عرب وعالم

شجرة الصّمغ العربي في محافظة ظفار.. أهمية طبية واقتصادية

عبدالله تمام

تعد شجرة الصمغ العربي “Acacia Senegal” التي تسمى محليًّا “ثوُر” وإقليميًّا “الهشاب”، من الأشجار المحلية التي تنمو في محافظة ظفار بسلطنة عمان ويستخرج منها الصمغ العربي “ملُخ”، ذو الجودة الطبية والقيمة الغذائية العالية.
وتنمو هذه الشجرة في المناطق الجافة وشبه الاستوائية في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية من السنغال غربًا إلى الصومال شرقًا، وتمتد عبر شبه الجزيرة العربية إلى الهند وباكستان وصولًا إلى أستراليا، إلا أنه لم يتم تسجيل هذه الشجرة في شبه الجزيرة العربية عدا محافظة ظفار بحسب كتاب “نباتات ظفار” من تأليف “ميلر وميرندا، 1988م”.
وتنتمي شجرة الصمغ العربي المعمرة إلى جنس “أكاسيا” وهي متساقطة الأوراق، ويصل ارتفاعها إلى قرابة 6 أمتار، وأزهارها سنبلية بيضاء تميل إلى اللون الأصفر.
وتشير دراسة علمية حديثة أجراها الباحثان سعيد تبوك وعبدالعزيز المعشني بعنوان “أهمية شجرة الصمغ العربي في محافظة ظفار” إلى وجود انتشار واسع لأشجار الصمغ العربي في سلسلة جبال ظفار التي تحظى بفوائد طبية وغذائية واقتصادية متعددة.
وحول الأهمية التاريخية للشجرة، يقول عبدالعزيز بن أحمد المعشني الباحث في التاريخ: إن الصمغ العربي كان يصدر من موانئ ظفار إلى الأسواق العالمية بكميات كبيرة وأسعار مرتفعة خصوصًا في القرن التاسع عشر ويدل على ذلك الانتشار الواسع للشجرة حاليًّا في سلسلة جبال ظفار، واستمرارية إنتاجها للصمغ العربي.
وأضاف أن أهالي محافظة ظفار استفادوا قديمًا من شجرة الصمغ العربي، وكان لها تأثير في الحياة الاقتصادية لمعظم الفئات الإنتاجية من الرعاة والنحالين والمزارعين والتجار والصيادين والحرفيين؛ لذلك تعددت استخداماتها وفوائدها.
وأردف قائلاً: “لجنة دستور الأغذيـة العالميـة أقرت في عـام 1978 -بتوصية من منظمة الأغذية والصحة العالمية- أن شجرة الصمغ العربي هي نفسها الشجرة التي تعرف في محافظة ظفار باسم “ثُور”، وكذلك يُعرف الصمغ العربي في السودان على أنه الصمغ المستخرج من شجرة الهشاب “الثٌّور”.
ووضّح المعشني أن شجرة “ثُور” أو “الهشاب” تحظى بزيادة الطلب على مادة الصمغ العربي المستخرجة منها في الأسواق العالمية، وتختلف عن مادة شجرة صمغ الطلح المنافسة والمشابه لها نظرًا لاختلاف خواصها التصنيعية والطبية والغذائية، مبينًا أن السودان تُعد أكبر مصدري الصمغ العربي في العالم.
من جانبه قال المهندس سعيد بن مسلم تبوك الباحث في الهندسة الزراعية: إنّ سلسلة جبال ظفار تحتوي على غابات تسمى “غابات السحب الموسمية”؛ نظرًا لاعتماد هذا النوع من الغابات على الأمطار الموسمية التي تؤثر على المناخ في محافظة ظفار خلال الفترة الممتدة من أواخر يونيو إلى أواخر سبتمبر من كل عام.

وبيّن أن هذه الشجرة تتميز بقدرتها على التكيف في مختلف الظروف الطبيعية، وتتحمل الجفاف وشح الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، موضحًا بأنها تتركز في أعالي الهضاب، والمنحدرات الجنوبية المواجهة للبحر التي تتأثر بالرياح الرطبة، إلى جانب أعالي المنحدرات الملاصقة للسفوح الجبلية والوديان الجافة الواقعة في أطراف سهل ظفار شرقًا وغربًا.
وحول ثمار الشجرة، ذكر تبوك أن الصمغ العربي يتكون من عصارة صمغية طبيعية لزجة تظهر على جذع الشجرة بفعل الخدش والجرح نتيجة العوامل الطبيعية أو البشرية، وبعد أن تجف هذه العصارة تتحول إلى مادة صلبة بيضاء تميل إلى اللون البني، وإذا حفظت بطريقة مناسبة تظل لعقود من الزمن دون تغيّر؛ لأنها مادة مركبة من الكربوهيدرات والألياف الغذائية.
وأوضح بأن الصمغ في ظفار يمكن تصنيفه إلى نوعين: أبيض بلوري “جوهز أثٌّور” وهو عديم الفائدة، ونوع آخر أحمر داكن يميل إلى البني وهو الشائع والمستخدم. مبينًا أن شجرة الصمغ العربي تبدأ بإنتاج الصمغ بعد مرور 5 إلى 7 سنوات من زراعتها، مشيرًا إلى أن الشجرة الواحدة تنتج كميات من الصمغ العربي تتراوح ما بين 20 إلى 2000 جرام، فيما يبلغ متوسط إنتاج الشجرة الواحدة 250 جرامًا.
ولفت المهندس سعيد تبوك إلى أن الإنتاج الحالي للصمغ العربي العُماني في محافظة ظفار شحيح جدًا، ويكاد ينقطع، وقلما يحظى بطلب المستهلكين، باستثناء فئة قليلة من كبار السن، وبعض الرعاة الذين يحرصون على الاستفادة منه صحيًّا. مشيرًا إلى ارتفاع معدل اهتمام مربي النحل باستخراج عسل الصمغ العربي في ظفار بصورة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية.
واختتم الباحثان حديثهما بالإشارة إلى أهمية أن تكون هناك دراسة مستفيضة لهذه الشجرة؛ نظرًا لفوائدها الغذائية والاقتصادية الكبيرة سواء من الصمغ العربي أو العسل الطبيعي.
من جهة أخرى، أشار سعيد بن محمد الشحري رئيس قسم التنوع الأحيائي بالندب بالمديرية العامة للبيئة بمحافظة ظفار إلى حرص هيئة البيئة على الاهتمام بالأشجار الطبيعية والحفاظ عليها وبحث آليات وطرق التقليل من وتيرة تسارع تأثيرات التصحر على الغطاء النباتي.
وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق أهداف المبادرة الوطنية لزراعة 10 ملايين شجرة محلية من خلال اعتماد آلية جمع بذور النباتات البرية وتشتيلها وإعادة زراعتها، من بينها شجرة الصمغ العربي كونها إحدى النباتات المهمة في محافظة ظفار التي تسهم في الحفاظ على التوازن البيئي فضلًا عن أهميتها الاقتصادية والطبية.
وتطرق الشحري إلى جهود هيئة البيئة في تجميع بذور الصمغ العربي وتشتيلها وإكثارها في محافظة ظفار بين الفينة والأخرى من خلال المشاتل التابعة للمديرية لتزرع لاحقًا في مسورات الحماية التابعة للهيئة، بالإضافة إلى الاستزراع الذي يتم بالتعاون مع بعض الجهات الحكومية والخاصة والمهتمين بصون الطبيعة؛ ما يُسهم في الاهتمام بزيادة أعداد أشجار الصمغ العربي وضمان استدامتها وتقليل تأثير المهددات التي تستهدف مثل هذا النوع من الأشجار.
وأوضح بأن حديقة النباتات الطبيعة التابعة للمديرية تضم عددًا من الأشجار المحلية المتنوعة التي تمت زراعتها، من بينها أشجار الصمغ العربي واللبان والصغوت والصبّار والسدر والمشط والتين البري “الطيق” والغاف بهدف توثيقها والحفاظ عليها وإنتاج الشتلات الزراعية في المشتل الخاص بالمديرية. 

وقد حظيت شجرة الصمغ العربي بفوائد عدة في محافظة ظفار، سواء صمغها أو الأجزاء الأخرى من الشجرة، مثل: القشرة التي تستخدم سابقًا لعلاج الجروح ولحاؤها كمادة لدباغة الجلود، وسيقانها وأفرعها الرفيعة القوية لصنع أقفاص صيد الأسماك بالإضافة إلى استخدامات الشجرة الأخرى غير المباشرة كالقيمة الغذائية العالية لحليب الإبل التي ترعى من الشجرة، وكذلك العسل المستخرج من رحيق أزهارها بحسب عدد من الرعاة والنحّالين.
وللشجرة أهمية طبية متعددة، إذ أكد الأستاذ الدكتور لؤي جميل رشان الباحث الرئيسي بمركز أبحاث جامعة ظفار أن الدراسات العلمية الموثقة أثبتت فاعلية استخدام مادة الصمغ العربي كمضادات للأكسدة ومعالجة تقرحات الفم والمعدة والجهاز الهضمي إلى جانب استخدامها في بعض حشوات الأسنان وصناعة أدوية مقاومة تسوس الأسنان.
وأضاف أن الصمغ العربي يستخدم كذلك في الأطعمة كمادة مطيبة وحافظة للغذاء، ويدخل بصورة أساسية في العديد من الصناعات الغذائية والطبية، بالإضافة إلى فاعلية مادته في صناعة الكبسولات والأقراص الطبية والمشروبات الدوائية.
وقد أسهم تنوع الأشجار المحلية وانتشارها الواسع بسلسلة جبال ظفار في إنتاج أجود أنواع العسل من بينها عسل الصمغ العربي الذي يبدأ إنتاجه من منتصف شهر مارس إلى أواخر شهر أبريل من كل عام بالتزامن مع موسم التزهير في بداية فصل الصيف “القيظ”.
وأشارت البيانات التقديرية إلى أن إنتاج عسل الصمغ العربي بمحافظة ظفار في عام 2022م بلغ قرابة ثلاثة أطنان، بأسعار تراوحت بين 20 و35 ريالاً عُمانيًّا للكيلو جرام الواحد حيث يتميز عسل الصمغ العربي بالمذاق الفريد، وجمال اللون، والجودة العالية التي تطابق المواصفات المحلية والخليجية، ما يمكنه من الوصول إلى الأسواق العالمية مستقبلًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى