مقالات

مالي.. الوجه الحقيقي لتنافس الديك والدب والتنين في الساحل والصحراء

بقلم: محمد كامل العيادي

تتركز استراتيجية الغرب دومًا حول استعمار إفريقيا، وفي سبيل ذلك يتم خلق النزاعات لتظل المنطقة الإفريقية مطمعاً للغرب، ما يثير التساؤلات حول قدرة الدول الإفريقية على الاستقلال، وأن تعي إفريقيا أنها ذات قامة وقيمة.

عندما تكون استراتيجية الدول العظمى في إفريقيا هي مصلحة دولهم فوق كل اعتبار، عندها يُصنع الإرهاب وتنشب الحروب الأهلية وتكون الانقلابات العسكرية، ومن ثم عدم الاستقرار السياسي يظل هو المسيطر والسائد، وسط نشاط منظمات المجتمع المدني، وهو ما لا يوجد سوى في إفريقيا، حيث الجهل وحب السلطة والجاه على حساب الوطن ومصالحه، والطائفية المذهبية ونعرات الجاهلية، لذا إفريقيا قابلة لأي استعمار خارجي كما في كثير من دول إفريقيا، وعلى رأسها غانا التي خلعت رئيسها «ألفا كوندي» بانقلاب عسكري، وأرض السباق مالي، تلك الدولة التي أصبحت مستعمرة فرنسية نهاية القرن التاسع عشر وأُطلق عليها السودان الفرنسية، لتصبح جزءً من الاتحاد الفرنسي في عام 1920م ، قبل أن تنال استقلالها عام 1960م ويتم تغيير اسمها من السودان إلى فيدرالية مالي، وحاولت الدولة تنمية الاقتصاد لديها، حتى جاءت نهاية الستينيات ليُقدم «كيتا» رئيس مالي آنذاك على تصفية معارضيه، ما جعل النفوذ الصيني حينها يزداد وتدخل الجيش بقيادة «تراوري» ليخلع الرئيس «كيتا» عام 1968م، ما ساهم بدوره في إضعاف النفوذ السوفيتي بعدما قوت مالي علاقتها بالغرب أواخر الثمانينيات، مما أدى إلى وصول حكومة ديمقراطية عام 1991م، حتى جاء عام 2012 م بانقلاب عسكري جديد، ومنذ ذلك، وفي أقل من 10 سنوات، شهدت مالي ثلاثة انقلابات عسكرية و4 رؤساء، بالإضافة إلى مرتين تم خلالها اللجوء لصناديق الاقتراع في انتخابات رئاسية.

لا شك أن مالي لها وضع خاص بالنسبة لتلك الدول العظمى، مثل الديك الفرنسي والدب الروسي والتنين الصين، جميعهم يتنافسون عليها؛ فهي أرض خصبة لصراع تلك القوى، حيث سلطتها فاقدة الشرعية وأوضاعها غير المستقرة، فضلًا عن كثرة الأزمات وطبقاتها السياسية الهشة، إضافة إلى مستقبل يتوشح بالغموض ونشاط كبير وملحوظ لسوق بيع السلاح.

تاريخ طويل لفرنسا والصين وروسيا (الاتحاد السوفيتي سابقًا) في إفريقيا الوسطى، حيث يتم التحرك دائمًا بدعوى مكافحة الإرهاب والجماعات الأصولية، لكن ذاك التحرك ما هوّ إلى لضمان التحرك في القتل والنهب والحرق والسحل تحت المظلة الدولة، في سلوك استعماري خفي بطريقة حديثة، حتى أن من يساعد تلك القوى الاستعمارية هم الفئات المارقة المأجورة عديمة العقل التي ليس لها دين أو مِلة، يبيعون أوطانهم بما يملأ بطونهم، ورغم تسليمنا بذلك إلا أن هذا لا يعطي الحق في تدخل تلك القوى الاستعمارية صاحبة التاريخ الطويل في إفريقيا وما خلفته من موروثات غير محمودة أبدًا في السيطرة على البلاد، ففرنسا وروسيا الآن يتنافسون على منطقة الساحل والصحراء لأهميتها الاستراتيجية الكبيرة، والتي تساعد على تعزيز وجودهم في المنطقة التي تتمتع بالكثير من الثروات الطبيعية، لا سيما النفط والغاز واليورانيوم، ولا شك أن منطقة الساحل لها أهمية جيوستراتيجية في سياسات القوى الدولية، كما أنها سوقًا للصادرات الخارجية.

وتعتبر دول الساحل والصحراء هي البوابة لوسط وغرب إفريقيا، فيما تريد روسيا أن تُعيد أمجاد الاتحاد السوفيتي من هذه البوابة المهمة، ترجو تحالفات تجارية وفتح سوق للسلاح هناك وتعزيز حضورها الدولي مستغلة العداء الموجود لفرنسا في المنطقة وفشل باريس في القضاء على الإرهاب الذي تتظاهر روسيا برغبتها في القضاء عليه، وفي الحقيقة الباطنة هي تريد بقاءه لتكتسب منه شرعية وجودها، وأمام العالم وشعوب المنطقة تُبرز أنها البديل لفرنسا للقضاء على البؤر الإرهابية، وبذلك تضع قدمها في منطقة الساحل والصحراء مستغلة بذلك الضغط على أوروبا بموضوع الهجرة غير الشرعية، وذلك في رغبة منها لتخفيف العقوبات الاقتصادية على روسيا.

من المستحيل أن يحدث أي تغيير في إفريقيا دون تغيير أبناء تلك البلاد أنفسهم أولًا ومعرفة قدراتهم ومقدرات دولهم وما من الله عليهم من نعم من موارد طبيعية لا توجد في كثير من الدول الأخرى، ودون ذلك ستظل في نظر الغرب دول من السهل استعمارها طالما هناك أزمات ونزاعات وحروب أهلية قائمة، لتظل على طول المدى مطمعًا لها، ويظل الديك يرفع صوته والدب يسبح في المياه الإفريقية والتنين في الغابات يمرح دون أن يجد أسدًا يردعه أو يضع حدًا لتحركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى