سيزيد من حالة التأزم والتوتر في المنطقة، وسيؤدي إلى خلق وضع يهدد الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمي والدولي».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى