تقارير و تحقيقات

الاستثمار الأجنبي تحت المجهر.. أصول الدولة بين الشراكة والبيع والأمن القومي

  • سنغافورة نجحت اقتصادياً بعد إعدام الفاسدين
  • “مادورو” قام بتأميم الشركات التي تلاعبت بالأسعار
  • لا يعقل أن يكون وزير المالية متخصصاً في التأمين
  • الاستعانة بالكفاءات مخرجاً وحيداً من نفق الديون والاقتراض
  • استمرار غياب كفاية الإنتاج يضطر الدولة لمزيد من الديون الخارجية
  • العقود هي الضامن الأول لحقوق مصر في الشراكة الخارجية
  • رجال الأعمال عليهم مسؤولية مجتمعية مشروطة بعدم الخسارة
  • صندوق النقد الدولي يهمه الاستدانة المستمرة ولا يهتم بمصالح الشعوب
  • ضد بيع أصول الدولة وأدعم الشراكة
  • “سوق احتكار القلة” آفة الاقتصاد المصري.. و”سوق المنافسة الكاملة” يملك الحل
  • الحديث عن تخفيض الأسعار قريبا غير منطقي إلى حين انتهاء دورة رأس المال

كتب – عماد نصير

لا يخفى على كل ذي سمع ما بات حديثاً لكافة المجالس بين المختصين وغيرهم من العامة، خاصة فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي العام، وجل حديثهم ينصب حول صفقة “رأس الحكمة” ورأس جميلة المزمع الإعلان عنها قريباً.

وللحديث حول الجدوى الاقتصادية من عملية الشراكة التي يتم اتهامها بأنها بيع لأصول الدولة، وبالتالي حرمان الأجيال القادمة من مقدرات وطنهم.. “الـيــوم” تفتح ملف الشراكة الخارجية مع الخبير الاقتصادي د. رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، للفصل في ماهية الصفقة وجدوى إبرامها على الاقتصاد المصري وجذب الاستثمار الخارجي.

الجدوى والنتائج الإيجابية وراء مشروع رأس الحكمة على النهوض بالاقتصاد المصري؟

تكمن الجدوى بشكل مبدئي في حل المشكلات الأساسية، والتي بدورها تتمثل في أمرين اثنين، أولهما نقص العملة الصعبة، ما ترتب عليه بالتبعية مشكلات أخرى على رأسها عزوف المستثمرين، ولعل المستثمر المصري “سميح ساويرس” مثالا حيا على ذلك، حيث أشيع عنه نية خروجه من السوق المصري لصعوبة تقييم حجم أعماله نظراً لتعدد قيمة صرف العملة الصعبة بين البنوك والسوق الموازي والمعروف بـ “السوق السوداء” وغيرها، أما ما تم دفعه للحكومة المصرية والذي بلغ 35 مليار دولار فقد أثروا إيجاباً على نشاط السوق المحلي، حيث تم إنعاش البنوك وحركة التداول الداخلي، ما أثمر عن شبه قضاء على السوق السوداء وبالتالي سعر موحد للدولار، وفقاً لاشتراطات ومعايير صندوق النقد الدولي، وهذا في حد ذاته أمر جاذب ومريح للمستثمر، كون السوق المصري أصبح به سعر واحد للعملة الصعبة وليس مجموعة أسعار.

النقطة الثانية والأهم، أن المشروع المعلن عنه وهو مشروع رأس الحكمة “شراكة” وليس بيعاً، ففي السابق تم بيع أصول ثابتة للدولة لرجال أعمال معروفين مثل “هشام طلعت مصطفى وغيره، ما ترتب عليه حرمان الأجيال القادمة من أصول لهم الحق فيها، أما رأس الحكمة فهناك عقود وبنود اتفاق تنص على الشراكة، وباشتراطات عمالة مصرية، وبالتالي تنشيط السوق المحلي بشركاته وبالعمالة المصرية، وهو الأمر الذي يترتب عليه تقويض مشكلة البطالة، وفضلاً عن الشراكة تملك مصر منها ما قيمته 35% من كافة نتائج المشروع، وهو ما يعد مورد آخر ومستمر للعملة الأجنبية، وجميعها مزايا ومكاسب هامة للمشروع.

سر الفجوة بين الإعلان عن المشروعات العملاقة وزيادة الأسعار بشكل مضطرد؟

ليست بالعلاقة المباشرة، إلا أن الحديث عن تخفيض الأسعار فهناك حجة لدى كبار التجار، تتمثل في أن سعر شراء المنتج كان قرابة الـ 70ج للدولار حينها، فالحديث عن تخفيض الأسعار قريباً غير منطقي إلى حين انتهاء الدورة الحالية وبداية دورة رأس مال جديدة، كون الشراء سيتم بسعر الصرف الحالي، وهنا تكمن منطقية الطرح.

كما يبرز دور الدولة هنا، فكان الأجدر ان توفر سلعاً بشكل سريع وبأسعار مخفضة للخروج من الأزمة، حتى يستشعر المواطن إيجابية عقود الشراكة الخارجية متمثلة في إنعاش السوق المحلي وتخيض الأسعار وغيرذلك، خاصة وان هناك مشروعات شبيهة قادمة مثل “راس جميلة”.

بالحديث عن رأس الحكمة.. ماذا عن ما أثير مؤخراً عن مشروع رأس جميلة من المنظور نفسه؟

هو مشروع مكمل ويحمل الأهداف الإيجابية ذاتها من حيث توفير فرص عمالة وعملة أجنبية وغير ذلك، إلا أننا نامل ان يتم الإعلان عن بنود العقود ويكون هناك مزيد من الشفافية والمعرفة، حتى يتسنى لنا معرفة أية عقبات قد تتصدر المشهد مستقبلاً، أو يكون فيها ما لا يخدم مصلحة مصر بشكل مباشر، وهنا نستحضر مثال ما تم بيعه لرجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، حيث ابرمت صفقة البيع له، وبعدها بأيام قام بدوره بالبيع لمستثمرين إماراتيين، إذا نستخلص أن عقود البيع لم يحدد فيها عدم البيع لمستثمر أجنبي، وهو ما يترتب عليه إمكانية البيع لمستثمرين من دول وجهات معادية، وهو أمر بالغ الأهمية، لذا فالأمر يستوجب مزيد من العلانية والشفافية لنقف على ما فيه مصلحة مصر أولاً وأخيراً، وهذا الكلام ينطبق على رأس الحكمة أو رأس جميلة وغيرهما من المشروعات ذات الشراكة.

لو كنت في موضع المسؤولية المباشرة.. ما هي قراراتك العاجلة في هذه المرحلة؟

أمور كثيرة.. على رأسها تيسير مهمة المستثمرين في إقامة المشروعات والقضاء على البيروقراطية التي تعطل عجلة الإنتاج بشكل كبير، إلى جانب القضاء على الروتين والفساد، وبلا شك تحسين وتعزيز البنى التحتية التي من شانها جذب استثمارات خارجية، والتي توفر فرص عمل حقيقية وجادة، فضلاً عن عنصر هام يتمثل في الاهتمام بالصناعة، وهي مورد هام من موارد توفير العملة الأجنبية بخلاف التجارة.

هل أسهمت المشروعات بشكل فعلي في حل أزمة الدولار والقضاء عليها؟

نعم إلى حد كبير ويتوقف ذلك أيضاً على طريقة إدارة الأموال في الفترة القادمة، فلا يصح مثلاً أن توجه جميعها لسداد الديون الخارجية وترك البنوك بدون عملة أجنبية، حتى لا يضطر المستثمر إلى اللجوء للسوق السوداء كما كان الأمر في السابق، حتى لا نعيد الكرة وندخل في الدوامة نفسها، ونواجه ثانية هروب المستثمر لمناخ أكثر استقرارً.

وهنا تكم الحكمة في إدارة ذلك الملف على مدار مدى زمني طويل، بحيث يستشعر المستثمر بأمان توافر العملة الصعبة التي تعينه على إدارة أعماله.

ما هي توصياتكم كخبير اقتصادي للاستثمار الحالي وصغار المستثمرين؟

الأمر يتوقف على الخبرات الشخصية للأفراد بشكل أساسي، على سبيل المثال فخبرتي الشخصية لأكثر من 40 سنة في مجال الصناعات البلاستيكية، وقمت بتطوير العديد من المصانع في مختلف دول العالم، وبالتالي إذا قررت خوض الاستثمار الخاص فلن يكون مثلاً في مجال الأخشاب، وبشكل أكثر دقة كل المشروعات آمنة بشرط عمل دراسات جدوى جيدة ودراسة السوق المستهدف باحتياجاته والبحث عن الفجوات الاقتصادية أو ضعف المنافسة مع المستثمرين الآخرين والعمل عليها، بالتالي سيكون هناك طلب على ما نقدمه من منتجات وهو ما يمثل نجاحاً للمشروع، إذا الأمر متوقف على إدارة الاستثمار ودراسة احتياجات السوق.

كما أن التوجه الحالي نحو المشروعات الاستهلاكية كالمطاعم مثلاً، ليس بالأمر الذي تحتاج إليه الأمم في بناء نهضتها، بل الصناعة بصفة عامة والصناعات الثقيلة بصفة خاصة.

بالحديث عن ذلك نستشهد بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وهو من المعروف أنه كان رجلاً عسكرياً وليس رجل اقتصاد، إلا انه بالنظر لما أنشىء في عهده من مشروعات، لنا أن نقول بأنه إما كان رجل اقتصاد ماهر أو كان يملك مستشارين مهرة بالفعل، وقدم للمستثمرين خطة عمل ناجحة تماماً، تلخصت في أن من يقوم بعمل مشروع صناعي ستقرضه الدولة من 3:5%، اما المشاريع الزراعية فمن 5:7% تزيد في حالة المشاريع الخدمية إلى 7:9% لتصل تلك النسبة إلى 9:11% في حالة المشروعات الخدمية، وفي ذلك امتياز للصناعة بلاشك، كونها المحرك الرئيسي في خلق فرص عمل كثيفة، عدا عن كونها تدخل في التصدير وتوفير سلع كنا نضطر لاستيرادها من الخارج.

ومصنع قد لا تزيد مساحته عن 300م تقريباً ربما يوفر مئات من فرص العمل الجادة، وذلك بالعكس من التجارة، فهي تاخذ من رصيد العملة الأجنبية للخارج، ما يترتب عليه حرمان الدولة من مصادر العملات الأجنبية، وهذه في حد ذاتها رؤية اقتصادية مميزة، لا سيما وأنه رجل له خلفية عسكرية وليس رجل اقتصاد، إلا أنه فطن لأهمية الصناعة ودورها التنموي.

واستشهد “عبده” بالنموذج الصيني في الاقتصاد قائلاً: “الصينيون عرضوا امتيازات ضريبية وجمركية هائلة لمدة خمس سنوات، للمستثمرين في مجالات لا ينشط أو يتميز فيها المستثمر الصيني”، وكانت الرؤية ناجحة بالفعل، حيث أن الفرد الصيني في غضون تلك المدة سيكون قد امتهن واحترف تلك الصناعة، وبالتالي أصبحت مهنة “موطّنة” وليست حكراً على مستثمر خارجي، وبالتالي بعد مرور مدة السماح وانخراط العمالة الصينية في تلك الصناعات، أصبح لزاماً على المستثمر أن يدفع الضرائب أو يتحول إلى مجالات صناعية أخرى يستفيد من امتيازاتها الحكومية، نظراً لأن مواطني الصين أصبحوا يجيدون تلك الصناعة، فلا داعي لمنح امتيازات للمستثمر بعد المدة الممنوحة، وهذا إجراء ذكي يفيد المستثمر ويرفد عجلة التنمية والاقتصاد المحلي بشكل مثالي وفاعل.

هل الشراكة مع مستثمر أجنبي من الأساس تعتبر حلاً مثالياً في الفترة الحالية؟

الشراكة عموما تعتبر حلاً، شريطة أن تحدد الدولة ما يلزمها من مشروعات، وهنا نستحضر ثانيةً الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فقد أنشأ عدداً ضخماً من المشروعات التنموية الكبيرة، مثل مصنع الحديد والصلب والألومنيوم والنحاس والكيماويات وغيرها الكثير من المشروعات العملاقة، وهذا ما يسمى بالإنتاج والاقتصاد الحقيقي، الخطوة الثانية تكمن في الشراكة، شريطة أن تكون في مشروعات إنتاجية تنموية في مجال الصناعة، وهنا لا ننتقص من أية مشروعات من شأنها توفير فرص عمل للشباب.

ما هي حدود المسؤولية المجتمعية التي تقع على عاتق رجال الأعمال والمستثمريين؟

المستثمرون لهم دور كبير وذلك في حدود وشريطة “أن لا يخسر” فالوطنية ليست في أن أعمل وأخسر رؤوس أموالي، وهنا أستشهد بموقف رجل الاعمال “سميح ساويرس” حين قيل على لسانه بأنه ينوي سحب استثماراته للخارج، وكنت في موقف الدفاع عنه، فهو يستورد سلع ومنتجات من الخارج، وكان يجد صعوبة في تقييم أعماله نظراً لتعدد سعر الصرف الداخلي نتيجة لوجود السوق السوداء، ومن هنا كان مطلب صندوق النقد الدولي بضرورة توحيد سعر الصرف، فالوطنية تكمن في تمهيد الطريق أمام المستثمر وتوفير المناخ الآمن الذي يدعمه ويسانده في تطوير صناعته وتحسين أعماله، وذلك دون البعد عن رقابة وعين الدولة لضمان ضبط الأسعار وعدم التضارب أو المغالاة فيها.

وأضاف د. رشاد: الحرية الاقتصادية ليست “باب مفتوح على مصراعيه” دون رقابة ومحاسبة، وهذا هو الفارق بين الحرية الاقتصادية والفوضى الاقتصادية، لذلك يقوم النظام الرأسمالي بإرساء ضوابط ومعايير صارمة ورقابة منهجية، فشتان بين الحرية الاقتصادية والاقتصاد الحر، فقد يفهم البعض ان الحرية الاقتصادية تتمثل في التحلل من الضوابط التي تفرضها الدولة والسوق، فهذه إن وجدت تصبح فوضى اقتصادية، والحل هنا يتمثل في وضع التسهيلات للمستمثر، مع حضور الدور المحاسبي والرقابي لضمان عدم الإضرار بمصالح المجتمع ككل لصالح البعض.

على من تقع مسؤولية غياب الاقتصاد المستدام في مقابل الاستهلاكي؟

ليست مسؤولية أفراد بل هي مسؤولية عامة على المجتمع ككل، إلا أن المسؤولية المباشرة بالدرجة الأولى تقع على عاتق الدولة، فالمستثمر بالقطاع الخاص إذا توافرت له امتيازات من الدولة تضمن له الربح، فلن يتوانى عن الإنخراط والعمل فيها، وهنا يتضح أن المسؤولية الأولى على الحكومة وسياسات الاقتصاد.

كيف يتم توجيه بوصلة الاقتصاد وهل يتم وفق حاجة المجتمع أم رؤية وحاجة رجال الأعمال؟

آلية تنفيذ الأمر حقيقة يجب أن تتم وفق حاجة المجتمع وفي القلب منها رجال الأعمال، فعند زيارتي لليابان لحضور مؤتمر دولي تابع للأمم المتحدة ويشارك فيه حوالي 190 دولة، وفي جلسة مع رئيس وزراء اليابان بحضور رئيس المؤتمر وعدد قليل من المشاركين على هامش أعمال المؤتمر، سألنا عن انطباعنا عن اليابان، فاجبناه بأننا لم يتسنى لنا الوقت الكافي لدراسة الوضع في اليابان، فطلب منا جلسة أخرى للإجابة على السؤال في نهاية أعمال المؤتمر الممتد لأيام، وبالفعل التقينا به ثانية وكان حديثي معه عن الارتفاع الكبير في قيمة الضرائب التي تحصلها اليابان، وأن ذلك من المفترض أن يخلق لديهم مخاوف

من هروب القطاع الخاص للاستثمار في البيئات الاقتصادية المحيطة، والتي تمنح إعفاءً ضريبيا مثل سنغافورة على سبيل المثال، فأجاب بالنفي معللاً أن الدولة تمنح المستثمر تسهيلات كبيرة جداً توفر له امتيازات تجعله لا يفكر بتلك الطريقة، لتصبح هنا المنفعة متبادلة بين الدولة والقطاع الخاص، فلابد أن يكون كل أطراف عملية الاستثمار في مربع واحد يحكمه المصلحة والمكسب لا الخسارة، لكن الأمر يتوقف على وجود كفاءات يمكنها إدارة المنظومة بشكل جيد.

ما هي إيجابيات وسلبيات تحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه وما الحاجة الملحة لذلك؟

مبدئياً.. بالإجابة عن سبب تعويم الجنيه، نحن بحاجة إلى العملات الأجنبية، وهنا بشكل اضطراري كان لابد من تلك الخطوة وفق توصيات صندوق النقد الدولي، فهو أولاً واخيراً بنك، يلزمه ضمان سداد القروض التي يمنحها للدول، وهنا فإنه يضع المعالجات الاقتصادية والضوابط التي تضمن له ذلك في المقام الأول ولا يهمه سوى ذلك بكل تأكيد، إلا أن الوضع الاقتصادي احتاج ذلك بسبب ازمة نقص الدولار، نتيجة لضعف الإنتاج والإقبال على الاستيراد الذي يستنزف العملة الأجنبية، والحل دائماً في الإنتاج الذي بدوره يغني عن الاستيراد من الخارج، وكان هذا نتيجة حتمية لغياب دور الحكومة في تقديم المساعدات اللازمة للمستثمرين، فضلاً عن غياب دورها الإنتاجي.

ومن هنا فأنا لست مع التعويم ولا الاقتراض، بل مع تحريك عجلة الإنتاج بشكلٍ كافٍ، فهو الضمان للخروج من دائرة التعويم والاضطرار للاقتراض من الخارج.

الإنفاق الحكومي.. هل يتم في سياقه الصحيح اقتصادياً أم هو بحاجة لتعديل مسار؟

بالنظر إلى آخر 10 سنوات لنا أن ننظر إلى مؤشر إنشاء المصانع والشركات الكبرى، والتي يبنى عليها توفير فرص عمل وتحسين سعر الصرف وتوفير المنتجات وتوفير العملات الأجنبية والتصدير، وبما أن الحكومة لم تقم بدورها بصورة كافية، ظهر هنا دور السياسات العكسية التي ترتب عليها تغيير سعر الصرف واللجوء لصندوق النقد الدولي.

هل صندوق النقد يشجع على الشراكة الثنائية معه وفق المصالح المشتركة؟

الصندوق يعمل لصالحه بالدرجة الأولى، بل العكس فهو لا يهتم بصالح المقترضين بالتساوي مع مصلحته وتحقيق مكاسبه، والتي تكمن في مزيد من اللجوء إليه والاقتراض منه، والمشكلة تتلخص في تراكم الديون وبالتالي الفوائد فتبرز الحاجة للاقتراض مجدداً، والحل دائماً في الإنتاج، فالإنتاج هو البديل والملاذ للآمن للبعد عن الاقتراض.

البعض يرى أن الدولة قد تبيع الأصول كتسكين مرحلي.. ما تعليقكم على هذا الطرح؟

أنا لست مع بيع الأصول على الإطلاق، فأصول الدول ليست ملكاً للجيل الحالي، بل هي مملوكة أيضاً للأجيال القادمة، وهنا يبرز مثال الصين وروسيا ودول الخليج في إنشاء الصناديق السيادية، فالبترول على سبيل المثال ليس حكراً على الأجيال الحالية، بل للأجيال القادمة نصيب فيه، ومن هنا تتلخص الرؤية في إنشاء الصناديق السيادية التي تحفظ بها الدول نصيب الأجيال القادمة من مقدرات أوطانهم، وذلك من خلال توجيه رؤوس أموال الصناديق السيادية لاستثمارات تدر عوائد مالية لصالح الأجيال القادمة تمكنها من العيش الكريم، وفي النموذج المصري تم بيع العديد من أصول الدولة، وهنا لابد من مراعاة مصالح الأجيال القادمة كونهم شريك في مقدرات الوطن وثرواته.

 ما هي الحلول السريعة لإزالة العقبات أمام نهوض الاقتصاد المصري؟

لابد من الاستعانة بشكل مبدئي وملح بالكفاءات التي من شانها أن تدير ذلك الملف بنجاح، فغياب الكفاءات عن المشهد أمر مدمر لاقتصاد أي دولة على مستوى العالم ككل، فكل مختص هو الأقدر على إدارة اختصاصه، ومن أبرز المشكلات التي يعاني منها الدول النامية ككل انها لا تستعين بالأكفاء، فوزير مالية مصر على سبيل المثال مختص في التأمين ويحمل درجة الدكتوراة في التامين”، وهو مجال بعيد عن منصبه الحالي، ووزير الزراعة يحمل درجة البكالوريوس في التجارة، وبالقول أن في الخارج يتم الامر هكذا بشكل طبيعي، نقول بأن هناك ما يسمى “الوزير السياسي” بخلاف الوضع لدينا فالوزير ليس سياسياً، ولكل وزارة وكيل أول تنفيذي يقوم بتنفيذ سياسات وعمل الوزارة، وهذا أيضاً ليس متوفراً لدينا، وبدوره يمثل مشكلة كبيرة جميعنا يشعر بها.

ما هي أبرز عوامل الاطمئنان في المرحلة القادمة؟

الاقتراض هو ما يمثل الخطر الحقيقي، والأجداد كانوا يقولون “الدين هم بالليل ومذلة بالنهار”، فلماذا قد ألجأ إلى الاقتراض ثانيةً، ولماذا أفرح بموافقة صندوق النقد الدولي على منحي قروضاً جديدة، فكلها ديون تثقل كاهل الدولة.

وهنا يجب أن نعي أن سداد تلك القروض لن يكون إلا بالعمل وتحريك عجلة الإنتاج، حتى لا تمثل تلك الديون عبئاً على الأجيال القادمة، فالعمل والإنتاج هما المخرج وعناصر الاطمئنان للخروج من تلك الأزمة.

ما هي ضوابط الشراكة مع المستثمر والشريك الأجنبي والتي تضمن مصلحة الوطن؟

العقود هي الضامن الأول والأخير لأي شراكة، ولابد من الاسترشاد بعقود الشراكة المعروفة على مستوى العالم ككل، بحيث نتحصل من خلالها على ضمانات كافية تخدم الصالح المصرية، وبالحديث عن تلك النقطة الهامة يحضرني ما قام به رئيس وزراء سنغافورة الأسبق “لي كوان يو” والذي حكم البلاد لمدة ثلاثة عقود ويعتبر الأب المؤسس لسنغافورة الحديثة، حيث تسلم البلد مليئة بالفساد والعصابات والمافيا وأمور سلبية كثيرة جداً، إلا أنه أدرك أن ترتيب المشهد الداخلي لن يتم إلا وفق أمرين اثنين، إما بناء اقتصادي أو بناء قانوني، وقد كان يحمل درجة الدكتوراة في القانون، فقام بسن قوانين محاربة الفساد، تقضي بإعدام الفاسدين أياً كانت درجة الفساد أو كانت مراكزهم، وبعد أقل من ثلاثة أشهر من توليه تم ضبط اثنان من وزراء حكومته في قضية رشوة، فلم يتردد في إعدامهم.

وكان هذا التصرف رادعاً لكل من تسول له نفسه الاعتداء على مقدرات سنغافورة، وبالفعل تم ضبط الشارع العام وبدات النهضة الاقتصادية التي نراها حالياً، والمفارقة أنه قام بزيارة مصر للاستفادة من النموذج المصري الناجح حينها.

إذاً فالعقود “المحبوكة” تعتبر هي الضامن الأول لحقوق الدولة، ونستشهد هنا برجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، حين باع 40% تقريباً لمستثمر إماراتي، فلم تكن العقود تنص على عدم البيع لمستثمر أجنبي، وبالتالي الباب مفتوح للبيع لأي مستثمر أياً كانت هويته، وبالتالي وجب أن نأمن ذلك الجانب من خلال وضع ضوابط وقوانين تضمن مصلحة الوطن.

البعض يرى بأن بقاء القطاع العام أءمن لأصول الدولة من بيعه؟

بعد 25 يناير البعض بلع الطعم ظناً أنها ثورة اشتراكية ستعيد الحقوق لأصحابها وفق مفهومهم، فشركات قطاع الاعمال التي كانت مملوكة للدولة وقامت ببيعها للقطاع الخاص على سبيل المثال، قام العمال فيها برفع قضايا لضمها ثانية لحاضنة الدولة، فهي مع الدولة مرتعاً للفساد، كما قام العمال بتخريب معدات بعشرات الملايين لتحقيق مكاسب شخصية، فما كان منهم إلا ان قاموا بتقطيع المعدات للاستحواذ على قطع ذهبية تدخل في صناعتها تقدر ببضعة آلاف فقط، فضلاً عن الاستحواذ على كافة الملفات التي تضمن حقوق الشركة وبالتبعية حقوقهم الشخصية، جهلاً منهم بحقوقهم من الأساس وكل ما يهمهم هو العودة لتبعية الدولة، فأماكنهم ومستقبلهم الوظيفي محفوظ حتى ولو كانت الشركة متعثرة وتخسر، وذلك فق مفهومهم الضيق، وحينما رفع أصحاب تلك الشركات قضايا تحكيم دولي حصلوا على أحكام لصالحهم وتم تعويضهم.

 هل بإمكان الحكومة التوفيق بين رغبة الشعب وصندوق النقد الدولي كلاهما في آن واحد؟

هذا أمر مستحيل تماماً، فحينما تضطر دولة ما للاستدانة من الصندوق فهي بلا شك بحاجة ماسة له، ومن هنا يضع الصندوق شروطه التي يجب القبول بها، ولا يقبل إلا بضمانات تنفيذها على أرض الواقع، وليس من حق المدين وضع أو إملاء أية شروط تخدم مصالح شعبه، وكما يقول الحديث الشريف “اليد العليا خير من اليد السفلى”، هذا ينطبق أيضاً على علاقات الدول بكيانات اقتصادية، وهنا يمكننا القول بأن الأمر يتوقف على حجم حاجة الدول، فهي من تقرر ما إن كانت مضطرة للرضوخ للصندوق أو البحث عن بدائل، وصندوق النقد الدولي ما هو إلا بنك وحصص لدول، يوجهها بما يحقق مصلحة تلك الدول، وهناك نموذج للقروض يسمى بالقروض الدوارة، وهي تستوجب وضع شروط قاسية لضمان الالتزام بالسداد مع المراجعات المستمرة “التفتيش” من الصندوق لضمان انسيابية دفعات القرض المطلوب.

ما هي التوصيات التي من شأنها إحداث التغيير والتأثير الإيجابي المطلوب على الاقتصاد؟

العمل ثم العمل، وذلك في مسار واحد مع تعزيز وتطوير البنية التحتية ودعم الاستثمار والعمل على جذب الاستثمار من خلال توفير المناخ الجاذب والآمن لرؤوس الأموال الخارجية، وكما استشهدنا بنموذج سنغافورة، لابد من القضاء على الفساد الذي يقوض عجلة الإنتاج ويضعفها، مع عدم إغفال العنصر الأهم والمتمثل في اختيار الكفاءات بعناية ودقة فائقة، بعيداً عن اعتبارات ما يسمى بـ “أهل الثقة” أو غيرها من المسميات.

بالنظر إلى الحياة السياسية في أمريكا على سبيل المثال، من المعروف أن الرئيس الأمريكي يتسلم الحكم في يناير بالرغم من إجراء الانتخابات في نوفمبر، كما أن شعار الحزب الديمقراطي في أمريكا برغم التطور والحداثة مازال الحمار، وهنا نستخلص أن المبادئ والثوابت لا تتغير، والأمر ذاته ينسحب على الاقتصاد، فلابد من وجود سياسات ثابتة ومستقرة لضمان توافر عوامل الجذب المستمرة للمستثمر الأجنبي وتدفق رأس المال، فتغيير القوانين أو تخفيض قيمة الجنيه لا يسعدان المستثمر عكس ما هو سائد.

كما أنني عاصرت بنفسي واقعة غريبة كان أحد أطرافها رئيس الوزراء الراحل عاطف عبيد، وكان ينوي وقتها تخفيض قيمة الجنيه، فما كان مني إلا أن “ابتسمت” من استبشار الحضور بالخبر، فقال لي ممازحاً وكان بيننا صداقة قوية “مش عاجبك القرار”، فأجبته “نعم مش عاجبني” وانتظر غداً خسائر كبيرة في البورصة، وحدث ما توقعته نصاً وتم غلق البورصة بالفعل لتجاوزها نسبة 10%، فما كان منه رحمة الله عليه إلا أن اتصل بي صباحاً ليستطلع وجهة نظري التي خالفت الجميع وتحقق رؤيتي في وضع البورصة بعد تفعيل القرار، ولم تكن تكهناً على الإطلاق بل علم دراسة محسوبة، حيث أن هناك مستثمر وقت التخفيض يطمع في تحقيق المزيد من المكاسب من فرق العملة، كما يوجد مستثمر آخر خسر الفرق من هبوط قيمة الجنيه، وبالتالي في بعض الاحيان قد نظن أن ما نقوم به خطوة نحو الأمام، لنتفاجىء بانها كانت خطوة نحو الخلف وليست في الاتجاه الصحيح.

وأضاف د. رشاد: “الأمر ذاته ينطبق على الفرحة العارمة التي نراها في عيون الناس بعد قرارات زيادة المرتبات، فهي ظاهريا قرار صائب، إلا أن الحقيقة عكس ذلك تماماً، لأن المشكلة تكمن في التضخم وزيادة السيولة في السوق وبالتالي الغلاء، وهنا بعد القرار نعمل على زيادة السيولة في السوق، بالتالي يتم رفع الأسعار بشكل اكبر، فيزيد التضخم بصورة اكبر ويزيد معه معاناة المواطن بصور أكبر، بالتالي استهلاك الزيادة في المرتبات مع جزء من الأصل لسد الفجوة السعرية.

كل هذه ربما تكون حلول استراتيجية.. ماذا عن الحلول السريعة؟

ليست حلولاً على المدى البعيد على الإطلاق، بل يمكن البدء فيها من الغد، وعلينا أن نستلهم من تجارب الآخرين، فالرئيس الفنزويلي “مادورو” واجه ارتفاع الأسعار الذي عاني منه الشعب نتيجة للحصار المفروض على الدولة بإجراءات حاسمة ورادعة بشكل كبير، حيث حذر القطاع الخاص في أحد خطاباته من التلاعب بالسوق، وأن عليهم في غضون أسبوع تخفيض الأسعار وإلا.. البعض التزم والبعض الآخر لم يكترث، فما كان منه إلا أن قام بتأميم كافة المؤسسات غير الملتزمة بتوجيهات رئيس الجمهورية، وهي خطوة جريئة جداً، إلا أنها ساهمت في ضبط السوق بشكل كبير، وهنا لا نوصي بمثل هذا الإجراء بالطبع، فبعض دول الخليج تقوم بعمل آخر أكثر فاعلية يتمثل في “اجتماع حكومي مع كبار التجار والمستثمرين لتحديد سعر السلعة”، وهنا يكون رجل الأعمال مضطر للالتزام بما تم الاتفاق عليه نظراً لكون الحكومة قادرة على حرمانه من تراخيص الاستيراد مستقبلاً، وهو الأمر الذي يخشاه بالفعل، وكذلك الأمر في أمريكا فالأسعار تظل ثابتة لسنوات، فهم لديهم ما يعرف بـ “سوق المنافسة الكاملة”، حيث يوجد العديد من المنافسين والبائعين ولا يملك أحدهم قرار التأثير على الأسعار، وهنا يصبح قرار زيادة الأسعار في ظل كثافة العارضين أمر غير مدروس، فالمستهلك سينصرف عن البائع إلى آخر يقدم السلعة بسعر أرخص دون شك، فإما الالتزام بحجم المنافسة مع الفير، أو الخروج من السوق نظرا للعزوف عن ما يقدمه من سلع، والنموذج المصري يندرج تحت مسمى “سوق احتكار القلة”، فعدد محدود من التجار هم من يتحكمون في السلعة سواء إنتاجاً او استيرادً، وقد يتلاعبون في السوق بالاتفاق فيما بينهما على تحديد أو تثبيت سعر معين للسلعة، وهذا بدوره يسبب مزيدا من الأعباء على كاهل المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى