تقارير و تحقيقات

مصير محطة الضبعة النووية في زمن الحرب الروسية-الأوكرانية

كتبت: مروة محي الدين

محطة الضبعة النووية.. هو ذلك التطلع المصري نحو مستقبل تتوفر فيه مصادر نظيفة آمنة للطاقة.. مشروع كانت بدايته في أواخر سبعينيات القرن الماضي -حسب ما نشره موقع هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، ويهدف المشروع إلى بناء أربع وحدات  من مفاعلات الماء المضغوط PWR من الطراز الروسي  (VVER-1200 “AES-2006”) بقدرة 1200 ميجاوات لكل وحدة- الأعلى انتشارًا على مستوى العالم.

والمشروع يتبع هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA)- التي تعد المالك والمشغل له، ويقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتنتمي مفاعلات المحطة إلى نوعية مفاعلات الجيل الثالث المطور، والتي تتطابق تماما مع متطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، الموضوعة بعد حادثة فوكوشيما.

المشروع يتم بمشاركة روسية فيقول الدكتور “منير مجاهد” -المهندس المقيم لمشروع المحطة النووية بالضبعة ونائب رئيس هيئة المحطات النووية للدراسات سابقًا: “تتكفل روسيا بإنشاء كامل المحطة المكونة من أربعة مفاعلات من (ألف) إلى (ياء)، وكذلك تدريب الكوادر البشرية على التشغيل والصيانة، وتوريد الوقود النووي- إذ أنه بموجب تعاقدهم مع مصر ينبغي أن تلتزم روسيا بتوريد الوقود النووي على طول عمر المحطة”.

ووفقًا لما أعلنه موقع هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، تشارك بعض الشركات المحلية المصرية في عمليات تشييد وبناء المحطة حيث تصل نسبة المشاركة المحلية إلى 20% للوحدة الأولى، وتزداد هذه النسبة تباعا مع ازدياد عدد الوحدات الى أن تصل الى 35% مع الوحدة الرابعة. 

ويقول الدكتور “مجاهد”: “إن إنشاء المحطة النووية لم يبدأ بعد، فما زلنا في مرحلة الحصول على تراخيص إنشاء المحطة من هيئة الرقابة النووية والإشعاعية -مراعاة لعنصر أمان المحطة، فلم يزل أمامنا قرابة أربعة أو خمسة شهور حتى يتم إنهاء التصريحات والتراخيص للبدء في إنشاء المحطة”.

مستقبل “الضبعة” مع المعطيات الراهنة: 

وعن عملية إكمال المشروع والمشكلات التي يمكن أن تواجه مصر على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، قال “مجاهد”: “أي حديث منا في هذا الموضوع هو “رجمًا بالغيب”، لأننا نتحدث عن دولة ضخمة جدًا واقتصادها قوي جدًا، وعليه لا أعتقد أن عملية توريد المحطة النووية قد تتأثر بالأحداث، إنما ما يمكن أن يتأثر بالأحداث أمور أخرى فيمكن أن يحدث لدينا مشكلة في الغذاء وتحديدًا القمح، لأننا نستورد معظم استهلاكنا للقمح من الخارج ومن روسيا وأوكرانيا تحديدًا، وهو ما يمكن أن يتأثر قبل المحطة النووية، إذا لم يزل أمام إنشاء المحطة سنوات”.

مشروع محطة الضبعة النووية – موقع هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء

وقد صدق على حديث مجاهد حول الوقت الذي يحتاجه إنشاء المحطة، إذ انه حسب ما أعلنه الموقع يحتاج المشروع حتى بدء تشغيله إلى مدة تتراوح بين (9-11) عام، مقسمة إلى ثلاثة مراحل: الأولى (المرحلة التحضيرية) -بدأت منذ ديسمبر 2017- وتهدف إلى تجهيز وتهيئة الموقع لإنشاء المحطة النووية، وتحتاج لمدة تتراوح بين عامين ونصف إلى أربعة أعوام؛ الثانية (مرحلة الإنشاء) -وتبدأ بعد الحصول على إذن بدء الإنشاء- وتشمل كافة الأعمال المتعلقة بالبناء والتشييد وتدريب العاملين والاستعداد للبدء في اختبارات ما قبل التشغيل، وتتراوح مدتها بين 5 أعوام ونصف؛ الثالثة (مرحلة الاختبار) مرحلة الحصول على إذن إجراء اختبارات ما قبل التشغيل، وفيها يتم إجراء اختبارات التشغيل وبدء التشغيل الفعلي، وتستمر حتي التسليم المبدئي للوحدة النووية وإصدار ترخيص التشغيل، ومدة اختبارات ما قبل التشغيل تصل إلى 11 شهر.

لكن “مجاهد” استثنى من توقعه بعدم تأثر المشروع بالأحداث حالة واحدة، إذ انه وفق توقعه قد يتأثر إنشاء المشروع يتعطل حال “حدوث حرب عالمية جديدة”- وفق تعبيره، وهو الاحتمال المستبعد -من وجهة نظره- إذ يقول: “ليس هناك من بين القوى العظمى من يرغب الدخول في حرب عالمية، فقد يفرضوا عقوبات على روسيا، او يمدوا أوكرانيا بالسلاح، لكن ذلك دون دخول ساحة الحرب، لأنه هذا يحمل الدخول في حرب نووية قد تدمر العالم بأسره، فالتعقل هنا يحكم هذا القرار”.

الدخول إلى مصطلح الحرب النووية يتماس مباشرة مع وضع “بوتين” أمس -الأحد- قوات الردع النووي الروسية في حالة استنفار، وعلى هذا علق “مجاهد” قائلًا: ” ليس من المحتمل أن تتطور الأمور لحرب نووية، إنما ما يحدث أن كل طرف يعظم في قدرته ويظهرها”.

 وجود مثل هذا السيناريو القاتل -مهما كان ضعفه- يجعلنا نتسائل عن البديل الذي يمكن أن تلجأ له مصر حال احتدام الأوضاع في روسيا، وعلى هذا أجاب “مجاهد”: “هناك الكثير من الدول المصدرة للتكنولوجيا النووية، ولنا معها اتفاقيات تعاون ويمكن أن نلجأ لها في هذه الحالة، مثل: أمريكا وفرنسا وكوريا والصين”.

لكن الدكتور “مجاهد” -الخبير في مجال التكنولوجيا النووية- استدرك بعين الخبير متحدثًا عن مميزات الجانب الروسي في هذا المجال فقال: “التكنولوجيا الروسية لها مميزات أكبر من غيرها في هذا المجال، من أهمها إن روسيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تنشئ محطات نووية من (الألف إلى الياء)، إنما باقي الدول بما فيها أمريكا لابد أن تتعاون مع دول أخرى في تصنيع بعض الأجزاء أو المراحل أو المعدات”.

وفي رؤيته أن ذلك يحمل ميزة كبيرة لمصر حيث قال: “لن يمكن لأحد الدول أن تضغط علينا بعدم توريد المحطة، حيث وقفت العديد من الدول -من البداية- مثل أمريكا ضد إنشاء محطة نووية في مصر، وعليه فهذا لن يحدث سواء بالضغط المباشر بعدم التوريد، أو غير المباشر بالضغط على أحد الدول لمنع توريد أجزاء المحطة للدولة المصنعة لحسابنا”.

ووفقًا لرؤية “مجاهد” فإن ذلك ما يعطينا “نوعًا من الأمن في إنشاء المحطة”، وذلك مثلما حدث في إنشاء روسيا للمحطة النووية في إيران، “للروس تجربة مهمة في التعرض للضغوط لعدم إنشاء محطة نووية في إيران، غير أنهم لم يستجيبوا وأكملوا مهمتهم”، وقد كان إنشاء المحطة في إيران من وجهة نظر “مجاهد” الهندسية “عملية شديدة الرقي والتعقيد”، ذلك أن “المحطة بدأ إنشاءها بالتعاون مع ألمانيا ثم توقف، وكان إصرار إيران على استكمال المحطة ذاتها، فقد تم إنشاء مبنى المفاعل بالتكنولوجيا الألمانية، فاضطر الروس إلى نشر حوائط سمكها متر، لتركيب المعدات الروسية التي تختلف أبعادها عن أبعاد المحطة الألمانية”، وعليه يكون اختيار روسيا لتبني المحطة المصرية “اختيار صائب جدًا”- وفقًا لمنظوره.

تعقيدات عملية البناء ليست هي كل ما يحمله المشروع، فتعقيدات التدريب والتشغيل تحدٍ آخر حال ما طال أمد الحرب التي تدور رحاها في الشرق، وفي هذا يقول “مجاهد”: “أعتقد إن روسيا -وهي الطرف الذي يتعين عليه القيام بهذه المهمة- لن تتعرض لقصف أو غزو أو أن يهجر سكناها، لأن الفارق كبيرة في القوة بينهما وبين أوكرانيا، وعليه سيكون التدريب واستقبال الخبراء من هناك أمرًا متاحًا، فحتى العقوبات المعلنة حتى الآن ليست هي التي تؤدي لانهيار دولة بحجم روسيا، ولن يصل حجم العقوبات حد توقيع عقوبات على الدولة المتعاملة مع روسيا، فيكون هناك خطر على مصر من التعاون معها”.

وعن إجمالي الوضع الحالي للمشروع، وخطواته القادمة في المستقبل القريب أكد “مجاهد”: “أن خطوات المشروع تمضي بشكل طبيعي، فمازلنا في مرحلة الحد الأدنى من القلاقل”. 

“الضبعة”… بوابة سلمية للمستقبل المصري: 

وعن الإضافة المتحققة من مشروع محطة الضبعة في مستقبل مصر، قال “مجاهد”: “الطاقة النووية مثل حد السكين يمكن أن نحصل منها على منافع شتى ويمكن أن تستخدم في أغراض مميتة، وبما إن المحطة المصرية محطة سلمية، فهذا يعني أنها لن تستخدم لأغراض عسكرية، وعليه فهي تخضع لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكد من أن الوقود النووي يستخدم في الغرض الذي أنشئت المحطة لأجله، والغرض الأساسي للمحطة المصرية هو توليد الكهرباء، ويمكن أيضًا استخدامها في تحلية مياه البحر”.

وفي المستقبل البعيد تابع “مجاهد”: “يتجه العالم لاستخدام الهيدروجين بدلًا من الغاز الطبيعي والوقود الحفري، فيمكن أن تستخدم المحطة النووية في توليد الهيدروجين، إذ أنه بنهاية القرن الحالي سيشيع استخدام الهيدروجين، وهو ما يمكن أن يمثل إنقاذ للعالم، لأن حرق الهيدروجين ينتج المياة، فهو عنصر يختلف عن الأكاسيد النيتروجينية وثاني أكسيد الكربون الذي يهدد البيئة، فضلًا عن أن الطاقة النووية -بغض النظر عن استخدام الانشطار النووي في صنع الأسلحة أو توليد الكهرباء أوتحلية المياه- لها استخدامات عديدة موجودة في مصر والعالم في الطب والزراعة والصناعة  مثل: العلاج بالإشعاع، والفحوص الطبية، وعلاج المحاصيل الزراعية… وهكذا”.

واختتم “مجاهد” حديثه -لليوم- بالتأكيد على أهمية المشروع الذي يمثل له أهمية خاصة فيقول: ” محطة الضبعة عنصر أساسي في المستقبل، وإن لم تكن المستقبل كله”، فقد قضى “مجاهد” سنوات طويلة من عمره في المساهمة للوصول إلى هذا المشروع، حيث قال: “عملت لسنوات طويلة بهيئة المحطات النووية قبل وصولي سن التقاعد، لذا أتمنى أن أرى هذا المشروع واقعًا على الأرض ويتطور، لأشعر أن عملي على مدار السنوات الماضية قد أتى الخير لمصر”.                 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى