فن ومنوعات

محمود مرسي بين “الباب المفتوح” و”الليلة الأخيرة” تائه بين العجرفة والتسلط

كيف استطاع هذا الرجل الخجول كما تقول طليقته السابقة الفنانة سميحة ايوب والآخرين الذين تعاملوا معه بشكل شخصي أن يقدم شخصية متسلطة تسحق النساء فى بعض الاعمال الفنية التى جسدها على الشاشة، خصوصا وانه استطاع ان يقدم الشخصية الطيبة الجميلة المنحازة الى الجمال كما نراها فى أفلام عدة.

وجسد محمود مرسي الشخصية المتسلطة فى الكثير من أعماله السينمائية والتلفزيونية، مثل “شئ من الخوف” لحسين كمال وشخصية صقر الحلوانى فى مسلسل “عصفور النار” للمخرج محمد فاضل، وبالمقابل قدم شخصية الجد الرقيق تأليف وإخراج عمرو بيومى فيلم “حد السيف” للمخرج عاطف سالم وسيناريو وحيد حامد، هذه الشخصية الغنية القادرة على تجسيد أكثر من شخصية وأكثر من دور بشكل يثير الاعجاب والتعاطف او الغضب والكراهية بناء على طبيعة الدور الذى يقدمه.
ونختار هنا من بينها فيلمين انتاجا فى نفس العام أولهما “الليلة الأخيرة”1963 لكمال الشيخ وتأليف الروائى يوسف السباعي وثانيا ” الباب المفتوح”1963 لهنرى بركات وتأليف المناضلة النسوية المثقفة الروائية لطيفة الزيات وذلك لتقديمهما صراعا اجتماعيا وسياسيا عبرت عنه شخصيات الفليمين.

فكلا الفيلمين يحمل اسقاطا سياسيا واجتماعيا متقدما تمثل فيه الشخصية النسائية الموقف المقاوم كما قدمتها( فاتن حمامة) التي لعبت دور المرأة في الفيلمين والشخصية المخادعة و المتسلطة في أكثر من موقف وتقدمها الشخصية الذكورية التي شخصها محمود مرسي في الفيلمين إلى جانب فاتن حمامة.

ومثل محمود مرسي الشخصية المتسلطة والمخادعة بشكل متميز ضمن الهدف والرؤية الدرامية الروايتان كما نراها في الفيلمين ليخدم رؤية سياسية من خلال واقع اجتماعي وسياسي برز خلال الحرب العالمية الثانية والعدوان الثلاثي على مصر.
وجاء التسلط والخداع في الفيلم الأول المرتبط بالحرب العالمية الثانية مبنيا على أساس انتهازي كان يمثل تيارا في تلك الفترة في المجتمعات الواقعة تحت الاستعمار ومن بينها المجتمع المصري من خلال اللجوء للعمق النفسي بتدمير الشخصية المقابلة والتي نراها من خلال التدمير التدريجي لبطلة الفيلم .

ويصور الفيلم الثاني “الباب المفتوح” الشخصية التقليدية رغم المستوى العلمي الذي وصلت اليه كما عبرت عنه الشخصية المتسلطة لمحمود مرسي بشكلها الذكوري الفظ كما رسمتها لطيفة الزيات في روايتها التي حملت نفس الاسم وهي صورة تستند الى المبررات التقاليدية والعادات في تحجيم المراة وما يحمله ذلك من اسقاط سياسي خلال فترة العدوان الثلاثي على مصر.
استفاد محمود مرسي من بنيته الجسمانية وملامحه في تقديم الشخصية المتسلطة المقنعة للمتلقي بتشكيل ملامحه بالصورة التى تناسب الموقف الذى يعبر فيه عن التسلط بأقبح صوره والغريب ان بهذه الملامح ايضا استطاع ان يقدم من خلالها ملامح الشخصية الطيبة والجميلة فى آن واحد.
وما يهمنا فى هذا الموضوع الشق المتسلط فى الشخصية التى جسدها على الشاشة فى الفيلمين المذكورين، حيث نرى فى الفيلم الأول الليلة الاخيرة الشخصية المتسلطة والمخادعة التى تفرض على “نادية” ( فاتن حمامة) شقيقة زوجته المتوفاة انها زوجته “فوزية” التى لم تظهر إلا فى مشهد واحد “فلاش باك” فى سبيل الاستيلاء على ثروة والدها الذي توفي في احد الغارات التي تعرضت لها مصر أثناء الحرب العالمية الثانية لاحقا بزوجته التي لم تظهر فى الفيلم او ان يقدم اى معلومات عنها .

ورغم كل المقاومة التي ابدتها “نادية” فى الدفاع عن نفسها والتأكيد على أنها ليست فوزية، استطاع أن يحيط بها مجموعة من المغالطات التى تعمل على نسف ذاكرتها مثل” موضوع شهادة الخياطة” الخاص بها واختها التى تشهد أنها “فوزية ” وليست “نادية” أمام الطبيب المعالج .
وخلال ممارسة العنف النفسي بالتنكر الكامل لنادية والإصرار على ابقاءها “فوزية” شقيقة المتوفاة بطريقة تدفع نادية بشكل متناقض بين الاستسلام والمقاومة فى أكثر من مشهد من مشاهد الفيلم.
وينتهي الفيلم بوفاة محمود مرسي فى حادث سير، وتعود نادية “فاتن حمامة” الى حياتها الطبيعية بعد رحلة من العذاب والألم تسبب به خداع وتسلط محمود مرسي على حياتها.

وإذا كان استخدما فى الفيلم السابق شخصية المخادع والمراوغ والمتسلطة فى تدمير شخصية ونفسية نادية فإنه فى فيلم”الباب المفتوح” يقدم محمود مرسي شخصية أستاذ الفلسفة الجامعي المتشبث بالتقاليد والعادات التى لا ترى فى المرأة سوى الاداة المطيعة والتي تخضع لرغباته بما يحمل ايضا نوع من التسلط الذكوري المباشر الذي يلغي شخصية المرأة وهو الفيلم الذى تشاركه البطولة فيه فاتن حمامة، قدم الشخصية بأفضل ما يكون وكذلك فاتن حمامة التى قدمت الشخصية المتناقضة ما بين الحب والخضوع للرجل، الذى يمسح شخصيتها، لفترة من الزمن حتى تدرك ذاتها من خلال تطور الأحداث الدرامية.

فى هذا الفيلم يأتي التسلط واحتقار المرأة التي يعبر عنها محمود مرسي ضمن منظومة اجتماعية يعرض الفيلم لبعض منها ليعبر محمود مرسى عن المجتمع المقفل الذى يتيح للرجل سلطة ذكورية مهيمنة.
والخروج عليها يشكل انطلاقة اخرى باتجاه “الباب المفتوح” مرتبط بالبعد السياسى الذى يصوره الفيلم وهى معركة العدوان الثلاثى على مصر التى فرضت الذهاب الى المواجهة فى بورسعيد او الهروب الى عمق الصعيد بدون مواجهة الاعداء .

فهنا تنتهى الشخصية المتسلطة التى يعبر عنها محمود مرسي بهذا الفيلم كشخصية تقليدية، فى حين يتجه الآخرين الحبيب والاخ خارج الأسوار لبورسعيد التي أصبحت الباب المفتوح فى كسر التقاليد والانصهار فى واقع اجتماعي جديد يبدأ بالانطلاق إلى بورسعد لمواجهة العدوان.

فمن الشخصية الانتهازية المتسلطة التي برع فيها محمود مرسي كما شهدنها في ملامحه في فيلم الليلة الاخيرة وهو يقوم بسحق شخصية فاتن حمامة من أجل الوصول الى هدفه بالاستيلاء على ثروة والدها وتحررت منه بعد موته بحادث سير وجاء موته ليحررها منه بما يعنيه ذلك من إسقاط البعد الانتهازي والمزيف.

فى حين جاء الفيلم الثانى” الباب المفتوح” ليعبر عن كسر التسلط والاحتكار للمراة القائم على التقاليد البالية والانفتاح على عالما جديدا فتحته المواجهة المصرية للعدوان الثلاثى على اراضيها فتحررت وانطلقت “ليلي”.

صفاء عبد الرازق

صحافية حاصلة على بكالوريوس إعلام وحاصلة على دبلومة من إكاديمية الفنون قسم "تذوق"، حصلت على تدريب من وان أيفر برنامج النساء فى الاخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى