تقارير و تحقيقاتعرب وعالم

طوفان الأقصى 33.. مجاعة يصنعها من يشتهي الوصاية على غزة

٣٣ يومًا من حرب إبادة جماعية تأكل الأخضر واليابس، وتمزق أجساد النساء والأطفال إلى أشلاء، وتهدم المنازل على رؤوس ساكنيها، وتحطم المدارس والمساجد والكنائس، فتقضي على كل أثر للحياة، وكان ذلك هو النجاح الوحيد لرئيس وزراء الاحتلال في هذه الحرب “تحويل غزة لمدينة ركام”، بين أموات تحت أنقاضها وفي طرقاتها، وأحياء ينتظرون نفس المصير بين ثانية وأخرى، فلم يترك شكرًا في القطاع دون استهداف.

ومثل كل يوم نتلو عليكم احصائيات مجازر الاحتلال في غزة التي وصلت- منذ ساعات النهار الأولى وحتى وقت كتابة هذا التقرير- ٢٧ مجزرة خلال الساعات الماضية راح ضحيتها ٢٤١ شهيداً. وأكد مسؤول بوزارة الصحة في غزة أن ٤٩٪؜ من الضحايا في تلك المجازر كانوا من جنوب قطاع غزة، بما ينفي ادعاء الاحتلال الإسرائيلي بأنها مناطق آمنة. 

 لترتفع حصيلة مجازر الاحتلال بحق العائلات الفلسطينية إلى ١٠٨٩ عائلة. ويرتفع إجمالي ضحايا العدوان الصهيوني إلى ١٠٥٦٩ شهيداً بينهم ٤٣٢٤ طفلاً و٢٨٢٣ سيدة و٦٤٩ مسناً وإصابة ٢٦٤٧٥ شخصًا. اما عن المفقودين والمرجح وجودهم تحت ركام المنازل فقد ارتفعت بلاغات المفقودين إلى ٢٥٥٠ بلاغاً منهم ١٣٥٠ طفلا منذ بدء العدوان.

وإذ رفع الاحتلال حصيلة شهداء الكلمة من الصحفيين إلى ٤٨ صحفيًا حتى الأمس، بخلاف الصحفيين الذين فقدوا عائلاتهم أو كثير منها وبقوا هم على قيد الحياة، طاشت شظاياه اليوم فلم تقتل، واكتفت بإصابة الصحفي “خالد أبو سلطان” إثر استهدافه أثناء تغطيته لقصف منزل عائلة الريس في شارع الصناعة بغزة.

وبالطبع لم ينس المحتل في اعتداءاته الغاشمة الطواقم والمنشآت الطبية، فزاد استهداف الطواقم الطبية ليرتفع عدد شهدائها إلى ١٩٣ كادراً طبيًا ودمر ٤٥ سيارة الإسعاف، واستهدف ١٢٠ مؤسسة صحية أخرج منها من الخدمة ١٨ مستشفى و ٤٠ مركز صحياً بفعل الاستهداف ونفاد الوقود.

كذلك ألحق القصف المستمر أضرارًا بأكثر من ٢٣٨ مدرسة  حتى الآن ٦٠ مدرسة منها خرجت عن الخدمة.

ولم تسلم الضفة الغربية من السعار الانتقامي للاحتلال، حيث أصيب أكثر من ٦٥ فلسطينياً خلال المواجهات مع الاحتلال- الأربعاء- في بيت لحم، وأكدت وزارة الصحة وجود ٣ إصابات خطيرة ورابعة بحالة حرجة. بما رفع حصيلة شهداء الضفة الغربية إلى ١٦٣ شهيدًا.

الأوضاع الإنسانية في غزة 

المجاعة

تبدأ أحاديث اليوم حول الوضع الإنساني في قطاع غزة “بالمجاعة”، حيث يعاني سكان سكان القطاع- مع الحصار الشديد المفروض على القطاع ومنع المعونات والمساعدات ومنع إدخال الوقود- من نقص شديد في الماء والغذاء، ما يقرع أجراس الإنذار من المجاعة والجفاف. 

فلم تسمح سلطات الاحتلال إلا بإدخال ٧٦٠ شاحنة مساعدات فقط لغزة- بينما كان يدخل القطاع يوميا ٥٠٠ شاحنة مساعدات قبل الحرب- تحمل ٣ آلاف طن من الغذاء، و١٧٢٠ طن من المعدات الطبية ج، و ٦٠٠ طن من معدات الملاجئ ج، و ١.١٥ مليون لتر من المياة…!

وعلى الرغم من المظهر الكبير للأرقام لكن بتوزيعها على أكثر من مليونين وربع المليون شخص- هم إجمالي سكان القطاع- تكتشف أنها لا تسد رمق نصف السكان، حيث كانت حاجات القطاع تقتضى إدخال ١٦ ألف شاحنة. 

المستشفيات وحياة المرضى

وعن باقي مقومات الحياة، تؤكد التقاري أن ٨٠٪؜ من المنشآت محرومة من الكهرباء باستثناء المستشفيات وملاجئ الأمم المتحد، وتعمل بالمولدات التي تعمل بالوقود، في وقت بدأ فيه نفاد الوقود، بما ينذر بتوقف تلك المنشآت أيضًا، فقال مسؤول بوزارة الصحة في غزة: إن المستشفيات تعمل حالياً على المولدات الثانوية- التي تمثل الشريان الأخير في عمل المستشفيات- لتشغيل العنايات المركزة وغرف العمليات وأقسام الطوارئ فقط وباقي أجزاء المستشفيات بلا كهرباء، ونحاول من آن لآخر تشغيل خدمة غسيل الكلى لإنقاذ حياة مرضى الفشل الكلوي. ونوه المسؤول إلى أنه “إذا توقفت المولدات الثانوية خلال الساعات القادمة سيقتل مئات الجرحى والمرضى”.

وعن باقي أوضاع القطاع، لم يختلف الأمر عما درج الاحتلال على فعله: يهدد المستشفيات ويطالب بإخلاءها، ويضرب محيط المستشفيات فتتضرر أو تخرج منها أجزاء من الخدمة ويرتقي عدد من المرضى شهداء، وينشر الأكاذيب عن وجود المقاومين ومراكز قيادتهم تحتها، وترد وزارة الصحة بطلب من الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر للتواجد في المستشفيات لوقف التهديدات عليها وضمان إكمالها لعملها. وتكرر مطالبها بتوفير ممرات آمنة تضمن استمرار دخول المساعدات. 

ومع أزمة نقص الوقود الذي يوشك على النفاد، قلصت بعض مستشفيات غزة غالبية خدماتها لترشيد استهلاك الوقود واستمرار تقديم الخدمات الطبية لأيام معدودة، و أعلن الدكتور “يوسف العقاد”- مدير مستشفى الأوروبي- احتمال إغلاق المستشفى بسبب نفاذ الأدوية والوقود ونطالب بفتح فتح المعبر وإدخال المستلزمات من اجل الاستمرار في تقديم الرعاية الصحية اللازمة للجرحى.

مسير المقاومة

تستمر بطولات المقاومة وتصديها لقوات العدوا الغازية لقطاع غزة، حيث أعلن “أبوعبيدة”- الناطق باسم كتائب القسام- في خطاب له أمس: أن المقاومة تمكن من تدمير ١٣٦ آلية عسكرية للعدو بين دبابة ومدرعة وجرافة، تدميرا كليا أو جزئيًا يخرجها من الخدمة. وكان الأمس أعلى معدلات الأداء في التصدي للعدو حيث دمرت المقاومة ١٧ دبابة للعدو في أقل من ٦ ساعات، بمعدل ٣ آليات كل ساعة. وأعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال عن ارتفاع أعداد قتلاه من الجنود إلى ٣٥١، فيما أكد على أن عدد أسراه لدى المقاومة ٢٣٩.

وتستمر سرايا القدس في مواجهاتها مع العدو والتصدي له في شمال غرب غزة ومحور جنوب غزة وألحقت خسائر كبيرة بالعدو، كما تواصل الرشقات الصاروخية للمقاومة على المستوطنات والأماكن المحتلة في الداخل الفلسطيني.

وفي الضفة الغربية، توعد “أبو عبيدة” الاحتلال بدخول مرحلة جديدة من المواجهات مع المقاومة فيها، تطيقه مرارة الهزيمة. ومع حلول المساء بدأ الاحتلال أعمال الاقتحام في بلدات ومخيمات الضفة الغربية، ليبدأ شباب المقاومة في الاشتباك به ورد هجماته في جنين، و بيت فوريك شرق نابلس، وعقربا جنوب شرق نابلس- المنطقتان اللتان أعلنهما الاحتلال منطقتين عسكريتين ومنع الدخول والخروج منهما، وذلك في أعقاب عملية إطلاق نار نفذها مقاومون ضد مركبة مستوطنين قرب مستوطنة “إيتمار”، بعد اعتداء المستوطنين على مزارعي الزيتون نهارًا- وبيت لحم، وقرية الدورا جنوب الخليل.

وأعلنت مجموعات عرين الأسود في بيان لها: “تنفيذ أكثر من أربعة عشر عملية إطلاق نار في منطقة نابلس وما يحيطها من مناطق دير شرف إلى إلتفافي زواتا إلى نقطة جرزيم ونقطة عيبال وايتمار وألون موريه ومنطقة المربعة ومازلنا مستمرون”. مؤكدين أن الضفة لن تكون إلا سيفا ودرعا لمقاومي غزة. 

ما أكد وعيد “أسامة حمدان”- القيادي في حماس- لنتنياهو، حين قال: إن المقاومة ستجبرك على دفع الثمن الذي تريده هي، مقابل الإفراج عن جنودك وأسراك.

كما اشتعلت الجبهة الخارجية ضد الاحتلال وداعميه، حيث هاجم الاحتلال عدوانا همجيا على سوريا من اتجاه بعلبك اليمنية، ووجهت القوات الأمريكية ضربة لمستودع أسلحة وذخيرة شرق سوريا. وبالطبع تشعل مثل هذه الإحداث جبهة الصراع، فقد أحصى البنتاجون العمليات ضده في العراق وسوريا فقال: إنها بلغت ٤١ هجومًا، وذلك بعد هجوم على القوات الأمريكية في الشدادي. وأعلنت مواقع أمريكية: إصابة ٤٦ جندياً في الهجمات التي تعرضت لها القواعد الأمريكية في سوريا والعراق. كما أفادت مصادر باستهداف طائرة الحرير الجوية الأمريكية في العراق، وأسقطت القوات اليمنية مسيرة أمريكية من نوع “MQ9” في المياة الإقليمية اليمنية.

الأسرى

مع زيادة قمع المدنيين الفلسطينيين في الصفة الغربية ومضاعفة وتيرة الاعتقالات فيها، والهجمة الوحشية البربرية على المدنيين في غزة التي تحولت لمجازر راح ضحيتها الآلاف، لم ينس الاحتلال قمع الأسرى لديه، حيث قالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير: ثمة معطيات بالغة الخطورة ترد عن اقتحامات وعمليات تنكيل واسعة تجري لأقسام الأسرى في سجن (نفحة)، حيث استخدمت قوات خلال عملية القمع القنابل الصوتية والغاز. 

وزادت الهيئة من مخاوفها على حياة المعتقلين بفعل المعطيات الواردة من السجون الصهيونية، فصرحت بوجود احتمالات متزايدة لاستشهاد مزيد من الأسرى، حيث بلغت عمليات التعذيب والتنكيل- التي تصل للمؤسسات من خلال أسرى ومعتقلين أفرج عنهم مؤخرًا من السجون ومن بعض المحامين الذين تمكّنوا من الزيارة- مستويات قاتلة، تؤكد انتهاج الاحتلال تلك الإجراءات لقتل الأسرى، وتنفيذ عمليات اغتيال بحقّهم مع سبق إصرار.

وحول أسرى الاحتلال لدى المقاومة، فبعد فشل حكومة الاحتلال في الإفراج عنهم، حاولت عائلات الأسرى الإسرائيليين تحاول إصدار جوازات سفر أجنبية بحثا عن حقوق أبناءهم.

الموقف الأمريكي

على الرغم من التصريحات المتأرجحة للإدارة الأمريكية بين ضرورة وجود هدن لإدخال المساعدات، والرفض التام لوقف إطلاق النار قبل أن تتم إسرائيل مهمتها في القضاء على حماس، بدأت الولايات المتحدة منذ عدة أيام  الحديث المتواتر عن مستقبل غزة بعد الحرب، وكانت أكثر وضوحًا بالأمس حين عدلت عناوين تلك الأطروحات لتصبح “مستقبل غزة فيما بعد اجتثاث حماس”.

وتخبطت في ذلك أيضًا، فبينما كانت في السابق تريد وضع غزة تحت إدارة السلطة بدون إسرائيل، عادت تفرض شرط التواجد الأمني للاحتلال في غزة، ثم ارتأت أن السلطة الفلسطينية قد لا تكون هي أفضل المقترحات، فوضعتها في قائمة الاحتمالات التي يجب بحثها، الموقف الذي عبرت عنه مساعدة وزير الخارجية الأمريكي حين قالت: لا يمكن القول ما إذا كانت السلطة الفلسطينية مؤهله للدخول بشكل فوري إلى قطاع غزة، وسنتشاور مع إسرائيل والفلسطينيين حينما نفكر في احتمالات دخول السلطة إلى غزة بعد الحرب.

وكأن غزة ذلك الشخص فاقد الأهلية الذي يقرر له وصي عليه ما ينبغي أن يكون عليه حاله، فلا حق له في قرار ولا حرية لفعل، هو فقط يُفعَلُ به الأفاعيل حتى ينتهي أصحاب الوصاية من وضع المخطط النهائي للشكل المثالي الذي يريدونه عليه، بما يحقق مصالح الأوصياء وحدهم، وبما يضمن عدم وجود حماس- وإن كان وجودها ترجمة لإرادة شعب غزة- لأن وجودها يعني تكرار فشلهم في ٧ أكتوبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى