غير مصنف

الفيل الأزرق مرَّ من هنا.. حكايات نسجت طليسمات أرطغرل وابن عربي والمأمون

من طبيعة الإنسان أنه كلما زادت أمواله وتجارته أو سلطته زاد معه إحساسه بالقلق خوفًا من فقدان سلطانه، ومن قديم الأزل عرف الإنسان الطريق لصناعة الأشياء التي تبعث إلى قلبة الطمأنينة، فصنع العقود والتمائم والخواتم والأطباق وكذلك القمصان السحرية.

وعلى حسب معتقداته، صُنعت له الطلاسم والأحجية أو غُزلت له آيات قرآنية تحميه الشرور والحسد والأمراض، وفي الحروب والمعارك وأثناء سفره للتجارة، متباركًا بتلك الأشياء أنها تمنحه الحماية والنصر.

وكانت أغرب هذه المصنوعات؛ قمصان الطليسمات والألغاز السحرية التي أشتهر بها العصران العثماني والصفوي، لما لها من تصميم غريب وحكايات عجيبة تكاد تكون أساطيرًا يرويها الجد لأحفاده.

ويرصد موقع “اليوم” أشهر روايات تلك القمصان والتي لم يبقى منها في العالم سوى تسعة، منها قميص واحد في متحف المتروبولتان بأمريكا، و3 قمصان في متحف طوب قبو سراي في تركيا، و5 في متحف الفن الإسلامي واحد منهم معروض والباقي في المخازن من أجل الترميم.

** العهد الصفوي

كان من الشائع في العصرين الصفوي والعثماني الاعتقاد في وسائل الحماية بالسحر والطلاسم، وازدهرت صناعة الأحجية والتمائم كوسيلة من وسائل الحماية والدفاع عن النفس والحماية من المخاطر والأمراض، وكذلك هي وسيلة لجلب الرزق والنصر وجلب الحظ.

وكانت الطلاسم عبارة عن مجموعة من الآيات القرآنية والأرقام وبعض الكتابات بلغة غير مفهومة تكتب باللونين الأحمر والأسود داخل أشكال هندسية، ترسم بمنتهى الدقة بنمط معين لا يعلمه إلا المشعوذ، وكان لكل حجاب غرضًا معينًا كتب له.

** قميص المأمون

القميص المسحور أو سر الجفر المكنون الجامع فى قميص المأمون المانع، أو القميص المبارك أو الحصن المكنون أو الجامع المانع، كلها أسماء لقميص صنع في عهد الدولة الصفوية بإيران وموجود حاليًا في المتحف الاسلامي بالقاهرة، والذي يبلغ عمره 349 سنة.

وفي عام 1913 حين كان ماكس هيرتز كبير المهندسين المعمارين يشغل منصب نائب رئيس المتحف الإسلامي ، إشتري القميص من شخص إسمه مصطفى بك شمس الدين كان قد أصر على بيعه مدعيًا أنه قطعه أثرية لا تقدر بثمن، وقام ببيعه بـ5 جنيهات مصرية ووضعه هيرتز في المتحف وهو موجود حتى يومنا هذا.

**لمن القميص؟

اختلف الباحثون على علاقة المأمون بالقميص والتي لا يوجد أي دليل قاطع على أنه كان يملكه، فعرف عن المأمون أنه رجل علم فهو من أنشأ بيت الحكمة الذي يعد بمثابة جامعة في الوقت الحالي، كما عرف عنه تقريب العلماء إليه، فمن الصعب تصديق إيمانه بخرافات الشعوذة الموجودة على القميص.

**الشاه المنحوس

ويرى باحثون أن القميص يعود إلى الشيخ الصفوي صفي الدين بن عباس الثاني والذي كان يُعرف بـ سليمان الأول وكانت فترة حكمه بين 1666-1694ميلادي، واشتهر صفي الدين بالسكر والعربدة وفشلة في إدارة شئون الدولة، كما ضاعت في عهده حدود الدولة الصفوية من أول سنة في حكمه، كما كثرت في عهده المجاعات.

مما جعله يلجأ لأحد المشعوذين ليجد له حلا يرفع عنه البلاء، فأقنعه المشعوذ أنه تولى الحكم في يوم منحوس كانت فيه الأجرام السماوية في حالة تقاطع والكواكب كانت متعامدة، وأخبره أنه سوف يموت مقتولاً في وقت قريب.

وصدق الشاه سليمان الأول كلام المنجم وأعاد مراسم تنصيبه، وصنع له حجابًا على شكل قميص يرتديه تحت ملابسه الخارجية يحميه ويخلصه من النحس في مقابل مبلغ ضخم من الذهب، ومن هنا انتشر أمر هذا القميص وأصبح عادة الحكام والأمراء .

وظل الشاه محتفظًا بالقميص حتى عام 1694 م، حين سمع الحرس صوت صراخ وتمتمات بكلمات غريبة من غرفته فدخلوا عليه وجدوه مُلقى على الأرض ميتًا وفي يده زجاجة خمر وعلى وجهه علامات الرعب.

وظل القميص ينتقل من شخص إلى آخر إلى أن وصل مصر، وليس هناك معلومة مؤكدة عن أخر من ارتداه ولكن المؤكد أنه مات مقتولًا.

**الفيل الأزرق

وتبدأ رواية الفيل الأزرق للكاتب أحمد مراد بخبر سرقة  قميص سحري من المتحف الإسلامي، الرواية التي تحولت فيما بعد لفيلم سينمائي مكون من جزئين بطولة الفنان كريم عبد العزيز والفنان خالد الصاوي.

وربما قبل عرض الرواية والفيلم لم يكن يعلم الكثير بوجود قميص مسحور في الحقيقة إلى أن فتح الكاتب أحمد مراد مجال البحث من جديد.

ويستخدم مراد القميص والقصة التي وصلتنا عنه  بأنه قميص المأمون في دراما وأحداث تحفته الفنية “الفيل الازرق” حيث يجد بطل القصة الدكتور يحيى، داخل حمام شقة “شريف” الملعون بطلسم ووشم المأمون، قميص مسحور، وملطخ بالدماء منقوش بتقسيمات هندسية غاية في الدقة والإمعان، ومدون عليه آيات قرآنية وطلاسم غريبة، بعضها أسماء الملائكة وأسماء الشياطين، إلى جانب التعاويذ الخاصة بالسحر التي لم يتمكن أحد حتى الآن من فك شفراتها.

**القميص العثماني

عُرف قديمًا أن قمصان السلاطين العثمانيين التي كانوا يرتدونها تحت ملابسهم الخارجية، كانت تُصنع بطريقة خاصة قد تستغرق ما بين الثلاثة والأربعة سنوات، وكان يُزين بالأيات القرآنية والأحاديث النبوية والرموز والأرقام المختلفة.

وكان القماش يأتي من المدينة الشهيرة بالقماش وقتها “تون غوزولو” والتي تُعرف حاليًا باسم “دنيزلي” جنوب تركيا، ويؤخذ ذلك القماش إلى القصور العثمانية، وذلك لأنها ذات جودة عالية وتناسب إنتاج القمصان التي تُلبس تحت الملابس.

وكانت الكتابة بخط جلي ثلث داخل أشكال هندسية، وفي كثير من الأحيان استُخدِم على القمصان نقش سيف علي بن أبي طالب “ذو الفقار” وختم سليمان عليه السلام والذي كان مفضلًا لأنه يمثل تخليدا للسطنة العثمانية، وكذلك ختم النبوة للنبي محمد و قصيدة البردة.

**صندوق أرطغرال

وغزت قمصان الطلسيمات الدراما التركية في المسلسل الشهير “قيامة أرطغرل”، ففي أحداث المسلسل ظهر ابن العربي بصندوق خشبي محكم الغلق يجوب به فالبلدان التركية ويحاول الحفاظ عليه بكل الطرق من سطو الصليبيين عليه، حتى أنه تركه أمانة لأرطغرال وزوجته حليمة، إلى أن جاءت الحلقة المنتظرة التي يُفتح فيها الصندوق والتي تم حذفها في بعض القنوات، فيخرج منه قميص مرسوم بالخيوط  يحمل أيات قرآنية ورسومات.

ويهدي ابن العربي القميص لأرطغرل ليرتديه بفخر أنه سحميه ويحمي حكمه ويورث ابناءه من بعده، وكان هذا القميص أول قميص في الحكم العثماني كما جاء في أحداث المسلسل.

**قميص مراد الثالث

السلطان مراد الثالث وعلى الرغم من وجود المئات من المحظيات، أحب امراة واحدة فقط وكان لديه اربعة أطفال، اثنان منهم ذكور وبعد وفاة احدهم، بدأت المحكمة في القلق بشأن خلافة العرش.

حتى تدخلت أم مراد وطلبت قميصًا سحريًا لابنها، نُسج بشكل دقيق وكُتب عليه أسماء الله الحسنى والعهود السليمانية وبعض الرموز، وبعد مرور 14 عاما  كان مراد الثالث لديه 19 طفلا.

ويوجد القميص في قصر توبابكي بتركيا حتى الآن وتعرضَ لمحاولة سرقة عام 2018، لكن السلطات التركية أعادته مرة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى