مقالات

العرب.. بين الماضي والحاضر وسوء المُنقلب!

بقلم: محمد كامل العيادي

لا شك أن الجهل المُدقع وقلة العلم وحب الذات وتقديم النفس على الوطن، وفساد الأخلاق والمتنعمون في نعيم الأعداء، والجبن ودخول الدنيا في القلوب أمور كان لها بالغ الأثر في كره العرب للموت وإيثار أنفسهم على أراضيهم فيغتصبها المُحتل، سببًا في ضياع هيبة العالم العربي، ما نتج عنه احتلال بعض أراضيهم بعدما كان أسلافهم يأتي بعض نفرٍ منهم من برشلونة إلى “فراكسية” ليؤسسون إمارة تعصف ريحها بجنوبي فرنسا وشمالي إيطاليا، بل ويتسابق أمراء وملوك هذه المناطق لكسب الولاء والتودد مهابة منهم، أما الآن فقد اختلف الوضع وأصبح العالم العربي بعدما ضعف واستكان يطلب الولاء حتى ولو حساب دينه ووطنه؛ فأصبحت الأمة في حال لا تُحسد عليه.

نعود بالتاريخ لنسرد وقائع وتواريخ ستظل محفورة في جبين الأمة دلالة على تبدل الأحوال، وكانت البداية عام 1258م، حينما جاءت حشود المغول للعراق ليذبحوا نحو 800 ألف إنسان، وكان من بين القتلى “المستعصم” وهوّ آخر خليفة عباسي، وبعدها أنهيّ الملكان الكاثوليكيان “فرديناند” و”إيزابيلا” عام 1492م الوجود الإسلامي في الغرب بعدما دام 700 عامًا في إسبانيا، وتبعهم الصفيون في بناء إمبراطورية فارسية تعتنق المذهب الشيعي عام 1502م، وبعدهم “سليمان الكبير” التركي الذي كونّ إمبراطورية إسلامية عام 1520م، وأعدهُ المؤرخون أنه من أعظم الملوك؛ إذ كان يُجيد اللغات العربية والفارسية والصربية والجغائية، والأخيرة تجمع مجموعة من اللغات التركية مرتبطة بالأوزبكية والأويغورية، وكانت الدولة الإسلامية في عهده من أقوى دول العالم قبل أن يفتتها العباسيون.

بعد سليمان الكبير، وإبان عام 1798م جاءت فرنسا بقيادة “نابليون بونابرت” الذي تمكن من الوصول إلى الأزهر الشريف وحوله إلى إسطبل للخيول، وبعدهم البريطانيون الذين جاءوا بحملة على مصر عام 1807م سُميت بحملة فريزر.

ما سبق كان كان سببًا أدعى لأن يُطلق على العالم العربي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 1850م، ليصبح هوّ المتعارف عليه بنطاق واسع في عام 1902م، تمهيدًا لمعاهدة “سايكس بيكو” التي أتت عام 1916م لاقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا وتقسيم الدولة العثمانية بعد هزيمتها عام 1918م، ليتم وضع الشام والمنطقة التي بين النهرين تحت الانتداب عام 1920م، والذي ظل قائمًا حتى عام 1948م، ولعبت قوى الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الثانية في مولد إسرائيل واحتلال فلسطين، لتتغلب على مصر عام 1967م وتحتل شبه جزيرة سيناء، وقتها العالم العربي وفي القلب مصر كان قد أهلكته الحروب ليُصبح بسهولة تحت رحمة الآخرين، وكانت هناك قوة في العالم العربي والإسلامي؛ فسقطت مملكة الفرس وهُزم البيزنطيين وفقدوا أقاليمهم في الشام ومصر وشمال إفريقيا، لكن كانت هناك بطولات حقيقية للعرب والمسلمين كما الفتوحات الأولى للجيوش العربية حينما كانوا يستمدون إحساسهم بهويتهم من الطابع الديني أكثر من مشاعر القومية، وآخر هذه البطولات حرب أكتوبر عام 1973م، التي استعادت فيها مصر كرامتها ومجدها وقوتها.

العرب، وكما ذكرت الكاتبة “ساندرا ماكي ” في كتاب العاصفة والسياسة، والذي أشارت فيه إلى أن “العرب الأصليين” كانوا بشبه الجزيرة العربية وكانت شبه الجزيرة نقطة اتصال كبيرة كان يهاجر إليها أُناس من إفريقيا وباقي بقاع الأرض، واندمجوا في شعب واحد عُرف باسم “الساميين”، ومع قدوم عام 3000 قبل الميلاد استقر البعض في الأراضي المُنبسطة الخَصبة الواقعة بين نهري دجلة والفرات، وشق آخرون طريقهم إلى النيل حيث النهر الخصيب، وهناك اندمجوا في حضارة مع الفراعنة ليلحق بهم فيما بعدْ الآشوريون والكنعانيون والفينيقيون والنبطيون والعموريون والعبرانيون خارج شبه الجزيرة العربية إلى الشرق، لكن بقي البعض منهم في شبه الجزيرة، وبالتحديد في المنطقة التي تقع بين البحر الأحمر والخليج.

وفي عام 854 قبل الميلاد عرفت سجلات الآشوريين باسم العرب، ومع اتحادهم في اللغة انقسموا إلى جماعتين؛ “القحطانيون” وكانوا يقطنون شمال غرب اليمن، و”العدنانيون” كانوا يعيشون شمال شبه الجزيرة العربية، وظل العرب ينتقلون بحرية شديدة بين شبه الجزيرة مع جوارها حتى مصر، إلى أن قُطعت عليهم جميع الطرق باتفاقية “سايكس بيكو” المجحفة.

اليابان مرت بظروف قاسية في حربي هيروشيما وناجازاكي، لكنها تمسكت بدينها ووضعها وتعلموا العلوم الأوروبية فأصبحت دولة كبرى تناطح الدول العظمى في الصناعة، ليطرح السؤال نفسه: هل تستطيع الأمة أن تطور من نفسها كما فعلت اليابان؟، أم ستبقى كما هي تدور في حلقة مفرغة تنهش في جسدها الأمم الأخرى؟.. لكن قبل الإجابة يسرد الواقع حقيقة لا شك فيها؛ أن أي أمة لا تعلوا إلا بالإرادة والعمل الدؤوب، ما يشير إلى أن أمتنا العربية لن تعود الأمة لمجدها وسابق عهدها إلا إذا تحولت من أمة مستهلكة إلى أمة مُنتجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى