تقارير و تحقيقات

الهندسة الوراثية وحلم سد فجوة الغذاء

: 27 كلية زراعة ونستورد طعامنا!

: صراعات ومحاربة للعلماء.. والنتيجة تخلف الزراعة

: سلة غذاء العالم تستورد غذاءها

: نرفض اعتماد الهندسة الوراثية ونستورد منتجاتها!

كتب: عماد نصير

مما لا شك فيه أن التطور التكنولوجى والتقدم العلمى في العقود الأخيرة، نتج عنهما استخدام التكنولوجيا بشكل لافت لا سيما في مجال “الهندسة الوراثية، للعنل على تكثيف إنتاج وتداول الغذاء على نطاق أوسع، وبالتالي يتسنى للمجتمعات مواجهة المجاعات وسد الفجوة الغذائية التي تسببت فيها الزيادة السكانية والتغير المناخي.

وتعتبر الهندسة الوراثيىة بمفهوم مبسط، بمثابة تعديل او تطوير “جينوم” أي كائن حي باستخدام أدوات التكنولوجيا الحيوية، والتي من شأنها أن تكون مفيدة للغاية في إنتاج نباتات تحمل صفات محددة، من شانها أن تعود بالنفع على البشرية، حيث تكون من خصائصها مقاوِمة الآفات للحد من استخدام المبيدات الحشرية، فضلاً عن زيادة الإنتاج ومقاومة التغيرات البيئية والمناخية بل وحتى شح المياه.

تحديات وحلول

بات استخدام الهندسة الوراثية في المنتجات الغذائية عالمياً، بمثابة طفرة بغض النظر عن رفضها من عدمه، فهي تحمل حلولاً للمشكلة الغذائية العالمية، إلا ان عدم التوافق العالمي حول استخدامها، دفع الجهات التشريعية لوضع ضوابط تنظيمية لها، غير ان الواقع اثبت انها شكلت حلولاً نموذجية حقاً، وذلك بإدماجها في استنباط العديد من المزروعات التي يعتمد عليها الإنسان في التغذية.

اليوم تفتح ذلك الملف الحيوي مع أحد أبرز العلماء المصريين في مجال الهندسة الوراثية، ورائد من رواد الزراعة الحديثة أ.د/ سعيد سليمان، أستاذ علم الوراثة والتربية بالطفرات بكلية الزراعة جامعة الزقازيق..

ما هو حجم البحث العلمي في مجال الزراعة؟

بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الجامعات ومؤسسات البحث العلمي في مجال الزراعة وتطويرها، إلا أن حجم الإنفاق على البحث العلمي يقدر بحوالي 1% فقط، وذلك يجعل الترتيب المصري متراجع جداصمصر تنفق أقل من 1% على البحث العلمي، ترتيبها متراجع جداً على جدول الإنفاق العلمي، علماً بأن البحث العلمي بمثابة “مشروع قومي” وليس أمراً من قبيل الترف العلمي او الإنفاق غير المجدي، وقد ثبت ذلك في كافة المجتمعات المتقدمة، ولدينا في مصر كوادر علمية هامة ولها باع طويل في ذلك المجال، وبإمكانهم إحداث تطبيقات عملية تحل مشاكلنا المتعلقة بالغذاء، وقد بدأنا بالفعل في ذلك التوجه، ولنا محاولات جادة ومثمرة منذ ستينيات القرن الماضي، حيث عملنا على العديدمن المحاصيل الحيوية مثل الأرز والقمح والقطن.

موقع الهندسة الوراثية من منظومة البحث العلمي

لا حل ولا طريق نحو التنمية الزراعية إلا بدعم البحث العلمى كمنظومة تنموية من شانها الارتقاء بشق التغذية، بالتالي لابد من الاهتمام بالبحث العلمي وفي القلب منه الهندسة الوراثية، وذلك يستوجب توفير كل الإمكانيات المطلوبة، والسماح للباحثين والعلماء فى مجال الزراعة باستنباط سلالات وأصناف جديدة، مقاومة للجفاف والملوحة والبرودة والأمراض والحشرات بشكل أكبر من ذي قبل، كما تتلاءم مع تغيرات المناخ، وتعطى إنتاجية أكبر، وذلك أمر إيجابي في مساعي سد الفجوة الغذائية.

ويضيف سليمان: مصر تستطيع زيادة الرقعة الزراعية بأصناف جديدة تحقق أنتاجية أعلى باستخدام الهندسة الوراثية، ولنا في ذلك باع طويل حيث استنبطنا سلالات القمح “عرابي” بأصنافه عالية الجودة، والتي حققت أعلى إنتاجية بأقل استهلاك للماء وأعلى مقاومة للآفات.

هل الهندسة الوراثية مرادف للتهجين؟

شتان ما بين كلاهما، ولابد لنا أن نعرف أن هناك فرق كبير بين الهندسة الوراثية كعلم، وما بين التهجين، فكلاهما له فروع وأصول، فالتهجين هو طرق تقليدية للتربية مثل استحداث طفرات، أما الهندسة الوراثية  فهي بمثابة تطويع للجينات، بمعنى التعامل مع الجينات وليس التعامل مع الكائن ككل.

وفي بداية 1972 اكتشف العلماء انزيمات تقطع الـ dna قطاعات متكاملة، وفي 1981 تم انتاج سلالات من بكتيريا ” الإيكولاي” لإنتاج الإنسولين البشري، حيث تم نقل جين الإنسولين البشري من الإنسان إلى البكتريا، وذلك للغلب على ارتفاع سعر الإنسولين، من خلال تخليق إنسولين بأسعار زهيدة ومقبولة نسبياً.

ويعد هذا بمثابة تطبيق للهندسة الوراثية، حيث تم كسر الحدود بين الأنواع والأجناس حين تم نقل جين من الإنسان للبكتيريا، فأنتجت البكتيريا الإنسولين البشري، كما تم أيضا إنتاج الإنترفيرون “المضاد الفيروسي” للالتهاب الكبد الوبائي عن طريق زراعه الجين في الخميرة، وهذه المرة ليس في البكتيريا، لأنه يحتاج الى عمليه “جليكولايست” وهذه جميعاً بمثابة أمثله ناجحة على نجاعة وفائدة الهندسة الوراثية كعلم يمكن الاعتماد عليه.

برغم الفوائدة الكثيرة.. لماذا يتم معارضة الهندسة الوراثية؟

أوروبا هي من تعارض الهندسة الوراثية وتتزعم هذا التوجه عالمياً، وفي المقابل نجد أن امريكا هي من يستخدم الهندسة الوراثية بتوسع، وهناك فرق 30 سنة من علم الهندسة الوراثية بين أوروبا وأمريكا، علماً بأن ذلك العلم بإمكانه أن يعمل على المشتقات فقط، وبالتالي لا فائدة هنا من معارضته، ففي حال التعامل مع “الدم” بالإمكان أن يتم نقل أجزاء من الدم من إنسان لآخر حسب الحاجة، دون نقل الدم كاملاً.

مثال آخر على استخدام الهندسة الوراثية بنجاح، يوجد ثلاث جينات نجحوا جدا في هذا المجال، جين Bt المنقول من بكتريا باسيللس ثيورجينسس، إلي معظم المحاصيل الرئيسية مثل القطن وفول الصويا والذرة والأرز، ينتج بروتين يأخذ شكل الإبر في أمعاء الحشرات لأنها قلوية، بينما في معدة الإنسان يذوب هذا البروتين لأن المعدة حامضية.

وهذا الجين تم نقله بالفعل لكافة المحاصيل في أمريكا، ومن بينها بالطبع محصول القطن، وبالتالي هذا هو سبب نجاحهم وتقدمهم في زراعة القطن وتخلفنا نحن، بالرغم من تاريخنا الكبير مع هذا المحصول.

هل معنى ذلك أنه علم بلا عيوب مطلقاً؟

العيب الوحيد لهذا الجين أن دودة القطن كانت تتغدى على المن، وبعد القضاء على دودة القطن انتشر المن، ولكن المن ضعيف المقاومة وسهل القضاء عليه، وهنا يتضح ان المنافع كبيرة والضرر لا يكاد يذكر.

ومما لا يخفى على كافة العلماء ذوي الصلة أن معظم المحاصيل مهندسة وراثياً بالفعل، على رأسها “فول الصويا والذرة الصفراء” ولكن القانون المصري هنا يمنع زراعة المحاصيل المهندسة وراثيا، علماً بأننا نستورد منتجاتها ومشتقاتها، والأمر لا يمثل خطورة، وهناك جينات تم إدخالها أيضاً كونها تمثل مقاومة للحشائش، وفي حال المقومة بالمبيدات، فهناك منها ما ينتهي مفعوله خلال أسبوع واحد فقط، ولا يكون له أي تأثير وبالتالي لا يؤثر على الإنسان بشكل سلبي.

اللافت في الأمر أن أوروبا بدأت تتخلى عن الحذر غير المبرر، والانخراط في التعاطي مع الهندسة الوراثية كعلم رائد، ثم دخلت الصين على الخط ذاته، فالمجال أصبح منافساً بشكل لافت.

من هي الجهات المسؤولة محلياً؟

هناك معهد بحوث الهندسة الوراثية الزراعية، وهو أحد الوجهات بالفعل، ولكن لا يعمل حتى الآن، أي لم يخرج أي شئ جديد، وفي كل الحالات القانون يمنع زراعة المحاصيل المهندسة وراثيا، بعيداً عن الوجهات العلمية، وهنا يجب القول بأننا نحكم أنفسنا بالتخلف الزراعي، لأن أوروبا رغم معارضتها بدأت الآن في اعتماد الهندسة الزراعية، وهنا نحن نعارض ان نعمل بها، لكننا نوافق ان نشتري منتجاتها من أوروبا بالعملة الصعبة.

وهنا يجب أن نستشهد بالمثال الأبرز من حيث الاستهلاك، “زيت الذرة” لماذا لا نزرع “ذرة الزيت” في مصر رغم استيرادنا له واستعماله مع أنه ممكن أن يكون مهندس وراثيا، والأغلب أننا مجبرون على عدم زراعته، لأن أمريكا والصين قد أدخلوا عليه جينات “over exression” لزيادة نسبة الزيت، وبالتالي هما من يقوما بالزراعة ولهما في ذلك براءات اختراع علمية، أضف إلى ذلك أنه بالرغم من منع زراعته محلياً، إلا أننا نستورد ما حجمه 95% من احتياجاتنا من الزيت بشكل سنوي، وللعلم أن أمريكا بدأت عمل على “ذرة الزيت” في العام 1857 واستمرت حتى 1867م، وتم زيادة محتوى الزيت من 5٪: 20%.

هل يكمن حل المشكلات جميعها بالهندسة الوراثية؟

الهندسة الوراثية ليست حلاً سحرياً لمشاكلنا في مصر، لكن من الممكن أن نحل مشاكلنا بالتربية التقليدية، فمحصول القطن مثلاً لم يتم تطويره منذ أمد بعيد، ولأنه يتم جمعه بشكل يدوي، والآن لم يعد منتشر حصاد الأطفال للقطن كما كان في الماضي، فيجب أن نربي سلالات جديدة من القطن تصلح الحصاد الآلي، ونحن كأرباب هذا العلم نحتاج إلى فرصة، نحدث من خلالها التفوق في مجال الهندسة الوراثية، فنحن أمة ذات حضارة زراعية وكنا نطعم العالم، ونحن في جامعة الزقازيق لدينا على سبيل المثال صنف أرز لا يحتاج إلى ماء كثير، بسبب أنه صنف مقاوم لنقص المياه، وما يؤسفني أن كل الدول العربية قد قامت باعتماده وزراعته، ولكن لم يتم زراعته في مصر حتى الآن.

ما هي الجهات الداعمة ومصادر التمويل لبحوثكم؟

الجامعة لا تتأخر عنا في تقديم أي دعم، لكن نواجه أنا وفريقي العلمي ضعف الإمكانيات، وغالباً ما أضطر للإنفاق من دخلي الخاص، وبالرغم من وجود جهات أخرى تتبنى البحث العلمي، إلا أنها جهات خارجية ومنح خارجية، وبالطبع لها اهداف وتوجهات أخرى ومن الضروري أن تتبنى الدولة بنفسها منظومة البحث العلمي.

بعض الدول الخارجيه قدموا لنا منحاً كثيرة بعد اتفاقية السلام، ولكن كانت “وبال على الزراعة” فقد أعطوا للوزير الأسبق “يوسف والي” مليار دولار خاص للزراعة، وهذا جعل البعض يركن إلى البحث بمقابل مادي كبير فقط، ومن الضروري أن تنفق الدوله من ميزانيتها الخاصة على البحث العلمي، ويتم إنتاج أصناف مقاومة للظروف القاسية والتغيرات المناخية، وهنا يظهر أيضاً دور البحث العلمي جلياً، وفي القلب منه دور الهندسة الوراثية.

رسالة إلى مسؤول

رسالتي للجهات المسؤولة في الدولة عن ملف الزراعة، المسؤولية كبيرة والأمر غاية في الأهمية، ونحن كعلماء مصريون وجهات بحثية نحن نستطيع أن نكتفي ذاتياً بالمحاصيل الاستراتيجية، بدون الحاجة إلى الاستيراد من الخارج، ولكن ينقصنا التعاون والإنفاق على البحث العلمي، وأتمنى أن تصل رسالتي للمسؤولين، فنحن في مصر نملك 27 كلية زراعة، غير مراكز الأبحاث الحكومية، وهذه أمور بمثابة حافز ودافع كبير للتطوير والنهوض بملف الزراعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى