مقالات

محمد كامل العيادي: ليت الكُتَّاب يعود مرة أخرى

تتلمذ جيلنا والأجيال التي كانت من قبلنا على يد شيخ الكتاب. كانت الحياة بسيطة، خالية من التكلف، كانت الشنطة المدرسية معدة من القماش البفتة، معها قلم من بوص الغاب ولوح معدني، وبها ساندوتش من الجبن الفلاحي أو القشطة، وأحياناً كثيرة تظهر “بقعة كبيرة” من آثار هذا الساندوتش. القلوب كانت نقية بيضاء كقطعة السحاب الصافية، نذهب إلى الكتاب ثم نعود نذاكر ما قد تعلمناه، نأكل سوياً مع الأسرة. تؤذن العشاء فنصليها ثم ننام حتى صلاة الفجر التي بها يبدأ يومنا. نفطر ثم نذهب إلى الكتاب مرة أخرى.كانت تربطنا بالكتاب علاقة قوية، رغم خوفنا من الشيخ الذي كنا نخشاه أكثر من أبوينا، لدرجة أننا كنا نخاف أن يجمعنا سوياً مكان واحد، كالأفراح أو المآدب. كان خوفاً ممزوجاً بالاحترام، وكان يساعدنا على ذلك الأب والأم، يحثانا دائماً على توقير المعلم واحترامه، لذا كنا نوقر الشيخ ونحترم الأرض التي يمشي عليها، كيف لا وكان موجهاً وقدوة، وأبا وأخا. وكان له أثر واضح على هذه الأجيال في التربية والتعليم. كنا نعرف القراءة والكتابة قبل أن ندخل المرحلة الابتدائية. أذكر في ذلك الوقت كم درجة سعادتنا عندما نجد قصاصة من جريدة قد تسللت إلينا بعدما قرأها من قام بقراءتها قبلنا، أو عن طريق أمهاتنا عندما تذهب إلى السوق وتأتي لنا بتلك القصاصات الموضوعه بها “الطعمية” . كانت تلك الأجيال لا تعرف الدروس الخصوصية، مع العلم أن أول من انشأ الدروس الخصوصية في التربية الفيلسوف اليوناني “سقراط” عندما كان يعلم “أفلاطون”، ويعطيه دروساً خصوصية، وبعدما تعلم ” أفلاطون ” أصبح معلماً لـ ” أرسطو ” ليصبح ” أرسطو ” فيما بعد معلماً يعطي الدرس الخصوصي لـ “الإسكندر المقدوني”، وهنا نجد أن الدروس الخصوصة لمن يكون لديه ضمير يراعيه في الشرح، قد أخرجت هؤلاء الفلاسفة، لا شك أننا لا نعارض الدروس الخصوصية معارضة كلية ولكن نعارض طريقتها، وكذلك ما تسببه في عدم مراعاة ضمير المدرس في المدرسة. بكل تأكيد الدرس الخصوصي لا يفكر فيه إلا ميسورو الحال، لتصبح الآن عبئاً على الجميع، لا ترحم ميسور الحال ولا حتى من هم تحت خط الفقر المدقع، ليصبح التعليم عبئاً على كواهل الناس، ولم يتوقف العبء عند هذا الحد، بل تأتي قرارات وزير التربية والتعليم التي تجعل الطالب في حيرة من أمره، هو وأسرته، لا يدري من تسلم “التابلت” كيف يكون الامتحان؟ بعدما قرر الوزير بعد حالات الغش الجماعي إلغاء امتحان “التابلت” على أن يكون الامتحان ورقياً، هذا جيد لكن هل سأل الوزير نفسه عن هل توجد دراسة حقيقية للطلبة في المدارس أم لا؟ هل يعلم سيادة الوزير أنه ترك حضور الطالب اختيارياً؟ للأسف لا دراسة منتظمة، ولا قرارات واضحة، والتائه الوحيد هو الطالب. لماذا لا تتم دراسة طريقة لتفادي تصحير عقول الطلبة، فليس من المعقول تصحير الأرض ومعها العقل، المدارس الآن تظهر بلا قيمة أساسية للطالب، لا ينتظم المدرس في الشرح، تحت دعوى الراتب البسيط، وكذلك في الدرس الخصوصي فلديه وقت محدد مع الطالب، لكثرة مواعيده، كانت الأجيال السابقة حتى جيل الستينات ممن تعلم في الكتاب لديها القدرة على مذاكرة الدرس وفهمه، بل ولو طلب منه الشرح يشرحه، أما الآن الطالب في مدارس خاصة، ومدرس خصوصي في المنزل، وسناتر للدروس، ولا يستطيع كتابة جملة مفيدة كاملة، فقد أخذ التلفاز كل وقته، والتليفون المحمول، والأغاني الشعبية، التي غرست فيها العقول حتى فسدت.التعليم لا بد له من وقفة جيدة من صانعي القرار، فأي طالب قد يكون يوماً ما في منصب يخدم الدولة من خلاله، لذا يجب من التربية العلمية والأخلاقية، لكل طالب تحسباً لمثل هذا، أن التعليم أساس رقي الدنيا، فلولا العلم ما علمنا، ولولاه من تقدمنا ولا صرنا، بالعلم يبنى مجد الأمم، وتزرع الصحراء، ونملك القوت والسلاح والدواء، بالعلم نعرف الله، ونعرف أين نضع أقدامنا، لنصبح قائدين لا مقودين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى