تقارير و تحقيقات

الأمل والتفاؤل شُعاعَين يُضيئان دياجيرَ الظَّلام

بقلم / محمــــــد الدكـــــــرورى 

لقد جعل الله عز وجل الحياةَ الدنيا كثيرةَ التقلُّب؛ لا تستقيم لأحد على حال، ولا تصفو لمخلوق مِن الكدَر، ففيها خير وشر، وصلاح وفساد، وسُرور وحزن، وأملٌ ويأس، ويأتي الأمل والتفاؤل كشُعاعَين يُضيئان دياجيرَ الظَّلام، ويَشقَّان دروب الحياة للأنام، ويَبعثان في النفس البشرية الجدَّ والمُثابرة، ويُلقِّنانها الجلَد والمُصابَرة، فإن الذي يُغري التاجرَ بالأسفار والمُخاطرة: أملُه في الأرباح، والذي يَبعث الطالبَ إلى الجدِّ والمُثابَرة: أمله في النجاح، والذي يُحفِّز الجنديَّ إلى الاستِبسال في أرض المعركة: أملُه في النصر، والذي يُحبِّب إلى المريض الدواءَ المرَّ: أمله في الشِّفاء والطُّهْر، والذي يدعو المؤمن أن يخالف هَواه ويطيع مولاه: أمله في الفوز بجنَّته ورضاه، فهو يُلاقي شَدائدها بقلب مُطمئنٍّ، ووجه مُستبشِر، وثَغرٍ باسم، وأملٍ عريض، فإذا حارَب كان واثقًا بالنصر، وإذا أعسَر لم يَنقطِع أمله في تبدُّل العسر إلى يسْر، وإذا اقترف ذنبًا لم ييئس من رحمة الله ومَغفرته؛ تعلُّقًا وأملاً بقول الله تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ وما أجملَ الآياتِ الكريمةَ التي تتحدَّث عن الأمل! وتبثُّ روح التفاؤل بين المسلمين فانظر إلى أمنيات الأنبياء والمرسلين والتي صوَّرها القرآن الكريم؛ فهذا إبراهيم – عليه السلام – قد صار شيخًا كبيرًا ولم يُرزَق بعدُ بولد، فيدفعه حسْن ظنِّه بربه أن يدعوَه: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ فاستجاب له ربُّه ووهب له إسماعيلَ وإسحاق – عليهما السلام ونبي الله يعقوب – عليه السلام – فقَد ابنَه يوسفَ – عليه السلام – ثم أخاه، ولكنه لم يتسرَّب إلى قلبه اليأسُ، ولا سرَى في عروقه القنوطُ، بل أمَّل ورَجا وقال: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ وما أجمله من أمل تُعزِّزه الثقةُ بالله – سبحانه وتعالى – حين قال: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ وأيوب – عليه السلام – ابتلاه ربه بذَهاب المال والولد والعافية، ثم ماذا؟ قال الله تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ 

وانظر إلى سورة الشَّرحِ التي كانت تتضمَّن اليُسر والأمل والتفاؤل للنبي – صلى الله عليه وسلم – وتذكير النبي – صلى الله عليه وسلم – بنعم الله عليه، ثم اليُسر بعد العُسْر، والطريق لهذا اليُسر هو النَّصَب والطاعة لله – عز وجل – والرغبة والأمل في موعود الله – عز وجل – قال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ والنبي – صلى الله عليه وسلم – من خلال أحاديثه الشريفة، ومَواقِفه العظيمة، وتوجيهاته الرائعة – يحثُّنا على التحلي بالأمل والتفاؤل؛ فلقد كان رسولنا – صلى الله عليه وسلم – يُعجبه الفأل؛ لأنه حسْن ظنٍّ بالله – سبحانه وتعالى – فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس – رضي الله عنه – أن نبي الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (لا عدوى ولا طِيَرة، ويُعجِبني الفأل: الكلمة الحسنة، الكلمة الطيبة)، فبالأمل يَذوق الإنسان طعم السعادة، وبالتفاؤل يُحسُّ ببهجة الحياة والإنسان بطبعه يحبُّ البُشرَى وتطمئنُّ إليها نفسه، وتمنحه دافعًا قويًّا للعمل، بينما التَّنفير يُعزِّز مَشاعر الإحباط واليأس لديه، ويُصيبه بالعزوف عن القيام بدَوره في الحياة؛ ولذلك قال – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (يسِّروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تُنفِّروا) ولقد عاب النبي – صلى الله عليه وسلم – على الذين يُنفِّرون الناس، ويَضعون الناس في موقع الدُّونيَّة والهزيمة النفسيَّة، فقال – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: (إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلَكهم) وقال أبو إسحاق: لا أدرى “أهلكَهم” بالنَّصْب (الكاف)، أو “أهلكُهم” بالرفع؟ وهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذي أرسله الله بشيرًا ونذيرًا، مكث في مكة ثلاثةَ عشر عامًا يَدعو إلى الإسلام، فجابَه طواغيتُ الشرك وعُبَّاد الأوثان دعوتَه بالاستهزاء، وآياتِ ربِّه بالسُّخرية والعداء، وأصحابَه بالأذى والضراء، غير أنه لم يَضعُف عن مبدئه ولم يَستكِنْ، ولم يَنطفِئ في صدره أمل الغلَبة والظفر، وحين اشتدَّ عليه وعلى صاحبه الطلَبُ أيام الهِجرة إلى حدِّ أن وقف المشركون فوق رؤوسهما، وهو – صلى الله عليه وسلم – يقول لأبي بكر – رضي الله عنه – بلُغَة الواثق بربه – سبحانه وتعالى -: (ما ظنُّك باثنَين اللهُ ثالِثهما؟)…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى