مقالات

عماد نصير يكتب: الذائقة الشعبية.. على من تقع المسؤولية

بات الوضع الغنائي ولن نقول الطربي، في وجهة الفن العربي، وقبلة الغناء، وبوصلة الموسيقى والطرب، محبطاً بشكل كبير، بل ويدعوا إلى تساؤل مشروع ومنطقي لكنه ربما أصبح متخراً كثيراً، من المسؤول عن هذه الموجة الضاربة بكل قواعد الفن والطرب والموسيقى والكلمات، في مصر عرض الحائط؟.

لعل الناظر إلى الوضع الراهن، حيث باتت المقاطع الحركية “ولن أسميها أغاني”، والمعروفة بـ “المهرجانات”، تحتل واجهة الموسيقى والغناء في مصر، وربما يعزي البعض هذه الظاهرة وانتشارها وطغيانها على الذائقة الشعبية “إجباراً” واختياراً، “وسنأتي فيما بعد على جزئية الإجبار”، لوسائل التواصل الاجتماعي والفضاء الإلكتروني والعوالم الافتراضية، فضلاً عن وجود العديد من البرامج والتطبيقات المتاحة بصورة مجانية، والتي تقوم بدور “الاستوديو”، بالإضافة لبعض محسنات الصوت، أ”و حتى بدونها”، وبعض الدقائق المعدودة في أي “قهوة بلدي” على غرار “الريس ستموني”، وما هي إلا ساعات ونكون على موعد مع “مهرجان” جديد ونجم جديد ينضم إلى أعضاء “جراج” السيارات الفارهة.

لن نتناول ما تدفعه البرامج المعروفة من أموال طائلة، نظير المحتوى والمشاهدات والإعلانات، وسر الإقبال والانتشار للمهرجانات، فالفضائح الأخيرة لبعض مشاهيرها جعلتنا نستوعب فداحة الأمر، ودوافع إقبال بعض الشباب على القيام بالمغامرة “المحسوبة”، كون الذائقة الشعبية يحتل قمة هرمها الشباب، وهم بالطبع وقود تلك المعركة اللافنية، التي لا تفرق بين غث وسمين، بل تكتفي ببعض الموسيقى، والكلمات التي تخرج من أي حنجرة، فليس المهم الصوت ولا الكلمات، بل المهم “مزاج السمّيعة” وتلبية رغباتهم، وهم في الأساس مغيبون فنياً.

إلا أننا هنا بصدد البحث عن من “نحمله المسؤولية” ولو مجاملة منه، ومن نرجوه أن يوقف ذلك المد، أو حتى من يكتب لنا الحل في إجراء عملي نطبقه، فلربما كان القادم أسوأ من هؤلاء “المتربين”، فنقول لهم “اثبتوا” ولا تزيدوا، ولنترحم في صمت على “الكيمي كيمي كا”، ونحاول أن “نتكيّف” بما يقولون لا أن نتكيف معه.

بالعودة إلى جزئية الإجبار، من منا لم يسمع “رغماً عنه”، ذلك التلوث السمعي المستحق للتجريم، سواء في التليفزيون، أو في الشارع، في المحلات أو المقاهي، أو حتى في الميكروباص والتوكتوك، حتى في منازلنا يداهمنا الصوت من الخارج، وكأنه سماع إجباري، و”إشراك عمدي”، للمد الهزلي والاغتيال الصريح للفن وتاريخه، والذي يستحق بالمناسبة أكثر من مجرد حملات في بعض الأماكن، لمصادرة أجهزة الصوت في التوكتوك، وكأن المشكلة فقط في الصوت المرتفع، وليست في التعدي على الذوق الشعبي، والحث على البلطجة والعنصرية والتمييز وتعاطي المسكرات واستخدام العنف والسب وخدش الحياء، وأكرر خدش الحياء، في كلمات تلك المهرجانات، لأن من لم يستمع للعديد من الجمل والكلمات والأوصاف الجنسية في بعض “المهرجانات”، فقد حان موعد زيارة طبيبه المعالج.

فالأمر لا يقتصر على الموسيقى الصاخبة، فهي منتشرة في كل بقاع الأرض، ولها جمهورها،و لها خصوصية السمع الخاصة بها، إلا أن “لغة المهرجانات” التي أصبحت بديلاً عن الأغاني عند الكثيرين، لونها أصبح مائلاً لما أسلفنا من قيم سوقية منحطة، ومن تمييع للمبادئ وهدم لبقايا التربية والتتثقيف والفن، وتضرب الذوق العام في مقتل.

 هل ما قامت به نقابة المهن الموسيقية من إجراءات، سعياً منها لتدارك الأمر ولو نسبياً، بقيامها بالتنبيه علي المنشآت السياحية والبواخر النيلية والملاهي الليلية وغيرها من الوجهات، بعدم التعامل مع فئة مغني المهرجانات يعد حلاً، هل الحل في المنع، هل الحل في التضييق، هل يكمن في مواجهة الهبوط بفن راقي وهادف؟ كلنا يسأل.

نحن أمام واقع وجبت مناقشته بموضوعية وجدية ورؤية إنسانية مجتمعية، فالأمر ليس مجرد شباب اختاروا لونهم الغنائي، بل هو تدمير لذائقة أجيال قادمة أيضاً، وصدع في بناء الكيان الأسري، وسحب لبساط التنشئة الاجتماعية من تحت أقدام الأسرة المصرية.

فمن المؤكد أن هناك من يملك قراراً يحجم ذلك الغثاء، الذي شوه وجه الفن المصري، الذي كان أحد ركائز قوى مصر الناعمة، ومصدراً من مصادر الدخل القومي.

إلى أن نصل إلى حل أو يصلنا من أحدهم، وجب علينا أن نلقي ببعض اللوم على أنفسنا كأسرة مصرية، فالذوق العام أصبح نسبياً متردي، وإلا لما وجدت “المهرجانات” وهؤلاء الصبية، طريقاً إلى السطح.

لكن علينا أن لا نكون مساهمين في تفشي ذلك الوباء، الذي لا يقل ضراوة عن المخدرات، وأن لا نساند في “تسمين” كائن سنندم جميعاً على عدم تحجيمه، فالأمر ليس مجرد موسيقى فقط، بل ستصبح الجمل المتداولة راسخة في عقول أجيال على أنها نمط معيشي وأسلوب حياة، أجيال تربت على جمل من الغزل الفاحش، وتداول المخدرات، والتعدي على الحرمات.

على الجميع أن لا ينجرف وراء “التريند”، فيخرج علينا نجوم الشاشات وهم يحملون لواء “مهرجان فلان” ويروجون له، ومنهم من يغنيه أو من تتراقص على نغماته في برامج تدخل كل البيوت، وكأنه إقرار من نخب مجتمعية على “طبيعية” الأمر وحتمية وجوده، علماً بأنهم نفس الأشخاص الذي يجسدون شخصيات أخرى لها قدسيتها، شخصيات وطنية أو دينية في أعمال درامية تساندها الدولة أو ينتجها الأفراد.

لعل غياب دور الأسرة بات حتمي العودة، سواء أسرة الجمهور أو أسرة صناع المهرجانات أنفسهم، هل لكلا الجبهتين عودة إلى شيء من الصواب، أم أن الجميع استكان، وبات أحدهم ينظر برضى إلى ابنه، وهو يتمايل مدندناً بعكس ما تربى عليه أباه.

رحم الله صنّاع فيلم الكيف، فقد تنبأوا بواقعنا الغنائي المر

نلقاكم في قعدة عرب أخرى

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. شكرا استاذ عماد علي اللفتة دي
    فعلا المجتمع محتاج يفوق من هذا الفيرس اللي اسمه مهرجانات واللي بيطلقوا عليه غنا شعبي والغنا الشعبي المصري الاصيل برئ منه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى